الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

قصة حياة

‏«لم أكن وحيدًا أبدًا»‏

‏«لم أكن وحيدًا أبدًا»‏

كَثيرَةٌ هي ظُروفُ الحَياةِ الَّتي تُحَسِّسُنا بِالوَحدَة،‏ ومِنها خَسارَةُ أشخاصٍ نُحِبُّهُم،‏ الغُربَةُ عن وَطَنِنا،‏ والبُعدُ عنِ النَّاس.‏ أنا مَرَرتُ بِكُلِّ هذِهِ الظُّروف.‏ ولكنْ حينَ أنظُرُ الآنَ إلى الوَراء،‏ أُدرِكُ أنِّي لم أكُنْ على الإطلاقِ شَخصًا وَحيدًا.‏ دَعوني أُخبِرُكُم كَيفَ وَصَلتُ إلى هذا الاستِنتاج.‏

مِثالُ والِدَيَّ

كانَ أبي وأُمِّي كاثوليكِيَّيْنِ مُخلِصَيْن.‏ ولكنْ عِندَما عَرَفا مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ أنَّ اسْمَ اللّٰهِ هو يَهْوَه،‏ صارا كِلاهُما شاهِدَيْنِ نَشيطَيْنِ ومُندَفِعَيْن.‏ فما عادَ أبي يَنحَتُ تَماثيلَ لِيَسُوع.‏ بلِ استَفادَ مِن مَهارَتِهِ في النِّجارَةِ لِيُحَوِّلَ الطَّابِقَ الأرضِيَّ في بَيتِنا إلى أوَّلِ قاعَةِ مَلَكوتٍ في سَان خْوَان دِيل مُونْت،‏ إحْدى ضَواحي مَانِيلَا عاصِمَةِ الفِيلِيبِّين.‏

مع والديَّ وأفراد من عائلتي

عِندَما وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٥٢،‏ بَدَأ والِدايَ يُعَلِّمانِني أفضَلَ تَعليمٍ روحِيّ،‏ مِثلَما كانا يَفعَلانِ مع إخوَتي الأربَعَة وأخَواتي الثَّلاث الأكبَرِ مِنِّي.‏ وفيما كُنتُ أكبَر،‏ شَجَّعَني أبي أن أقرَأَ فَصلًا مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ كُلَّ يَوم.‏ كما أنَّهُ دَرَسَ معي عِدَّةَ مَطبوعاتٍ لِلهَيئَة.‏ ومِن وَقتٍ إلى آخَر،‏ كانَ والِدايَ يَدْعُوانِ النُّظَّارَ الجائِلينَ ومُمَثِّلي مَكتَبِ الفَرعِ لِيَناموا في بَيتِنا.‏ وكم كُنَّا جَميعًا نَفرَحُ ونَتَشَجَّعُ بِاختِباراتِهِم!‏ وهذِهِ الاختِباراتُ دَفَعَتنا جَميعًا أن نَضَعَ الخِدمَةَ أوَّلًا في حَياتِنا.‏

تَرَكَ لي والِدايَ ميراثًا ثَمينًا:‏ الإيمانَ بِيَهْوَه.‏ فبَعدَما ماتَت أُمِّي الحَبيبَة بِسَبَبِ المَرَض،‏ بَدَأنا أنا وأبي خِدمَةَ الفَتحِ معًا سَنَةَ ١٩٧١.‏ ولكنْ سَنَةَ ١٩٧٣ حينَ كانَ عُمري ٢٠ سَنَة،‏ تُوُفِّيَ أبي.‏ خَسارَةُ والِدَيَّ كِلَيْهِما تَرَكَت فِيَّ فَراغًا كَبيرًا وإحساسًا شَديدًا بِالوَحدَة.‏ لكنَّ أمَلي ‹الأكيدَ والثَّابِتَ› المَبنِيَّ على الكِتابِ المُقَدَّسِ ساعَدَني أن أبْقى ثابِتًا ومَنَحَني شُعورًا بِالاستِقرارِ العاطِفِيِّ والرُّوحِيّ.‏ (‏عب ٦:‏١٩‏)‏ وبَعدَ وَقتٍ قَصيرٍ مِن مَوتِ أبي،‏ قَبِلتُ تَعيينًا كفاتِحٍ خُصوصِيٍّ في جَزيرَةِ كُورُون النَّائِيَة في مُقاطَعَةِ بَالَاوَان في الفِيلِيبِّين.‏

