قصة حياة
رحلة مليئة بالبركات في خدمة يهوه
سَنَةَ ١٩٥١، كُنتُ قد وَصَلتُ مُنذُ وَقتٍ قَصيرٍ إلى بَلدَةٍ صَغيرَة في مُقاطَعَةِ كِيبَك الكَنَدِيَّة اسْمُها رُويَان. دَقَّيتُ بابَ البَيتِ في العُنوانِ الَّذي معي. ففَتَحَ البابَ مَارْسِيل فِيلْتُو، a مُرسَلٌ مُدَرَّبٌ في جِلْعَاد. كانَ شابًّا طَويلًا عُمرُهُ ٢٣ سَنَة، أمَّا أنا فأقصَرُ مِنهُ وعُمري ١٦ سَنَة. أرَيتُهُ رِسالَةَ تَعييني كفاتِح. فقَرَأها ثُمَّ نَظَرَ إلَيَّ وقال: «هل تَعرِفُ أُمُّكَ أنَّكَ هُنا؟».
عائِلَةٌ مُنقَسِمَة دينِيًّا
وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٣٤ في عائِلَةٍ هاجَرَت مِن سُوِيسِرَا واستَقَرَّت في تِيمِنْز، بَلدَةٍ مَعروفَة بِمَناجِمِها في أُونْتَارْيُو بِكَنَدَا. ونَحوَ سَنَةِ ١٩٣٩، بَدَأَت أُمِّي تَقرَأُ مَجَلَّة بُرجِ المُراقَبَة وتَحضُرُ اجتِماعاتِ شُهودِ يَهْوَه. وكانَت تَأخُذُني معها أنا وإخوَتي السِّتَّة. ولم يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ حتَّى صارَت أُمِّي شاهِدَةً لِيَهْوَه.
لم يَتَقَبَّلْ أبي قَرارَها، لكنَّ أُمِّي أحَبَّتِ الحَقَّ مِن كُلِّ قَلبِها وكانَت مُصَمِّمَةً أن تَتَمَسَّكَ به. وبَقِيَت على قَرارِها حتَّى خِلالَ أوائِلِ الأربَعينات حينَ كانَ عَمَلُ شُهودِ يَهْوَه تَحتَ الحَظرِ في كَنَدَا. ولَطالَما عامَلَت أبي بِلُطفٍ واحتِرامٍ رَغمَ إهاناتِهِ لها. ومِثالُها الرَّائِعُ ساعَدَنا أنا وإخوَتي أن نَقبَلَ الحَقَّ أيضًا. والمُفرِحُ أنَّ أبي لانَ معَ الوَقتِ وبَدَأ يُعامِلُنا بِلُطف.
الخِدمَةُ كامِلَ الوَقت
خِلالَ صَيفِ ١٩٥٠، حَضَرتُ اجتِماعَ «نُمُوِّ الثِّيوقراطِيَّة» في مَدينَةِ نْيُويُورْك. فتَحَمَّستُ لِأخدُمَ يَهْوَه أكثَر، وخاصَّةً بَعدَما الْتَقَيتُ إخوَةً وأخَواتٍ مِن حَولِ العالَم، وحَضَرتُ مُقابَلاتٍ مُشَجِّعَة مع مُتَخَرِّجينَ مِن مَدرَسَةِ جِلْعَاد. فزادَ تَصميمي أن أصيرَ خادِمًا كامِلَ الوَقت. وحالَما عُدتُ إلى بَلَدي، قَدَّمتُ طَلَبًا لِأصيرَ فاتِحًا عادِيًّا. فأرسَلَ إلَيَّ مَكتَبُ الفَرعِ في كَنَدَا رِسالَةً اقتَرَحَ فيها أن أعتَمِدَ أوَّلًا. وهذا ما فَعَلتُهُ في ١ تِشْرِين الأوَّل (أُكْتُوبَر) ١٩٥٠. وبَعدَ شَهر، صِرتُ فاتِحًا عادِيًّا وتَلَقَّيتُ تَعييني الأوَّلَ في بَلدَةِ كَابُوسْكَاسِينْغ الَّتي تَبعُدُ عِدَّةَ كيلومِتراتٍ عن مَكانِ سَكَني.
