حين يعاني احد احبائنا من مرض مميت
صُعقت دارين عندما شخَّص الاطباء ان زوجها جورج، البالغ من العمر ٥٤ سنة فقط، يعاني من ورم دماغي خبيث وأنه سيفارق الحياة بعد اشهر معدودة. * تتذكر: «لم اصدِّق ما سمعت. شعرت لأسابيع ان احاسيسي مخدَّرة. لم استوعب ان ذلك يحصل معنا. فأنا لم اكن مستعدة بتاتا».
مع الاسف، كثيرون يذوقون الكأس المرة نفسها التي ذاقتها دارين. فالامراض المميتة قد تصيب اي شخص في اي وقت. وفي حالات كهذه، يُمدَح عديدون لأنهم يأخذون على عاتقهم مهمة الاعتناء بأحبائهم الذين يعانون من مرض مميت، مع ان ذلك من اصعب المهمات. فكيف يمكنهم ان يريحوا المريض ويهتموا بحاجاته؟ ماذا يساعدهم ان يتكيفوا مع مشاعرهم المتضاربة خلال تلك الفترة؟ وماذا عليهم ان يتوقعوا فيما يقترب موعد رحيله؟ بدايةً، لنناقش لمَ الاهتمام بمريض على فراش الموت هو تحدٍّ صعب اليوم.
الموت في الماضي والحاضر
اثَّر الطب تأثيرا كبيرا على المرض والموت. فقبل حوالي قرن من الزمان، كان معدل عمر الانسان اقل بكثير مما هو في ايامنا، حتى في البلدان المتقدمة. فقد مات الناس سريعا نتيجة الامراض المعدية او الحوادث. وبما ان المستشفيات لم تكن متوفرة للجميع، تلقَّى معظم الناس الرعاية على يد عائلاتهم وماتوا في منازلهم.
اما اليوم، فيستطيع الاطباء بفضل التقدم العلمي ان يحاربوا المرض بكل الوسائل الممكنة بهدف اطالة الحياة. فالامراض التي كان يمكن ان تسلب المريض حياته سريعا قد تدوم الآن سنوات كثيرة. لكنَّ اطالة الحياة قد لا تشفي
من المرض. كما ان مرضى كهؤلاء غالبا ما يعانون من اعاقات خطيرة لا تسمح لهم ان يتكلوا على انفسهم. لذا يصبح الاعتناء بهم اكثر تطلُّبا وتعقيدا.نتيجة لذلك، تتزايد اعداد الذين يقضون آخر ايامهم في المستشفيات لا في منازلهم. وأغلب الناس ما عادوا يعرفون ماذا يحصل مع مريض يُحتضر، وقليلون يرونه وهو يلفظ آخر انفاسه. لذا حين يمرض فرد في عائلتهم، يشل خوفهم من المجهول جهودهم او يعيقهم عن الاهتمام به. فماذا يساعدهم في هذا المجال؟
التخطيط مسبقا
كما يتضح من حالة دارين، ينهار كثيرون حين يُصاب احد احبائهم بمرض مميت. لذا، تحت ضغط القلق والخوف والحزن، ماذا يساعدك ان تتحضَّر لما ينتظرك؟ صلى خادم امين لله قائلا: «عرِّفنا كيف نحصي ايامنا، فنحوز قلب حكمة». (مزمور ٩٠:١٢) اذًا، صلِّ الى يهوه الله من كل قلبك ليعرِّفك كيف ‹تحصي ايامك› بحكمة، بحيث تستغل الايام المتبقية مع قريبك بأفضل طريقة ممكنة.
وهذا يتطلب التخطيط الجيد. فإذا كان المريض لا يزال قادرا على التواصل ولا يمانع التحدث عن وضعه، فمن الحكمة ان تسأله مَن سيتخذ القرارات عنه حين يكون عاجزا عن ذلك. فالتواصل معه باكرا وبصراحة يبيِّن هل يرغب ان يخضع لأي عملية او فحص او علاج، او ان يُجرى له انعاش. وهذا يخفِّف سوء التفاهم بين افراد العائلة ومشاعر الذنب التي قد تعذِّبهم اذا اضطروا الى اتخاذ القرار عنه. كما ان ذلك يتيح لهم خلال فترة مرضه ان يصبوا تركيزهم على الاعتناء به. يقول الكتاب المقدس: «تبطل المقاصد من غير تشاور». — امثال ١٥:٢٢.
