قِصَّةُ حَيَاةٍ
قرار منحني بركات كثيرة
طَلَعَ ٱلْفَجْرُ وَنَحْنُ نُمَرِّرُ بِحَذَرٍ نَشَرَاتٍ مِنْ تَحْتِ أَبْوَابِ ٱلْبُيُوتِ ٱلْأَخِيرَةِ فِي مُقَاطَعَتِنَا. فَرَكِبْنَا ٱلسَّيَّارَةَ وَذَهَبْنَا لِنَلْتَقِيَ بَاقِيَ ٱلْإِخْوَةِ. فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنْ سَنَةِ ١٩٣٩، كُنَّا قَدِ ٱسْتَيْقَظْنَا فِي مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ وَقُدْنَا ٱلسَّيَّارَةَ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَدِينَةِ جُوبْلِين جَنُوبَ غَرْبِ وِلَايَةِ مِيسُّورِي ٱلْأَمِيرْكِيَّةِ. فَلِمَ وَصَلْنَا إِلَى ٱلْمُقَاطَعَةِ قَبْلَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ وَغَادَرْنَاهَا بِسُرْعَةٍ؟ سَأُخْبِرُكُمْ لَاحِقًا.
حِينَ وُلِدْتُ عَامَ ١٩٣٤، كَانَ وَالِدَايَ فْرِد وَإِدْنَا مُولُهَان يَخْدُمَانِ يَهْوَهَ بِنَشَاطٍ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ ٢٠ سَنَةً. وَأَنَا سَعِيدٌ أَنَّهُمَا رَبَّيَانِي فِي ٱلْحَقِّ. عَاشَتْ عَائِلَتُنَا فِي بَارْسُونْز، بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ فِي وِلَايَةِ كَانْسَاس، وَٱنْتَمَيْنَا إِلَى جَمَاعَةٍ أَغْلَبِيَّتُهَا مِنَ ٱلْمَمْسُوحِينَ. كُنَّا نَحْضُرُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ وَنُبَشِّرُ بِٱنْتِظَامٍ. فَلَطَالَمَا ٱشْتَرَكْنَا بَعْدَ ظُهْرِ أَيَّامِ ٱلسَّبْتِ فِي خِدْمَةِ ٱلشَّوَارِعِ، أَيِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَلَنِيَّةِ ٱلْيَوْمَ. وَمَعَ أَنَّنَا شَعَرْنَا أَحْيَانًا بِٱلتَّعَبِ، كَانَ أَبِي يُكَافِئُنَا دَائِمًا وَيَشْتَرِي لَنَا ٱلْبُوظَةَ.
عُيِّنَتْ لِجَمَاعَتِنَا ٱلصَّغِيرَةِ مُقَاطَعَةٌ وَاسِعَةٌ ضَمَّتِ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْبَلَدَاتِ وَٱلْمَزَارِعِ. فَكَانَ بَعْضُ ٱلْمُزَارِعِينَ يُعْطُونَنَا مُقَابِلَ ٱلْمَطْبُوعَاتِ بَيْضًا وَخُضَرًا طَازَجَةً وَدَجَاجًا حَيًّا أَيْضًا. وَبِمَا أَنَّ أَبِي ٱعْتَادَ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِثَمَنِ ٱلْمَطْبُوعَاتِ مُسْبَقًا، ٱسْتَفَدْنَا نَحْنُ مِنْ هٰذِهِ ٱلْمَأْكُولَاتِ.
حَمَلَاتٌ تَبْشِيرِيَّةٌ
اِسْتَعْمَلَ وَالِدَايَ فُونُوغْرَافًا فِي عَمَلِ ٱلْبِشَارَةِ. وَلِأَنِّي كُنْتُ صَغِيرًا، صَعُبَ عَلَيَّ أَنْ أُشَغِّلَهُ. لٰكِنِّي ٱسْتَمْتَعْتُ بِمُسَاعَدَتِهِمَا حِينَ كَانَا يُشَغِّلَانِ مُحَاضَرَاتِ ٱلْأَخِ رَذَرْفُورْد فِي زِيَارَاتِهِمَا ٱلْمُكَرَّرَةِ وَدُرُوسِهِمَا.