وفي رَبيعِ ١٩٥١، طَلَبَ مَكتَبُ الفَرعِ مِن شُهودٍ يَتَكَلَّمونَ الفَرَنْسِيَّةَ أن يُفَكِّروا في الانتِقالِ إلى مُقاطَعَةِ كِيبَك الفَرَنْسِيَّة، حَيثُ كانَ هُناك حاجَةٌ كَبيرَة. وبِما أنِّي مُنذُ صِغَري أتَكَلَّمُ الفَرَنْسِيَّةَ والإنْكِلِيزِيَّة، لَبَّيتُ الدَّعوَةَ وتَعَيَّنتُ في رُويَان.
لم أكُنْ أعرِفُ أحَدًا هُناك. كُلُّ ما كانَ معي هو عُنوان، كما ذَكَرتُ في المُقَدِّمَة. لكنَّ كُلَّ شَيءٍ سارَ بِشَكلٍ جَيِّد. فأنا ومَارْسِيل صِرنا أعَزَّ الأصدِقاءِ وفَرِحتُ بِالخِدمَةِ في كِيبَك أربَعَ سِنينَ تَعَيَّنتُ في أواخِرِها فاتِحًا خُصوصِيًّا.جِلْعَاد وآمالي المُعَلَّقَة
حينَ كُنتُ في كِيبَك، وَصَلَتني دَعوَةٌ إلى الصَّفِّ الـ ٢٦ مِن مَدرَسَةِ جِلْعَاد في سَاوْث لَانْسِينْغ بِنْيُويُورْك. وهذا فَرَّحَني كَثيرًا. وفي ١٢ شُبَاط (فِبْرَايِر) ١٩٥٦، أتى يَومُ التَّخَرُّجِ وتَعَيَّنتُ في ما يُدْعى الآنَ غَانَا b في إفْرِيقْيَا الغَربِيَّة. ولكنْ قَبلَ أن أذهَب، كانَ علَيَّ أن أعودَ إلى كَنَدَا «بِضعَةَ أسابيعَ» حتَّى تَصيرَ أوْراقُ السَّفَرِ جاهِزَة.
لكنَّ هذِهِ الأسابيعَ تَحَوَّلَت إلى سَبعَةِ أشهُرٍ قَضَيتُها في تُورُونْتُو أنتَظِرُ أوْراقي. وخِلالَ هذِهِ الفَترَة، استَضافَتني عائِلَةُ كْرِيبْس بِكُلِّ لُطف. فتَعَرَّفتُ على ابْنَتِهِم شِيلَا ووَقَعنا في الحُبّ. ولمَّا نَوَيتُ أن أعرِضَ علَيها الزَّواج، وَصَلَت تَأشيرَةُ سَفَري. فصَلَّينا أنا وشِيلَا وقَرَّرنا أن أذهَبَ إلى تَعييني، ولكنْ أن نَبْقى على اتِّصالٍ لِنَرى هل يُمكِنُ أن نَتَزَوَّجَ في المُستَقبَل. لم يَكُنْ هذا القَرارُ سَهلًا، لكنْ تَبَيَّنَ في ما بَعد أنَّهُ القَرارُ الصَّحيح.
بَعدَ شَهرٍ مِنَ السَّفَرِ بِالقِطار، سَفينَةِ الشَّحن، والطَّائِرَة، وَصَلتُ أخيرًا إلى أكْرَا في غَانَا. وهُناك تَعَيَّنتُ ناظِرَ كورَة. وهذا عَنى السَّفَرَ في كُلِّ أنحاءِ غَانَا، وكَذلِك في سَاحِلِ العَاج وتُوغُولَنْد (الآنَ تُوغُو) المُجاوِرَتَيْن. وفي أغلَبِ الأحيان، كُنتُ أُسافِرُ وَحْدي بِالسَّيَّارَةِ الَّتي أعْطاني إيَّاها الفَرع. لقدِ استَمتَعتُ بِكُلِّ لَحظَةٍ مِن رِحلاتي هذِه!
