دعاه يهوه «صديقي»
«أَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ فَخَادِمِي، وَأَنْتَ يَا يَعْقُوبُ مَنِ ٱخْتَرْتُ، نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ صَدِيقِي». — اش ٤١:٨.
اَلتَّرْنِيمَتَانِ: ٩١، ٢٢
١، ٢ (أ) كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ فِي وِسْعِ ٱلْبَشَرِ أَنْ يُصْبِحُوا أَصْدِقَاءَ ٱللهِ؟ (ب) مَاذَا سَنَتَفَحَّصُ فِي هٰذِهِ ٱلْمَقَالَةِ؟
اَلْمَحَبَّةُ حَاجَةٌ مَاسَّةٌ لَدَى ٱلْبَشَرِ جَمِيعًا، مِنْ لَحْظَةِ ٱلْوِلَادَةِ حَتَّى ٱلْمَمَاتِ. وَلَا نَعْنِي بِذٰلِكَ ٱلْحُبَّ ٱلرُّومَنْطِيقِيَّ فَقَطْ. فَنَحْنُ نَتُوقُ إِلَى أَنْ تَجْمَعَنَا بِٱلْآخَرِينَ صَدَاقَاتٌ حَمِيمَةٌ أَسَاسُهَا ٱلْمَحَبَّةُ. غَيْرَ أَنَّ مَحَبَّةَ ٱللهِ لَنَا هِيَ حَاجَتُنَا ٱلْعُظْمَى. وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى كَثِيرِينَ، تَبْدُو فِكْرَةُ ٱلصَّدَاقَةِ ٱلْحَمِيمَةِ مَعَ ٱللهِ غَرِيبَةً؛ لِأَنَّهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، سَاكِنُ ٱلسَّمَاءِ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورِ. أَمَّا نَحْنُ فَلَا نُشَاطِرُهُمُ ٱلرَّأْيَ لِأَنَّنَا نَعْرِفُ ٱلْحَقِيقَةَ.
٢ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَتَحَدَّثُ عَنْ بَشَرٍ نَاقِصِينَ أَصْبَحُوا أَصْدِقَاءَ ٱللهِ. وَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ فِي أَمْثِلَتِهِمْ. فَٱلصَّدَاقَةُ مَعَ ٱللهِ هِيَ أَهَمُّ هَدَفٍ نَسْعَى إِلَيْهِ فِي ٱلْحَيَاةِ. وَأَحَدُ ٱلْأَمْثِلَةِ ٱلْبَارِزَةِ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ هُوَ يعقوب ٢:٢٣.) فَكَيْفَ حَظِيَ بِهٰذِهِ ٱلْعَلَاقَةِ ٱلْحَمِيمَةِ بِيَهْوَهَ؟ أَحَدُ ٱلْعَوَامِلِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ هُوَ إِيمَانُهُ. وَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَدْعُوهُ «أَبًا لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ». (رو ٤:١١) فَلْنَتَفَحَّصْ كَيْفَ أَكْسَبَهُ إِيمَانُهُ صَدَاقَةً حَمِيمَةً مَعَ ٱللهِ. وَلْيَسْأَلْ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ: ‹كَيْفَ أَقْتَدِي بِإِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ وَأُقَوِّي صَدَاقَتِي مَعَ يَهْوَهَ؟›.
