قِصَّةُ حَيَاةٍ
يهوه عزَّاني في كل ضيقاتي
عَلَى ٱلضَّفَّةِ ٱلْغَرْبِيَّةِ مِنْ نَهْرِ ٱلسِّنْدِ، ٱلْمَعْرُوفَةِ ٱلْيَوْمَ بِبَاكِسْتَان، تَقَعُ مَدِينَةُ سُوكُورُ ٱلْقَدِيمَةُ. هُنَاكَ وُلِدْتُ فِي ٩ تِشْرِينَ ٱلثَّانِي (نُوفَمْبِر) ١٩٢٩. وَفِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ، أَعْطَى مُرْسَلٌ إِنْكِلِيزِيٌّ لِوَالِدَيَّ مَجْمُوعَةَ كُتُبٍ مُلَوَّنَةٍ. وَكَانَ لِهٰذِهِ ٱلْكُتُبِ دَوْرٌ مُهِمٌّ فِي تَعَلُّمِي ٱلْحَقَّ.
دُعِيَتْ هٰذِهِ ٱلْكُتُبُ «مَجْمُوعَةَ قَوْسِ قُزَحَ». وَرُسُومَاتُهَا ٱلْجَمِيلَةُ أَشْعَلَتْ مُخَيِّلَتِي. فَتَشَوَّقْتُ مِنْ عُمْرٍ صَغِيرٍ إِلَى ٱلتَّعَلُّمِ عَنِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.
فِيمَا بَدَأَتِ ٱلْحَرْبُ ٱلْعَالَمِيَّةُ ٱلثَّانِيَةُ تُهَدِّدُ ٱلْهِنْدَ، ٱنْفَصَلَ وَالِدَايَ ثُمَّ تَطَلَّقَا. فَأَحْسَسْتُ أَنَّ عَالَمِي يَنْهَارُ. وَلَمْ أَفْهَمْ لِمَ يَفْتَرِقُ شَخْصَانِ أُحِبُّهُمَا كَثِيرًا. شَعَرْتُ أَنَّ أَحَاسِيسِي مُخَدَّرَةٌ وَأَنَّ ٱلْجَمِيعَ تَخَلَّوْا عَنِّي. لَمْ يَكُنْ لَدَيَّ إِخْوَةٌ، وَٱحْتَجْتُ إِلَى ٱلتَّعْزِيَةِ وَٱلدَّعْمِ.
بَعْدَ ذٰلِكَ، عِشْنَا أَنَا وَأُمِّي فِي ٱلْعَاصِمَةِ كَرَاتْشِي. وَذَاتَ يَوْمٍ، زَارَنَا طَبِيبٌ كَبِيرٌ فِي ٱلْعُمْرِ ٱسْمُهُ فْرِد هَارْدَايْكِر. وَكَانَ مِنْ شُهُودِ يَهْوَهَ مِثْلَ ٱلْمُرْسَلِ ٱلَّذِي أَعْطَى ٱلْكُتُبَ لِوَالِدَيَّ. فَعَرَضَ عَلَى أُمِّي دَرْسًا فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. فَرَفَضَتْ لٰكِنَّهَا قَالَتْ لَهُ إِنِّي قَدْ أَهْتَمُّ بِهٰذِهِ ٱلْمَوَاضِيعِ. فَبَدَأْتُ أَدْرُسُ مَعَهُ فِي ٱلْأُسْبُوعِ ٱلتَّالِي.
وَبَعْدَ عِدَّةِ أَسَابِيعَ، بَدَأْتُ أَحْضُرُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ فِي عِيَادَةِ ٱلْأَخِ هَارْدَايْكِر. وَقَدِ ٱجْتَمَعَ فِيهَا حَوَالَيِ ١٢ شَاهِدًا كَبِيرًا فِي ٱلْعُمْرِ. فَشَجَّعُونِي وَٱهْتَمُّوا بِي كَأَنِّي ٱبْنُهُمْ. وَلَنْ أَنْسَى أَبَدًا كَيْفَ ٱعْتَادُوا أَنْ يَجْلِسُوا بِجَانِبِي لِيَنْظُرُوا إِلَى عَيْنَيَّ حِينَ يَتَحَدَّثُونَ مَعِي. شَعَرْتُ أَنَّهُمْ أَصْدِقَاءُ حَقِيقِيُّونَ، وَهٰذَا تَمَامًا مَا ٱحْتَجْتُ إِلَيْهِ.
بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، دَعَانِي ٱلْأَخُ هَارْدَايْكِر لِأُرَافِقَهُ فِي ٱلْخِدْمَةِ. فَعَلَّمَنِي كَيْفَ أُشَغِّلُ ٱلْفُونُوغْرَافَ ٱلْمَحْمُولَ لِنُسْمِعَ ٱلنَّاسَ خِطَابَاتٍ قَصِيرَةً. وَكَانَ بَعْضُهَا صَرِيحًا جِدًّا. لِذَا لَمْ يُحِبَّ بَعْضُ أَصْحَابِ ٱلْبُيُوتِ رِسَالَتَنَا. مَعَ ذٰلِكَ، أَفْرَحَنِي كَثِيرًا عَمَلُ ٱلتَّبْشِيرِ. وَكُنْتُ مُتَحَمِّسًا جِدًّا لِأَنْقُلَ ٱلْحَقَّ إِلَى ٱلْآخَرِينَ.
وَفِيمَا ٱسْتَعَدَّ ٱلْجَيْشُ ٱلْيَابَانِيُّ لِغَزْوِ ٱلْهِنْد، مَارَسَتِ ٱلسُّلُطَاتُ ٱلْبَرِيطَانِيَّةُ ضَغْطًا مُتَزَايِدًا عَلَى شُهُودِ يَهْوَهَ. وَلٰكِنْ فِي تَمُّوزَ (يُولْيُو) ١٩٤٣، بَدَأَ هٰذَا ٱلضَّغْطُ يُؤَثِّرُ فِي حَيَاتِي. فَمُدِيرُ ٱلْمَدْرَسَةِ، وَهُوَ رَجُلُ دِينٍ أَنْغِلِيكَانِيٌّ، طَرَدَنِي لِأَنِّي «مِثَالٌ سَيِّئٌ لِلتَّلَامِيذِ». كَمَا أَخْبَرَ أُمِّي أَنَّ عِشْرَتِي لِشُهُودِ يَهْوَهَ تُفْسِدُنِي. فَٱرْتَعَبَتْ وَمَنَعَتْنِي مِنْ مُعَاشَرَتِهِمْ. ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى أَبِي فِي بِيشَاوَر، وَهِيَ بَلْدَةٌ تَبْعُدُ ١٬٣٧٠ كِيلُومِتْرًا شَمَالًا. وَبَعِيدًا عَنِ ٱلْإِخْوَةِ وَٱلطَّعَامِ ٱلرُّوحِيِّ، خَفَّتْ حَمَاسَتِي لِلْحَقِّ.
اِسْتِعَادَةُ صِحَّتِي ٱلرُّوحِيَّةِ
عَامَ ١٩٤٧، عُدْتُ إِلَى كَرَاتْشِي كَيْ أَبْحَثَ عَنْ عَمَلٍ. وَزُرْتُ عِيَادَةَ ٱلطَّبِيبِ هَارْدَايْكِر. فَرَحَّبَ بِي تَرْحِيبًا حَارًّا، ثُمَّ سَأَلَنِي مُفْتَكِرًا أَنِّي مَرِيضٌ:
- مِمَّ تَشْكُو؟
- لَسْتُ مَرِيضًا جَسَدِيًّا، بَلْ رُوحِيًّا. وَأَحْتَاجُ أَنْ أَدْرُسَ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ.
- وَمَتَى تُحِبُّ أَنْ تَبْدَأَ؟
- اَلْآنَ إِنْ أَمْكَنَ.
فَأَمْضَيْنَا أُمْسِيَةً رَائِعَةً فِي دَرْسِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. وَٱرْتَحْتُ كَثِيرًا لِأَنِّي شَعَرْتُ أَنِّي بَيْنَ شَعْبِ يَهْوَهَ مِنْ جَدِيدٍ. وَفِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ، حَاوَلَتْ أُمِّي مُجَدَّدًا أَنْ تَمْنَعَنِي مِنْ مُعَاشَرَةِ ٱلشُّهُودِ. لٰكِنِّي كُنْتُ مُصَمِّمًا أَنْ أَخْدُمَ يَهْوَهَ. فَٱعْتَمَدْتُ فِي ٣١ آبَ (أُغُسْطُس) ١٩٤٧. ثُمَّ بَدَأْتُ أَخْدُمُ كَفَاتِحٍ عَادِيٍّ وَأَنَا بِعُمْرِ ١٧ سَنَةً.