في نِهاياتِ الأسابيع، كُنتُ أخدُمُ في الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة. لم يَكُنْ لَدَينا قاعاتٌ لِهذِهِ الاجتِماعات، لِذلِك كانَ الإخوَةُ
يَبْنونَ وَقتِيًّا مِظَلَّةً مِنَ الخَيزَرانِ وأوْراقِ النَّخيلِ لِيَحتَموا مِن حَرارَةِ الشَّمس. وبِما أنَّهُ لم يَكُنْ هُناك بَرَّاداتٌ في الكَفيتيريا، أبْقَينا لَدَينا حَيَواناتٍ حَيَّة لِنَذبَحَها ونُهَيِّئَ الطَّعامَ لِلحُضور.حَصَلَت معنا أشياءُ مُضحِكَة في تِلكَ الاجتِماعات. فمَرَّةً، فيما كانَ رَفيقي المُرسَلُ هِيرْب جِينِينْغْز c يُلْقي خِطابًا، هَرَبَ عِجلٌ مِنَ الكَفيتيريا وراحَ يَركُضُ ضائِعًا بَينَ المِنبَرِ والحُضور. فتَوَقَّفَ هِيرْب عنِ الكَلامِ مَذهولًا. وبَدَأ أربَعَةُ إخوَةٍ أقوِياءَ يَركُضونَ وَراءَ العِجلِ لِيُمسِكوهُ ويُعيدوهُ إلى الكَفيتيريا. وعِندَما نَجَحوا في ذلِك، صَفَّقَ لهُمُ الحُضورُ والضِّحكَةُ على وُجوهِهِم.
في الأيَّامِ بَينَ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة، أرَيتُ النَّاسَ في القُرى المُجاوِرَة فيلمَنا مُجتَمَعُ العالَمِ الجَديدِ وهو يَعمَل. فكُنتُ أعرِضُهُ على قُماشَةٍ بَيضاء مَمدودَة بَينَ عَمودَيْنِ أو شَجَرَتَيْن. وكانَ أهلُ القُرى يُحِبُّونَهُ كَثيرًا! فبِالنِّسبَةِ إلى كَثيرينَ مِنهُم، هذا أوَّلُ فيلمٍ يَحضُرونَهُ في حَياتِهِم. وكانوا يُصَفِّقونَ بِحَماسَةٍ كَبيرَة فيما يَتَفَرَّجونَ على مَشاهِدِ المَعمودِيَّة. وقد ساعَدَ هذا الفيلمُ الأشخاصَ الَّذينَ حَضَروهُ أن يَرَوْا أنَّنا فِعلًا هَيئَةٌ عالَمِيَّة مُوَحَّدَة.
بَعدَ سَنَتَيْنِ تَقريبًا في إفْرِيقْيَا، حَصَلتُ على الامتِيازِ أن أحضُرَ الاجتِماعَ الأُمَمِيَّ الَّذي عُقِدَ سَنَةَ ١٩٥٨ في مَدينَةِ نْيُويُورْك. وكم كانَت فَرحَتي كَبيرَةً حينَ الْتَقَيتُ شِيلَا! فقد أتَت مِن كِيبَك حَيثُ كانَت تَخدُمُ كفاتِحَةٍ خُصوصِيَّة. كُنَّا على اتِّصالٍ معًا عَبْرَ الرَّسائِل. ولكنِ الآنَ بَعدَما اجتَمَعنا مُجَدَّدًا، طَلَبتُ مِنها أن تَتَزَوَّجَني. فوافَقَت! عِندَئِذٍ كَتَبتُ إلى الأخ نُور d وسَألتُهُ هل يُمكِنُ أن تَحضُرَ شِيلَا جِلْعَاد وتَنضَمَّ إلَيَّ في إفْرِيقْيَا. فقَبِلَ طَلَبي. وأخيرًا وَصَلَت شِيلَا إلى غَانَا. فتَزَوَّجنا في أكْرَا في ٣ تِشْرِين الأوَّل (أُكْتُوبَر) ١٩٥٩. شَعَرنا أنَّ يَهْوَه بارَكَنا كَثيرًا لِأنَّنا وَضَعناهُ أوَّلًا في حَياتِنا.
