قصة حياة
ضعفي أظهر كم قدرة اللّٰه عظيمة
حينَ وَصَلْنا أنا وزَوجَتي إلى كُولُومْبِيَا سَنَةَ ١٩٨٥، كانَ البَلَدُ يَشهَدُ أعمالَ عُنفٍ لم يَسبِقْ لها مَثيل. فالحُكومَةُ كانَت تُحارِبُ في المُدُنِ عِصاباتٍ قَوِيَّة لِبَيعِ المُخَدِّراتِ، وفي الجِبالِ جُنودَ الميليشيات. وفي مِنطَقَةِ مِيدِيلِّين حَيثُ خَدَمْنا لاحِقًا، كانَ أعضاءُ العِصاباتِ المُسَلَّحونَ مُنتَشِرينَ في الشَّوارِع، يَبيعونَ المُخَدِّراتِ ويَبتَزُّونَ النَّاسَ ويَعمَلونَ كقاتِلينَ مَأجورين. ولم يَبْقَ أحَدٌ مِنهُم حَيًّا لِوَقتٍ طَويل. شَعَرنا أنَّنا في كَوكَبٍ آخَر.
ولكنْ كَيفَ وَصَلَ شَخصانِ عادِيَّانِ مِن فِنْلَنْدَا الَّتي تَقَعُ في أقْصى شَمالِ الكُرَةِ الأرضِيَّة إلى أمِيرْكَا الجَنوبِيَّة؟ وأيُّ دُروسٍ تَعَلَّمتُها على مَرِّ السِّنين؟
فَترَةُ شَبابي في فِنْلَنْدَا
وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٥٥ وكُنتُ الأصغَرَ بَينَ ثَلاثَةِ صِبيان. تَرَبَّيتُ قُربَ السَّاحِلِ الجَنوبِيِّ في فِنْلَنْدَا، في مِنطَقَةٍ صارَ اسْمُها الآنَ فَانْتَا.
إعتَمَدَت أُمِّي وصارَت مِن شُهودِ يَهْوَه قَبلَ سَنَواتٍ قَليلَة مِن وِلادَتي. لكنَّ أبي قاوَمَ الحَقَّ ولم يَسمَحْ لها أن تَدرُسَ معنا نَحنُ الأوْلادَ ولا أن تَأخُذَنا إلى اجتِماعاتِ الجَماعَة. فكانَت تُعَلِّمُنا الحَقائِقَ الأساسِيَّة مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ حينَ لا يَكونُ أبي في البَيت.
مُنذُ صِغَري، أخَذتُ مَوقِفًا إلى جانِبِ يَهْوَه. مَثَلًا، حينَ كانَ عُمري سَبعَ سَنَوات، غَضِبَت مِنِّي المُعَلِّمَةُ لِأنِّي رَفَضتُ أن آكُلَ فِيرِيلَايْتِيَّا (فَطائِرَ الدَّمِ الفِنْلَنْدِيَّة). وضَغَطَت بِيَدِها على خَدَّيَّ كَي تَفتَحَ فَمي المُغلَق، وبِاليَدِ الثَّانِيَة حاوَلَت أن تُدخِلَ في فَمي شَوكَةً فيها قِطعَةٌ مِنَ الفَطيرَة. لكنِّي استَطَعتُ أن أُوقِعَ الشَّوكَةَ مِن يَدِها.
ماتَ أبي حينَ كانَ عُمري ١٢ سَنَة. بَعدَ ذلِك، صارَ بِإمكاني أن أحضُرَ اجتِماعاتِ الجَماعَة. والإخوَةُ هُناك اهتَمُّوا بي كَثيرًا، وهذا شَجَّعَني أن أتَقَدَّمَ روحِيًّا. فبَدَأتُ أقرَأُ الكِتابَ المُقَدَّسَ كُلَّ يَومٍ وأدرُسُ بِاجتِهادٍ مَطبوعاتِنا
المَسِيحِيَّة. وهذِهِ العادَةُ الجَيِّدَة ساعَدَتني أن أعتَمِدَ بِعُمرِ ١٤ سَنَة، في ٨ آب (أُغُسْطُس) ١٩٦٩.بَعدَما أنْهَيتُ دِراسَتي بِوَقتٍ قَصير، بَدَأتُ بِالفَتحِ العادِيّ. وبَعدَ أسابيعَ قَليلَة، انتَقَلتُ لِأخدُمَ حَيثُ هُناك حاجَةٌ أكبَر، في بَلدَةِ بِيلَافِيسِي الَّتي تَقَعُ قُربَ وَسَطِ فِنْلَنْدَا.