إِبْرَاهِيمُ. (اقرأكَيْفَ أَصْبَحَ إِبْرَاهِيمُ صَدِيقَ يَهْوَهَ؟
٣، ٤ (أ) صِفْ أَعْظَمَ ٱمْتِحَانٍ لِلْإِيمَانِ وَاجَهَهُ إِبْرَاهِيمُ. (ب) لِمَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى ٱسْتِعْدَادٍ لِتَقْدِيمِ ٱبْنِهِ ذَبِيحَةً؟
٣ تَخَيَّلْ رَجُلًا مُسِنًّا يَصْعَدُ ٱلْجَبَلَ بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ. إِنَّهَا أَصْعَبُ رِحْلَةٍ فِي حَيَاتِهِ. لٰكِنَّ مَا يُثْقِلُ خُطَاهُ لَيْسَ عُمْرَهُ. فَإِبْرَاهِيمُ لَا يَزَالُ قَوِيًّا، مَعَ أَنَّ عُمْرَهُ يُقَارِبُ ١٢٥ سَنَةً. [١] وَعَلَى بُعْدِ خُطُوَاتٍ فِي ٱلْخَلْفِ، يَسِيرُ شَابٌّ فِي ٱلْـ ٢٥ مِنَ ٱلْعُمْرِ تَقْرِيبًا. إِنَّهُ ٱبْنُهُ إِسْحَاقُ، وَهُوَ يَحْمِلُ حَطَبًا. أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَمَعَهُ سِكِّينٌ وَمَا يَلْزَمُ لِإِشْعَالِ ٱلنَّارِ. فَقَدْ أَمَرَهُ يَهْوَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَهُ وَحِيدَهُ ذَبِيحَةً! — تك ٢٢:١-٨.
٤ وَاجَهَ إِبْرَاهِيمُ آنَذَاكَ أَعْظَمَ ٱمْتِحَانٍ لِإِيمَانِهِ. وَيَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّ ٱللهَ كَانَ قَاسِيًا لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَهُ ذَبِيحَةً، وَيَقُولُ آخَرُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أَطَاعَ طَاعَةً عَمْيَاءَ مُجَرَّدَةً مِنَ ٱلْمَشَاعِرِ. لٰكِنَّ مَنْ يَتَبَنَّى هٰذَا ٱلْمَوْقِفَ يَفْتَقِرُ إِلَى ٱلْإِيمَانِ وَلَا يَعْرِفُ عَنْهُ شَيْئًا. (١ كو ٢:١٤-١٦) فَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُطِعْ يَهْوَهَ طَاعَةً عَمْيَاءَ. بَلْ رَأَى بِعَيْنِ ٱلْإِيمَانِ أَنَّ أَبَاهُ ٱلسَّمَاوِيَّ لَا يَطْلُبُ مُطْلَقًا مِنْ خُدَّامِهِ شَيْئًا يُسَبِّبُ لَهُمْ أَذًى دَائِمًا. فَقَدْ أَيْقَنَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ إِطَاعَةَ ٱللهِ سَتَعُودُ بِٱلْبَرَكَاتِ عَلَيْهِ وَعَلَى ٱبْنِهِ ٱلْحَبِيبِ. وَعَلَامَ ٱرْتَكَزَ إِيمَانُهُ؟ عَلَى ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْخِبْرَةِ.
٥ كَيْفَ تَعَرَّفَ إِبْرَاهِيمُ بِيَهْوَهَ، وَكَيْفَ أَثَّرَتْ فِيهِ هٰذِهِ ٱلْمَعْرِفَةُ؟
٥ اَلْمَعْرِفَةُ. تَرَبَّى إِبْرَاهِيمُ فِي مَدِينَةٍ كَلْدَانِيَّةٍ تُدْعَى أُورَ. وَكَانَ أَهْلُهَا، بِمَنْ فِيهِمْ أَبُوهُ تَارَحُ، مُنْغَمِسِينَ فِي عِبَادَةِ ٱلْأَصْنَامِ. (يش ٢٤:٢) فَكَيْفَ تَعَرَّفَ إِبْرَاهِيمُ بِيَهْوَهَ؟ لَا يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ بِٱلتَّحْدِيدِ. لٰكِنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ مِنَ ٱلْجِيلِ ٱلتَّاسِعِ بَعْدَ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَعَاصَرَهُ نَحْوَ ١٥٠ سَنَةً. طَبْعًا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَجْزِمَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ تَعَلَّمَ عَنْ يَهْوَهَ مِنْ سَامٍ. لٰكِنَّ سَامًا كَانَ رَجُلًا ذَا إِيمَانٍ قَوِيٍّ، وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَائِلَتَهُ مَا يَعْرِفُهُ عَنْ يَهْوَهَ. فَبَلَغَتْ هٰذِهِ ٱلْمَعْرِفَةُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بِطَرِيقَةٍ مَا، فَحَبَّبَتْ يَهْوَهَ إِلَيْهِ وَشَكَّلَتْ أَسَاسًا لِإِيمَانِهِ.
