الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

قصة حياة

رحلة مليئة بالبركات في خدمة يهوه

رحلة مليئة بالبركات في خدمة يهوه

سَنَةَ ١٩٥١،‏ كُنتُ قد وَصَلتُ مُنذُ وَقتٍ قَصيرٍ إلى بَلدَةٍ صَغيرَة في مُقاطَعَةِ كِيبَك الكَنَدِيَّة اسْمُها رُويَان.‏ دَقَّيتُ بابَ البَيتِ في العُنوانِ الَّذي معي.‏ ففَتَحَ البابَ مَارْسِيل فِيلْتُو،‏ a مُرسَلٌ مُدَرَّبٌ في جِلْعَاد.‏ كانَ شابًّا طَويلًا عُمرُهُ ٢٣ سَنَة،‏ أمَّا أنا فأقصَرُ مِنهُ وعُمري ١٦ سَنَة.‏ أرَيتُهُ رِسالَةَ تَعييني كفاتِح.‏ فقَرَأها ثُمَّ نَظَرَ إلَيَّ وقال:‏ «هل تَعرِفُ أُمُّكَ أنَّكَ هُنا؟‏».‏

عائِلَةٌ مُنقَسِمَة دينِيًّا

وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٣٤ في عائِلَةٍ هاجَرَت مِن سُوِيسِرَا واستَقَرَّت في تِيمِنْز،‏ بَلدَةٍ مَعروفَة بِمَناجِمِها في أُونْتَارْيُو بِكَنَدَا.‏ ونَحوَ سَنَةِ ١٩٣٩،‏ بَدَأَت أُمِّي تَقرَأُ مَجَلَّة بُرجِ المُراقَبَة وتَحضُرُ اجتِماعاتِ شُهودِ يَهْوَه.‏ وكانَت تَأخُذُني معها أنا وإخوَتي السِّتَّة.‏ ولم يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ حتَّى صارَت أُمِّي شاهِدَةً لِيَهْوَه.‏

لم يَتَقَبَّلْ أبي قَرارَها،‏ لكنَّ أُمِّي أحَبَّتِ الحَقَّ مِن كُلِّ قَلبِها وكانَت مُصَمِّمَةً أن تَتَمَسَّكَ به.‏ وبَقِيَت على قَرارِها حتَّى خِلالَ أوائِلِ الأربَعينات حينَ كانَ عَمَلُ شُهودِ يَهْوَه تَحتَ الحَظرِ في كَنَدَا.‏ ولَطالَما عامَلَت أبي بِلُطفٍ واحتِرامٍ رَغمَ إهاناتِهِ لها.‏ ومِثالُها الرَّائِعُ ساعَدَنا أنا وإخوَتي أن نَقبَلَ الحَقَّ أيضًا.‏ والمُفرِحُ أنَّ أبي لانَ معَ الوَقتِ وبَدَأ يُعامِلُنا بِلُطف.‏

الخِدمَةُ كامِلَ الوَقت

خِلالَ صَيفِ ١٩٥٠،‏ حَضَرتُ اجتِماعَ «نُمُوِّ الثِّيوقراطِيَّة» في مَدينَةِ نْيُويُورْك.‏ فتَحَمَّستُ لِأخدُمَ يَهْوَه أكثَر،‏ وخاصَّةً بَعدَما الْتَقَيتُ إخوَةً وأخَواتٍ مِن حَولِ العالَم،‏ وحَضَرتُ مُقابَلاتٍ مُشَجِّعَة مع مُتَخَرِّجينَ مِن مَدرَسَةِ جِلْعَاد.‏ فزادَ تَصميمي أن أصيرَ خادِمًا كامِلَ الوَقت.‏ وحالَما عُدتُ إلى بَلَدي،‏ قَدَّمتُ طَلَبًا لِأصيرَ فاتِحًا عادِيًّا.‏ فأرسَلَ إلَيَّ مَكتَبُ الفَرعِ في كَنَدَا رِسالَةً اقتَرَحَ فيها أن أعتَمِدَ أوَّلًا.‏ وهذا ما فَعَلتُهُ في ١ تِشْرِين الأوَّل (‏أُكْتُوبَر)‏ ١٩٥٠.‏ وبَعدَ شَهر،‏ صِرتُ فاتِحًا عادِيًّا وتَلَقَّيتُ تَعييني الأوَّلَ في بَلدَةِ كَابُوسْكَاسِينْغ الَّتي تَبعُدُ عِدَّةَ كيلومِتراتٍ عن مَكانِ سَكَني.‏