في بِيلَافِيسِي، الْتَقَيتُ بِصَبِيَّةٍ اسْمُها سِيرْكَا كانَت ستَصيرُ زَوجَتي العَزيزَة. جَذَبَني تَواضُعُها وعُمقُها الرُّوحِيّ. فهي لم تُحِبَّ أن تَلفِتَ الانتِباهَ إلى نَفْسِها، ولم تَكُنِ الأُمورُ المادِّيَّة تَعْني لها شَيئًا. كانَ كُلُّ هَمِّنا نَحنُ الاثنَيْنِ أن نَخدُمَ يَهْوَه بِكُلِّ طاقَتِنا، بِغَضِّ النَّظَرِ عنِ الامتِيازاتِ الَّتي نَنالُها في خِدمَتِه. تَزَوَّجْنا في ٢٣ آذَار (مَارِس) ١٩٧٤. وبَدَلَ أن نَذهَبَ إلى شَهرِ العَسَل، ذَهَبنا لِنَخدُمَ في كَارْتُولَا، حَيثُ كانَ هُناك حاجَةٌ أكبَرُ إلى مُبَشِّرينَ بِمَملَكَةِ اللّٰه.
يَهْوَه اهتَمَّ بنا
مُنذُ بِدايَةِ زَواجِنا، أظهَرَ لنا يَهْوَه أنَّهُ سيَهتَمُّ بِحاجاتِنا المادِّيَّة إذا وَضَعْنا مَملَكَتَهُ أوَّلًا. (مت ٦:٣٣) مَثَلًا في كَارْتُولَا، لم يَكُنْ لَدَينا سَيَّارَة. في الأوَّل، كُنَّا نَتَنَقَّلُ بِالدَّرَّاجَةِ الهَوائِيَّة. ولكنْ في الشِّتاء، كانَت دَرَجَةُ الحَرارَةِ تَنخَفِضُ إلى ما تَحتَ الصِّفر. وكَي نُبَشِّرَ في مُقاطَعَةِ الجَماعَةِ الواسِعَة، احتَجنا إلى سَيَّارَة. ولم يَكُنْ لَدَينا المالُ لِنَشتَرِيَ واحِدَة.
وفي أحَدِ الأيَّام، فاجَأَنا أخي الأكبَرُ مِنِّي وأتى لِزِيارَتِنا. وعَرَضَ علَينا أن يُعْطِيَنا سَيَّارَتَه. وكانَت بوليصَةُ التَّأمينِ مَدفوعَة. كُلُّ ما علَينا فِعلُهُ هو أن نَدفَعَ ثَمَنَ الوَقود. وهكَذا صارَ لَدَينا السَّيَّارَةُ الَّتي احتَجنا إلَيها.
أظهَرَ لنا يَهْوَه أنَّهُ أخَذَ على عاتِقِهِ مَسؤولِيَّةَ تَأمينِ حاجاتِنا المادِّيَّة. أمَّا نَحنُ فمَسؤولِيَّتُنا أن نَضَعَ عَمَلَ مَملَكَتِهِ أوَّلًا.
مَدرَسَةُ جِلْعَاد
فيما كُنَّا نَحضُرُ مَدرَسَةَ خِدمَةِ الفَتحِ سَنَةَ ١٩٧٨، شَجَّعَنا أحَدُ المُدَرِّسين، الأخ رَايْمُو كُوُوكَانِن، a أن نُقَدِّمَ طَلَبًا لِحُضورِ مَدرَسَةِ جِلْعَاد. لِذا بَدَأنا نَدرُسُ الإنْكِلِيزِيَّةَ كَي نَصيرَ مُؤَهَّلَيْن. ولكنْ سَنَةَ ١٩٨٠، قَبلَ أن نُقَدِّمَ الطَّلَب، دُعينا لِنَخدُمَ في مَكتَبِ الفَرعِ في فِنْلَنْدَا. وفي ذلِكَ الوَقت، لم يَقدِرِ الخُدَّامُ في بَيْت إيل أن يَحضُروا جِلْعَاد. لكنَّنا أرَدنا أن نَخدُمَ في المَكانِ الَّذي يَراهُ يَهْوَه مُناسِبًا، لا نَحن. لِذلِك قَبِلنا الدَّعوَةَ إلى بَيْت إيل. مع ذلِك، تابَعْنا دَرسَ الإنْكِلِيزِيَّةِ في حالِ أتَتنا الفُرصَةُ لِنُقَدِّمَ طَلَبًا ونَحضُرَ جِلْعَاد.