كَمَا حَوَّلَ أَبِي سَيَّارَتَنَا، وَهِيَ مِنْ طِرَازِ فُورْد ١٩٣٦، إِلَى سَيَّارَةٍ مُجَهَّزَةٍ بِمُكَبِّرٍ لِلصَّوْتِ. وَكَمْ كَانَتْ فَعَّالَةً فِي نَشْرِ رِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ! فَقَدْ كُنَّا نُذِيعُ أَوَّلًا تَسْجِيلًا مُوسِيقِيًّا لِنَلْفِتَ ٱنْتِبَاهَ ٱلنَّاسِ، وَمِنْ بَعْدِهِ مُحَاضَرَةً مُؤَسَّسَةً عَلَى
ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. وَفِي ٱلنِّهَايَةِ، نُوَزِّعُ مَطْبُوعَاتٍ عَلَى ٱلْمُهْتَمِّينَ.وَلٰكِنْ حَدَثَ فِي بَلْدَةِ تْشِيرِيفَايْل بِكَانْسَاس أَنَّ ٱلشُّرْطَةَ مَنَعَتْ أَبِي أَنْ يُدْخِلَ ٱلسَّيَّارَةَ إِلَى ٱلْحَدِيقَةِ ٱلْعَامَّةِ حَيْثُ يَسْتَرِيحُ كَثِيرُونَ أَيَّامَ ٱلْآحَادِ. إِلَّا أَنَّهَا سَمَحَتْ لَهُ أَنْ يَرْكُنَهَا خَارِجَهَا. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ أَوْقَفَهَا فِي شَارِعٍ مُجَاوِرٍ لِلْحَدِيقَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ سَمَاعُ ٱلْبَرْنَامَجِ بِوُضُوحٍ. لَقَدْ تَمَتَّعْتُ كَثِيرًا بِأَوْقَاتٍ كَهٰذِهِ مَعَ أَبِي وَأَخِي ٱلْأَكْبَرِ جِيرِي.
فِي أَوَاخِرِ ثَلَاثِينِيَّاتِ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ، ٱشْتَرَكْنَا مَعَ ٱلْإِخْوَةِ فِي حَمَلَاتٍ خُصُوصِيَّةٍ خَاطِفَةٍ فِي مُقَاطَعَاتٍ ٱشْتَدَّتْ فِيهَا ٱلْمُقَاوَمَةُ. فَكَمَا ذَكَرْتُ فِي ٱلْمُقَدِّمَةِ، كُنَّا نَسْتَيْقِظُ فِي مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ وَنُمَرِّرُ بِحَذَرٍ نَشَرَاتٍ أَوْ كَرَارِيسَ مِنْ تَحْتِ أَبْوَابِ ٱلْبُيُوتِ. ثُمَّ نَلْتَقِي خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ لِنَرَى إِذَا ٱعْتَقَلَتِ ٱلشُّرْطَةُ أَيًّا مِنَّا.
وَفِي تِلْكَ ٱلسَّنَوَاتِ أَيْضًا، ٱسْتَمْتَعْنَا بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى لِلْكِرَازَةِ هِيَ ٱلْمَسِيرَاتُ ٱلْإِعْلَامِيَّةُ. فَكُنَّا نَلْبَسُ لَافِتَاتٍ وَنَسِيرُ فِي شَوَارِعِ إِحْدَى ٱلْمُدُنِ. أَتَذَكَّرُ مَسِيرَةً قَامَ بِهَا ٱلْإِخْوَةُ فِي بَلْدَتِنَا لَبِسُوا خِلَالَهَا لَافِتَاتٍ تَقُولُ: «اَلدِّينُ شَرَكٌ وَخِدْعَةٌ». فَمَشَوْا فِي ٱلْبَلْدَةِ مَسَافَةَ كِيلُومِتْرٍ وَنِصْفٍ تَقْرِيبًا، لَافِتِينَ أَنْظَارَ ٱلْكَثِيرِ مِنَ ٱلْمَارَّةِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى مَنْزِلِنَا. وَكَمْ فَرِحْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يُوَاجِهُوا أَيَّةَ مُقَاوَمَةٍ!