وَحيدٌ في تَعييناتٍ صَعبَة

كانَ عُمري ٢١ سَنَةً حينَ وَصَلتُ إلى كُورُون.‏ ولِأنِّي ابنُ مَدينَة،‏ تَفاجَأتُ حينَ اكتَشَفتُ أنَّ الكَهرَباءَ والمِياهَ الجارِيَة لا تَتَوَفَّرُ دائِمًا في كُورُون،‏ وأنَّ وَسائِلَ النَّقلِ قَليلَة.‏ ومع أنَّهُ كانَ هُناك بَعضُ الإخوَة،‏ لم يَكُنْ لَدَيَّ رَفيقٌ في الفَتحِ وكانَ علَيَّ أحيانًا أن أُبَشِّرَ وَحْدي.‏ في الشَّهرِ الأوَّل،‏ اشتَقتُ كَثيرًا إلى عائِلَتي وأصدِقائي.‏ وفي اللَّيل،‏ كُنتُ أتَأمَّلُ السَّماءَ المُرَصَّعَة بِالنُّجومِ والدُّموعُ تَنزِلُ على خَدَّيَّ.‏ شَعَرتُ أنِّي أُريدُ أن أترُكَ تَعييني وأعودَ إلى بَيتي.‏

خِلالَ لَحَظاتِ الوَحدَةِ هذِه،‏ كُنتُ أفتَحُ قَلبي لِيَهْوَه وأتَذَكَّرُ أفكارًا مُشَجِّعَة مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ ومَطبوعاتِنا.‏ فغالِبًا ما كانَ المَزْمُور ١٩:‏١٤ يَخطُرُ على بالي.‏ وأدرَكتُ أنَّ يَهْوَه سيَكونُ ‹صَخرَةً ومُخَلِّصًا› لي إذا تَأمَّلتُ في صِفاتِهِ وأعمالِه.‏ كما أنَّ المَقالَة «أنتَ لَستَ وَحْدَكَ أبَدًا»‏ a الَّتي صَدَرَت في بُرجِ المُراقَبَة كانَت عَونًا كَبيرًا لي.‏ فقَرَأتُها وقَرَأتُها مَرَّةً بَعدَ مَرَّة.‏ وهذا حَسَّسَني أنَّ يَهْوَه مَوجودٌ معي،‏ وأعْطاني فُرَصًا رائِعَة لِأُصَلِّي وأدرُس وأتَأمَّل.‏

لم يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ على وُصولي إلى كُورُون حتَّى تَعَيَّنتُ شَيخًا.‏ ولِأنَّني الشَّيخُ الوَحيد،‏ كُنتُ أُديرُ أُسبوعِيًّا مَدرَسَةَ الخِدمَةِ الثِّيوقراطِيَّة،‏ اجتِماعَ الخِدمَة،‏ دَرسَ الكِتابِ الجَماعِيّ،‏ ودَرسَ بُرجِ المُراقَبَة.‏ كما أنَّني قَدَّمتُ الخِطابَ العامَّ كُلَّ أُسبوع.‏ فلم يَعُدْ لَدَيَّ وَقتٌ لِأشعُرَ بِالوَحدَة!‏

كانَت خِدمَتي مُثمِرَةً في كُورُون.‏ فبَعضُ الَّذينَ دَرَستُ معهُمُ الكِتابَ المُقَدَّسَ تَقَدَّموا في الحَقِّ واعتَمَدوا.‏ ولكنْ كانَ هُناك بَعضُ التَّحَدِّيات.‏ فأحيانًا،‏ كُنتُ أسيرُ نِصفَ يَومٍ لِأصِلَ إلى المُقاطَعَة.‏ ولم يَكُنْ لَدَيَّ أيُّ فِكرَةٍ أينَ سأنام.‏ أيضًا،‏ شَمَلَت مُقاطَعَةُ الجَماعَةِ الكَثيرَ مِنَ الجُزُرِ الأصغَر.‏ وغالِبًا ما كُنتُ أذهَبُ إلَيها في مَركَبٍ آلِيٍّ وَسَطَ البَحرِ الهائِجِ وأنا لا أعرِفُ كَيفَ أسبَح!‏ ولكنْ خِلالَ كُلِّ هذِهِ التَّحَدِّيات،‏ شَعَرتُ بِحِمايَةِ يَهْوَه ودَعمِهِ لي.‏ ولاحِقًا،‏ فَهِمتُ أنَّهُ يُجَهِّزُني لِتَحَدِّياتٍ أكبَرَ في تَعييني التَّالي.‏

بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة

سَنَةَ ١٩٧٨،‏ تَعَيَّنتُ في بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة شَمالِيَّ أُوسْتْرَالِيَا.‏ وهذا البَلَدُ مَليءٌ بِالجِبالِ ومِساحَتُهُ مِثلُ مِساحَةِ إسْبَانْيَا تَقريبًا.‏ ومع أنَّ عَدَدَ سُكَّانِهِ كانَ حَوالَيْ ثَلاثَةِ مَلايين،‏ فهُم يَتَكَلَّمونَ أكثَرَ مِن ٨٠٠ لُغَة!‏ لكنَّ ما عَزَّاني هو أنَّ أغلَبِيَّتَهُم يَتَكَلَّمونَ المِيلَانِيزِيَّةَ الهَجين،‏ الَّتي تُعرَفُ بِاسْمِ تُوك بِيسِين.‏

تَعَيَّنتُ وَقتِيًّا في جَماعَةٍ تَتَكَلَّمُ الإنْكِلِيزِيَّةَ في العاصِمَةِ بُورْت مُورْزْبِي.‏ لكنِّي انتَقَلتُ بَعدَ ذلِك إلى جَماعَةٍ تَتَكَلَّمُ التُّوك بِيسِين وبَدَأتُ أدرُسُ هذِهِ اللُّغَة.‏ وكُنتُ أستَعمِلُ ما أتَعَلَّمُهُ في الصَّفِّ حينَ أُبَشِّرُ النَّاس.‏ وهذا ساعَدَني أن أتَعَلَّمَ اللُّغَةَ بِشَكلٍ أسرَع.‏ وبَعدَ وَقتٍ قَصير،‏ قَدَّمتُ خِطابًا عامًّا بِالتُّوك بِيسِين.‏ وتَخَيَّلوا كم تَفاجَأتُ لِأنَّني بَعدَ أقَلَّ مِن سَنَةٍ على وُصولي إلى بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة،‏ تَعَيَّنتُ كناظِرِ دائِرَةٍ لِلجَماعاتِ بِالتُّوك بِيسِين في عِدَّةِ مُقاطَعاتٍ واسِعَة.‏

ولِأنَّ الجَماعاتِ كانَت مُتَباعِدَة،‏ كانَ علَيَّ أن أُنَظِّمَ العَديدَ مِنَ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة وأُسافِرَ كَثيرًا.‏ في البِدايَة،‏ شَعَرتُ أنِّي مَعزولٌ جِدًّا في ظُروفٍ غَريبَة علَيَّ:‏ بَلَدٍ جَديد،‏ لُغَةٍ جَديدَة،‏ وعاداتٍ جَديدَة.‏ ولم يَكُنْ بِإمكاني أن أتَنَقَّلَ بَرًّا بَينَ الجَماعاتِ بِسَبَبِ طَبيعَةِ الأرضِ الجَبَلِيَّة والوَعِرَة.‏ لِذلِك كانَ علَيَّ أن أُسافِرَ بِالطَّائِرَةِ كُلَّ أُسبوعٍ تَقريبًا.‏ وأحيانًا،‏ كُنتُ المُسافِرَ الوَحيدَ في طائِرَةٍ مُتَخَلخِلَة يُشَغِّلُها مُحَرِّكٌ واحِد.‏ وكانَت هذِهِ الرِّحلاتُ تُوَتِّرُ أعصابي،‏ مَثَلُها مَثَلُ السَّفَرِ بِالمَركَب.‏