بَعدَ سَنَواتٍ قَليلَة، فَتَحَتِ الهَيئَةُ الحاكِمَة المَجالَ لِخُدَّامِ بَيْت إيل أن يُقَدِّموا طَلَباتٍ لِحُضورِ مَدرَسَةِ جِلْعَاد. فمَلَأْنا الطَّلَبَ فَوْرًا، ولكنْ لَيسَ لِأنَّنا لم نَكُنْ فَرِحَيْنِ في بَيْت إيل. على العَكس! أرَدنا فَقَط أن نَكونَ جاهِزَيْنِ لِنَخدُمَ حَيثُ هُناك حاجَةٌ أكبَرُ إذا كُنَّا مُؤَهَّلَيْن. وقد دُعينا إلى جِلْعَاد وتَخَرَّجنا مِنَ الصَّفِّ الـ ٧٩ في أيْلُول (سِبْتَمْبِر) ١٩٨٥. وكانَ تَعيينُنا في كُولُومْبِيَا.
تَعيينُنا الإرسالِيُّ الأوَّل
في كُولُومْبِيَا، كانَ أوَّلُ تَعيينٍ لنا في مَكتَبِ الفَرع. حاوَلتُ أن أُعْطِيَ أفضَلَ ما عِندي في تَعييني. ولكنْ بَعدَ سَنَة، أحسَستُ أنَّنا بِحاجَةٍ إلى التَّغيير. ولِلمَرَّةِ الأُولى والوَحيدَة في حَياتي، طَلَبتُ تَعيينًا مُختَلِفًا. وبَعدَ ذلِك، تَعَيَّنَّا كَمُرسَلَيْنِ في الحَقل، في مَدينَةِ نِيفَا في مِنطَقَةِ هْوِيلَا.
لَطالَما استَمتَعتُ بِخِدمَةِ الحَقل. فحينَ كُنتُ فاتِحًا أعزَبَ في فِنْلَنْدَا، كُنتُ أحيانًا أُبَشِّرُ مِنَ الصَّباحِ الباكِرِ إلى وَقتٍ مُتَأخِّرٍ مِنَ المَساء. وحينَ كُنَّا أنا وسِيرْكَا عَروسَيْن، كُنَّا نَقْضي أيَّامًا كامِلَة في عَمَلِ التَّبشير. وعِندَما كُنَّا نَخدُمُ في مُقاطَعاتٍ بَعيدَة، كُنَّا أحيانًا نَنامُ في سَيَّارَتِنا. وهذا وَفَّرَ علَينا الوَقتَ وسَمَحَ لنا أن نَبدَأَ خِدمَتَنا باكِرًا في اليَومِ التَّالي.
ولمَّا صِرنا مُرسَلَيْنِ في الحَقل، شَعَرنا مِن جَديدٍ بِالحَماسَةِ نَفْسِها الَّتي كانَت لَدَينا مِن قَبل. وقد كَبِرَت جَماعَتُنا، وكانَ الإخوَةُ والأخَواتُ في كُولُومْبِيَا يُقَدِّرونَ الآخَرينَ ويَحتَرِمونَهُم ويُحِبُّونَهُم.
مَفعولُ الصَّلاة
لَيسَ بَعيدًا جِدًّا عن تَعيينِنا في نِيفَا، كانَ هُناك بَلداتٌ لَيسَ فيها شُهودٌ لِيَهْوَه. وكُنتُ أُفَكِّرُ دائِمًا كَيفَ ستَصِلُ الأخبارُ الحُلْوَة إلى هذِهِ المَناطِق. ولكنْ بِسَبَبِ حَربِ الميليشيات، لم تَكُنْ هذِهِ المَناطِقُ آمِنَةً لِغَيرِ السُّكَّانِ المَحَلِّيِّين. فصَلَّيتُ أن يَصيرَ أحَدُ سُكَّانِ هذِهِ البَلداتِ شاهِدًا لِيَهْوَه. وفَكَّرتُ أنَّ هذا الشَّخصَ يَجِبُ أن يَكونَ ساكِنًا في نِيفَا كَي يَتَعَلَّمَ الحَقّ. لِذلِك صَلَّيتُ أيضًا أن يَتَقَدَّمَ هذا الشَّخصُ روحِيًّا بَعدَ مَعمودِيَّتِهِ ويَعودَ إلى بَلدَتِهِ لِيُبَشِّر. كانَ يَلزَمُ أن أعرِفَ أنَّ يَهْوَه لَدَيهِ حَلٌّ أفضَلُ بِكَثير.