الخِدمَةُ معًا في الكَامِيرُون
سَنَةَ ١٩٦١، تَعَيَّنَّا في الكَامِيرُون. وطَلَبَ مِنِّي الإخوَةُ أن أُساعِدَ في تَأسيسِ مَكتَبِ فَرعٍ جَديد، وهذا شَغَلَني
كَثيرًا. ولِأنَّني صِرتُ خادِمَ الفَرع، كانَ هُناك أُمورٌ كَثيرَة علَيَّ أن أتَعَلَّمَها. ولكنْ سَنَةَ ١٩٦٥، عَرَفْنا أنا وشِيلَا أنَّها حامِل. وأعتَرِفُ أنَّنا احتَجنا إلى الوَقتِ لِنَستَوعِبَ الفِكرَةَ أنَّنا سنُصبِحُ والِدَيْن. ولكنْ ما إن صِرنا مُتَحَمِّسَيْنِ لِلمَسؤولِيَّةِ الجَديدَة وبَدَأنا نُخَطِّطُ لِنَعودَ إلى كَنَدَا حتَّى حَصَلَتِ الفاجِعَة . . .خَسِرَت شِيلَا الجَنين. وقالَ لنا الطَّبيبُ إنَّهُ كانَ صَبِيًّا. حَصَلَ ذلِك مُنذُ أكثَرَ مِن ٥٠ سَنَة، لكنَّنا لم نَنْسَهُ أبَدًا. ومع أنَّ هذِهِ الفاجِعَةَ كَسَرَت قَلبَنا، بَقينا في تَعيينِنا الَّذي أحبَبناهُ كَثيرًا.
غالِبًا ما واجَهَ الإخوَةُ في الكَامِيرُون الاضطِهادَ بِسَبَبِ حِيادِهِم في الشُّؤونِ السِّياسِيَّة. وكانَ الوَضعُ يَزدادُ تَوَتُّرًا خِلالَ الانتِخاباتِ الرِّئاسِيَّة. وفي ١٣ أيَّار (مَايُو) ١٩٧٠، حَصَلَ ما كُنَّا نَخْشاه: حُظِرَ رَسمِيًّا عَمَلُ شُهودِ يَهْوَه. والفَرعُ الجَديدُ الجَميل، الَّذي كُنَّا قدِ انتَقَلنا إلَيهِ مُنذُ خَمسَةِ أشهُرٍ فَقَط، صادَرَتهُ الحُكومَة. وخِلالَ أُسبوع، كُلُّ المُرسَلين، بِمَن فيهِم أنا وشِيلَا، طُرِدوا مِنَ البَلَد. كانَ صَعبًا أن نَترُكَ إخوَتَنا وأخَواتِنا لِأنَّنا كُنَّا مُتَعَلِّقِينَ بهِم وخائِفِينَ علَيهِم مِنَ المَرحَلَةِ المُقبِلَة.
أمْضَينا الأشهُرَ السِّتَّة التَّالِيَة في مَكتَبِ الفَرعِ بِفَرَنْسَا. ومِن هُناك، بَقيتُ أفعَلُ كُلَّ ما أقدِرُ علَيهِ لِأهتَمَّ بِحاجاتِ إخوَتِنا في الكَامِيرُون. وفي كَانُون الأوَّل (دِيسَمْبِر) مِن تِلكَ السَّنَة، تَعَيَّنَّا في فَرعِ نَيْجِيرْيَا الَّذي بَدَأ يُشرِفُ على العَمَلِ في الكَامِيرُون. وقدِ استَقبَلَنا الإخوَةُ والأخَواتُ هُناك بِكُلِّ مَحَبَّة، وفَرِحنا بِالخِدمَةِ معهُم عِدَّةَ سَنَوات.
قَرارٌ صَعب
سَنَةَ ١٩٧٣، كانَ أمامَنا قَرارٌ صَعبٌ جِدًّا. فشِيلَا كانَت تُعاني مِن مَشاكِلَ صِحِّيَّة كَبيرَة. وفيما كُنَّا في اجتِماعٍ سَنَوِيٍّ بِنْيُويُورْك، انهارَت وقالَت لي: «لم أعُدْ قادِرَةً أن أُكمِل! مُعظَمَ الوَقتِ أنا مُرهَقَةٌ ومَريضَة». وكانَت شِيلَا قد خَدَمَت معي في إفْرِيقْيَا الغَربِيَّة أكثَرَ مِن ١٤ سَنَة، وكُنتُ فَخورًا جِدًّا بِخِدمَتِها الأمينَة. ولكنْ حانَ الوَقتُ لِبَعضِ التَّغييرات. وبَعدَ أن ناقَشْنا المَسألَةَ معًا وصَلَّينا كَثيرًا وبِحَرارَة، قَرَّرنا أن نَعودَ إلى كَنَدَا لِنَهتَمَّ بِصِحَّتِها بِشَكلٍ أفضَل. كانَ تَركُ تَعيينِنا الإرسالِيِّ والخِدمَةِ كامِلَ الوَقتِ أصعَبَ قَرارٍ واجَهناهُ في حَياتِنا. أحسَسنا أنَّ قَلبَنا يَتَمَزَّق.