مَحْفِلَانِ أَثَّرَا فِي حَيَاتِي
كَثِيرًا مَا كَانَتْ عَائِلَتُنَا تُسَافِرُ إِلَى تَكْسَاس لِحُضُورِ ٱلْمَحَافِلِ. فَبِمَا أَنَّ أَبِي ٱشْتَغَلَ فِي سِكَّةِ ٱلْحَدِيدِ، كُنَّا نَرْكَبُ ٱلْقِطَارَ مَجَّانًا لِنَحْضُرَ ٱلْمَحَافِلَ وَنَزُورَ ٱلْأَقَارِبَ. وَأَحَدُهُمْ هُوَ خَالِي فْرِد وِيزْمَارُ ٱلَّذِي عَاشَ مَعَ زَوْجَتِهِ يُولَايْلِي فِي مَدِينَةِ تِمْبِل بِتَكْسَاس. تَعَرَّفَ خَالِي إِلَى ٱلْحَقِّ فِي شَبَابِهِ فِي بِدَايَاتِ ٱلْـ ١٩٠٠، ثُمَّ ٱعْتَمَدَ وَبَشَّرَ أَخَوَاتِهِ بِمَنْ فِيهِنَّ أُمِّي. وَبِمَا أَنَّهُ كَانَ لِفَتْرَةٍ خَادِمَ إِقْلِيمٍ (نَاظِرَ دَائِرَةٍ)، عَرَفَهُ ٱلْإِخْوَةُ فِي وَسَطِ تَكْسَاس جَيِّدًا. فَقَدْ تَمَيَّزَ بِلُطْفِهِ وَبَشَاشَتِهِ وَرِفْقَتِهِ ٱلْمُمْتِعَةِ. وَغَيْرَتُهُ لِلْحَقِّ تَرَكَتْ فِيَّ أَثَرًا كَبِيرًا.
عَامَ ١٩٤١، حَضَرْنَا مَحْفِلًا ضَخْمًا فِي سَانْتْ لُوِيس بِمِيسُّورِي. وَدُعِينَا نَحْنُ ٱلصِّغَارَ إِلَى ٱلْجُلُوسِ فِي قِسْمٍ خَاصٍّ فِيمَا أَلْقَى ٱلْأَخُ رَذَرْفُورْد خِطَابًا بِعُنْوَانِ «أَوْلَادُ ٱلْمَلِكِ». كُنَّا أَكْثَرَ مِنْ ١٥٬٠٠٠ وَلَدٍ. وَفِي نِهَايَةِ ٱلْخِطَابِ، تَلَقَّيْنَا مُفَاجَأَةً سَارَّةً. فَقَدْ وَزَّعَ ٱلْأَخُ رَذَرْفُورْد وَمُسَاعِدُوهُ عَلَى كُلٍّ مِنَّا نُسْخَةً مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْجَدِيدِ اَلْأَوْلَادُ.
وفِي نَيْسَانَ (إِبْرِيل) ١٩٤٣، حَضَرْنَا مَحْفِلَ «ٱلدَّعْوَةِ
إِلَى ٱلْعَمَلِ» فِي كُوفِيفِيل بِكَانْسَاس. وَقَدْ أُعْلِنَ خِلَالَهُ عَنْ تَأْسِيسِ مَدْرَسَةِ ٱلْخِدْمَةِ ٱلثِّيُوقْرَاطِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ سَتُعْقَدُ فِي كُلِّ ٱلْجَمَاعَاتِ، كَمَا صَدَرَ كُرَّاسٌ مُخَصَّصٌ لَهَا يَتَضَمَّنُ ٥٢ دَرْسًا. وَقَدْ أَلْقَيْتُ أَوَّلَ مَوْضُوعٍ لِي فِي ٱلْمَدْرَسَةِ لَاحِقًا فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ. وَمَا مَيَّزَ هٰذَا ٱلْمَحْفِلَ أَيْضًا هُوَ أَنِّي ٱعْتَمَدْتُ مَعَ ٱثْنَيْنِ آخَرَيْنِ فِي بِرْكَةٍ بَارِدَةٍ بِمَزْرَعَةٍ قَرِيبَةٍ.حُلْمٌ يَتَحَقَّقُ . . . اَلْخِدْمَةُ فِي بَيْتَ إِيلَ
بَعْدَمَا تَخَرَّجْتُ مِنَ ٱلْمَدْرَسَةِ ٱلثَّانَوِيَّةِ عَامَ ١٩٥١، لَزِمَ أَنْ أَتَّخِذَ قَرَارَاتٍ بِشَأْنِ مُسْتَقْبَلِي. وَبِمَا أَنِّي رَغِبْتُ جِدًّا أَنْ أَخْدُمَ فِي بَيْتَ إِيلَ، حَيْثُ كَانَ أَخِي جِيرِي سَابِقًا، قَدَّمْتُ ٱلطَّلَبَ بِأَسْرَعِ وَقْتٍ. فَنِلْتُ ٱلْمُوَافَقَةَ بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ وَدُعِيتُ لِأَبْدَأَ بِٱلْخِدْمَةِ فِي بْرُوكْلِين فِي ١٠ آذَارَ (مَارِس) ١٩٥٢. وَكَمْ مَنَحَنِي قَرَارِي هٰذَا بَرَكَاتٍ رُوحِيَّةً!
