الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

قصة حياة

ضعفي أظهر كم قدرة اللّٰه عظيمة

ضعفي أظهر كم قدرة اللّٰه عظيمة

حينَ وَصَلْنا أنا وزَوجَتي إلى كُولُومْبِيَا سَنَةَ ١٩٨٥،‏ كانَ البَلَدُ يَشهَدُ أعمالَ عُنفٍ لم يَسبِقْ لها مَثيل.‏ فالحُكومَةُ كانَت تُحارِبُ في المُدُنِ عِصاباتٍ قَوِيَّة لِبَيعِ المُخَدِّراتِ،‏ وفي الجِبالِ جُنودَ الميليشيات.‏ وفي مِنطَقَةِ مِيدِيلِّين حَيثُ خَدَمْنا لاحِقًا،‏ كانَ أعضاءُ العِصاباتِ المُسَلَّحونَ مُنتَشِرينَ في الشَّوارِع،‏ يَبيعونَ المُخَدِّراتِ ويَبتَزُّونَ النَّاسَ ويَعمَلونَ كقاتِلينَ مَأجورين.‏ ولم يَبْقَ أحَدٌ مِنهُم حَيًّا لِوَقتٍ طَويل.‏ شَعَرنا أنَّنا في كَوكَبٍ آخَر.‏

ولكنْ كَيفَ وَصَلَ شَخصانِ عادِيَّانِ مِن فِنْلَنْدَا الَّتي تَقَعُ في أقْصى شَمالِ الكُرَةِ الأرضِيَّة إلى أمِيرْكَا الجَنوبِيَّة؟‏ وأيُّ دُروسٍ تَعَلَّمتُها على مَرِّ السِّنين؟‏

فَترَةُ شَبابي في فِنْلَنْدَا

وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٥٥ وكُنتُ الأصغَرَ بَينَ ثَلاثَةِ صِبيان.‏ تَرَبَّيتُ قُربَ السَّاحِلِ الجَنوبِيِّ في فِنْلَنْدَا،‏ في مِنطَقَةٍ صارَ اسْمُها الآنَ فَانْتَا.‏

إعتَمَدَت أُمِّي وصارَت مِن شُهودِ يَهْوَه قَبلَ سَنَواتٍ قَليلَة مِن وِلادَتي.‏ لكنَّ أبي قاوَمَ الحَقَّ ولم يَسمَحْ لها أن تَدرُسَ معنا نَحنُ الأوْلادَ ولا أن تَأخُذَنا إلى اجتِماعاتِ الجَماعَة.‏ فكانَت تُعَلِّمُنا الحَقائِقَ الأساسِيَّة مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ حينَ لا يَكونُ أبي في البَيت.‏

أخذت موقفًا إلى جانب يهوه حين كان عمري سبع سنوات

مُنذُ صِغَري،‏ أخَذتُ مَوقِفًا إلى جانِبِ يَهْوَه.‏ مَثَلًا،‏ حينَ كانَ عُمري سَبعَ سَنَوات،‏ غَضِبَت مِنِّي المُعَلِّمَةُ لِأنِّي رَفَضتُ أن آكُلَ فِيرِيلَايْتِيَّا (‏فَطائِرَ الدَّمِ الفِنْلَنْدِيَّة)‏.‏ وضَغَطَت بِيَدِها على خَدَّيَّ كَي تَفتَحَ فَمي المُغلَق،‏ وبِاليَدِ الثَّانِيَة حاوَلَت أن تُدخِلَ في فَمي شَوكَةً فيها قِطعَةٌ مِنَ الفَطيرَة.‏ لكنِّي استَطَعتُ أن أُوقِعَ الشَّوكَةَ مِن يَدِها.‏

ماتَ أبي حينَ كانَ عُمري ١٢ سَنَة.‏ بَعدَ ذلِك،‏ صارَ بِإمكاني أن أحضُرَ اجتِماعاتِ الجَماعَة.‏ والإخوَةُ هُناك اهتَمُّوا بي كَثيرًا،‏ وهذا شَجَّعَني أن أتَقَدَّمَ روحِيًّا.‏ فبَدَأتُ أقرَأُ الكِتابَ المُقَدَّسَ كُلَّ يَومٍ وأدرُسُ بِاجتِهادٍ مَطبوعاتِنا المَسِيحِيَّة.‏ وهذِهِ العادَةُ الجَيِّدَة ساعَدَتني أن أعتَمِدَ بِعُمرِ ١٤ سَنَة،‏ في ٨ آب (‏أُغُسْطُس)‏ ١٩٦٩.‏