حين كنت أخدم في كيبك

وفي رَبيعِ ١٩٥١،‏ طَلَبَ مَكتَبُ الفَرعِ مِن شُهودٍ يَتَكَلَّمونَ الفَرَنْسِيَّةَ أن يُفَكِّروا في الانتِقالِ إلى مُقاطَعَةِ كِيبَك الفَرَنْسِيَّة،‏ حَيثُ كانَ هُناك حاجَةٌ كَبيرَة.‏ وبِما أنِّي مُنذُ صِغَري أتَكَلَّمُ الفَرَنْسِيَّةَ والإنْكِلِيزِيَّة،‏ لَبَّيتُ الدَّعوَةَ وتَعَيَّنتُ في رُويَان.‏ لم أكُنْ أعرِفُ أحَدًا هُناك.‏ كُلُّ ما كانَ معي هو عُنوان،‏ كما ذَكَرتُ في المُقَدِّمَة.‏ لكنَّ كُلَّ شَيءٍ سارَ بِشَكلٍ جَيِّد.‏ فأنا ومَارْسِيل صِرنا أعَزَّ الأصدِقاءِ وفَرِحتُ بِالخِدمَةِ في كِيبَك أربَعَ سِنينَ تَعَيَّنتُ في أواخِرِها فاتِحًا خُصوصِيًّا.‏

جِلْعَاد وآمالي المُعَلَّقَة

حينَ كُنتُ في كِيبَك،‏ وَصَلَتني دَعوَةٌ إلى الصَّفِّ الـ‍ ٢٦ مِن مَدرَسَةِ جِلْعَاد في سَاوْث لَانْسِينْغ بِنْيُويُورْك.‏ وهذا فَرَّحَني كَثيرًا.‏ وفي ١٢ شُبَاط (‏فِبْرَايِر)‏ ١٩٥٦،‏ أتى يَومُ التَّخَرُّجِ وتَعَيَّنتُ في ما يُدْعى الآنَ غَانَا b في إفْرِيقْيَا الغَربِيَّة.‏ ولكنْ قَبلَ أن أذهَب،‏ كانَ علَيَّ أن أعودَ إلى كَنَدَا «بِضعَةَ أسابيعَ» حتَّى تَصيرَ أوْراقُ السَّفَرِ جاهِزَة.‏

لكنَّ هذِهِ الأسابيعَ تَحَوَّلَت إلى سَبعَةِ أشهُرٍ قَضَيتُها في تُورُونْتُو أنتَظِرُ أوْراقي.‏ وخِلالَ هذِهِ الفَترَة،‏ استَضافَتني عائِلَةُ كْرِيبْس بِكُلِّ لُطف.‏ فتَعَرَّفتُ على ابْنَتِهِم شِيلَا ووَقَعنا في الحُبّ.‏ ولمَّا نَوَيتُ أن أعرِضَ علَيها الزَّواج،‏ وَصَلَت تَأشيرَةُ سَفَري.‏ فصَلَّينا أنا وشِيلَا وقَرَّرنا أن أذهَبَ إلى تَعييني،‏ ولكنْ أن نَبْقى على اتِّصالٍ لِنَرى هل يُمكِنُ أن نَتَزَوَّجَ في المُستَقبَل.‏ لم يَكُنْ هذا القَرارُ سَهلًا،‏ لكنْ تَبَيَّنَ في ما بَعد أنَّهُ القَرارُ الصَّحيح.‏