تَمَنَّيْتُ أَنْ أَعْمَلَ فِي ٱلْمَطْبَعَةِ لِأُسَاهِمَ فِي إِنْتَاجِ ٱلْمَطْبُوعَاتِ، لٰكِنِّي عُيِّنْتُ نَادِلًا، وَلَاحِقًا فِي ٱلْمَطْبَخِ. إِلَّا أَنِّي ٱسْتَمْتَعْتُ بِهٰذَا ٱلتَّعْيِينِ وَٱسْتَفَدْتُ مِنْهُ. فَقَدْ كَانَ عَمَلُنَا بِٱلتَّنَاوُبِ، لِذَا ٱسْتَغْلَلْتُ أَوْقَاتَ ٱلْفَرَاغِ خِلَالَ ٱلنَّهَارِ لِأَقُومَ بِدَرْسِي ٱلشَّخْصِيِّ فِي مَكْتَبَةِ بَيْتَ إِيلَ ٱلْغَنِيَّةِ بِٱلْكُتُبِ. وَهٰذَا قَوَّى إِيمَانِي، سَاعَدَنِي أَنْ أَنْمُوَ رُوحِيًّا، وَزَادَ تَصْمِيمِي أَنْ أَخْدُمَ يَهْوَهَ فِي بَيْتِهِ أَطْوَلَ فَتْرَةٍ مُمْكِنَةٍ. نِلْتُ ٱلدَّعْمَ أَيْضًا مِنْ أَخِي جِيرِي وَزَوْجَتِهِ. فَهُوَ كَانَ قَدْ تَرَكَ بَيْتَ إِيلَ عَامَ ١٩٤٩ وَتَزَوَّجَ بَاتْرِيشَا وَسَكَنَا فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ فِي بْرُوكْلِين. فَشَجَّعَانِي كَثِيرًا خِلَالَ ٱلسَّنَوَاتِ ٱلْأُولَى مِنْ خِدْمَتِي.
بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ مِنِ ٱبْتِدَائِي بِٱلْخِدْمَةِ، أُجْرِيَتِ ٱخْتِبَارَاتٌ لِإِضَافَةِ إِخْوَةٍ إِلَى قَائِمَةِ خُطَبَاءِ بَيْتَ إِيلَ. وَهُمْ إِخْوَةٌ يَزُورُونَ ٱلْجَمَاعَاتِ ضِمْنَ مَسَافَةِ ٣٢٠ كلم تَقْرِيبًا مِنِ بْرُوكْلِين كَيْ يُلْقُوا فِيهَا خِطَابًا عَامًّا وَيَشْتَرِكُوا فِي خِدْمَةِ ٱلْحَقْلِ. فَنِلْتُ ٱمْتِيَازَ أَنْ أَكُونَ عَلَى هٰذِهِ ٱلْقَائِمَةِ. وَكَمْ تَوَتَّرْتُ حِينَ أَلْقَيْتُ أَوَّلَ خِطَابٍ عَامٍّ لِي دَامَ سَاعَةً كَامِلَةً! لَقَدْ كُنْتُ أُسَافِرُ عَادَةً بِٱلْقِطَارِ كَيْ أَزُورَ ٱلْجَمَاعَاتِ. وَذَاتَ مَرَّةٍ فِي شِتَاءِ عَامِ ١٩٥٤، رَكِبْتُ قِطَارًا إِلَى نْيُويُورْكَ ٱلْأَحَدَ بَعْدَ ٱلظُّهْرِ وَكَانَ مِنَ ٱلْمُفْتَرَضِ أَنْ أَصِلَ إِلَى بَيْتَ إِيلَ بَاكِرًا. وَلٰكِنْ هَبَّتْ عَاصِفَةٌ قَوِيَّةٌ حَمَلَتْ مَعَهَا رِيَاحًا شَدِيدَةً وَثُلُوجًا. فَتَعَطَّلَتْ مُحَرِّكَاتُ ٱلْقِطَارِ وَلَمْ أَصِلْ إِلَى مَدِينَةِ نْيُويُورْك قَبْلَ ٱلسَّاعَةِ ٱلْخَامِسَةِ مِنْ صَبَاحِ ٱلْإِثْنَيْنِ. فَرَكِبْتُ فَوْرًا ٱلْمِتْرُو إِلَى بْرُوكْلِين وَتَوَجَّهْتُ مُبَاشَرَةً إِلَى عَمَلِي فِي ٱلْمَطْبَخِ مُتَأَخِّرًا وَمُتْعَبًا جِدًّا. لٰكِنَّ فَرَحِي بِخِدْمَةِ ٱلْجَمَاعَةِ وَٱلتَّعَرُّفِ إِلَى إِخْوَةٍ جُدُدٍ فَاقَ كُلَّ ٱلْمَتَاعِبِ.
خِلَالَ سَنَوَاتِي ٱلْأُولَى أَيْضًا، طُلِبَ مِنِّي أَنْ أُشَارِكَ فِي بَرْنَامَجٍ إِذَاعِيٍّ لِدَرْسِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُبَثُّ أُسْبُوعِيًّا عَبْرَ مَحَطَّتِنَا WBBR. وَكَانَتِ ٱلْأُسْتُدْيُوهَاتُ تَقَعُ آنَذَاكَ فِي ٱلطَّابِقِ ٱلثَّانِي مِنَ ٱلْمَبْنَى ١٢٤ كُولُومْبِيَا هَايْتْس. وَأَحَدُ ٱلَّذِينَ شَارَكُوا بِٱنْتِظَامٍ فِي هٰذِهِ ٱلْبَرَامِجِ ٱلْإِذَاعِيَّةِ هُوَ ٱلْأَخُ أ. ه. مَاكْمِيلَانُ ٱلَّذِي كُنَّا نَدْعُوهُ تَحَبُّبًا ٱلْأَخَ مَاك. فَقَدْ خَدَمَ بِأَمَانَةٍ فِي بَيْتَ إِيلَ لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَرَسَمَ لَنَا مِثَالًا رَائِعًا فِي ٱلِٱحْتِمَالِ نَحْنُ ٱلْأَصْغَرَ سِنًّا.
عَامَ ١٩٥٨، صَارَ تَعْيِينِي أَنْ أَعْمَلَ مَعَ ٱلْمُتَخَرِّجِينَ مِنْ مَدْرَسَةِ جِلْعَادَ. فَكُنْتُ أُسَاعِدُهُمْ عَلَى نَيْلِ ٱلتَّأْشِيرَاتِ وَأُرَتِّبُ لِسَفَرِهِمْ. وَأَغْلَبُ ٱلَّذِينَ عُيِّنُوا فِي إِفْرِيقْيَا وَٱلشَّرْقِ ٱلْأَقْصَى كَانُوا يَذْهَبُونَ بِسُفُنِ ٱلشَّحْنِ لِأَنَّ ٱلسَّفَرَ جَوًّا كَانَ مُكَلِّفًا جِدًّا. وَلٰكِنْ حِينَ ٱنْخَفَضَتِ ٱلتَّكَالِيفُ لَاحِقًا، سَافَرَ مُعْظَمُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَى تَعْيِينَاتِهِمْ بِٱلطَّائِرَةِ.