بَعدَ ذلِك بِوَقتٍ قَصير، بَدَأتُ أدرُسُ الكِتابَ المُقَدَّسَ مع شابٍّ اسْمُهُ فِرْنَانْدُو غُونْزَالِيس. وكانَ فِرْنَانْدُو يَعيشُ في ألْهِيزِيرَاس، إحْدى البَلداتِ الَّتي لَيسَ فيها شُهود. وكانَ يَقطَعُ أكثَرَ مِن ٥٠ كيلومِترًا لِيَصِلَ إلى عَمَلِهِ في نِيفَا. وقدِ اعتادَ أن يُحَضِّرَ جَيِّدًا لِكُلِّ دَرس، وبَدَأَ فَوْرًا يَحضُرُ كُلَّ الاجتِماعات. ومُنذُ أوَّلِ دَرسٍ لنا، كانَ فِرْنَانْدُو يَجمَعُ آخَرينَ في بَلدَتِهِ ويُعَلِّمُهُم ما تَعَلَّمَهُ في دَرسِه.
إعتَمَدَ فِرْنَانْدُو في كَانُون الثَّاني (يَنَايِر) ١٩٩٠، بَعدَ سِتَّةِ أشهُرٍ مِن بَدْئِهِ بِالدَّرس. وبَعدَ ذلِك صارَ فاتِحًا عادِيًّا. وبِوُجودِ ناشِرٍ في ألْهِيزِيرَاس، أصبَحَ آمِنًا أن يُعَيِّنَ مَكتَبُ الفَرعِ فاتِحينَ خُصوصِيِّينَ في المِنطَقَة. وفي شُبَاط (فِبْرَايِر) ١٩٩٢، تَشَكَّلَت جَماعَةٌ في تِلكَ البَلدَة.
ولكنْ هل بَشَّرَ فِرْنَانْدُو في بَلدَتِهِ فَقَط؟ لا. فبَعدَ زَواجِه، انتَقَلَ هو وزَوجَتُهُ إلى سَان فِنْسِنْت دِيل كَاجُوَان، بَلدَةٍ أُخْرى لم يَكُنْ فيها شُهود. وهُناك ساعَدا في تَأسيسِ جَماعَة. وسَنَةَ ٢٠٠٢، عُيِّنَ فِرْنَانْدُو ناظِرَ دائِرَة. وما زالَ هو وزَوجَتُهُ أُولْغَا في العَمَلِ الجائِلِ حتَّى هذا اليَوم.
تَعَلَّمتُ مِن هذا الاختِبارِ كم مُهِمٌّ أن نُصَلِّيَ بِخُصوصِ أُمورٍ مُحَدَّدَة مُتَعَلِّقَة بِتَعييناتِنا الثِّيوقراطِيَّة. ويَهْوَه يَفعَلُ ما لا نَقدِرُ نَحنُ أن نَفعَلَه. ففي النِّهايَة، الحَصادُ حَصادُهُ هو لا حَصادُنا نَحن. — مت ٩:٣٨.
يَهْوَه يُعْطينا «الرَّغبَةَ والقُدرَة»
سَنَةَ ١٩٩٠، تَعَيَّنَّا في العَمَلِ الجائِل. وأوَّلُ دائِرَةٍ ذَهَبنا إلَيها كانَتِ العاصِمَةَ بُوغُوتَا. وهذا التَّعيينُ أخافَنا كَثيرًا. فأنا وزَوجَتي شَخصانِ عادِيَّانِ لَيسَ لَدَينا أيُّ مَواهِبَ مُمَيَّزَة. ولم نَكُنْ مُعتادَيْنِ على الحَياةِ في مَدينَةٍ ناشِطَة. لكنَّ يَهْوَه تَمَّمَ وَعْدَهُ في فِيلِبِّي ٢:١٣: «اللّٰهُ هوَ الَّذي يُقَوِّيكُم لِكَي تُرْضوهُ كامِلًا؛ إنَّهُ يُعْطيكُمُ الرَّغبَةَ والقُدرَةَ لِتَعمَلوا ما يُرْضيه».