بَعدَ شَهرٍ مِنَ السَّفَرِ بِالقِطار،‏ سَفينَةِ الشَّحن،‏ والطَّائِرَة،‏ وَصَلتُ أخيرًا إلى أكْرَا في غَانَا.‏ وهُناك تَعَيَّنتُ ناظِرَ كورَة.‏ وهذا عَنى السَّفَرَ في كُلِّ أنحاءِ غَانَا،‏ وكَذلِك في سَاحِلِ العَاج وتُوغُولَنْد (‏الآنَ تُوغُو)‏ المُجاوِرَتَيْن.‏ وفي أغلَبِ الأحيان،‏ كُنتُ أُسافِرُ وَحْدي بِالسَّيَّارَةِ الَّتي أعْطاني إيَّاها الفَرع.‏ لقدِ استَمتَعتُ بِكُلِّ لَحظَةٍ مِن رِحلاتي هذِه!‏

في نِهاياتِ الأسابيع،‏ كُنتُ أخدُمُ في الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة.‏ لم يَكُنْ لَدَينا قاعاتٌ لِهذِهِ الاجتِماعات،‏ لِذلِك كانَ الإخوَةُ يَبْنونَ وَقتِيًّا مِظَلَّةً مِنَ الخَيزَرانِ وأوْراقِ النَّخيلِ لِيَحتَموا مِن حَرارَةِ الشَّمس.‏ وبِما أنَّهُ لم يَكُنْ هُناك بَرَّاداتٌ في الكَفيتيريا،‏ أبْقَينا لَدَينا حَيَواناتٍ حَيَّة لِنَذبَحَها ونُهَيِّئَ الطَّعامَ لِلحُضور.‏

حَصَلَت معنا أشياءُ مُضحِكَة في تِلكَ الاجتِماعات.‏ فمَرَّةً،‏ فيما كانَ رَفيقي المُرسَلُ هِيرْب جِينِينْغْز c يُلْقي خِطابًا،‏ هَرَبَ عِجلٌ مِنَ الكَفيتيريا وراحَ يَركُضُ ضائِعًا بَينَ المِنبَرِ والحُضور.‏ فتَوَقَّفَ هِيرْب عنِ الكَلامِ مَذهولًا.‏ وبَدَأ أربَعَةُ إخوَةٍ أقوِياءَ يَركُضونَ وَراءَ العِجلِ لِيُمسِكوهُ ويُعيدوهُ إلى الكَفيتيريا.‏ وعِندَما نَجَحوا في ذلِك،‏ صَفَّقَ لهُمُ الحُضورُ والضِّحكَةُ على وُجوهِهِم.‏

في الأيَّامِ بَينَ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة،‏ أرَيتُ النَّاسَ في القُرى المُجاوِرَة فيلمَنا مُجتَمَعُ العالَمِ الجَديدِ وهو يَعمَل.‏ فكُنتُ أعرِضُهُ على قُماشَةٍ بَيضاء مَمدودَة بَينَ عَمودَيْنِ أو شَجَرَتَيْن.‏ وكانَ أهلُ القُرى يُحِبُّونَهُ كَثيرًا!‏ فبِالنِّسبَةِ إلى كَثيرينَ مِنهُم،‏ هذا أوَّلُ فيلمٍ يَحضُرونَهُ في حَياتِهِم.‏ وكانوا يُصَفِّقونَ بِحَماسَةٍ كَبيرَة فيما يَتَفَرَّجونَ على مَشاهِدِ المَعمودِيَّة.‏ وقد ساعَدَ هذا الفيلمُ الأشخاصَ الَّذينَ حَضَروهُ أن يَرَوْا أنَّنا فِعلًا هَيئَةٌ عالَمِيَّة مُوَحَّدَة.‏