اَلسَّفَرُ إِلَى ٱلْمَحَافِلِ
عَامَ ١٩٦٠، عُيِّنْتُ لِتَنْظِيمِ رِحْلَاتٍ خَاصَّةٍ بِطَائِرَاتٍ مُسْتَأْجَرَةٍ مِنْ أَجْلِ ٱلسَّفَرِ إِلَى ٱلْمَحَافِلِ ٱلْأُمَمِيَّةِ عَامَ ١٩٦١ فِي أُورُوبَّا. وَبَعْدَ أَنْ حَضَرْتُ أَحَدَهَا فِي هَامْبُورْغ بِأَلْمَانِيَا، ٱسْتَأْجَرْتُ سَيَّارَةً أَنَا وَثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ مِنْ بَيْتَ إِيلَ، وَقُدْنَاهَا مِنْ أَلْمَانِيَا إِلَى إِيطَالِيَا وَزُرْنَا مَكْتَبَ ٱلْفَرْعِ فِي رُومَا. ثُمَّ تَابَعْنَا ٱلرِّحْلَةَ إِلَى فَرَنْسَا، عَبَرْنَا جِبَالَ ٱلْبِيرِينِيه، وَدَخَلْنَا إِسْبَانِيَا حَيْثُ كَانَ عَمَلُ ٱلْبِشَارَةِ مَحْظُورًا. فَسَلَّمْنَا ٱلْإِخْوَةَ فِي بَرْشَلُونَة بَعْضَ ٱلْمَطْبُوعَاتِ بَعْدَ أَنْ غَلَّفْنَاهَا بِأَوْرَاقِ هَدَايَا، وَفَرِحْنَا بِٱلتَّعَرُّفِ إِلَيْهِمْ. ثُمَّ أَكْمَلْنَا طَرِيقَنَا إِلَى أَمِسْتِرْدَام وَعُدْنَا مِنْ هُنَاكَ جَوًّا إِلَى نْيُويُورْك.
بَعْدَ نَحْوِ سَنَةٍ، رَتَّبْتُ لِسَفَرِ ٥٨٣ مَنْدُوبًا ٱخْتِيرُوا لِحُضُورِ سِلْسِلَةٍ خُصُوصِيَّةٍ مِنْ مَحَافِلِ «ٱلْبِشَارَةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ» ٱلْأُمَمِيَّةِ عَامَ ١٩٦٣. كَانَتْ جَوْلَتُهُمْ حَوْلَ ٱلْعَالَمِ تَبْدَأُ فِي أُورُوبَّا، ثُمَّ آسِيَا، فَٱلْمُحِيطِ ٱلْهَادِئِ ٱلْجَنُوبِيِّ، فَهُونُولُولُو بِهَاوَاي وَأَخِيرًا فِي بَاسَادِينَا بِكَالِيفُورْنْيَا. وَتَضَمَّنَتْ رِحْلَتُهُمْ مَحَطَّةً فِي لُبْنَانَ وَأُخْرَى فِي ٱلْأُرْدُنِّ حَيْثُ ذَهَبُوا فِي جَوْلَاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ فِي أَرَاضِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. وَقَدِ ٱهْتَمَّ قِسْمُنَا بِتَأْمِينِ ٱلتَّأْشِيرَاتِ ٱللَّازِمَةِ وَحَجْزِ ٱلرِّحْلَاتِ وَٱلْفَنَادِقِ.
رَفِيقُ سَفَرٍ جَدِيدٌ
كَانَتْ سَنَةُ ١٩٦٣ مَحَطَّةً مُهِمَّةً فِي حَيَاتِي لِسَبَبٍ آخَرَ. فَفِي ٢٩ حَزِيرَانَ (يُونْيُو)، تَزَوَّجْتُ لَايْلَا رُوجِرْز مِنْ مِيسُّورِي ٱلَّتِي كَانَتْ قَدِ ٱنْضَمَّتْ إِلَى عَائِلَةِ بَيْتَ إِيلَ مُنْذُ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ. وَبَعْدَ زَوَاجِنَا بِأُسْبُوعٍ، ٱنْضَمَمْنَا إِلَى ٱلْجَوْلَةِ حَوْلَ ٱلْعَالَمِ وَزُرْنَا ٱلْيُونَانَ وَمِصْرَ وَلُبْنَانَ. وَمِنْ بَيْرُوتَ، سَافَرْنَا جَوًّا إِلَى ٱلْأُرْدُنِّ. وَلٰكِنْ لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ مَاذَا يَنْتَظِرُنَا هُنَاكَ لِأَنَّ عَمَلَنَا كَانَ مَحْظُورًا وَسَمِعْنَا أَنَّ شُهُودَ يَهْوَهَ لَمْ يُعْطَوْا تَأْشِيرَةً لِدُخُولِ ٱلْبَلَدِ. إِلَّا أَنَّنَا تَفَاجَأْنَا حِينَ رَأَيْنَا مَجْمُوعَةَ أَشْخَاصٍ وَاقِفِينَ عَلَى سَطْحِ إِحْدَى قَاعَاتِ ٱلْمَطَارِ وَمَعَهُمْ لَافِتَةٌ تَقُولُ: «أَهْلًا بِشُهُودِ يَهْوَهَ!». وَقَدِ ٱسْتَمْتَعْنَا كَثِيرًا حِينَ زُرْنَا أَرَاضِيَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ وَعَرَفْنَا أَيْنَ عَاشَ ٱلْآبَاءُ ٱلْأَجِلَّاءُ، أَيْنَ بَشَّرَ يَسُوعُ وَٱلرُّسُلُ، وَمِنْ أَيْنَ بَدَأَتِ ٱلْمَسِيحِيَّةُ تَنْتَشِرُ «إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ». — اع ١٣:٤٧.