بَعدَما أنْهَيتُ دِراسَتي بِوَقتٍ قَصير،‏ بَدَأتُ بِالفَتحِ العادِيّ.‏ وبَعدَ أسابيعَ قَليلَة،‏ انتَقَلتُ لِأخدُمَ حَيثُ هُناك حاجَةٌ أكبَر،‏ في بَلدَةِ بِيلَافِيسِي الَّتي تَقَعُ قُربَ وَسَطِ فِنْلَنْدَا.‏

في بِيلَافِيسِي،‏ الْتَقَيتُ بِصَبِيَّةٍ اسْمُها سِيرْكَا كانَت ستَصيرُ زَوجَتي العَزيزَة.‏ جَذَبَني تَواضُعُها وعُمقُها الرُّوحِيّ.‏ فهي لم تُحِبَّ أن تَلفِتَ الانتِباهَ إلى نَفْسِها،‏ ولم تَكُنِ الأُمورُ المادِّيَّة تَعْني لها شَيئًا.‏ كانَ كُلُّ هَمِّنا نَحنُ الاثنَيْنِ أن نَخدُمَ يَهْوَه بِكُلِّ طاقَتِنا،‏ بِغَضِّ النَّظَرِ عنِ الامتِيازاتِ الَّتي نَنالُها في خِدمَتِه.‏ تَزَوَّجْنا في ٢٣ آذَار (‏مَارِس)‏ ١٩٧٤.‏ وبَدَلَ أن نَذهَبَ إلى شَهرِ العَسَل،‏ ذَهَبنا لِنَخدُمَ في كَارْتُولَا،‏ حَيثُ كانَ هُناك حاجَةٌ أكبَرُ إلى مُبَشِّرينَ بِمَملَكَةِ اللّٰه.‏

البيت الذي استأجرناه في كارتولا بفنلندا

يَهْوَه اهتَمَّ بنا

السيارة التي أهدانا إياها أخي

مُنذُ بِدايَةِ زَواجِنا،‏ أظهَرَ لنا يَهْوَه أنَّهُ سيَهتَمُّ بِحاجاتِنا المادِّيَّة إذا وَضَعْنا مَملَكَتَهُ أوَّلًا.‏ (‏مت ٦:‏٣٣‏)‏ مَثَلًا في كَارْتُولَا،‏ لم يَكُنْ لَدَينا سَيَّارَة.‏ في الأوَّل،‏ كُنَّا نَتَنَقَّلُ بِالدَّرَّاجَةِ الهَوائِيَّة.‏ ولكنْ في الشِّتاء،‏ كانَت دَرَجَةُ الحَرارَةِ تَنخَفِضُ إلى ما تَحتَ الصِّفر.‏ وكَي نُبَشِّرَ في مُقاطَعَةِ الجَماعَةِ الواسِعَة،‏ احتَجنا إلى سَيَّارَة.‏ ولم يَكُنْ لَدَينا المالُ لِنَشتَرِيَ واحِدَة.‏

وفي أحَدِ الأيَّام،‏ فاجَأَنا أخي الأكبَرُ مِنِّي وأتى لِزِيارَتِنا.‏ وعَرَضَ علَينا أن يُعْطِيَنا سَيَّارَتَه.‏ وكانَت بوليصَةُ التَّأمينِ مَدفوعَة.‏ كُلُّ ما علَينا فِعلُهُ هو أن نَدفَعَ ثَمَنَ الوَقود.‏ وهكَذا صارَ لَدَينا السَّيَّارَةُ الَّتي احتَجنا إلَيها.‏

أظهَرَ لنا يَهْوَه أنَّهُ أخَذَ على عاتِقِهِ مَسؤولِيَّةَ تَأمينِ حاجاتِنا المادِّيَّة.‏ أمَّا نَحنُ فمَسؤولِيَّتُنا أن نَضَعَ عَمَلَ مَملَكَتِهِ أوَّلًا.‏