تزوجنا في غانا سنة ١٩٥٩

بَعدَ سَنَتَيْنِ تَقريبًا في إفْرِيقْيَا،‏ حَصَلتُ على الامتِيازِ أن أحضُرَ الاجتِماعَ الأُمَمِيَّ الَّذي عُقِدَ سَنَةَ ١٩٥٨ في مَدينَةِ نْيُويُورْك.‏ وكم كانَت فَرحَتي كَبيرَةً حينَ الْتَقَيتُ شِيلَا!‏ فقد أتَت مِن كِيبَك حَيثُ كانَت تَخدُمُ كفاتِحَةٍ خُصوصِيَّة.‏ كُنَّا على اتِّصالٍ معًا عَبْرَ الرَّسائِل.‏ ولكنِ الآنَ بَعدَما اجتَمَعنا مُجَدَّدًا،‏ طَلَبتُ مِنها أن تَتَزَوَّجَني.‏ فوافَقَت!‏ عِندَئِذٍ كَتَبتُ إلى الأخ نُور d وسَألتُهُ هل يُمكِنُ أن تَحضُرَ شِيلَا جِلْعَاد وتَنضَمَّ إلَيَّ في إفْرِيقْيَا.‏ فقَبِلَ طَلَبي.‏ وأخيرًا وَصَلَت شِيلَا إلى غَانَا.‏ فتَزَوَّجنا في أكْرَا في ٣ تِشْرِين الأوَّل (‏أُكْتُوبَر)‏ ١٩٥٩.‏ شَعَرنا أنَّ يَهْوَه بارَكَنا كَثيرًا لِأنَّنا وَضَعناهُ أوَّلًا في حَياتِنا.‏

الخِدمَةُ معًا في الكَامِيرُون

الخدمة في مكتب الفرع بالكاميرون

سَنَةَ ١٩٦١،‏ تَعَيَّنَّا في الكَامِيرُون.‏ وطَلَبَ مِنِّي الإخوَةُ أن أُساعِدَ في تَأسيسِ مَكتَبِ فَرعٍ جَديد،‏ وهذا شَغَلَني كَثيرًا.‏ ولِأنَّني صِرتُ خادِمَ الفَرع،‏ كانَ هُناك أُمورٌ كَثيرَة علَيَّ أن أتَعَلَّمَها.‏ ولكنْ سَنَةَ ١٩٦٥،‏ عَرَفْنا أنا وشِيلَا أنَّها حامِل.‏ وأعتَرِفُ أنَّنا احتَجنا إلى الوَقتِ لِنَستَوعِبَ الفِكرَةَ أنَّنا سنُصبِحُ والِدَيْن.‏ ولكنْ ما إن صِرنا مُتَحَمِّسَيْنِ لِلمَسؤولِيَّةِ الجَديدَة وبَدَأنا نُخَطِّطُ لِنَعودَ إلى كَنَدَا حتَّى حَصَلَتِ الفاجِعَة .‏ .‏ .‏

خَسِرَت شِيلَا الجَنين.‏ وقالَ لنا الطَّبيبُ إنَّهُ كانَ صَبِيًّا.‏ حَصَلَ ذلِك مُنذُ أكثَرَ مِن ٥٠ سَنَة،‏ لكنَّنا لم نَنْسَهُ أبَدًا.‏ ومع أنَّ هذِهِ الفاجِعَةَ كَسَرَت قَلبَنا،‏ بَقينا في تَعيينِنا الَّذي أحبَبناهُ كَثيرًا.‏