٦، ٧ مَا ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَقَوَّى إِيمَانَهُ بِيَهْوَهَ؟
٦ اَلْخِبْرَةُ. مَا ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَقَوَّى إِيمَانَهُ بِيَهْوَهَ؟ مِنَ ٱلْمَعْرُوفِ أَنَّ ٱلْأَفْكَارَ تُوَلِّدُ ٱلْمَشَاعِرَ، وَٱلْمَشَاعِرَ تُؤَدِّي بِدَوْرِهَا إِلَى أَعْمَالٍ. فَمَا تَعَلَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ يَهْوَهَ حَرَّكَ مَشَاعِرَهُ وَوَلَّدَ فِيهِ خُشُوعًا وَتَوْقِيرًا لِيَهْوَهَ ٱللهِ «ٱلْعَلِيِّ، خَالِقِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ». (تك ١٤:٢٢) وَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُسَمِّي هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرَ مَخَافَةَ ٱللهِ، أَوِ ‹ٱلتَّقْوَى›، ٱلَّتِي لَا غِنَى عَنْهَا لِكَسْبِ صَدَاقَتِهِ. (عب ٥:٧؛ مز ٢٥:١٤) وَهٰذِهِ ٱلتَّقْوَى أَدَّتْ إِلَى ٱلْعَمَلِ، دَافِعَةً إِبْرَاهِيمَ إِلَى إِطَاعَةِ يَهْوَهَ.
٧ لَقَدْ أَمَرَ ٱللهُ إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ ٱلْمُسِنَّيْنِ أَنْ يَنْتَقِلَا تك ١٢:١٠-٢٠؛ ٢٠:٢-٧، ١٠-١٢، ١٧، ١٨) وَهٰذِهِ ٱلتَّجَارِبُ ٱلشَّخْصِيَّةُ قَوَّتْ إِيمَانَ إِبْرَاهِيمَ.
مِنْ أُورَ إِلَى أَرْضٍ غَرِيبَةٍ. وَكَانَا سَيَعِيشَانِ بَاقِيَ حَيَاتِهِمَا فِي خِيَامٍ. وَرَغْمَ مَعْرِفَةِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ بِٱنْتِظَارِهِ مَخَاطِرَ عَدِيدَةً، عَقَدَ ٱلْعَزْمَ عَلَى إِطَاعَةِ يَهْوَهَ. فَبَارَكَهُ ٱللهُ وَحَمَاهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. مَثَلًا، عِنْدَمَا أُخِذَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ ٱلْجَمِيلَةُ سَارَةُ وَكَانَتْ حَيَاتُهُ فِي خَطَرٍ، تَدَخَّلَ يَهْوَهُ وَحَمَاهُمَا عَجَائِبِيًّا. (٨ كَيْفَ نَكْتَسِبُ ٱلْمَعْرِفَةَ وَٱلْخِبْرَةَ ٱللَّتَيْنِ تُقَوِّيَانِ صَدَاقَتَنَا مَعَ يَهْوَهَ؟
٨ إِذًا هَلْ فِي وِسْعِنَا أَنْ نُصْبِحَ أَصْدِقَاءَ ٱللهِ؟ نَعَمْ بِٱلتَّأْكِيدِ. فَمَا ٱمْتَلَكَهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مَعْرِفَةٍ لَيْسَ سِوَى نُقْطَةٍ فِي بَحْرِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلَّتِي نَجِدُهَا ٱلْيَوْمَ فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. (دا ١٢:٤؛ رو ١١:٣٣) فَكَلِمَةُ ٱللهِ غَنِيَّةٌ بِٱلْكُنُوزِ ٱلَّتِي تُوَسِّعُ مَعْرِفَتَنَا عَنْ «خَالِقِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ» وَتُنَمِّي ٱحْتِرَامَنَا وَمَحَبَّتَنَا لَهُ. وَفِيمَا تَدْفَعُنَا هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرُ إِلَى إِطَاعَةِ ٱللهِ، نَكْتَسِبُ ٱلْخِبْرَةَ إِذْ نَرَى شَخْصِيًّا فَوَائِدَ إِطَاعَتِهِ. فَنَحْنُ نَلْمُسُ أَنَّ مَشُورَتَهُ تَحْمِينَا وَأَنَّهُ يُبَارِكُنَا وَيُقَوِّينَا. وَنَتَعَلَّمُ أَنَّ خِدْمَتَهُ مِنْ كُلِّ ٱلْقَلْبِ تُشْعِرُنَا بِٱلِٱكْتِفَاءِ وَٱلسَّلَامِ وَٱلْفَرَحِ. (مز ٣٤:٨؛ ام ١٠:٢٢) وَكُلَّمَا ٱزْدَادَتْ مَعْرِفَتُنَا وَخِبْرَتُنَا، قَوِيَ إِيمَانُنَا بِيَهْوَهَ وَتَوَثَّقَتْ صَدَاقَتُنَا مَعَهُ.