مَدرَسَةُ جِلْعَاد

صفنا في مدرسة خدمة الفتح سنة ١٩٧٨

فيما كُنَّا نَحضُرُ مَدرَسَةَ خِدمَةِ الفَتحِ سَنَةَ ١٩٧٨،‏ شَجَّعَنا أحَدُ المُدَرِّسين،‏ الأخ رَايْمُو كُوُوكَانِن،‏ a أن نُقَدِّمَ طَلَبًا لِحُضورِ مَدرَسَةِ جِلْعَاد.‏ لِذا بَدَأنا نَدرُسُ الإنْكِلِيزِيَّةَ كَي نَصيرَ مُؤَهَّلَيْن.‏ ولكنْ سَنَةَ ١٩٨٠،‏ قَبلَ أن نُقَدِّمَ الطَّلَب،‏ دُعينا لِنَخدُمَ في مَكتَبِ الفَرعِ في فِنْلَنْدَا.‏ وفي ذلِكَ الوَقت،‏ لم يَقدِرِ الخُدَّامُ في بَيْت إيل أن يَحضُروا جِلْعَاد.‏ لكنَّنا أرَدنا أن نَخدُمَ في المَكانِ الَّذي يَراهُ يَهْوَه مُناسِبًا،‏ لا نَحن.‏ لِذلِك قَبِلنا الدَّعوَةَ إلى بَيْت إيل.‏ مع ذلِك،‏ تابَعْنا دَرسَ الإنْكِلِيزِيَّةِ في حالِ أتَتنا الفُرصَةُ لِنُقَدِّمَ طَلَبًا ونَحضُرَ جِلْعَاد.‏

بَعدَ سَنَواتٍ قَليلَة،‏ فَتَحَتِ الهَيئَةُ الحاكِمَة المَجالَ لِخُدَّامِ بَيْت إيل أن يُقَدِّموا طَلَباتٍ لِحُضورِ مَدرَسَةِ جِلْعَاد.‏ فمَلَأْنا الطَّلَبَ فَوْرًا،‏ ولكنْ لَيسَ لِأنَّنا لم نَكُنْ فَرِحَيْنِ في بَيْت إيل.‏ على العَكس!‏ أرَدنا فَقَط أن نَكونَ جاهِزَيْنِ لِنَخدُمَ حَيثُ هُناك حاجَةٌ أكبَرُ إذا كُنَّا مُؤَهَّلَيْن.‏ وقد دُعينا إلى جِلْعَاد وتَخَرَّجنا مِنَ الصَّفِّ الـ‍ ٧٩ في أيْلُول (‏سِبْتَمْبِر)‏ ١٩٨٥.‏ وكانَ تَعيينُنا في كُولُومْبِيَا.‏

تَعيينُنا الإرسالِيُّ الأوَّل

في كُولُومْبِيَا،‏ كانَ أوَّلُ تَعيينٍ لنا في مَكتَبِ الفَرع.‏ حاوَلتُ أن أُعْطِيَ أفضَلَ ما عِندي في تَعييني.‏ ولكنْ بَعدَ سَنَة،‏ أحسَستُ أنَّنا بِحاجَةٍ إلى التَّغيير.‏ ولِلمَرَّةِ الأُولى والوَحيدَة في حَياتي،‏ طَلَبتُ تَعيينًا مُختَلِفًا.‏ وبَعدَ ذلِك،‏ تَعَيَّنَّا كَمُرسَلَيْنِ في الحَقل،‏ في مَدينَةِ نِيفَا في مِنطَقَةِ هْوِيلَا.‏

لَطالَما استَمتَعتُ بِخِدمَةِ الحَقل.‏ فحينَ كُنتُ فاتِحًا أعزَبَ في فِنْلَنْدَا،‏ كُنتُ أحيانًا أُبَشِّرُ مِنَ الصَّباحِ الباكِرِ إلى وَقتٍ مُتَأخِّرٍ مِنَ المَساء.‏ وحينَ كُنَّا أنا وسِيرْكَا عَروسَيْن،‏ كُنَّا نَقْضي أيَّامًا كامِلَة في عَمَلِ التَّبشير.‏ وعِندَما كُنَّا نَخدُمُ في مُقاطَعاتٍ بَعيدَة،‏ كُنَّا أحيانًا نَنامُ في سَيَّارَتِنا.‏ وهذا وَفَّرَ علَينا الوَقتَ وسَمَحَ لنا أن نَبدَأَ خِدمَتَنا باكِرًا في اليَومِ التَّالي.‏