كانَ قَليلونَ مِنَ النَّاسِ فَقَط لَدَيهِم هَواتِف،‏ لِذلِك كُنتُ أتَواصَلُ معَ الجَماعاتِ بِالرَّسائِل.‏ وغالِبًا ما كُنتُ أصِلُ قَبلَ رَسائِلي وأُضطَرُّ أن أسألَ أهلَ المِنطَقَةِ كَي أجِدَ النَّاشِرين.‏ ولكنْ كُلَّما كُنتُ أجِدُهُم،‏ كانوا يُرَحِّبونَ بي بِكُلِّ تَقدير.‏ وهذا حَسَّسَني أنَّ الأمرَ يَستَحِقُّ كُلَّ الجُهد.‏ وقد لَمَستُ دَعمَ يَهْوَه بِعِدَّةِ طُرُق،‏ وصارَت عَلاقَتي بهِ أقْوى بِكَثير.‏

في أوَّلِ اجتِماعٍ لي في جَزيرَةٍ اسْمُها بُوغَنْفِيل،‏ اقتَرَبَ مِنِّي زَوجانِ بِابتِسامَةٍ عَريضَة وسَألاني:‏ «هل تَتَذَكَّرُنا؟‏».‏ فتَذَكَّرتُ أنِّي بَشَّرتُهُما أوَّلَ وُصولي إلى بُورْت مُورْزْبِي وبَدَأتُ أدرُسُ الكِتابَ المُقَدَّسَ معهُما.‏ ثُمَّ سَلَّمتُ الدَّرسَ إلى أخٍ مِنَ المِنطَقَة.‏ والآنَ كِلاهُما مُعتَمِدان!‏ هذِهِ كانَت إحْدى البَرَكاتِ الكَثيرَة الَّتي نِلتُها خِلالَ سَنَواتي الثَّلاث في بَابْوَا غِينْيَا الجَدِيدَة.‏

عائِلَةٌ صَغيرَة مَشغولَة بِالخِدمَة

مع أديل

قَبلَ أن أترُكَ كُورُون سَنَةَ ١٩٧٨،‏ تَعَرَّفتُ على أَدِيل،‏ أُختٍ جَميلَة تُضَحِّي كَثيرًا مِن أجْلِ غَيرِها.‏ فهي كانَت تَخدُمُ كفاتِحَةٍ عادِيَّة فيما تُرَبِّي وَلَدَيْها سَامْوِيل وشِيرْلِي وتَهتَمُّ بِأُمِّها المُسِنَّة.‏ وفي أيَّار (‏مَايُو)‏ ١٩٨١،‏ عُدتُ إلى الفِيلِيبِّين لِأتَزَوَّجَها.‏ وبَعدَ زَواجِنا،‏ خَدَمْنا معًا كفاتِحَيْنِ عادِيَّيْنِ واهتَمَّيْنا معًا بِالعائِلَة.‏

حين كنت أخدم في بالاوان مع أديل وولدَينا سامويل وشيرلي

ورَغمَ أنِّي صِرتُ رَبَّ عائِلَة،‏ تَعَيَّنتُ مُجَدَّدًا سَنَةَ ١٩٨٣ كفاتِحٍ خُصوصِيٍّ في جَزيرَةِ لِينَابَاكَان في مُقاطَعَةِ بَالَاوَان.‏ فانتَقَلَت كُلُّ العائِلَةِ إلى هذا المَكانِ المُنعَزِلِ الَّذي لم يَكُنْ فيهِ شُهود.‏ وبَعدَ سَنَةٍ تَقريبًا،‏ تُوُفِّيَت أُمُّ أَدِيل.‏ لكنَّنا بَقينا مَشغولينَ بِالخِدمَة،‏ وهذا قَوَّانا لِنَتَحَمَّلَ خَسارَتَها.‏ وقد بَدَأنا نَعقِدُ الكَثيرَ مِنَ الدُّروسِ الرَّائِعَة في لِينَابَاكَان،‏ حتَّى إنَّنا صِرنا بِحاجَةٍ إلى قاعَةِ مَلَكوتٍ صَغيرَة.‏ فبَنَينا واحِدَةً بِأيْدينا.‏ وبَعدَ ثَلاثِ سَنَواتٍ فَقَط مِن وُصولِنا،‏ فَرِحنا كَثيرًا بِأن نَرى ١١٠ أشخاصٍ يَحضُرونَ الذِّكْرى،‏ وكَثيرونَ مِنهُم تَقَدَّموا في الحَقِّ واعتَمَدوا بَعدَ رَحيلِنا.‏