كَيْفَ حَافَظَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى صَدَاقَتِهِ مَعَ ٱللهِ؟
٩، ١٠ (أ) مَاذَا يَلْزَمُ لِتَوْطِيدِ ٱلصَّدَاقَةِ؟ (ب) مَاذَا يُظْهِرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدَّرَ صَدَاقَتَهُ مَعَ يَهْوَهَ وَعَزَّزَهَا؟
٩ اَلصَّدَاقَةُ كَنْزٌ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ. (اقرإ الامثال ١٧:١٧.) لٰكِنَّهَا لَيْسَتْ مَزْهَرِيَّةً ثَمِينَةً نَشْتَرِيهَا ثُمَّ نَضَعُهَا عَلَى ٱلرَّفِّ لِيَأْكُلَهَا ٱلْغُبَارُ. إِنَّهَا بِٱلْأَحْرَى وَرْدَةٌ تَحْتَاجُ أَنْ نَسْقِيَهَا وَنَعْتَنِيَ بِهَا كَيْ تَعِيشَ وَتَتَفَتَّحَ. وَهٰذَا مَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ. فَقَدْ قَدَّرَ صَدَاقَتَهُ مَعَ يَهْوَهَ وَحَافَظَ عَلَيْهَا. كَيْفَ؟
١٠ لَمْ يَكُفَّ إِبْرَاهِيمُ قَطُّ عَنِ ٱتِّقَاءِ ٱللهِ وَإِطَاعَتِهِ. مَثَلًا، حِينَ ٱنْتَقَلَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى كَنْعَانَ، ظَلَّ يَتْبَعُ تَوْجِيهَ يَهْوَهَ عِنْدَ ٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارَاتِ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَمْ كَبِيرَةً. وَقَبْلَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَةِ إِسْحَاقَ، أَيْ حِينَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ بِعُمْرِ ٩٩ سَنَةً، طَلَبَ مِنْهُ يَهْوَهُ أَنْ يَخْتَتِنَ هُوَ وَكُلُّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَهَلِ ٱعْتَرَضَ عَلَى هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةِ أَوْ سَعَى إِلَى ٱلتَّمَلُّصِ مِنْهَا؟ كَلَّا، بَلْ وَثِقَ بِٱللهِ وَأَطَاعَهُ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ». — تك ١٧:١٠-١٤، ٢٣.
١١ لِمَ قَلِقَ إِبْرَاهِيمُ بِشَأْنِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَكَيْفَ طَمْأَنَهُ يَهْوَهُ؟
١١ وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ ٱعْتَادَ أَنْ يُطِيعَ ٱللهَ دَائِمًا، حَتَّى تك ١٨:٢٢-٣٣.