بَعدَ وُصولِنا إلى كَنَدَا، حَصَلتُ على عَمَلٍ مع صَديقٍ قَديمٍ كانَ لَدَيهِ مَعرَضُ سَيَّاراتٍ في بَلدَةٍ شَماليَّ تُورُونْتُو. واستَأجَرْنا شِقَّةً واشتَرَينا مَفروشاتٍ مُستَعمَلَة. وهكَذا استَطَعنا أن نَنتَقِلَ دونَ أن نَقَعَ في الدَّين. أرَدنا أن نُبْقِيَ حَياتَنا بَسيطَة، على أمَلِ أن نَعودَ يَومًا إلى الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت. وكم تَفاجَأنا عِندَما تَحَقَّقَ أمَلُنا أسرَعَ مِمَّا تَخَيَّلْنا!
بَدَأتُ أتَطَوَّعُ أيَّامَ السَّبتِ في مَوْقِعِ بِناءِ قاعَةِ اجتِماعاتٍ دائِرِيَّة جَديدَة في نُورْفَال بِأُونْتَارْيَو. ولاحِقًا، طُلِبَ مِنِّي أن أخدُمَ كناظِرٍ لِهذِهِ القاعَة. وكانَت صِحَّةُ شِيلَا تَتَحَسَّن، لِذلِك شَعَرنا أنَّنا نَقدِرُ أن نَقبَلَ هذا التَّعيينَ الجَديد. وفي حَزِيرَان (يُونْيُو) ١٩٧٤، انتَقَلنا إلى الشِّقَّةِ في قاعَةِ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة. كم فَرِحنا لِأنَّنا عُدنا إلى الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت!
نَشكُرُ يَهْوَه أنَّ صِحَّةَ شِيلَا ظَلَّت تَتَحَسَّن. وبَعدَ سَنَتَيْن، استَطَعنا أن نَقبَلَ تَعيينًا في العَمَلِ الدَّائِرِيّ. وكانَت دائِرَتُنا في مُقاطَعَةِ مَانِيتُوبَا الكَنَدِيَّة المَعروفَة بِشِتائِها البارِد جِدًّا. لكنَّنا استَمتَعنا بِالجَوِّ الدَّافِئِ بَينَ الإخوَةِ والأخَواتِ هُناك. وتَعَلَّمنا أنَّهُ لا يَهُمُّ أينَ نَخدُم، المُهِمُّ أن نَظَلَّ نَخدُمُ يَهْوَه.
دَرسٌ مُهِمّ
بَعدَ عِدَّةِ سَنَواتٍ في العَمَلِ الدَّائِرِيّ، دُعينا سَنَةَ ١٩٧٨ لِنَخدُمَ في بَيْت إيل بِكَنَدَا. وبَعدَ وَقتٍ قَصير، تَعَلَّمتُ دَرسًا صَعبًا ولكنْ مُهِمٌّ جِدًّا. تَعَيَّنتُ لِأُقَدِّمَ خِطابًا بِالفَرَنْسِيَّة طولُهُ ساعَةٌ ونِصفٌ في اجتِماعٍ خُصوصِيٍّ بِمُونْتْرِيَال. ولِلأسَف، لم يَشُدَّ خِطابي انتِباهَ الحُضور. فقَدَّمَ لي أخٌ مِن قِسمِ الخِدمَةِ نَصيحَةً في هذا الخُصوص. بِصَراحَة، كانَ يَجِبُ أن أُدرِك، كما أُدرِكُ الآن، أنِّي لَستُ ذاكَ الخَطيبَ المَوْهوب. لكنِّي لم أتَقَبَّلِ النَّصيحَة. كانَت شَخصِيَّةُ هذا الأخِ مُختَلِفَةً كُلِّيًّا عن شَخصِيَّتي. وشَعَرتُ أنَّهُ انتِقادِيٌّ زِيادَةً عنِ اللُّزومِ ولم يَمدَحْني أبَدًا. وَقَعتُ في الخَطَإ أنِّي حَكَمتُ على النَّصيحَةِ على أساسِ نَظرَتي إلى الشَّخصِ الَّذي قَدَّمَها وأُسلوبِهِ في الكَلام.