اَلْفَرَحُ فِي خِدْمَةِ ٱلْفَتْحِ
تَعَيَّنْتُ أَوَّلًا فِي كْوِيتَّا، وَهِيَ بَلْدَةٌ بَعِيدَةٌ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْجَيْشِ ٱلْبَرِيطَانِيِّ. وَلٰكِنْ عَامَ ١٩٤٧، ٱنْقَسَمَتِ ٱلْبِلَادُ إِلَى ٱلْهِنْد وَبَاكِسْتَان. * فَٱنْتَشَرَ ٱلْعُنْفُ ٱلدِّينِيُّ، مَا أَدَّى إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ أَكْبَرِ ٱلْهِجْرَاتِ فِي ٱلتَّارِيخِ. فَقَدْ تَشَرَّدَ نَحْوُ ١٤ مِلْيُونَ لَاجِئٍ. وَٱنْتَقَلَ ٱلْمُسْلِمُونَ فِي ٱلْهِنْد إِلَى بَاكِسْتَان، فِيمَا ٱنْتَقَلَ ٱلْهِنْدُوسُ وَٱلسِّيخُ إِلَى ٱلْهِنْد. وَلٰكِنْ رَغْمَ هٰذِهِ ٱلْأَوْضَاعِ، رَكِبْتُ قِطَارًا مُزْدَحِمًا فِي كَرَاتْشِي وَتَوَجَّهْتُ إِلَى تَعْيِينِي. وَبَقِيتُ مُعْظَمَ ٱلرِّحْلَةِ مُتَمَسِّكًا بِإِحْكَامٍ بِدَرَبْزِينٍ خَارِجِيٍّ، حَتَّى وَصَلْتُ أَخِيرًا إِلَى كْوِيتَّا.
وَهُنَاكَ، تَعَرَّفْتُ إِلَى فَاتِحٍ خُصُوصِيٍّ فِي أَوَاسِطِ عِشْرِينِيَّاتِهِ يُدْعَى جُورْج سِن. فَأَعْطَانِي دَرَّاجَةً هَوَائِيَّةً قَدِيمَةً كَيْ أَتَنَقَّلَ بِهَا، أَوْ بِٱلْأَحْرَى أَجُرَّهَا، فِي مُقَاطَعَتِنَا ٱلْكَثِيرَةِ ٱلتِّلَالِ. وَبَشَّرْتُ وَحْدِي مُعْظَمَ ٱلْوَقْتِ. وَخِلَالَ ٦ أَشْهُرٍ، دَرَسْتُ مَعَ ١٧ شَخْصًا وَٱعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ. أَحَدُهُمْ كَانَ ضَابِطًا فِي ٱلْجَيْشِ ٱسْمُهُ صَادِق مَاسِي. وَقَدْ سَاعَدَنِي أَنَا وَجُورْج لِنُتَرْجِمَ بَعْضَ ٱلْمَطْبُوعَاتِ إِلَى ٱللُّغَةِ ٱلْأُورْدِيَّةِ، ٱللُّغَةِ ٱلرَّسْمِيَّةِ فِي بَاكِسْتَان. وَمَعَ ٱلْوَقْتِ، صَارَ صَادِق مُبَشِّرًا غَيُورًا.