ولمَّا صِرنا مُرسَلَيْنِ في الحَقل،‏ شَعَرنا مِن جَديدٍ بِالحَماسَةِ نَفْسِها الَّتي كانَت لَدَينا مِن قَبل.‏ وقد كَبِرَت جَماعَتُنا،‏ وكانَ الإخوَةُ والأخَواتُ في كُولُومْبِيَا يُقَدِّرونَ الآخَرينَ ويَحتَرِمونَهُم ويُحِبُّونَهُم.‏

مَفعولُ الصَّلاة

لَيسَ بَعيدًا جِدًّا عن تَعيينِنا في نِيفَا،‏ كانَ هُناك بَلداتٌ لَيسَ فيها شُهودٌ لِيَهْوَه.‏ وكُنتُ أُفَكِّرُ دائِمًا كَيفَ ستَصِلُ الأخبارُ الحُلْوَة إلى هذِهِ المَناطِق.‏ ولكنْ بِسَبَبِ حَربِ الميليشيات،‏ لم تَكُنْ هذِهِ المَناطِقُ آمِنَةً لِغَيرِ السُّكَّانِ المَحَلِّيِّين.‏ فصَلَّيتُ أن يَصيرَ أحَدُ سُكَّانِ هذِهِ البَلداتِ شاهِدًا لِيَهْوَه.‏ وفَكَّرتُ أنَّ هذا الشَّخصَ يَجِبُ أن يَكونَ ساكِنًا في نِيفَا كَي يَتَعَلَّمَ الحَقّ.‏ لِذلِك صَلَّيتُ أيضًا أن يَتَقَدَّمَ هذا الشَّخصُ روحِيًّا بَعدَ مَعمودِيَّتِهِ ويَعودَ إلى بَلدَتِهِ لِيُبَشِّر.‏ كانَ يَلزَمُ أن أعرِفَ أنَّ يَهْوَه لَدَيهِ حَلٌّ أفضَلُ بِكَثير.‏

بَعدَ ذلِك بِوَقتٍ قَصير،‏ بَدَأتُ أدرُسُ الكِتابَ المُقَدَّسَ مع شابٍّ اسْمُهُ فِرْنَانْدُو غُونْزَالِيس.‏ وكانَ فِرْنَانْدُو يَعيشُ في ألْهِيزِيرَاس،‏ إحْدى البَلداتِ الَّتي لَيسَ فيها شُهود.‏ وكانَ يَقطَعُ أكثَرَ مِن ٥٠ كيلومِترًا لِيَصِلَ إلى عَمَلِهِ في نِيفَا.‏ وقدِ اعتادَ أن يُحَضِّرَ جَيِّدًا لِكُلِّ دَرس،‏ وبَدَأَ فَوْرًا يَحضُرُ كُلَّ الاجتِماعات.‏ ومُنذُ أوَّلِ دَرسٍ لنا،‏ كانَ فِرْنَانْدُو يَجمَعُ آخَرينَ في بَلدَتِهِ ويُعَلِّمُهُم ما تَعَلَّمَهُ في دَرسِه.‏

مع فرناندو سنة ١٩٩٣

إعتَمَدَ فِرْنَانْدُو في كَانُون الثَّاني (‏يَنَايِر)‏ ١٩٩٠،‏ بَعدَ سِتَّةِ أشهُرٍ مِن بَدْئِهِ بِالدَّرس.‏ وبَعدَ ذلِك صارَ فاتِحًا عادِيًّا.‏ وبِوُجودِ ناشِرٍ في ألْهِيزِيرَاس،‏ أصبَحَ آمِنًا أن يُعَيِّنَ مَكتَبُ الفَرعِ فاتِحينَ خُصوصِيِّينَ في المِنطَقَة.‏ وفي شُبَاط (‏فِبْرَايِر)‏ ١٩٩٢،‏ تَشَكَّلَت جَماعَةٌ في تِلكَ البَلدَة.‏