سَنَةَ ١٩٨٦،‏ تَعَيَّنتُ في جَزيرَةِ كُولْيُون الَّتي كانَ فيها مُستَعمَرَةٌ لِمَرْضى البَرَص.‏ وبَعدَ ذلِك،‏ تَعَيَّنَت أَدِيل أيضًا فاتِحَةً خُصوصِيَّة.‏ في البِدايَة،‏ شَعَرنا بِالتَّوَتُّرِ لِأنَّنا سنُبَشِّرُ أشخاصًا شَوَّهَهُمُ البَرَص.‏ لكنَّ النَّاشِرينَ في المِنطَقَةِ أكَّدوا لنا أنَّ الَّذينَ أُصيبوا مِن قَبل بِهذا المَرَض تَلَقَّوُا العِلاجَ المُناسِبَ وأنَّ خَطَرَ العَدْوى ضَئيلٌ جِدًّا.‏ وبَعضُ هؤُلاءِ الأشخاصِ حَضَروا الاجتِماعاتِ في بَيتِ إحْدى الأخَوات.‏ وبَعدَ وَقتٍ قَصير،‏ تَكَيَّفنا معَ الوَضعِ وصِرنا نَفرَحُ كَثيرًا بِأن نَتَكَلَّمَ عنِ الأمَلِ الَّذي في الكِتابِ المُقَدَّسِ مع أشخاصٍ شَعَروا أنَّهُم مَنبوذونَ مِنَ اللّٰهِ والنَّاس.‏ وكم سُرِرنا حينَ رَأيْنا أشخاصًا عانَوْا كَثيرًا بِسَبَبِ البَرَصِ يَفرَحونَ بِالأمَلِ أن يَتَمَتَّعوا بِصِحَّةٍ كامِلَة في المُستَقبَل!‏ —‏ لو ٥:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

كَيفَ تَأقلَمَ وَلَدانا معَ الحَياةِ في كُولْيُون؟‏ كَي نُساعِدَهُما،‏ دَعَوْنا أُختَيْنِ شابَّتَيْنِ لِتَأتِيا مِن كُورُون وتَقْضِيا الوَقتَ معنا،‏ وهكَذا يَتَمَتَّعُ وَلَدانا بِبَعضِ العِشرَةِ الجَيِّدَة.‏ وقد قَضى سَامْوِيل وشِيرْلِي وهاتانِ الأُختانِ أوْقاتًا طَيِّبَة معًا في الخِدمَة،‏ ودَرَسوا مع عِدَّةِ أوْلادٍ فيما كُنَّا أنا وأَدِيل نَدرُسُ معَ الوالِدين.‏ وفي الحَقيقَة،‏ كُنَّا في مَرحَلَةٍ ما نَدرُسُ مع ١١ عائِلَة.‏ وخِلالَ فَترَةٍ قَصيرَة،‏ تَقَدَّمَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنَ التَّلاميذِ لِدَرَجَةِ أنَّنا استَطَعنا أن نُؤَسِّسَ جَماعَةً جَديدَة!‏

في البِدايَة،‏ كُنتُ الشَّيخَ الوَحيدَ في المِنطَقَة.‏ لِذلِك طَلَبَ مِنِّي مَكتَبُ الفَرعِ أن أعقِدَ الاجتِماعاتِ الأُسبوعِيَّة لِلنَّاشِرينَ الثَّمانِيَة في كُولْيُون،‏ ثُمَّ أفعَلَ الشَّيءَ نَفْسَهُ مِن أجلِ النَّاشِرينَ التِّسعَة في قَريَةٍ اسْمُها مَارِيلِي تَبعُدُ ثَلاثَ ساعاتٍ بِالمَركَب.‏ وبَعدَ الاجتِماعاتِ هُناك،‏ كُنَّا أنا وعائِلَتي نَمْشي ساعاتٍ عَبْرَ مِنطَقَةٍ جَبَلِيَّة لِنَعقِدَ دُروسًا في قَريَةٍ اسْمُها هَالْسِي.‏