فِي ٱلْمَسَائِلِ ٱلَّتِي تَبْدُو ثَانَوِيَّةً، صَارَتْ صَدَاقَتُهُ مَعَ ٱللهِ أَقْوَى فَأَقْوَى. لِذَا شَعَرَ بِحُرِّيَّةِ أَنْ يَبُوحَ إِلَى يَهْوَهَ بِمَكْنُونَاتِ قَلْبِهِ، فَطَرَحَ عَلَيْهِ ٱلْأَسْئِلَةَ ٱلْمُحَيِّرَةَ ٱلَّتِي تُزْعِجُهُ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، حِينَ عَلِمَ أَنَّ ٱللهَ سَيُدَمِّرُ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، خَافَ أَنْ يَهْلِكَ ٱلْبَارُّ مَعَ ٱلشِّرِّيرِ، رُبَّمَا لِأَنَّهُ قَلِقَ بِشَأْنِ ٱبْنِ أَخِيهِ لُوطٍ وَعَائِلَتِهِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَعِيشُونَ فِي سَدُومَ. فَسَأَلَ إِبْرَاهِيمُ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ «دَيَّانَ كُلِّ ٱلْأَرْضِ» وَاثِقًا بِعَدْلِهِ. فَأَظْهَرَ لَهُ يَهْوَهُ بِصَبْرٍ مَدَى رَحْمَتِهِ، مُوضِحًا لَهُ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنِ ٱلْأَبْرَارِ وَيَحْفَظُهُمْ، حَتَّى فِي وَقْتِ ٱلدَّيْنُونَةِ. —١٢، ١٣ (أ) كَيْفَ ٱسْتَفَادَ إِبْرَاهِيمُ لَاحِقًا مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَخِبْرَتِهِ؟ (ب) كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَثِقَ بِيَهْوَهَ؟
١٢ لَا شَكَّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَوِيَتْ عَلَاقَتُهُ بِيَهْوَهَ كُلَّمَا ٱزْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ وَخِبْرَتُهُ. وَهٰكَذَا، حِينَ أَمَرَهُ يَهْوَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَهُ إِسْحَاقَ ذَبِيحَةً، ٱسْتَطَاعَ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي صِفَاتِ ٱللهِ ٱلَّتِي عَرَفَهَا حَقَّ ٱلْمَعْرِفَةِ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَصْعَدُ ٱلْجَبَلَ فِي أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ، كَانَ وَاثِقًا كُلَّ ٱلثِّقَةِ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يُصْبِحْ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا إِلٰهًا قَاسِيًا عَدِيمَ ٱلرَّحْمَةِ. وَكَيْفَ نَعْرِفُ ذٰلِكَ؟
١٣ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَادِمَيْهِ، قَالَ لَهُمَا: «اُمْكُثَا أَنْتُمَا هُنَا مَعَ ٱلْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَٱلصَّبِيُّ، فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنُؤَدِّي ٱلْعِبَادَةَ وَنَعُودُ إِلَيْكُمَا». (تك ٢٢:٥) فَمَاذَا قَصَدَ بِذٰلِكَ؟ هَلْ كَانَ يَكْذِبُ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ إِنَّ إِسْحَاقَ سَيَعُودُ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ سَيُقَدِّمُهُ ذَبِيحَةً؟ كَلَّا. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُعْطِينَا فِكْرَةً عَمَّا جَالَ فِي خَاطِرِهِ. (اقرإ العبرانيين ١١:١٩.) فَهُوَ يَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ «حَسِبَ أَنَّ ٱللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ [إِسْحَاقَ] حَتَّى مِنْ بَيْنِ ٱلْأَمْوَاتِ». فَقَدْ آمَنَ بِٱلْقِيَامَةِ، إِذْ سَبَقَ أَنْ رَأَى كَيْفَ أَحْيَا يَهْوَهُ قِوَاهُ ٱلتَّنَاسُلِيَّةَ هُوَ وَسَارَةَ فِي شَيْخُوخَتِهِمَا. (عب ١١:١١، ١٢، ١٨) وَهٰكَذَا أَدْرَكَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ لَا شَيْءَ يَسْتَحِيلُ عَلَى يَهْوَهَ. لِذَا كَانَ وَاثِقًا أَنَّهُ مَهْمَا حَصَلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، فَسَيَرُدُّ يَهْوَهُ إِلَيْهِ ٱبْنَهُ إِسْحَاقَ لِكَيْ تَتِمَّ كُلُّ وُعُودِهِ. لَا عَجَبَ إِذًا أَنْ يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ «أَبًا لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ».
