قصة حياة
«لم أكن وحيدًا أبدًا»
كَثيرَةٌ هي ظُروفُ الحَياةِ الَّتي تُحَسِّسُنا بِالوَحدَة، ومِنها خَسارَةُ أشخاصٍ نُحِبُّهُم، الغُربَةُ عن وَطَنِنا، والبُعدُ عنِ النَّاس. أنا مَرَرتُ بِكُلِّ هذِهِ الظُّروف. ولكنْ حينَ أنظُرُ الآنَ إلى الوَراء، أُدرِكُ أنِّي لم أكُنْ على الإطلاقِ شَخصًا وَحيدًا. دَعوني أُخبِرُكُم كَيفَ وَصَلتُ إلى هذا الاستِنتاج.
مِثالُ والِدَيَّ
كانَ أبي وأُمِّي كاثوليكِيَّيْنِ مُخلِصَيْن. ولكنْ عِندَما عَرَفا مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ أنَّ اسْمَ اللّٰهِ هو يَهْوَه، صارا كِلاهُما شاهِدَيْنِ نَشيطَيْنِ ومُندَفِعَيْن. فما عادَ أبي يَنحَتُ تَماثيلَ لِيَسُوع. بلِ استَفادَ مِن مَهارَتِهِ في النِّجارَةِ لِيُحَوِّلَ الطَّابِقَ الأرضِيَّ في بَيتِنا إلى أوَّلِ قاعَةِ مَلَكوتٍ في سَان خْوَان دِيل مُونْت، إحْدى ضَواحي مَانِيلَا عاصِمَةِ الفِيلِيبِّين.
عِندَما وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٥٢، بَدَأ والِدايَ يُعَلِّمانِني أفضَلَ تَعليمٍ روحِيّ، مِثلَما كانا يَفعَلانِ مع إخوَتي الأربَعَة وأخَواتي الثَّلاث الأكبَرِ مِنِّي. وفيما كُنتُ أكبَر، شَجَّعَني أبي أن أقرَأَ فَصلًا مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ كُلَّ يَوم. كما أنَّهُ دَرَسَ معي عِدَّةَ مَطبوعاتٍ لِلهَيئَة. ومِن وَقتٍ إلى آخَر، كانَ والِدايَ يَدْعُوانِ النُّظَّارَ الجائِلينَ ومُمَثِّلي مَكتَبِ الفَرعِ لِيَناموا في بَيتِنا. وكم كُنَّا جَميعًا نَفرَحُ ونَتَشَجَّعُ بِاختِباراتِهِم! وهذِهِ الاختِباراتُ دَفَعَتنا جَميعًا أن نَضَعَ الخِدمَةَ أوَّلًا في حَياتِنا.
تَرَكَ لي والِدايَ ميراثًا ثَمينًا: الإيمانَ بِيَهْوَه. فبَعدَما ماتَت أُمِّي الحَبيبَة بِسَبَبِ المَرَض، بَدَأنا أنا وأبي خِدمَةَ الفَتحِ معًا سَنَةَ ١٩٧١. ولكنْ سَنَةَ ١٩٧٣ حينَ كانَ عُمري ٢٠ سَنَة، تُوُفِّيَ أبي. خَسارَةُ والِدَيَّ كِلَيْهِما تَرَكَت فِيَّ فَراغًا كَبيرًا وإحساسًا شَديدًا بِالوَحدَة. لكنَّ أمَلي ‹الأكيدَ والثَّابِتَ› المَبنِيَّ على الكِتابِ المُقَدَّسِ ساعَدَني أن أبْقى ثابِتًا ومَنَحَني شُعورًا بِالاستِقرارِ العاطِفِيِّ والرُّوحِيّ. (عب ٦:١٩) وبَعدَ وَقتٍ قَصيرٍ مِن مَوتِ أبي، قَبِلتُ تَعيينًا كفاتِحٍ خُصوصِيٍّ في جَزيرَةِ كُورُون النَّائِيَة في مُقاطَعَةِ بَالَاوَان في الفِيلِيبِّين.