لاحِقًا، تَعَيَّنَّا في دائِرَةٍ في مِنطَقَةِ مِيدِيلِّين الَّتي ذَكَرتُها في البِدايَة. النَّاسُ هُناكَ اعتادوا على العُنفِ في الشَّوارِعِ لِدَرَجَةِ أنَّهُ لم يَعُدْ يُخيفُهُم. مَثَلًا، فيما كُنتُ مَرَّةً أُديرُ دَرسًا في الكِتابِ المُقَدَّس، حَدَثَ إطلاقُ نارٍ خارِجَ البَيت. كُنتُ على وَشْكِ أن أرْمِيَ نَفْسي على الأرض، لكنَّ التِّلميذَ تابَعَ قِراءَةَ الفَقرَةِ وكَأنَّ شَيئًا لم يَكُن. وعِندَما انْتَهى، استَأذَنَ مِنِّي وخَرَج. وبَعدَ قَليل، عادَ ومعهُ وَلَدانِ صَغيرانِ وقالَ بِهُدوء: «عُذرًا، كانَ علَيَّ أن أجلُبَ وَلَدَيَّ».
ولم تَكُنْ هذِهِ المَرَّةَ الوَحيدَة الَّتي تَعَرَّضنا فيها لِلخَطَر. فذاتَ يَوم، فيما كُنَّا نُبَشِّرُ مِن بابٍ إلى باب، رَكَضَت زَوجَتي إلَيَّ ووَجهُها مُصْفَرّ. ثُمَّ قالَت لي إنَّ أحَدًا أطلَقَ النَّارَ علَيها. صَدَمَني ما قالَته. لكنَّنا عَرَفْنا في ما بَعد أنَّ الرَّجُلَ لم يَكُنْ يُصَوِّبُ على سِيرْكَا، بل على رَجُلٍ يَمُرُّ قُربَها.
معَ الوَقت، تَعَلَّمنا أن نَتَعايَشَ معَ العُنفِ في الشَّوارِع. وتَشَجَّعنا حينَ رَأيْنا احتِمالَ الإخوَةِ هُناكَ الَّذينَ عاشوا ظُروفًا مِثلَ هذِهِ وأسوَأ. وكُنَّا نَقولُ لِأنفُسِنا: ‹ما دامَ يَهْوَه يُساعِدُهُم، فهو سيُساعِدُنا نَحنُ أيضًا›. وكُنَّا نَسمَعُ نَصائِحَ الشُّيوخِ في المِنطَقَة، نَأخُذُ احتِياطاتِنا، ونَترُكُ الباقيَ على يَهْوَه.
طَبعًا، لم تَكُنْ كُلُّ المَواقِفِ خَطِرَةً كما ظَنَنَّا. مَرَّةً، سَمِعتُ أصواتًا بَدَت لي وكَأنَّ امرَأتَيْنِ تَتَبادَلانِ
الشَّتائِمَ خارِجَ البَيتِ الَّذي أزورُه. لم يَكُنْ يَهُمُّني أن أتَفَرَّجَ على المُشاجَرَة، لكنَّ صاحِبَةَ البَيتِ أصَرَّت أن تَأخُذَني إلى الخارِج. فاكتَشَفتُ أنَّ «المُشاجَرَةَ» كانَت في الواقِعِ بَينَ بَبَّغاءَيْنِ تُقَلِّدانِ الجيران.إمتِيازاتٌ وتَحَدِّياتٌ إضافِيَّة
سَنَةَ ١٩٩٧، عُيِّنتُ مُدَرِّسًا في مَدرَسَةِ تَدريبِ الخُدَّام. b ولَطالَما أحبَبتُ أن أحضُرَ المَدارِسَ الثِّيوقراطِيَّة. لكنِّي لم أتَخَيَّلْ أبَدًا أن أنالَ الامتِيازَ أن أكونَ مُدَرِّسًا في إحْداها.
ولاحِقًا، خَدَمتُ كناظِرِ كورَة. وعِندَما تَوَقَّفَ هذا التَّرتيب، عُدتُ إلى العَمَلِ الدَّائِرِيّ. وطَوالَ أكثَرَ مِن ٣٠ سَنَة، فَرِحتُ بِالامتِيازِ أن أكونَ مُدَرِّسًا وناظِرًا جائِلًا. وهذانِ التَّعيينانِ جَلَبا لي بَرَكاتٍ كَثيرَة. لكنَّ حَياتي لم تَكُنْ دائِمًا مَفروشَةً بِالوُرود.