١٤ أَيَّةُ تَحَدِّيَاتٍ تُوَاجِهُكَ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ، وَكَيْفَ تَسْتَفِيدُ مِنْ مِثَالِ إِبْرَاهِيمَ؟
١٤ وَمَاذَا عَنَّا؟ طَبْعًا، لَا يَطْلُبُ يَهْوَهُ مِنَّا ٱلْيَوْمَ أَنْ نُقَدِّمَ أَوْلَادَنَا ذَبِيحَةً. لٰكِنَّهُ يَطْلُبُ أَنْ نُطِيعَهُ حَتَّى حِينَ نَسْتَصْعِبُ تَطْبِيقَ وَصَايَاهُ أَوْ لَا نَفْهَمُ ٱلْقَصْدَ مِنْهَا. فَهَلْ تَخْطُرُ فِي بَالِكَ وَصِيَّةٌ مِنَ ٱللهِ يَصْعُبُ عَلَيْكَ تَطْبِيقُهَا؟ يَسْتَصْعِبُ ٱلْبَعْضُ عَمَلَ ٱلْكِرَازَةِ، رُبَّمَا لِأَنَّهُمْ خَجُولُونَ وَيَضْطَرِبُونَ مِنَ خر ٢٣:٢؛ ١ تس ٢:٢) فَهَلْ تَشْعُرُ أَحْيَانًا أَنَّ ٱلْمَطْلُوبَ مِنْكَ يَفُوقُ إِمْكَانَاتِكَ، وَكَأَنَّكَ تَصْعَدُ ٱلْجَبَلَ فِي ٱلْمُرِيَّا بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ؟ فَلْيَمُدَّكَ مِثَالُهُ وَإِيمَانُهُ بِٱلشَّجَاعَةِ. فَحِينَ تَتَأَمَّلُ فِي أَمْثِلَةِ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ ٱلْأُمَنَاءِ، تَنْدَفِعُ إِلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِهِمْ وَٱلِٱقْتِرَابِ إِلَى صَدِيقِكَ يَهْوَهَ. — عب ١٢:١، ٢.
ٱلتَّحَدُّثِ إِلَى ٱلْغُرَبَاءِ. وَيَخْشَى آخَرُونَ أَنْ يَكُونُوا مُخْتَلِفِينَ عَنْ رُفَقَائِهِمْ فِي ٱلْمَدْرَسَةِ أَوْ زُمَلَائِهِمْ فِي ٱلْعَمَلِ. (صَدَاقَةٌ تَعُودُ عَلَيْنَا بِٱلْبَرَكَاتِ
١٥ مَاذَا يُشِيرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَنْدَمْ قَطُّ عَلَى إِطَاعَتِهِ يَهْوَهَ بِوَلَاءٍ؟
١٥ تُرَى هَلْ نَدِمَ إِبْرَاهِيمُ يَوْمًا لِأَنَّهُ أَطَاعَ يَهْوَهَ بِوَلَاءٍ؟ لَاحِظْ مَا يَقُولُهُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ: «لَفَظَ إِبْرَاهِيمُ نَفَسَهُ ٱلْأَخِيرَ وَمَاتَ بِشَيْخُوخَةٍ صَالِحَةٍ، شَيْخًا وَشَبْعَانَ». (تك ٢٥:٨) فَرَغْمَ أَنَّ قِوَاهُ خَذَلَتْهُ أَخِيرًا حِينَ بَلَغَ مِنَ ٱلْعُمْرِ ١٧٥ سَنَةً، كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَسْتَعْرِضَ شَرِيطَ حَيَاتِهِ ٱلَّتِي تَمَحْوَرَتْ حَوْلَ صَدَاقَتِهِ مَعَ يَهْوَهَ ٱللهِ وَيَشْعُرَ بِٱلرِّضَى. لٰكِنَّ ٱلْقَوْلَ إِنَّهُ كَانَ «شَيْخًا وَشَبْعَانَ» لَا يَعْنِي أَنَّهُ نَالَ كِفَايَتَهُ مِنَ ٱلْحَيَاةِ وَلَمْ يَرْغَبْ أَنْ يَعِيشَ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ.