ومعَ الوَقت،‏ رَأيْنا كم كانَ الحَصادُ وافِرًا في مَارِيلِي وهَالْسِي.‏ فبَنَينا قاعَةَ مَلَكوتٍ في كُلٍّ مِنَ المِنطَقَتَيْن.‏ وكما في لِينَابَاكَان،‏ عَمِلَ الإخوَةُ والمُهتَمُّونَ بِاجتِهادٍ في البِناءِ وأمَّنوا مُعظَمَ المَوادّ.‏ وكانَتِ القاعَةُ في مَارِيلِي تَسَعُ ٢٠٠ شَخص،‏ ويُمكِنُ تَوسيعُها لِعَقدِ الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة.‏

حُزنٌ ووَحدَة،‏ ثُمَّ فَرَحٌ كَبير

سَنَةَ ١٩٩٣،‏ بَعدَما كَبِرَ وَلَدانا،‏ بَدَأنا أنا وأَدِيل نَخدُمُ في العَمَلِ الدَّائِرِيِّ في الفِيلِيبِّين.‏ وسَنَةَ ٢٠٠٠،‏ حَضَرتُ مَدرَسَةَ تَدريبِ الخُدَّامِ لِأتَدَرَّبَ وأصيرَ مُدَرِّسًا فيها.‏ شَعَرتُ أنِّي غَيرُ مُؤَهَّلٍ لِهذِهِ المُهِمَّة،‏ لكنَّ أَدِيل كانَت تُشَجِّعُني وتُذَكِّرُني أنَّ يَهْوَه سيُقَوِّيني لِأُتَمِّمَ هذا التَّعيين.‏ (‏في ٤:‏١٣‏)‏ وكانَت تَتَكَلَّمُ مِن تَجرِبَتِها الشَّخصِيَّة لِأنَّها تُتَمِّمُ تَعيينَها رَغمَ مَشاكِلِها الصِّحِّيَّة.‏

وسَنَةَ ٢٠٠٦،‏ فيما كُنتُ أخدُمُ كمُدَرِّس،‏ شَخَّصَ الأطِبَّاءُ أنَّ أَدِيل مُصابَةٌ بِداءِ بَارْكِنْسُون.‏ كانَ ذلِك صَدمَةً لنا!‏ وعِندَما اقتَرَحتُ علَيها أن نُنْهِيَ تَعيينَنا لِنَهتَمَّ بِصِحَّتِها،‏ أجابَتني:‏ «مِن فَضلِك،‏ جِدْ لي طَبيبًا يُساعِدُني،‏ وأنا مُتَأكِّدَةٌ أنَّ يَهْوَه سيَدعَمُنا لِنُكمِلَ خِدمَتَنا».‏ وطَوالَ السَّنَواتِ السِّتِّ التَّالِيَة،‏ أكمَلَت أَدِيل خِدمَتَها دونَ أن تَتَشَكَّى.‏ وحينَ لم يَعُدْ بِإمكانِها أن تَمْشي،‏ كانَت تُبَشِّرُ وهي في كُرسِيِّها المُتَحَرِّك.‏ وعِندَما صارَ صَعبًا علَيها أن تَتَكَلَّم،‏ كانَت تُجاوِبُ كَلِمَةً أوِ اثنَتَيْنِ في الاجتِماعات.‏ وظَلَّت تَتَلَقَّى رَسائِلَ تَقديرٍ على مِثالِها في الاحتِمالِ حتَّى مَوتِها سَنَةَ ٢٠١٣.‏ لقد قَضَيتُ أكثَرَ مِن ٣٠ سَنَةً مع رَفيقَتي المُحِبَّة والوَلِيَّة أَدِيل.‏ لِذلِك عِندَما خَسِرتُها،‏ عادَت مَشاعِرُ الحُزنِ والوَحدَةِ تُلاحِقُني.‏