وَحيدٌ في تَعييناتٍ صَعبَة
كانَ عُمري ٢١ سَنَةً حينَ وَصَلتُ إلى كُورُون. ولِأنِّي ابنُ مَدينَة، تَفاجَأتُ حينَ اكتَشَفتُ أنَّ الكَهرَباءَ والمِياهَ الجارِيَة لا تَتَوَفَّرُ دائِمًا في كُورُون، وأنَّ وَسائِلَ النَّقلِ قَليلَة. ومع أنَّهُ كانَ هُناك بَعضُ الإخوَة، لم يَكُنْ لَدَيَّ رَفيقٌ في الفَتحِ وكانَ علَيَّ أحيانًا أن أُبَشِّرَ وَحْدي. في الشَّهرِ الأوَّل، اشتَقتُ كَثيرًا إلى عائِلَتي وأصدِقائي. وفي اللَّيل، كُنتُ أتَأمَّلُ السَّماءَ المُرَصَّعَة
بِالنُّجومِ والدُّموعُ تَنزِلُ على خَدَّيَّ. شَعَرتُ أنِّي أُريدُ أن أترُكَ تَعييني وأعودَ إلى بَيتي.خِلالَ لَحَظاتِ الوَحدَةِ هذِه، كُنتُ أفتَحُ قَلبي لِيَهْوَه وأتَذَكَّرُ أفكارًا مُشَجِّعَة مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ ومَطبوعاتِنا. فغالِبًا ما كانَ المَزْمُور ١٩:١٤ يَخطُرُ على بالي. وأدرَكتُ أنَّ يَهْوَه سيَكونُ ‹صَخرَةً ومُخَلِّصًا› لي إذا تَأمَّلتُ في صِفاتِهِ وأعمالِه. كما أنَّ المَقالَة «أنتَ لَستَ وَحْدَكَ أبَدًا» a الَّتي صَدَرَت في بُرجِ المُراقَبَة كانَت عَونًا كَبيرًا لي. فقَرَأتُها وقَرَأتُها مَرَّةً بَعدَ مَرَّة. وهذا حَسَّسَني أنَّ يَهْوَه مَوجودٌ معي، وأعْطاني فُرَصًا رائِعَة لِأُصَلِّي وأدرُس وأتَأمَّل.
لم يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ على وُصولي إلى كُورُون حتَّى تَعَيَّنتُ شَيخًا. ولِأنَّني الشَّيخُ الوَحيد، كُنتُ أُديرُ أُسبوعِيًّا مَدرَسَةَ الخِدمَةِ الثِّيوقراطِيَّة، اجتِماعَ الخِدمَة، دَرسَ الكِتابِ الجَماعِيّ، ودَرسَ بُرجِ المُراقَبَة. كما أنَّني قَدَّمتُ الخِطابَ العامَّ كُلَّ أُسبوع. فلم يَعُدْ لَدَيَّ وَقتٌ لِأشعُرَ بِالوَحدَة!
كانَت خِدمَتي مُثمِرَةً في كُورُون. فبَعضُ الَّذينَ دَرَستُ معهُمُ الكِتابَ المُقَدَّسَ تَقَدَّموا في الحَقِّ واعتَمَدوا. ولكنْ كانَ هُناك بَعضُ التَّحَدِّيات. فأحيانًا، كُنتُ أسيرُ نِصفَ يَومٍ لِأصِلَ إلى المُقاطَعَة. ولم يَكُنْ لَدَيَّ أيُّ فِكرَةٍ أينَ سأنام. أيضًا، شَمَلَت مُقاطَعَةُ الجَماعَةِ الكَثيرَ مِنَ الجُزُرِ الأصغَر. وغالِبًا ما كُنتُ أذهَبُ إلَيها في مَركَبٍ آلِيٍّ وَسَطَ البَحرِ الهائِجِ وأنا لا أعرِفُ كَيفَ أسبَح! ولكنْ خِلالَ كُلِّ هذِهِ التَّحَدِّيات، شَعَرتُ بِحِمايَةِ يَهْوَه ودَعمِهِ لي. ولاحِقًا، فَهِمتُ أنَّهُ يُجَهِّزُني لِتَحَدِّياتٍ أكبَرَ في تَعييني التَّالي.
بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة
سَنَةَ ١٩٧٨، تَعَيَّنتُ في بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة شَمالِيَّ أُوسْتْرَالِيَا. وهذا البَلَدُ مَليءٌ بِالجِبالِ ومِساحَتُهُ مِثلُ مِساحَةِ إسْبَانْيَا تَقريبًا. ومع أنَّ عَدَدَ سُكَّانِهِ كانَ حَوالَيْ ثَلاثَةِ مَلايين، فهُم يَتَكَلَّمونَ أكثَرَ مِن ٨٠٠ لُغَة! لكنَّ ما عَزَّاني هو أنَّ أغلَبِيَّتَهُم يَتَكَلَّمونَ المِيلَانِيزِيَّةَ الهَجين، الَّتي تُعرَفُ بِاسْمِ تُوك بِيسِين.