مَضَتْ ٥٥ سَنَةً وَلَايْلَا هِيَ رَفِيقَتِي ٱلْوَلِيَّةُ فِي كُلِّ تَعْيِينَاتِنَا. فَقَدْ ذَهَبْنَا إِلَى إِسْبَانِيَا وَٱلْبُرْتُغَال عِدَّةَ مَرَّاتٍ حِينَ كَانَ ٱلْعَمَلُ فِيهِمَا مَحْظُورًا. فَشَجَّعْنَا ٱلْإِخْوَةَ وَجَلَبْنَا لَهُمْ مَطْبُوعَاتٍ وَحَاجِيَّاتٍ أُخْرَى. حَتَّى إِنَّنَا زُرْنَا إِخْوَةً مَسْجُونِينَ فِي قَادِس بِإِسْبَانِيَا. وَفَرِحْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي بِتَقْدِيمِ خِطَابٍ قَوَّاهُمْ وَشَجَّعَهُمْ.
وَمُنْذُ عَامِ ١٩٦٣، تَمَتَّعْتُ بِٱمْتِيَازِ تَنْظِيمِ ٱلسَّفَرِ إِلَى ٱلْمَحَافِلِ ٱلْأُمَمِيَّةِ فِي إِفْرِيقْيَا، أَمِيرْكَا ٱلْوُسْطَى وَٱلْجَنُوبِيَّةِ، أُورُوبَّا، أُوسْتْرَالِيَا، بُورْتُو رِيكُو، ٱلشَّرْقِ ٱلْأَقْصَى، نْيُوزِيلَنْدَا، وَهَاوَاي. كَمَا حَضَرْتُ أَنَا وَلَايْلَا مَحَافِلَ لَا تُنْسَى، مِثْلَ ٱلْمَحْفِلِ فِي وَارْسُو بِبُولَنْدَا عَامَ ١٩٨٩ ٱلَّذِي حَضَرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ رُوسِيَا. فَقَدْ كَانَ أَوَّلَ مَحْفِلٍ لَهُمْ بِهٰذِهِ ٱلضَّخَامَةِ. وَتَعَرَّفْنَا إِلَى إِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ أَمْضَوْا سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً فِي سُجُونِ ٱلِٱتِّحَادِ ٱلسُّوفْيَاتِيِّ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ.
اِمْتِيَازٌ آخَرُ عَزِيزٌ عَلَى قَلْبِي هُوَ زِيَارَةُ عَائِلَاتِ بُيُوتِ إِيلَ وَٱلْمُرْسَلِينَ حَوْلَ ٱلْعَالَمِ. مَثَلًا، فِي زِيَارَتِنَا ٱلْأَخِيرَةِ لِفَرْعِ كُورْيَا ٱلْجَنُوبِيَّةِ، تَعَرَّفْنَا إِلَى ٥٠ أَخًا مَسْجُونِينَ فِي مَدِينَةِ سُووُن. كَانُوا يَتَمَتَّعُونَ بِمَعْنَوِيَّاتٍ عَالِيَةٍ وَيَتَشَوَّقُونَ إِلَى خِدْمَةِ يَهْوَهَ خَارِجَ قُضْبَانِ ٱلسِّجْنِ. فَشَجَّعَنَا مِثَالُهُمْ كَثِيرًا. — رو ١:١١، ١٢.