ولكنْ هل بَشَّرَ فِرْنَانْدُو في بَلدَتِهِ فَقَط؟‏ لا.‏ فبَعدَ زَواجِه،‏ انتَقَلَ هو وزَوجَتُهُ إلى سَان فِنْسِنْت دِيل كَاجُوَان،‏ بَلدَةٍ أُخْرى لم يَكُنْ فيها شُهود.‏ وهُناك ساعَدا في تَأسيسِ جَماعَة.‏ وسَنَةَ ٢٠٠٢،‏ عُيِّنَ فِرْنَانْدُو ناظِرَ دائِرَة.‏ وما زالَ هو وزَوجَتُهُ أُولْغَا في العَمَلِ الجائِلِ حتَّى هذا اليَوم.‏

تَعَلَّمتُ مِن هذا الاختِبارِ كم مُهِمٌّ أن نُصَلِّيَ بِخُصوصِ أُمورٍ مُحَدَّدَة مُتَعَلِّقَة بِتَعييناتِنا الثِّيوقراطِيَّة.‏ ويَهْوَه يَفعَلُ ما لا نَقدِرُ نَحنُ أن نَفعَلَه.‏ ففي النِّهايَة،‏ الحَصادُ حَصادُهُ هو لا حَصادُنا نَحن.‏ —‏ مت ٩:‏٣٨‏.‏

يَهْوَه يُعْطينا «الرَّغبَةَ والقُدرَة»‏

سَنَةَ ١٩٩٠،‏ تَعَيَّنَّا في العَمَلِ الجائِل.‏ وأوَّلُ دائِرَةٍ ذَهَبنا إلَيها كانَتِ العاصِمَةَ بُوغُوتَا.‏ وهذا التَّعيينُ أخافَنا كَثيرًا.‏ فأنا وزَوجَتي شَخصانِ عادِيَّانِ لَيسَ لَدَينا أيُّ مَواهِبَ مُمَيَّزَة.‏ ولم نَكُنْ مُعتادَيْنِ على الحَياةِ في مَدينَةٍ ناشِطَة.‏ لكنَّ يَهْوَه تَمَّمَ وَعْدَهُ في فِيلِبِّي ٢:‏١٣‏:‏ «اللّٰهُ هوَ الَّذي يُقَوِّيكُم لِكَي تُرْضوهُ كامِلًا؛‏ إنَّهُ يُعْطيكُمُ الرَّغبَةَ والقُدرَةَ لِتَعمَلوا ما يُرْضيه».‏

لاحِقًا،‏ تَعَيَّنَّا في دائِرَةٍ في مِنطَقَةِ مِيدِيلِّين الَّتي ذَكَرتُها في البِدايَة.‏ النَّاسُ هُناكَ اعتادوا على العُنفِ في الشَّوارِعِ لِدَرَجَةِ أنَّهُ لم يَعُدْ يُخيفُهُم.‏ مَثَلًا،‏ فيما كُنتُ مَرَّةً أُديرُ دَرسًا في الكِتابِ المُقَدَّس،‏ حَدَثَ إطلاقُ نارٍ خارِجَ البَيت.‏ كُنتُ على وَشْكِ أن أرْمِيَ نَفْسي على الأرض،‏ لكنَّ التِّلميذَ تابَعَ قِراءَةَ الفَقرَةِ وكَأنَّ شَيئًا لم يَكُن.‏ وعِندَما انْتَهى،‏ استَأذَنَ مِنِّي وخَرَج.‏ وبَعدَ قَليل،‏ عادَ ومعهُ وَلَدانِ صَغيرانِ وقالَ بِهُدوء:‏ «عُذرًا،‏ كانَ علَيَّ أن أجلُبَ وَلَدَيَّ».‏