منح الرعاية عمليا
اذا كنت تعتني بمريض على فراش الموت، فدورك الاساسي عادة هو ان تريحه وتطمئنه. فهو يحتاج ان يشعر دوما انه محبوب وليس وحيدا. لذا من المساعد ان تقرأ عليه او ترنِّم له، منتقيا مطبوعات وترانيم تشجِّعه وتفرحه. وقد يريحه ايضا ان تمسك بيده وتكلِّمه برقة وحنان.
مساعد آخر هو ان تعرِّفه بأسماء الزوار. ويذكر احد المراجع النصيحة التالية: «يُقال ان السمع هو آخر حاسة من الحواس الخمس يفقدها الانسان. فالسمع قد يظل حادا جدا حتى لو بدا [المريض] نائما. لذا لا تذكر امرا تتجنب قوله حين يكون صاحيا».
٢ كورنثوس ١:٨-١١) فالصلاة الصادقة والحارة خلال الضغط الشديد والمرض الخطير لا تقدَّر بثمن.
وإذا كان ممكنا، صلِّ معه. مثلا، يخبرنا الكتاب المقدس ان الرسول بولس ومَن معه كانوا في احدى المرات تحت ضغط شديد ومهددين بالموت. فأية مساعدة طلبوها؟ توسَّل بولس الى اصدقائه قائلا: «انتم ايضا تستطيعون ان تساعدوا بتضرعكم من اجلنا». (تقبُّل الواقع
ان مجرد التفكير في موت شخص نحبه يوجع القلب. ولا عجب في ذلك، فالموت هو عكس الطبيعة البشرية. فنحن لسنا مصمَّمين ان نتقبله كجزء من حياتنا. (روما ٥:١٢) لذا تصفه كلمة الله بأنه «عدو». (١ كورنثوس ١٥:٢٦) وهذا يفسِّر لمَ رفضنا التفكير في خسارة احد احبائنا هو امر مفهوم، لا بل طبيعي.
رغم ذلك، ان توقُّع ما قد يحصل يساعد افراد العائلة ان يهدِّئوا مخاوفهم ويركِّزوا على اراحة المريض قدر الامكان. وبعض الاعراض التي يمر بها مذكورة في الاطار « خلال الاسابيع الاخيرة . . .». طبعا، ليس بالضرورة ان تُرى كل هذه الاعراض على جميع المرضى، او ان تحدث بالترتيب نفسه. لكنَّ معظمهم يصابون على الاقل بعدد منها.
وبعد الوفاة، من الحكمة ان نتصل بصديق مقرَّب عرض سابقا ان يقدِّم المساعدة. كما ان افراد العائلة، بمَن فيهم الذين كانوا يعتنون بالمريض، قد يحتاجون الى مَن يطمئنهم ان محنة الشخص العزيز على قلبهم انتهت وأنه ما عاد يتعذب. فخالق البشر يؤكد لنا بمحبة ان ‹الاموات لا يعلمون شيئا›. — جامعة ٩:٥.
افضل وأروع مُعين
ان الاتكال على الله مهم جدا ليس خلال مرض فرد في العائلة فحسب، بل ايضا خلال فترة الحزن بعد وفاته. فالله يدعمك من خلال الآخرين الذين يقوونك بكلامهم وأعمالهم. تقول دارين: «تعلمت ألا ارفض مساعدة احد. لقد غمرنا الجميع بدعمهم وتشجيعهم. كان واضحا لنا انا وزوجي ان يهوه يقول: ‹انا هنا لأساعدكما خلال هذه المحنة›. لن انسى ذلك ابدا».
فعلا، يهوه الله هو افضل وأروع مُعين! انه خالقنا الذي يفهم وجعنا وحزننا. وهو قادر وراغب في تزويدنا بما نحتاجه من مساعدة وتشجيع كي نتأقلم مع المحنة. والاروع هو وعده ان يمحو قريبا الموت مرة وإلى الابد، ويقيم بلايين البشر الذين في ذاكرته. (يوحنا ٥:٢٨، ٢٩؛ رؤيا ٢١:٣، ٤) وعندئذ، سيردِّد الجميع كلمات الرسول بولس: «اين، يا موت، نصرك؟ اين، يا موت، شوكتك؟». — ١ كورنثوس ١٥:٥٥.
^ الفقرة 2 الاسمان مستعاران.