بَعْدَ فَتْرَةٍ، عُدْتُ إِلَى كَرَاتْشِي. فَخَدَمْتُ مَعَ هَنْرِي فِنْتْش وَهَارِي فُورِسْت، أَخَوَيْنِ تَخَرَّجَا مِنْ مَدْرَسَةِ جِلْعَادَ وَوَصَلَا مُنْذُ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ. وَكَمْ أُقَدِّرُ ٱلتَّدْرِيبَ ٱلَّذِي نِلْتُهُ مِنْهُمَا! فَذَاتَ مَرَّةٍ، ذَهَبْتُ مَعَ ٱلْأَخِ فِنْتْش لِنَخْدُمَ شَمَالَ بَاكِسْتَان. فَبَشَّرْنَا بِٱللُّغَةِ ٱلْأُورْدِيَّةِ عِنْدَ سَفْحِ سِلْسِلَةِ جِبَالٍ شَاهِقَةٍ. وَٱلْتَقَيْنَا قَرَوِيِّينَ كَثِيرِينَ مُتَوَاضِعِينَ وَمُتَعَطِّشِينَ إِلَى ٱلْحَقِّ. وَبَعْدَ سَنَتَيْنِ، حَضَرْتُ
أَنَا أَيْضًا مَدْرَسَةَ جِلْعَادَ. ثُمَّ عُدْتُ إِلَى بَاكِسْتَان حَيْثُ قُمْتُ أَحْيَانًا بِزِيَارَاتٍ دَائِرِيَّةٍ. وَعِشْتُ فِي لَاهُور فِي بَيْتٍ لِلْمُرْسَلِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ مُرْسَلِينَ آخَرِينَ.تَخَطِّي أَزْمَةٍ صَعْبَةٍ
لِلْأَسَفِ، عَامَ ١٩٥٤، وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فِي لَاهُور بِسَبَبِ تَضَارُبِ شَخْصِيَّاتِهِمْ. فَقَرَّرَ مَكْتَبُ ٱلْفَرْعِ إِعَادَةَ تَعْيِينِ بَعْضِهِمْ. وَلِأَنِّي ٱنْحَزْتُ إِلَى أَحَدِ ٱلْأَطْرَافِ، نِلْتُ مَشُورَةً قَوِيَّةً. فَتَأَلَّمْتُ كَثِيرًا وَشَعَرْتُ أَنِّي فَشِلْتُ فِي تَعْيِينِي. فَعُدْتُ إِلَى كَرَاتْشِي ثُمَّ ٱنْتَقَلْتُ إِلَى لَنْدَن فِي إِنْكِلْتَرَا، عَلَى أَمَلِ أَنْ أَفْتَحَ صَفْحَةً جَدِيدَةً.
ضَمَّتْ جَمَاعَتِي فِي لَنْدَن عَدَدًا مِنْ أَعْضَاءِ عَائِلَةِ بَيْتَ إِيلَ. وَمِنْ بَيْنِهِمْ خَادِمُ ٱلْفَرْعِ، بْرَايْس هْيُوز. كَانَ ٱلْأَخُ هْيُوز لَطِيفًا جِدًّا وَٱهْتَمَّ بِي. فَأَخْبَرَنِي عَنْ مَشُورَةٍ قَوِيَّةٍ تَلَقَّاهَا مَرَّةً مِنَ ٱلْأَخِ جُوزِيف رَذَرْفُورْد. وَآنَذَاكَ، كَانَ ٱلْأَخُ رَذَرْفُورْد يُشْرِفُ عَلَى عَمَلِ ٱلتَّبْشِيرِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ. وَحِينَ حَاوَلَ ٱلْأَخُ هْيُوز أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، وَبَّخَهُ ٱلْأَخُ رَذَرْفُورْد بِقَسَاوَةٍ. لٰكِنِّي تَفَاجَأْتُ حِينَ رَأَيْتُ ٱلْأَخَ هْيُوز يَبْتَسِمُ وَهُوَ يَتَذَكَّرُ مَا حَصَلَ. فَقَدْ أَحْزَنَتْهُ تِلْكَ ٱلْحَادِثَةُ فِي ٱلْبِدَايَةِ، لٰكِنَّهُ أَدْرَكَ لَاحِقًا أَنَّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى هٰذِهِ ٱلْمَشُورَةِ ٱلْقَوِيَّةِ. وَٱعْتَبَرَهَا دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّةِ يَهْوَهَ لَهُ. (عب ١٢:٦) فَأَثَّرَ ذٰلِكَ فِيَّ كَثِيرًا، وَسَاعَدَنِي كَيْ أَسْتَعِيدَ تَوَازُنِي ٱلرُّوحِيَّ.
خِلَالَ تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ، ٱنْتَقَلَتْ أُمِّي إِلَى لَنْدَن. فَعَرَضَ عَلَيْهَا ٱلْأَخُ جُون إِ. بَارُّ، ٱلَّذِي خَدَمَ لَاحِقًا فِي ٱلْهَيْئَةِ ٱلْحَاكِمَةِ، دَرْسًا فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. فَوَافَقَتْ وَبَدَأَتْ تَتَقَدَّمُ. ثُمَّ ٱعْتَمَدَتْ عَامَ ١٩٥٧. وَعَلِمْتُ لَاحِقًا أَنَّ أَبِي أَيْضًا دَرَسَ مَعَ شُهُودِ يَهْوَهَ قَبْلَ وَفَاتِهِ.