أرادَت أَدِيل أن أُكمِلَ تَعييني،‏ وهذا ما فَعَلتُه.‏ فشَغَلتُ نَفْسي بِالخِدمَة،‏ ما خَفَّفَ مِن وَحدَتي.‏ فمِن ٢٠١٤ إلى ٢٠١٧،‏ تَعَيَّنتُ لِأزورَ الجَماعاتِ بِالتَّغَالُوغِيَّةَ في بُلدانٍ حَيثُ كانَ عَمَلُنا مُقَيَّدًا.‏ وبَعدَ ذلِك،‏ زُرتُ جَماعاتٍ بِالتَّغَالُوغِيَّةَ في تَايْوَان،‏ الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة،‏ وكَنَدَا.‏ وسَنَةَ ٢٠١٩،‏ عَلَّمتُ صُفوفًا بِالإنْكِلِيزِيَّةِ في مَدرَسَةِ الكارِزينَ بِالمَلَكوتِ في الهِنْد وتَايْلَنْد.‏ وكُلُّ هذِهِ التَّعييناتِ مَنَحَتني فَرَحًا لا يوصَف.‏ فأنا أعيشُ أسعَدَ أوْقاتي عِندَما أكونُ مَشغولًا جِدًّا بِخِدمَةِ يَهْوَه.‏

يَهْوَه لم يَكُنْ يَومًا بَعيدًا عنِّي

في كُلِّ تَعيينٍ جَديد،‏ أحبَبتُ الإخوَةَ والأخَواتِ الَّذينَ الْتَقَيتُهُم.‏ لِذلِك لم يَكُنْ سَهلًا أبَدًا أن أترُكَهُم.‏ في أوْقاتٍ كهذِه،‏ تَعَلَّمتُ أن أثِقَ كامِلًا بِيَهْوَه.‏ ولَطالَما أحسَستُ بِدَعمِهِ لي.‏ وهذا ساعَدَني أن أقبَلَ مِن كُلِّ قَلبي أيَّ تَغييرٍ يَحدُث.‏ واليَوم،‏ أنا فاتِحٌ خُصوصِيٌّ في الفِيلِيبِّين.‏ وقدِ استَقَرَّيتُ في جَماعَتي الجَديدَة الَّتي صارَت مِثلَ عائِلَةٍ مُحِبَّة وداعِمَة لي.‏ وأنا فَخورٌ بِأن أرى سَامْوِيل وشِيرْلِي يَتَمَثَّلانِ بِأُمِّهِما ويُظهِرانِ نَفْسَ الإيمان.‏ —‏ ٣ يو ٤‏.‏

الجماعة صارت عائلة داعمة لي

نَعَم،‏ مَرَرتُ بِصُعوباتٍ كَثيرَة في حَياتي.‏ فقد رَأيْتُ زَوجَتي الحَبيبَة تُعاني وتَموتُ بِسَبَبِ مَرَضٍ بَشِع.‏ وكانَ علَيَّ أيضًا أن أتَكَيَّفَ معَ العَديدِ مِنَ التَّعيينات.‏ لكنِّي لَمَستُ أنَّ يَهْوَه «لَيسَ بَعيدًا عن أيِّ واحِدٍ مِنَّا».‏ (‏أع ١٧:‏٢٧‏)‏ كما أنَّ يَدَهُ «لا تَقصُرُ» عن أن تَدعَمَ خُدَّامَه،‏ حتَّى الَّذينَ في مُقاطَعاتٍ مُنعَزِلَة.‏ (‏إش ٥٩:‏١‏)‏ فيَهْوَه هو صَخرَتي،‏ وأنا أشكُرُهُ مِن أعماقِ قَلبي.‏ كانَ إلى جانِبي طولَ حَياتي.‏ لم أكُنْ وَحيدًا أبَدًا!‏

a أُنظُرْ بُرجَ المُراقَبَة عَدَد ١ أيْلُول (‏سِبْتَمْبِر)‏ ١٩٧٢،‏ الصَّفَحات ٥٢١-‏٥٢٧ (‏بِالإنْكِلِيزِيَّة)‏.‏