ولم تَكُنْ هذِهِ المَرَّةَ الوَحيدَة الَّتي تَعَرَّضنا فيها لِلخَطَر.‏ فذاتَ يَوم،‏ فيما كُنَّا نُبَشِّرُ مِن بابٍ إلى باب،‏ رَكَضَت زَوجَتي إلَيَّ ووَجهُها مُصْفَرّ.‏ ثُمَّ قالَت لي إنَّ أحَدًا أطلَقَ النَّارَ علَيها.‏ صَدَمَني ما قالَته.‏ لكنَّنا عَرَفْنا في ما بَعد أنَّ الرَّجُلَ لم يَكُنْ يُصَوِّبُ على سِيرْكَا،‏ بل على رَجُلٍ يَمُرُّ قُربَها.‏

معَ الوَقت،‏ تَعَلَّمنا أن نَتَعايَشَ معَ العُنفِ في الشَّوارِع.‏ وتَشَجَّعنا حينَ رَأيْنا احتِمالَ الإخوَةِ هُناكَ الَّذينَ عاشوا ظُروفًا مِثلَ هذِهِ وأسوَأ.‏ وكُنَّا نَقولُ لِأنفُسِنا:‏ ‹ما دامَ يَهْوَه يُساعِدُهُم،‏ فهو سيُساعِدُنا نَحنُ أيضًا›.‏ وكُنَّا نَسمَعُ نَصائِحَ الشُّيوخِ في المِنطَقَة،‏ نَأخُذُ احتِياطاتِنا،‏ ونَترُكُ الباقيَ على يَهْوَه.‏

طَبعًا،‏ لم تَكُنْ كُلُّ المَواقِفِ خَطِرَةً كما ظَنَنَّا.‏ مَرَّةً،‏ سَمِعتُ أصواتًا بَدَت لي وكَأنَّ امرَأتَيْنِ تَتَبادَلانِ الشَّتائِمَ خارِجَ البَيتِ الَّذي أزورُه.‏ لم يَكُنْ يَهُمُّني أن أتَفَرَّجَ على المُشاجَرَة،‏ لكنَّ صاحِبَةَ البَيتِ أصَرَّت أن تَأخُذَني إلى الخارِج.‏ فاكتَشَفتُ أنَّ «المُشاجَرَةَ» كانَت في الواقِعِ بَينَ بَبَّغاءَيْنِ تُقَلِّدانِ الجيران.‏

إمتِيازاتٌ وتَحَدِّياتٌ إضافِيَّة

سَنَةَ ١٩٩٧،‏ عُيِّنتُ مُدَرِّسًا في مَدرَسَةِ تَدريبِ الخُدَّام.‏ b ولَطالَما أحبَبتُ أن أحضُرَ المَدارِسَ الثِّيوقراطِيَّة.‏ لكنِّي لم أتَخَيَّلْ أبَدًا أن أنالَ الامتِيازَ أن أكونَ مُدَرِّسًا في إحْداها.‏

ولاحِقًا،‏ خَدَمتُ كناظِرِ كورَة.‏ وعِندَما تَوَقَّفَ هذا التَّرتيب،‏ عُدتُ إلى العَمَلِ الدَّائِرِيّ.‏ وطَوالَ أكثَرَ مِن ٣٠ سَنَة،‏ فَرِحتُ بِالامتِيازِ أن أكونَ مُدَرِّسًا وناظِرًا جائِلًا.‏ وهذانِ التَّعيينانِ جَلَبا لي بَرَكاتٍ كَثيرَة.‏ لكنَّ حَياتي لم تَكُنْ دائِمًا مَفروشَةً بِالوُرود.‏

أنا شَخصٌ واثِقٌ مِن نَفْسِهِ وشَخصِيَّتي قَوِيَّة.‏ وهذا ساعَدَني أن أتَخَطَّى الظُّروفَ الصَّعبَة.‏ لكنِّي أحيانًا كُنتُ مُندَفِعًا زِيادَةً عنِ اللُّزومِ وأنا أُحاوِلُ أن أُصَحِّحَ الأُمورَ في الجَماعات.‏ وفي بَعضِ الأوْقات،‏ كُنتُ أنصَحُ الآخَرينَ بِقُوَّةٍ أن يَكونوا مُحِبِّينَ ومَرِنينَ مع غَيرِهِم.‏ لكنَّ المُضحِكَ أنِّي أنا مَنِ احتاجَ في تِلكَ الأوْقاتِ إلى هاتَيْنِ الصِّفَتَيْن.‏ —‏ رو ٧:‏٢١-‏٢٣‏.‏