١٦ أَيَّةُ أَفْرَاحٍ تَنْتَظِرُ إِبْرَاهِيمَ فِي ٱلْفِرْدَوْسِ؟
١٦ لَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ «يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا أَسَاسَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ، ٱلَّتِي ٱللهُ بَانِيهَا وَصَانِعُهَا». (عب ١١:١٠) فَهُوَ آمَنَ أَنَّهُ سَيَرَى يَوْمًا مَا تِلْكَ ٱلْمَدِينَةَ، أَيْ مَلَكُوتَ ٱللهِ، تَحْكُمُ ٱلْأَرْضَ. وَرَجَاؤُهُ هٰذَا سَوْفَ يَتَحَقَّقُ. تَخَيَّلْ كَمْ سَيَفْرَحُ إِبْرَاهِيمُ بِٱلْحَيَاةِ عَلَى أَرْضٍ فِرْدَوْسِيَّةٍ وَٱلِٱسْتِمْرَارِ فِي تَوْطِيدِ صَدَاقَتِهِ مَعَ يَهْوَهَ طَوَالَ ٱلْأَبَدِيَّةِ. وَكَمْ سَيَتَأَثَّرُ حِينَ يَعْرِفُ أَنَّ مِثَالَهُ شَجَّعَ خُدَّامَ يَهْوَهَ عَلَى مَرِّ آلَافِ ٱلسِّنِينَ! كَمَا أَنَّهُ سَيَعْرِفُ أَنَّ ٱلذَّبِيحَةَ عَلَى ذٰلِكَ ٱلْجَبَلِ فِي أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا ‹رَمَزَتْ› إِلَى شَيْءٍ أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ. (عب ١١:١٩) وَسَيَعْرِفُ أَنَّ ٱلْأَلَمَ ٱلَّذِي أَحَسَّ بِهِ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يُقَدِّمَ إِسْحَاقَ ذَبِيحَةً لَمْ يَكُنْ بِلَا مَغْزًى. فَقَدْ سَاعَدَ مَلَايِينَ ٱلْأُمَنَاءِ عَلَى تَخَيُّلِ ٱلْأَلَمِ ٱلَّذِي شَعَرَ بِهِ يَهْوَهُ حِينَ بَذَلَ ٱبْنَهُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فِدْيَةً. (يو ٣:١٦) إِنَّ مِثَالَ إِبْرَاهِيمَ يُسَاعِدُنَا جَمِيعًا أَنْ نَزِيدَ تَقْدِيرَنَا لِلْفِدْيَةِ، أَعْظَمِ إِعْرَابٍ عَنِ ٱلْمَحَبَّةِ عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ.
١٧ مَا هُوَ تَصْمِيمُكَ، وَمَاذَا سَنَتَفَحَّصُ فِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ؟
١٧ فَلْيَعْقِدْ كُلٌّ مِنَّا ٱلْعَزْمَ عَلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِإِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ. فَنَحْنُ مِثْلُهُ بِحَاجَةٍ إِلَى ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْخِبْرَةِ. وَفِيمَا نَسْتَمِرُّ فِي ٱلتَّعَلُّمِ عَنْ يَهْوَهَ وَإِطَاعَتِهِ، سَنَحْصُدُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ٱلْبَرَكَاتِ ٱلَّتِي تَنْجُمُ عَنْ خِدْمَتِهِ بِوَلَاءٍ. (اقرإ العبرانيين ٦:١٠-١٢.) فَلْنُحَافِظْ إِذًا عَلَى صَدَاقَتِنَا مَعَ يَهْوَهَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. وَفِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ، سَنَتَفَحَّصُ أَمْثِلَةَ ثَلَاثَةِ أُمَنَاءَ آخَرِينَ كَسَبُوا صَدَاقَةَ ٱللهِ.
^ [١] (اَلْفِقْرَةُ ٣) فِي ٱلْبِدَايَةِ، دُعِيَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ أَبْرَامَ وَسَارَايَ. لٰكِنَّ ٱللهَ دَعَاهُمَا لَاحِقًا إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ. وَسَنُشِيرُ إِلَيْهِمَا فِي هٰذِهِ ٱلْمَقَالَةِ بِٱلِٱسْمَيْنِ ٱلْأَخِيرَيْنِ.