أنا شَخصٌ واثِقٌ مِن نَفْسِهِ وشَخصِيَّتي قَوِيَّة. وهذا ساعَدَني أن أتَخَطَّى الظُّروفَ الصَّعبَة. لكنِّي أحيانًا كُنتُ مُندَفِعًا زِيادَةً عنِ اللُّزومِ وأنا أُحاوِلُ أن أُصَحِّحَ الأُمورَ في الجَماعات. وفي بَعضِ الأوْقات، كُنتُ أنصَحُ الآخَرينَ بِقُوَّةٍ أن يَكونوا مُحِبِّينَ ومَرِنينَ مع غَيرِهِم. لكنَّ المُضحِكَ أنِّي أنا مَنِ احتاجَ في تِلكَ الأوْقاتِ إلى هاتَيْنِ الصِّفَتَيْن. — رو ٧:٢١-٢٣.
بِسَبَبِ ضَعَفاتي، كُنتُ أحيانًا أشعُرُ بِإحباطٍ شَديد. (رو ٧:٢٤) وفي إحْدى المَراحِل، قُلتُ لِيَهْوَه في الصَّلاةِ إنَّهُ مِنَ الأفضَلِ أن أترُكَ الخِدمَةَ الإرسالِيَّة وأعودَ إلى فِنْلَنْدَا. وفي تِلكَ الأُمسِيَة، حَضَرتُ اجتِماعًا لِلجَماعَة. والتَّشجيعُ الَّذي نِلتُهُ هُناك أقنَعَني أن أبْقى في تَعييني وأستَمِرَّ في مُحارَبَةِ نَقائِصي. وحتَّى هذا اليَوم، أتَأثَّرُ حينَ أُفَكِّرُ كم كانَ واضِحًا جَوابُ يَهْوَه لِصَلاتي. كما أنَّني أُقَدِّرُ كَثيرًا كَيفَ ساعَدَني بِكُلِّ لُطفٍ أن أتَغَلَّبَ على ضَعَفاتي.
أَنظُرُ إلى المُستَقبَلِ بِثِقَة
أنا وسِيرْكَا نَشعُرُ أنَّنا مَديونانِ لِيَهْوَه على الامتِيازِ أنَّنا قَضَينا مُعظَمَ سِني حَياتِنا في الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت. وأشكُرُ يَهْوَه دائِمًا لِأنَّهُ أعْطاني زَوجَةً مُحِبَّة ووَلِيَّة دَعَمَتني كُلَّ هذِهِ السِّنين.
قَريبًا سيَصيرُ عُمري ٧٠ سَنَة، ولن يَعودَ لَدَيَّ الامتِيازُ أن أخدُمَ كمُدَرِّسٍ في الحَقلِ وناظِرٍ جائِل. لكنِّي لَستُ حَزينًا. فأنا مُقتَنِعٌ أنَّ أكثَرَ ما يُمَجِّدُ يَهْوَه هو أن نَخدُمَهُ بِتَواضُعٍ ونُسَبِّحَهُ بِقَلبٍ يَفيضُ بِالمَحَبَّةِ والتَّقدير. (مي ٦:٨؛ مر ١٢:٣٢-٣٤) وكَي نُمَجِّدَ يَهْوَه، لا حاجَةَ أن نَكونَ تَحتَ الأضواء.
حينَ أُفَكِّرُ في التَّعييناتِ الَّتي نِلتُها، أُدرِكُ أنِّي لم أنَلْها لِأنِّي أستَحِقُّها أكثَرَ مِن غَيري، ولا بِسَبَبِ قُدُراتي المُمَيَّزَة. طَبعًا لا! فيَهْوَه أعْطاني هذِهِ التَّعييناتِ بِلُطفِهِ الفائِق. وقد فَعَلَ ذلِك رَغمَ ضَعَفاتي. وأنا مُتَأكِّدٌ أنِّي لم أكُنْ لِأقومَ بِهذِهِ التَّعييناتِ لَولا دَعمُ يَهْوَه. لِذا أقولُ إنَّ ضُعْفي أظهَرَ كم قُدرَةُ اللّٰهِ عَظيمَة. — ٢ كو ١٢:٩.
a نُشِرَت قِصَّةُ حَياةِ رَايْمُو كُوُوكَانِن، «تَصميمُنا على خِدمَةِ يَهْوَه»، في عَدَد ١ نَيْسَان (أبْرِيل) ٢٠٠٦ مِن بُرجِ المُراقَبَة.
b حَلَّت مَدرَسَةُ الكارِزينَ بِالمَلَكوتِ مَحَلَّ هذِهِ المَدرَسَة.