وَفِي عَامِ ١٩٥٨، تَزَوَّجْتُ لِين، أُخْتًا دَانِمَارْكِيَّةً تَعِيشُ فِي لَنْدَن. وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلتَّالِيَةِ رُزِقْنَا بِٱبْنَتِنَا جَايْن، وَكَانَتْ أَوَّلَ أَوْلَادِنَا ٱلْخَمْسَةِ. كَمَا عُيِّنْتُ شَيْخًا فِي جَمَاعَةِ فُولَم. لٰكِنَّ لِين عَانَتْ مِنْ مَشَاكِلَ صِحِّيَّةٍ. فَٱضْطُرِرْنَا أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى مَكَانٍ أَكْثَرَ دِفْئًا. لِذَا ٱنْتَقَلْنَا عَامَ ١٩٦٧ إِلَى أَدِيلَايْد فِي أُوسْتْرَالِيَا.
حُزْنٌ يَسْحَقُ ٱلْقَلْبَ
ضَمَّتْ جَمَاعَتُنَا فِي أَدِيلَايْدَ ١٢ مَمْسُوحًا كَبِيرًا فِي ٱلسِّنِّ. كَانُوا قِيَادِيِّينَ وَغَيُورِينَ جِدًّا فِي عَمَلِ ٱلْبِشَارَةِ. فَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى صَارَ لَدَى عَائِلَتِنَا رُوتِينٌ رُوحِيٌّ جَيِّدٌ.
وَعَامَ ١٩٧٩، وُلِدَ ٱبْنُنَا ٱلْخَامِسُ دَانِيَال، وَكَانَ يُعَانِي مِنْ * فَقَالَ لَنَا ٱلْأَطِبَّاءُ إِنَّهُ لَنْ يَعِيشَ طَوِيلًا. وَمَا زِلْتُ حَتَّى ٱلْآنَ أَسْتَصْعِبُ أَنْ أَصِفَ ٱلْأَلَمَ وَٱلْحُزْنَ ٱللَّذَيْنِ شَعَرْنَا بِهِمَا. فَعَلْنَا كُلَّ مَا فِي وِسْعِنَا لِنَعْتَنِيَ بِهِ دُونَ أَنْ نُهْمِلَ بَاقِيَ أَوْلَادِنَا. وَأَحْيَانًا كَانَ دَانِيَال يَزْرَقُّ بِسَبَبِ نَقْصٍ فِي ٱلْأُكْسِجِينِ نَاتِجٍ عَنْ ثِقْبَيْنِ فِي قَلْبِهِ. فَنُسْرِعُ بِهِ إِلَى ٱلْمُسْتَشْفَى. وَلٰكِنْ رَغْمَ صِحَّتِهِ ٱلرَّدِيئَةِ، كَانَ ذَكِيًّا وَقَرِيبًا مِنَ ٱلْقَلْبِ وَيُحِبُّ يَهْوَهَ كَثِيرًا. فَهُوَ لَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَتَنَاوَلَ ٱلطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ. وَكَانَ كُلَّمَا صَلَّيْنَا، يَشْبِكُ يَدَيْهِ ٱلصَّغِيرَتَيْنِ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ ثُمَّ يَقُولُ «آمِينَ».