بِسَبَبِ ضَعَفاتي،‏ كُنتُ أحيانًا أشعُرُ بِإحباطٍ شَديد.‏ (‏رو ٧:‏٢٤‏)‏ وفي إحْدى المَراحِل،‏ قُلتُ لِيَهْوَه في الصَّلاةِ إنَّهُ مِنَ الأفضَلِ أن أترُكَ الخِدمَةَ الإرسالِيَّة وأعودَ إلى فِنْلَنْدَا.‏ وفي تِلكَ الأُمسِيَة،‏ حَضَرتُ اجتِماعًا لِلجَماعَة.‏ والتَّشجيعُ الَّذي نِلتُهُ هُناك أقنَعَني أن أبْقى في تَعييني وأستَمِرَّ في مُحارَبَةِ نَقائِصي.‏ وحتَّى هذا اليَوم،‏ أتَأثَّرُ حينَ أُفَكِّرُ كم كانَ واضِحًا جَوابُ يَهْوَه لِصَلاتي.‏ كما أنَّني أُقَدِّرُ كَثيرًا كَيفَ ساعَدَني بِكُلِّ لُطفٍ أن أتَغَلَّبَ على ضَعَفاتي.‏

أَنظُرُ إلى المُستَقبَلِ بِثِقَة

أنا وسِيرْكَا نَشعُرُ أنَّنا مَديونانِ لِيَهْوَه على الامتِيازِ أنَّنا قَضَينا مُعظَمَ سِني حَياتِنا في الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت.‏ وأشكُرُ يَهْوَه دائِمًا لِأنَّهُ أعْطاني زَوجَةً مُحِبَّة ووَلِيَّة دَعَمَتني كُلَّ هذِهِ السِّنين.‏

قَريبًا سيَصيرُ عُمري ٧٠ سَنَة،‏ ولن يَعودَ لَدَيَّ الامتِيازُ أن أخدُمَ كمُدَرِّسٍ في الحَقلِ وناظِرٍ جائِل.‏ لكنِّي لَستُ حَزينًا.‏ فأنا مُقتَنِعٌ أنَّ أكثَرَ ما يُمَجِّدُ يَهْوَه هو أن نَخدُمَهُ بِتَواضُعٍ ونُسَبِّحَهُ بِقَلبٍ يَفيضُ بِالمَحَبَّةِ والتَّقدير.‏ (‏مي ٦:‏٨؛‏ مر ١٢:‏٣٢-‏٣٤‏)‏ وكَي نُمَجِّدَ يَهْوَه،‏ لا حاجَةَ أن نَكونَ تَحتَ الأضواء.‏

حينَ أُفَكِّرُ في التَّعييناتِ الَّتي نِلتُها،‏ أُدرِكُ أنِّي لم أنَلْها لِأنِّي أستَحِقُّها أكثَرَ مِن غَيري،‏ ولا بِسَبَبِ قُدُراتي المُمَيَّزَة.‏ طَبعًا لا!‏ فيَهْوَه أعْطاني هذِهِ التَّعييناتِ بِلُطفِهِ الفائِق.‏ وقد فَعَلَ ذلِك رَغمَ ضَعَفاتي.‏ وأنا مُتَأكِّدٌ أنِّي لم أكُنْ لِأقومَ بِهذِهِ التَّعييناتِ لَولا دَعمُ يَهْوَه.‏ لِذا أقولُ إنَّ ضُعْفي أظهَرَ كم قُدرَةُ اللّٰهِ عَظيمَة.‏ —‏ ٢ كو ١٢:‏٩‏.‏

a نُشِرَت قِصَّةُ حَياةِ رَايْمُو كُوُوكَانِن،‏ «‏تَصميمُنا على خِدمَةِ يَهْوَه‏»،‏ في عَدَد ١ نَيْسَان (‏أبْرِيل)‏ ٢٠٠٦ مِن بُرجِ المُراقَبَة.‏

b حَلَّت مَدرَسَةُ الكارِزينَ بِالمَلَكوتِ مَحَلَّ هذِهِ المَدرَسَة.‏