تَعَيَّنتُ وَقتِيًّا في جَماعَةٍ تَتَكَلَّمُ الإنْكِلِيزِيَّةَ في العاصِمَةِ بُورْت مُورْزْبِي. لكنِّي انتَقَلتُ بَعدَ ذلِك إلى جَماعَةٍ تَتَكَلَّمُ التُّوك بِيسِين وبَدَأتُ أدرُسُ هذِهِ اللُّغَة. وكُنتُ أستَعمِلُ ما أتَعَلَّمُهُ في الصَّفِّ حينَ أُبَشِّرُ النَّاس. وهذا ساعَدَني أن أتَعَلَّمَ اللُّغَةَ بِشَكلٍ أسرَع. وبَعدَ وَقتٍ قَصير، قَدَّمتُ خِطابًا عامًّا بِالتُّوك بِيسِين. وتَخَيَّلوا كم تَفاجَأتُ لِأنَّني بَعدَ أقَلَّ مِن سَنَةٍ على وُصولي إلى بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة، تَعَيَّنتُ كناظِرِ دائِرَةٍ لِلجَماعاتِ بِالتُّوك بِيسِين في عِدَّةِ مُقاطَعاتٍ واسِعَة.
ولِأنَّ الجَماعاتِ كانَت مُتَباعِدَة، كانَ علَيَّ أن أُنَظِّمَ العَديدَ مِنَ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة وأُسافِرَ كَثيرًا. في البِدايَة، شَعَرتُ أنِّي مَعزولٌ جِدًّا في ظُروفٍ غَريبَة علَيَّ: بَلَدٍ جَديد، لُغَةٍ جَديدَة، وعاداتٍ جَديدَة. ولم يَكُنْ بِإمكاني أن أتَنَقَّلَ بَرًّا بَينَ الجَماعاتِ
بِسَبَبِ طَبيعَةِ الأرضِ الجَبَلِيَّة والوَعِرَة. لِذلِك كانَ علَيَّ أن أُسافِرَ بِالطَّائِرَةِ كُلَّ أُسبوعٍ تَقريبًا. وأحيانًا، كُنتُ المُسافِرَ الوَحيدَ في طائِرَةٍ مُتَخَلخِلَة يُشَغِّلُها مُحَرِّكٌ واحِد. وكانَت هذِهِ الرِّحلاتُ تُوَتِّرُ أعصابي، مَثَلُها مَثَلُ السَّفَرِ بِالمَركَب.كانَ قَليلونَ مِنَ النَّاسِ فَقَط لَدَيهِم هَواتِف، لِذلِك كُنتُ أتَواصَلُ معَ الجَماعاتِ بِالرَّسائِل. وغالِبًا ما كُنتُ أصِلُ قَبلَ رَسائِلي وأُضطَرُّ أن أسألَ أهلَ المِنطَقَةِ كَي أجِدَ النَّاشِرين. ولكنْ كُلَّما كُنتُ أجِدُهُم، كانوا يُرَحِّبونَ بي بِكُلِّ تَقدير. وهذا حَسَّسَني أنَّ الأمرَ يَستَحِقُّ كُلَّ الجُهد. وقد لَمَستُ دَعمَ يَهْوَه بِعِدَّةِ طُرُق، وصارَت عَلاقَتي بهِ أقْوى بِكَثير.
في أوَّلِ اجتِماعٍ لي في جَزيرَةٍ اسْمُها بُوغَنْفِيل، اقتَرَبَ مِنِّي زَوجانِ بِابتِسامَةٍ عَريضَة وسَألاني: «هل تَتَذَكَّرُنا؟». فتَذَكَّرتُ أنِّي بَشَّرتُهُما أوَّلَ وُصولي إلى بُورْت مُورْزْبِي وبَدَأتُ أدرُسُ الكِتابَ المُقَدَّسَ معهُما. ثُمَّ سَلَّمتُ الدَّرسَ إلى أخٍ مِنَ المِنطَقَة. والآنَ كِلاهُما مُعتَمِدان! هذِهِ كانَت إحْدى البَرَكاتِ الكَثيرَة الَّتي نِلتُها خِلالَ سَنَواتي الثَّلاث في بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة.