مع شيلا في الكاميرون سنة ١٩٦٥

غالِبًا ما واجَهَ الإخوَةُ في الكَامِيرُون الاضطِهادَ بِسَبَبِ حِيادِهِم في الشُّؤونِ السِّياسِيَّة.‏ وكانَ الوَضعُ يَزدادُ تَوَتُّرًا خِلالَ الانتِخاباتِ الرِّئاسِيَّة.‏ وفي ١٣ أيَّار (‏مَايُو)‏ ١٩٧٠،‏ حَصَلَ ما كُنَّا نَخْشاه:‏ حُظِرَ رَسمِيًّا عَمَلُ شُهودِ يَهْوَه.‏ والفَرعُ الجَديدُ الجَميل،‏ الَّذي كُنَّا قدِ انتَقَلنا إلَيهِ مُنذُ خَمسَةِ أشهُرٍ فَقَط،‏ صادَرَتهُ الحُكومَة.‏ وخِلالَ أُسبوع،‏ كُلُّ المُرسَلين،‏ بِمَن فيهِم أنا وشِيلَا،‏ طُرِدوا مِنَ البَلَد.‏ كانَ صَعبًا أن نَترُكَ إخوَتَنا وأخَواتِنا لِأنَّنا كُنَّا مُتَعَلِّقِينَ بهِم وخائِفِينَ علَيهِم مِنَ المَرحَلَةِ المُقبِلَة.‏

أمْضَينا الأشهُرَ السِّتَّة التَّالِيَة في مَكتَبِ الفَرعِ بِفَرَنْسَا.‏ ومِن هُناك،‏ بَقيتُ أفعَلُ كُلَّ ما أقدِرُ علَيهِ لِأهتَمَّ بِحاجاتِ إخوَتِنا في الكَامِيرُون.‏ وفي كَانُون الأوَّل (‏دِيسَمْبِر)‏ مِن تِلكَ السَّنَة،‏ تَعَيَّنَّا في فَرعِ نَيْجِيرْيَا الَّذي بَدَأ يُشرِفُ على العَمَلِ في الكَامِيرُون.‏ وقدِ استَقبَلَنا الإخوَةُ والأخَواتُ هُناك بِكُلِّ مَحَبَّة،‏ وفَرِحنا بِالخِدمَةِ معهُم عِدَّةَ سَنَوات.‏

قَرارٌ صَعب

سَنَةَ ١٩٧٣،‏ كانَ أمامَنا قَرارٌ صَعبٌ جِدًّا.‏ فشِيلَا كانَت تُعاني مِن مَشاكِلَ صِحِّيَّة كَبيرَة.‏ وفيما كُنَّا في اجتِماعٍ سَنَوِيٍّ بِنْيُويُورْك،‏ انهارَت وقالَت لي:‏ «لم أعُدْ قادِرَةً أن أُكمِل!‏ مُعظَمَ الوَقتِ أنا مُرهَقَةٌ ومَريضَة».‏ وكانَت شِيلَا قد خَدَمَت معي في إفْرِيقْيَا الغَربِيَّة أكثَرَ مِن ١٤ سَنَة،‏ وكُنتُ فَخورًا جِدًّا بِخِدمَتِها الأمينَة.‏ ولكنْ حانَ الوَقتُ لِبَعضِ التَّغييرات.‏ وبَعدَ أن ناقَشْنا المَسألَةَ معًا وصَلَّينا كَثيرًا وبِحَرارَة،‏ قَرَّرنا أن نَعودَ إلى كَنَدَا لِنَهتَمَّ بِصِحَّتِها بِشَكلٍ أفضَل.‏ كانَ تَركُ تَعيينِنا الإرسالِيِّ والخِدمَةِ كامِلَ الوَقتِ أصعَبَ قَرارٍ واجَهناهُ في حَياتِنا.‏ أحسَسنا أنَّ قَلبَنا يَتَمَزَّق.‏

بَعدَ وُصولِنا إلى كَنَدَا،‏ حَصَلتُ على عَمَلٍ مع صَديقٍ قَديمٍ كانَ لَدَيهِ مَعرَضُ سَيَّاراتٍ في بَلدَةٍ شَماليَّ تُورُونْتُو.‏ واستَأجَرْنا شِقَّةً واشتَرَينا مَفروشاتٍ مُستَعمَلَة.‏ وهكَذا استَطَعنا أن نَنتَقِلَ دونَ أن نَقَعَ في الدَّين.‏ أرَدنا أن نُبْقِيَ حَياتَنا بَسيطَة،‏ على أمَلِ أن نَعودَ يَومًا إلى الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت.‏ وكم تَفاجَأنا عِندَما تَحَقَّقَ أمَلُنا أسرَعَ مِمَّا تَخَيَّلْنا!‏