بَعدَ أيَّامٍ قَليلَة، تَكَلَّمَ معي أحَدُ أعضاءِ لَجنَةِ الفَرعِ عنِ المَوْضوع. فاعتَرَفتُ لهُ أنَّ رَدَّةَ فِعلي لم تَكُنْ لائِقَةً وعَبَّرتُ عن نَدَمي. ثُمَّ تَكَلَّمتُ معَ الأخِ الَّذي أعْطاني النَّصيحَة. وهو قَبِلَ اعتِذاري عن طيبِ خاطِر. ما حَصَلَ كانَ دَرسًا قَوِيًّا في التَّواضُعِ لن أنْساهُ طولَ عُمري. (أم ١٦:١٨) وقد صَلَّيتُ إلى يَهْوَه مَرَّاتٍ كَثيرَة بِخُصوصِ هذِهِ المَسألَة. وأنا مُصَمِّمٌ أن لا أُكَرِّرَ غَلطَتي، بل أن أقبَلَ أيَّ نَصيحَةٍ بِروحٍ إيجابِيَّة.
أنا أخدُمُ في بَيْت إيل بِكَنَدَا مُنذُ أكثَرَ مِن ٤٠ سَنَة. ومُنذُ سَنَةِ ١٩٨٥، لَدَيَّ الامتِيازُ أن أخدُمَ في لَجنَةِ الفَرع. وفي شُبَاط (فِبْرَايِر) ٢٠٢١، أخَذَ مِنِّي المَوتُ زَوجَتي الحَبيبَة شِيلَا. وبِالإضافَةِ إلى حُزني علَيها، تُعَذِّبُني أيضًا مَشاكِلي الصِّحِّيَّة. لكنَّ خِدمَةَ يَهْوَه تُبْقيني مَشغولًا وسَعيدًا جِدَّا لِدَرَجَةِ أنِّي لا ‹أُلاحِظُ أنَّ أيَّامَ حَياتي تَمُرُّ بِسُرعَة›. (جا ٥:٢٠) صَحيحٌ أنَّ أيَّامي لا تَخْلو مِنَ الصُّعوبات، لكنَّ الأفراحَ تَفوقُها بِأشواط. فِعلًا، لِأنِّي وَضَعتُ يَهْوَه أوَّلًا وخَدَمتُهُ كامِلَ الوَقتِ ٧٠ سَنَة، غَمَرَني بِالبَرَكات. وأُصَلِّي أن يَظَلَّ إخوَتُنا وأخَواتُنا الشَّبابُ يَضَعونَ يَهْوَه أوَّلًا، لِأنِّي مُقتَنِعٌ أنَّهُم سيَعيشونَ حَياةً مَليئَة بِالأفراحِ لا مَثيلَ لها إلَّا في خِدمَةِ يَهْوَه.
a أُنظُرْ قِصَّةَ حَياةِ مَارْسِيل فِيلْتُو «يَهْوَه مَلجَإي وقُوَّتي» في عَدَد ١ شُبَاط (فِبْرَايِر) ٢٠٠٠ مِن بُرجِ المُراقَبَة.
b حتَّى سَنَة ١٩٥٧، كانَت هذِهِ المِنطَقَةُ مِن إفْرِيقْيَا مُستَعمَرَةً بَرِيطَانِيَّة تُدْعى «سَاحِلَ الذَّهَب».
c أُنظُرْ قِصَّةَ حَياةِ هِيرْبِرْت جِينِينْغْز «لا تَعرِفونَ ما تَكونُ حَياتُكُم غَدًا» في عَدَد ١ كَانُون الأوَّل (دِيسَمْبِر) ٢٠٠٠ مِن بُرجِ المُراقَبَة.
d كانَ نَاثَان نُور يَأخُذُ القِيادَةَ في عَمَلِنا آنَذاك.