عائِلَةٌ صَغيرَة مَشغولَة بِالخِدمَة
قَبلَ أن أترُكَ كُورُون سَنَةَ ١٩٧٨، تَعَرَّفتُ على أَدِيل، أُختٍ جَميلَة تُضَحِّي كَثيرًا مِن أجْلِ غَيرِها. فهي كانَت تَخدُمُ كفاتِحَةٍ عادِيَّة فيما تُرَبِّي وَلَدَيْها سَامْوِيل وشِيرْلِي وتَهتَمُّ بِأُمِّها المُسِنَّة. وفي أيَّار (مَايُو) ١٩٨١، عُدتُ إلى الفِيلِيبِّين لِأتَزَوَّجَها. وبَعدَ زَواجِنا، خَدَمْنا معًا كفاتِحَيْنِ عادِيَّيْنِ واهتَمَّيْنا معًا بِالعائِلَة.
ورَغمَ أنِّي صِرتُ رَبَّ عائِلَة، تَعَيَّنتُ مُجَدَّدًا سَنَةَ ١٩٨٣ كفاتِحٍ خُصوصِيٍّ في جَزيرَةِ لِينَابَاكَان في مُقاطَعَةِ بَالَاوَان. فانتَقَلَت كُلُّ العائِلَةِ إلى هذا المَكانِ المُنعَزِلِ الَّذي لم يَكُنْ فيهِ شُهود. وبَعدَ سَنَةٍ تَقريبًا، تُوُفِّيَت أُمُّ أَدِيل. لكنَّنا بَقينا مَشغولينَ بِالخِدمَة، وهذا قَوَّانا لِنَتَحَمَّلَ خَسارَتَها. وقد بَدَأنا نَعقِدُ الكَثيرَ مِنَ الدُّروسِ الرَّائِعَة في لِينَابَاكَان، حتَّى إنَّنا صِرنا بِحاجَةٍ إلى قاعَةِ مَلَكوتٍ صَغيرَة. فبَنَينا واحِدَةً بِأيْدينا. وبَعدَ ثَلاثِ سَنَواتٍ فَقَط مِن وُصولِنا، فَرِحنا كَثيرًا بِأن نَرى ١١٠ أشخاصٍ يَحضُرونَ الذِّكْرى، وكَثيرونَ مِنهُم تَقَدَّموا في الحَقِّ واعتَمَدوا بَعدَ رَحيلِنا.
سَنَةَ ١٩٨٦، تَعَيَّنتُ في جَزيرَةِ كُولْيُون الَّتي كانَ فيها مُستَعمَرَةٌ لِمَرْضى البَرَص. وبَعدَ ذلِك، تَعَيَّنَت أَدِيل أيضًا فاتِحَةً خُصوصِيَّة. في البِدايَة، شَعَرنا بِالتَّوَتُّرِ لِأنَّنا سنُبَشِّرُ أشخاصًا شَوَّهَهُمُ البَرَص. لكنَّ النَّاشِرينَ في المِنطَقَةِ أكَّدوا لنا أنَّ الَّذينَ أُصيبوا مِن قَبل بِهذا المَرَض تَلَقَّوُا العِلاجَ المُناسِبَ وأنَّ خَطَرَ العَدْوى ضَئيلٌ جِدًّا. وبَعضُ هؤُلاءِ الأشخاصِ حَضَروا الاجتِماعاتِ في بَيتِ إحْدى الأخَوات. لو ٥:١٢، ١٣.
وبَعدَ وَقتٍ قَصير، تَكَيَّفنا معَ الوَضعِ وصِرنا نَفرَحُ كَثيرًا بِأن نَتَكَلَّمَ عنِ الأمَلِ الَّذي في الكِتابِ المُقَدَّسِ مع أشخاصٍ شَعَروا أنَّهُم مَنبوذونَ مِنَ اللّٰهِ والنَّاس. وكم سُرِرنا حينَ رَأيْنا أشخاصًا عانَوْا كَثيرًا بِسَبَبِ البَرَصِ يَفرَحونَ بِالأمَلِ أن يَتَمَتَّعوا بِصِحَّةٍ كامِلَة في المُستَقبَل! —كَيفَ تَأقلَمَ وَلَدانا معَ الحَياةِ في كُولْيُون؟ كَي نُساعِدَهُما، دَعَوْنا أُختَيْنِ شابَّتَيْنِ لِتَأتِيا مِن كُورُون وتَقْضِيا الوَقتَ معنا، وهكَذا يَتَمَتَّعُ وَلَدانا بِبَعضِ العِشرَةِ الجَيِّدَة. وقد قَضى سَامْوِيل وشِيرْلِي وهاتانِ الأُختانِ أوْقاتًا طَيِّبَة معًا في الخِدمَة، ودَرَسوا مع عِدَّةِ أوْلادٍ فيما كُنَّا أنا وأَدِيل نَدرُسُ معَ الوالِدين. وفي الحَقيقَة، كُنَّا في مَرحَلَةٍ ما نَدرُسُ مع ١١ عائِلَة. وخِلالَ فَترَةٍ قَصيرَة، تَقَدَّمَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنَ التَّلاميذِ لِدَرَجَةِ أنَّنا استَطَعنا أن نُؤَسِّسَ جَماعَةً جَديدَة!