مُتَلَازِمَةِ دَاوْن.عِنْدَمَا بَلَغَ دَانِيَالُ ٱلرَّابِعَةَ مِنَ ٱلْعُمْرِ، أُصِيبَ بِلُوكِيمْيَا حَادَّةٍ. آنَذَاكَ، كُنَّا أَنَا وَلِين مُسْتَنْزَفَيْنِ جَسَدِيًّا وَعَاطِفِيًّا. وَلٰكِنْ حِينَ شَعَرْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ أَنَّنَا عَلَى وَشْكِ ٱلِٱنْهِيَارِ، زَارَنَا نَاظِرُ دَائِرَتِنَا نِيفِيل بْرَامِيتْش. كُنَّا يَائِسَيْنِ. فَلَفَّ ذِرَاعَيْهِ حَوْلَنَا وَبَكَى مَعَنَا. وَكَمْ أَرَاحَتْنَا زِيَارَتُهُ! لَنْ نَنْسَى أَبَدًا مَحَبَّتَهُ وَتَعَاطُفَهُ وَكَلِمَاتِهِ ٱلْمُعَزِّيَةَ. وَقَدْ بَقِيَ مَعَنَا حَتَّى ٱلْوَاحِدَةِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ. وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى تُوُفِّيَ دَانِيَال. وَخَسَارَتُهُ هِيَ أَسْوَأُ مِحْنَةٍ وَاجَهْنَاهَا. مَعَ ذٰلِكَ، صَبَرْنَا وَاثِقَيْنِ أَنْ لَا شَيْءَ، وَلَا حَتَّى ٱلْمَوْتَ، قَادِرٌ أَنْ يَفْصِلَ دَانِيَال عَنْ مَحَبَّةِ يَهْوَهَ لَهُ. (رو ٨:٣٨، ٣٩) وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ أَنْ نَرَاهُ مُجَدَّدًا وَنَعِيشَ مَعَهُ فِي عَالَمِ ٱللهِ ٱلْجَدِيدِ. — يو ٥:٢٨، ٢٩.
مُسَاعَدَةُ ٱلْآخَرِينَ تُفْرِحُنَا
مَا زِلْتُ أَخْدُمُ كَشَيْخٍ مَعَ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْ سَكْتَتَيْنِ دِمَاغِيَّتَيْنِ. وَمَا مَرَرْتُ بِهِ عَلَّمَنِي أَنْ أَتَعَاطَفَ مَعَ ٱلْآخَرِينَ، خُصُوصًا ٱلَّذِينَ يَمُرُّونَ بِمَشَاكِلَ. وَأَنَا أَسْعَى أَلَّا أَدِينَهُمْ. بَدَلًا مِنْ ذٰلِكَ، أَسْأَلُ نَفْسِي: ‹مَا خَلْفِيَّتُهُمْ؟ كَيْفَ تُؤَثِّرُ فِي طَرِيقَةِ تَفْكِيرِهِمْ وَرَدَّةِ فِعْلِهِمْ؟ كَيْفَ أُظْهِرُ لَهُمْ أَنِّي أُحِبُّهُمْ؟ وَكَيْفَ أُشَجِّعُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُرْضِي يَهْوَهَ؟›. وَأُحِبُّ مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَنْ أَقُومَ بِزِيَارَاتٍ رِعَائِيَّةٍ. فَعِنْدَمَا أُسَاعِدُ ٱلْآخَرِينَ وَأُعَزِّيهِمْ، أَشْعُرُ أَنِّي تَعَزَّيْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَدَّدْتُ نَشَاطِي.
وَٱلْيَوْمَ، أَشْعُرُ كَمَا شَعَرَ صَاحِبُ ٱلْمَزْمُورِ ٱلَّذِي قَالَ: «لَمَّا كَثُرَتْ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، لَاطَفَتْ تَعْزِيَاتُ [يَهْوَهَ] نَفْسِي». (مز ٩٤:١٩) فَيَهْوَهُ قَوَّانِي عِنْدَمَا وَاجَهْتُ ٱلْمَشَاكِلَ ٱلْعَائِلِيَّةَ، ٱلْمُقَاوَمَةَ ٱلدِّينِيَّةَ، خَيْبَاتِ ٱلْأَمَلِ، وَٱلْكَآبَةَ. فِعْلًا، كَانَ يَهْوَهُ وَلَا يَزَالُ أَبًا حَقِيقِيًّا لِي.
^ الفقرة 19 تَأَلَّفَتْ بَاكِسْتَان فِي ٱلْبِدَايَةِ مِنْ بَاكِسْتَانَ ٱلْغَرْبِيَّةِ (ٱلْآنَ بَاكِسْتَان) وَبَاكِسْتَانَ ٱلشَّرْقِيَّةِ (ٱلْآنَ بَنْغْلَادِش).
^ الفقرة 29 اُنْظُرِ ٱلْمَقَالَةَ «مَا تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ أَنْدْرُو» فِي عَدَدِ ٨ كَانُونَ ٱلْأَوَّلِ (دِيسَمْبِر) ١٩٩٥ مِنْ إِسْتَيْقِظْ!.