زِيَادَةٌ تُفْرِحُ ٱلْقَلْبَ
رَأَيْتُ بِأُمِّ عَيْنِي كَيْفَ بَارَكَ يَهْوَهُ شَعْبَهُ عَبْرَ ٱلسِّنِينَ، مِنْ حَوَالَيْ ١٠٠٬٠٠٠ نَاشِرٍ حِينَ ٱعْتَمَدْتُ عَامَ ١٩٤٣ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ٨٬٠٠٠٬٠٠٠ ٱلْآنَ يَخْدُمُونَ يَهْوَهَ فِي ٢٤٠ بَلَدًا. وَمُتَخَرِّجُو جِلْعَادَ لَعِبُوا دَوْرًا كَبِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلزِّيَادَةِ. فَكَمْ يُفْرِحُنِي أَنِّي عَمِلْتُ مَعَ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ وَسَاعَدْتُهُمْ أَنْ يَصِلُوا إِلَى تَعْيِينَاتِهِمْ!
أَشْكُرُ يَهْوَهَ أَنِّي قَرَّرْتُ فِي شَبَابِي أَنْ أَخْدُمَ فِي بَيْتَ إِيلَ. فَهُوَ مَنَحَنِي بَرَكَاتٍ كَثِيرَةً عَلَى مَرِّ ٱلسِّنِينَ. وَبِٱلْإِضَافَةِ إِلَى أَفْرَاحِ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ، تَمَتَّعْنَا أَنَا وَلَايْلَا بِٱلْكِرَازَةِ مَعَ جَمَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي بْرُوكْلِين طَوَالَ أَكْثَرَ مِنْ ٥٠ سَنَةً وَكَسَبْنَا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْأَصْدِقَاءِ ٱلْحَقِيقِيِّينَ.
وَٱلْيَوْمَ، لَا أَزَالُ أَخْدُمُ فِي بَيْتَ إِيلَ بِدَعْمِ زَوْجَتِي. صَحِيحٌ أَنِّي تَخَطَّيْتُ ٱلْـ ٨٤ مِنَ ٱلْعُمْرِ، لٰكِنِّي أَتَمَتَّعُ بِتَعْيِينِي إِذْ إِنِّي أُشَارِكُ فِي ٱلِٱهْتِمَامِ بِمُرَاسَلَاتِ ٱلْفَرْعِ.
يَا لَهُ مِنْ شَرَفٍ كَبِيرٍ أَنْ نَكُونَ جُزْءًا مِنْ هَيْئَةِ يَهْوَهَ ٱلْمُمَيَّزَةِ! فَنَحْنُ نَلْمُسُ صِحَّةَ مَلَاخِي ٣:١٨ ٱلَّتِي تَقُولُ: «تَرْجِعُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ ٱلْبَارِّ وَٱلشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَخْدُمُ ٱللهَ وَمَنْ لَا يَخْدُمُهُ». فَكُلَّ يَوْمٍ، نَرَى عَالَمَ ٱلشَّيْطَانِ يَتَدَهْوَرُ وَٱلنَّاسَ فِيهِ بِلَا فَرَحٍ أَوْ رَجَاءٍ. أَمَّا ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ يَهْوَهَ وَيَخْدُمُونَهُ فَيَعِيشُونَ حَيَاةً سَعِيدَةً رَغْمَ ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلصَّعْبَةِ وَلَدَيْهِمْ رَجَاءٌ أَكِيدٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ. فَمَا أَعْظَمَ ٱمْتِيَازَنَا أَنْ نُبَشِّرَ ٱلنَّاسَ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ! (مت ٢٤:١٤) فَهٰذَا ٱلْمَلَكُوتُ سَيُزِيلُ قَرِيبًا عَالَمَنَا ٱلشِّرِّيرَ وَيُحَوِّلُ ٱلْأَرْضَ إِلَى فِرْدَوْسٍ رَائِعٍ. وَنَحْنُ نَتَطَلَّعُ بِشَوْقٍ إِلَى ٱلْوَقْتِ حِينَ سَيَتَمَتَّعُ ٱلْجَمِيعُ بِٱلصِّحَّةِ وَٱلسَّعَادَةِ إِلَى ٱلْأَبَدِ.