في البِدايَة، كُنتُ الشَّيخَ الوَحيدَ في المِنطَقَة. لِذلِك طَلَبَ مِنِّي مَكتَبُ الفَرعِ أن أعقِدَ الاجتِماعاتِ الأُسبوعِيَّة لِلنَّاشِرينَ الثَّمانِيَة في كُولْيُون، ثُمَّ أفعَلَ الشَّيءَ نَفْسَهُ مِن أجلِ النَّاشِرينَ التِّسعَة في قَريَةٍ اسْمُها مَارِيلِي تَبعُدُ ثَلاثَ ساعاتٍ بِالمَركَب. وبَعدَ الاجتِماعاتِ هُناك، كُنَّا أنا وعائِلَتي نَمْشي ساعاتٍ عَبْرَ مِنطَقَةٍ جَبَلِيَّة لِنَعقِدَ دُروسًا في قَريَةٍ اسْمُها هَالْسِي.
ومعَ الوَقت، رَأيْنا كم كانَ الحَصادُ وافِرًا في مَارِيلِي وهَالْسِي. فبَنَينا قاعَةَ مَلَكوتٍ في كُلٍّ مِنَ المِنطَقَتَيْن. وكما في لِينَابَاكَان، عَمِلَ الإخوَةُ والمُهتَمُّونَ بِاجتِهادٍ في البِناءِ وأمَّنوا مُعظَمَ المَوادّ. وكانَتِ القاعَةُ في مَارِيلِي تَسَعُ ٢٠٠ شَخص، ويُمكِنُ تَوسيعُها لِعَقدِ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة.
حُزنٌ ووَحدَة، ثُمَّ فَرَحٌ كَبير
سَنَةَ ١٩٩٣، بَعدَما كَبِرَ وَلَدانا، بَدَأنا أنا وأَدِيل نَخدُمُ في العَمَلِ الدَّائِرِيِّ في الفِيلِيبِّين. وسَنَةَ ٢٠٠٠، حَضَرتُ مَدرَسَةَ تَدريبِ الخُدَّامِ لِأتَدَرَّبَ وأصيرَ مُدَرِّسًا فيها. شَعَرتُ أنِّي غَيرُ مُؤَهَّلٍ لِهذِهِ المُهِمَّة، لكنَّ أَدِيل كانَت تُشَجِّعُني وتُذَكِّرُني أنَّ يَهْوَه سيُقَوِّيني لِأُتَمِّمَ هذا التَّعيين. (في ٤:١٣) وكانَت تَتَكَلَّمُ مِن تَجرِبَتِها الشَّخصِيَّة لِأنَّها تُتَمِّمُ تَعيينَها رَغمَ مَشاكِلِها الصِّحِّيَّة.
وسَنَةَ ٢٠٠٦، فيما كُنتُ أخدُمُ كمُدَرِّس، شَخَّصَ الأطِبَّاءُ أنَّ أَدِيل مُصابَةٌ بِداءِ بَارْكِنْسُون. كانَ ذلِك صَدمَةً لنا! وعِندَما اقتَرَحتُ علَيها أن نُنْهِيَ تَعيينَنا لِنَهتَمَّ بِصِحَّتِها، أجابَتني: «مِن فَضلِك، جِدْ لي طَبيبًا يُساعِدُني، وأنا مُتَأكِّدَةٌ أنَّ يَهْوَه سيَدعَمُنا لِنُكمِلَ خِدمَتَنا». وطَوالَ السَّنَواتِ السِّتِّ التَّالِيَة، أكمَلَت أَدِيل خِدمَتَها دونَ أن تَتَشَكَّى. وحينَ لم يَعُدْ بِإمكانِها أن تَمْشي، كانَت تُبَشِّرُ وهي في كُرسِيِّها المُتَحَرِّك. وعِندَما صارَ صَعبًا علَيها أن تَتَكَلَّم، كانَت تُجاوِبُ كَلِمَةً أوِ اثنَتَيْنِ في الاجتِماعات. وظَلَّت تَتَلَقَّى رَسائِلَ تَقديرٍ على مِثالِها في الاحتِمالِ حتَّى مَوتِها سَنَةَ ٢٠١٣. لقد قَضَيتُ أكثَرَ مِن ٣٠ سَنَةً مع رَفيقَتي المُحِبَّة والوَلِيَّة أَدِيل. لِذلِك عِندَما خَسِرتُها، عادَت مَشاعِرُ الحُزنِ والوَحدَةِ تُلاحِقُني.