بَدَأتُ أتَطَوَّعُ أيَّامَ السَّبتِ في مَوْقِعِ بِناءِ قاعَةِ اجتِماعاتٍ دائِرِيَّة جَديدَة في نُورْفَال بِأُونْتَارْيَو.‏ ولاحِقًا،‏ طُلِبَ مِنِّي أن أخدُمَ كناظِرٍ لِهذِهِ القاعَة.‏ وكانَت صِحَّةُ شِيلَا تَتَحَسَّن،‏ لِذلِك شَعَرنا أنَّنا نَقدِرُ أن نَقبَلَ هذا التَّعيينَ الجَديد.‏ وفي حَزِيرَان (‏يُونْيُو)‏ ١٩٧٤،‏ انتَقَلنا إلى الشِّقَّةِ في قاعَةِ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة.‏ كم فَرِحنا لِأنَّنا عُدنا إلى الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت!‏

نَشكُرُ يَهْوَه أنَّ صِحَّةَ شِيلَا ظَلَّت تَتَحَسَّن.‏ وبَعدَ سَنَتَيْن،‏ استَطَعنا أن نَقبَلَ تَعيينًا في العَمَلِ الدَّائِرِيّ.‏ وكانَت دائِرَتُنا في مُقاطَعَةِ مَانِيتُوبَا الكَنَدِيَّة المَعروفَة بِشِتائِها البارِد جِدًّا.‏ لكنَّنا استَمتَعنا بِالجَوِّ الدَّافِئِ بَينَ الإخوَةِ والأخَواتِ هُناك.‏ وتَعَلَّمنا أنَّهُ لا يَهُمُّ أينَ نَخدُم،‏ المُهِمُّ أن نَظَلَّ نَخدُمُ يَهْوَه.‏

دَرسٌ مُهِمّ

بَعدَ عِدَّةِ سَنَواتٍ في العَمَلِ الدَّائِرِيّ،‏ دُعينا سَنَةَ ١٩٧٨ لِنَخدُمَ في بَيْت إيل بِكَنَدَا.‏ وبَعدَ وَقتٍ قَصير،‏ تَعَلَّمتُ دَرسًا صَعبًا ولكنْ مُهِمٌّ جِدًّا.‏ تَعَيَّنتُ لِأُقَدِّمَ خِطابًا بِالفَرَنْسِيَّة طولُهُ ساعَةٌ ونِصفٌ في اجتِماعٍ خُصوصِيٍّ بِمُونْتْرِيَال.‏ ولِلأسَف،‏ لم يَشُدَّ خِطابي انتِباهَ الحُضور.‏ فقَدَّمَ لي أخٌ مِن قِسمِ الخِدمَةِ نَصيحَةً في هذا الخُصوص.‏ بِصَراحَة،‏ كانَ يَجِبُ أن أُدرِك،‏ كما أُدرِكُ الآن،‏ أنِّي لَستُ ذاكَ الخَطيبَ المَوْهوب.‏ لكنِّي لم أتَقَبَّلِ النَّصيحَة.‏ كانَت شَخصِيَّةُ هذا الأخِ مُختَلِفَةً كُلِّيًّا عن شَخصِيَّتي.‏ وشَعَرتُ أنَّهُ انتِقادِيٌّ زِيادَةً عنِ اللُّزومِ ولم يَمدَحْني أبَدًا.‏ وَقَعتُ في الخَطَإ أنِّي حَكَمتُ على النَّصيحَةِ على أساسِ نَظرَتي إلى الشَّخصِ الَّذي قَدَّمَها وأُسلوبِهِ في الكَلام.‏