أرادَت أَدِيل أن أُكمِلَ تَعييني، وهذا ما فَعَلتُه. فشَغَلتُ نَفْسي بِالخِدمَة، ما خَفَّفَ مِن وَحدَتي. فمِن ٢٠١٤ إلى ٢٠١٧، تَعَيَّنتُ لِأزورَ الجَماعاتِ بِالتَّغَالُوغِيَّةَ في بُلدانٍ حَيثُ كانَ عَمَلُنا مُقَيَّدًا. وبَعدَ ذلِك، زُرتُ جَماعاتٍ بِالتَّغَالُوغِيَّةَ في تَايْوَان، الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة، وكَنَدَا. وسَنَةَ ٢٠١٩، عَلَّمتُ صُفوفًا بِالإنْكِلِيزِيَّةِ في مَدرَسَةِ الكارِزينَ بِالمَلَكوتِ في الهِنْد وتَايْلَنْد. وكُلُّ هذِهِ التَّعييناتِ مَنَحَتني فَرَحًا لا يوصَف. فأنا أعيشُ أسعَدَ أوْقاتي عِندَما أكونُ مَشغولًا جِدًّا بِخِدمَةِ يَهْوَه.
يَهْوَه لم يَكُنْ يَومًا بَعيدًا عنِّي
في كُلِّ تَعيينٍ جَديد، أحبَبتُ الإخوَةَ والأخَواتِ الَّذينَ الْتَقَيتُهُم. لِذلِك لم يَكُنْ سَهلًا أبَدًا أن أترُكَهُم. في أوْقاتٍ كهذِه، تَعَلَّمتُ أن أثِقَ كامِلًا بِيَهْوَه. ولَطالَما أحسَستُ بِدَعمِهِ لي. وهذا ساعَدَني أن أقبَلَ مِن كُلِّ قَلبي أيَّ تَغييرٍ يَحدُث. واليَوم، أنا فاتِحٌ خُصوصِيٌّ في الفِيلِيبِّين. وقدِ استَقَرَّيتُ في جَماعَتي الجَديدَة الَّتي صارَت مِثلَ عائِلَةٍ مُحِبَّة وداعِمَة لي. وأنا فَخورٌ بِأن أرى سَامْوِيل وشِيرْلِي يَتَمَثَّلانِ بِأُمِّهِما ويُظهِرانِ نَفْسَ الإيمان. — ٣ يو ٤.
نَعَم، مَرَرتُ بِصُعوباتٍ كَثيرَة في حَياتي. فقد رَأيْتُ زَوجَتي الحَبيبَة تُعاني وتَموتُ بِسَبَبِ مَرَضٍ بَشِع. وكانَ علَيَّ أيضًا أن أتَكَيَّفَ معَ العَديدِ مِنَ التَّعيينات. لكنِّي لَمَستُ أنَّ يَهْوَه «لَيسَ بَعيدًا عن أيِّ واحِدٍ مِنَّا». (أع ١٧:٢٧) كما أنَّ يَدَهُ «لا تَقصُرُ» عن أن تَدعَمَ خُدَّامَه، حتَّى الَّذينَ في مُقاطَعاتٍ مُنعَزِلَة. (إش ٥٩:١) فيَهْوَه هو صَخرَتي، وأنا أشكُرُهُ مِن أعماقِ قَلبي. كانَ إلى جانِبي طولَ حَياتي. لم أكُنْ وَحيدًا أبَدًا!
a أُنظُرْ بُرجَ المُراقَبَة عَدَد ١ أيْلُول (سِبْتَمْبِر) ١٩٧٢، الصَّفَحات ٥٢١-٥٢٧ (بِالإنْكِلِيزِيَّة).