تعلَّمتُ درسًا مهمًّا بعد أن ألقيت خطابًا بالفرنسية

بَعدَ أيَّامٍ قَليلَة،‏ تَكَلَّمَ معي أحَدُ أعضاءِ لَجنَةِ الفَرعِ عنِ المَوْضوع.‏ فاعتَرَفتُ لهُ أنَّ رَدَّةَ فِعلي لم تَكُنْ لائِقَةً وعَبَّرتُ عن نَدَمي.‏ ثُمَّ تَكَلَّمتُ معَ الأخِ الَّذي أعْطاني النَّصيحَة.‏ وهو قَبِلَ اعتِذاري عن طيبِ خاطِر.‏ ما حَصَلَ كانَ دَرسًا قَوِيًّا في التَّواضُعِ لن أنْساهُ طولَ عُمري.‏ (‏أم ١٦:‏١٨‏)‏ وقد صَلَّيتُ إلى يَهْوَه مَرَّاتٍ كَثيرَة بِخُصوصِ هذِهِ المَسألَة.‏ وأنا مُصَمِّمٌ أن لا أُكَرِّرَ غَلطَتي،‏ بل أن أقبَلَ أيَّ نَصيحَةٍ بِروحٍ إيجابِيَّة.‏

أنا أخدُمُ في بَيْت إيل بِكَنَدَا مُنذُ أكثَرَ مِن ٤٠ سَنَة.‏ ومُنذُ سَنَةِ ١٩٨٥،‏ لَدَيَّ الامتِيازُ أن أخدُمَ في لَجنَةِ الفَرع.‏ وفي شُبَاط (‏فِبْرَايِر)‏ ٢٠٢١،‏ أخَذَ مِنِّي المَوتُ زَوجَتي الحَبيبَة شِيلَا.‏ وبِالإضافَةِ إلى حُزني علَيها،‏ تُعَذِّبُني أيضًا مَشاكِلي الصِّحِّيَّة.‏ لكنَّ خِدمَةَ يَهْوَه تُبْقيني مَشغولًا وسَعيدًا جِدَّا لِدَرَجَةِ أنِّي لا ‹أُلاحِظُ أنَّ أيَّامَ حَياتي تَمُرُّ بِسُرعَة›.‏ (‏جا ٥:‏٢٠‏)‏ صَحيحٌ أنَّ أيَّامي لا تَخْلو مِنَ الصُّعوبات،‏ لكنَّ الأفراحَ تَفوقُها بِأشواط.‏ فِعلًا،‏ لِأنِّي وَضَعتُ يَهْوَه أوَّلًا وخَدَمتُهُ كامِلَ الوَقتِ ٧٠ سَنَة،‏ غَمَرَني بِالبَرَكات.‏ وأُصَلِّي أن يَظَلَّ إخوَتُنا وأخَواتُنا الشَّبابُ يَضَعونَ يَهْوَه أوَّلًا،‏ لِأنِّي مُقتَنِعٌ أنَّهُم سيَعيشونَ حَياةً مَليئَة بِالأفراحِ لا مَثيلَ لها إلَّا في خِدمَةِ يَهْوَه.‏

a أُنظُرْ قِصَّةَ حَياةِ مَارْسِيل فِيلْتُو «‏يَهْوَه مَلجَإي وقُوَّتي‏» في عَدَد ١ شُبَاط (‏فِبْرَايِر)‏ ٢٠٠٠ مِن بُرجِ المُراقَبَة.‏

b حتَّى سَنَة ١٩٥٧،‏ كانَت هذِهِ المِنطَقَةُ مِن إفْرِيقْيَا مُستَعمَرَةً بَرِيطَانِيَّة تُدْعى «سَاحِلَ الذَّهَب».‏

c أُنظُرْ قِصَّةَ حَياةِ هِيرْبِرْت جِينِينْغْز «‏لا تَعرِفونَ ما تَكونُ حَياتُكُم غَدًا‏» في عَدَد ١ كَانُون الأوَّل (‏دِيسَمْبِر)‏ ٢٠٠٠ مِن بُرجِ المُراقَبَة.‏

d كانَ نَاثَان نُور يَأخُذُ القِيادَةَ في عَمَلِنا آنَذاك.‏