الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ما تعجز العين المجرَّدة عن رؤيته

ما تعجز العين المجرَّدة عن رؤيته

ما تعجز العين المجرَّدة عن رؤيته

دقائق الغبار تطير في الهواء ولا تراها عين.‏ لكنَّ شعاع الشمس يدخل عبر النافذة،‏ فيتراءى الغبار الخفي للناظر.‏ لقد فضح ضوء الشمس وجود دقائق الغبار امام العين البشرية.‏

فكّروا ايضا في الضوء المرئي الذي يبدو ابيض او بلا لون للعين المجرَّدة.‏ ماذا يحدث اذا مر ضوء الشمس في قطرات ماء بزاوية معيَّنة؟‏ يصير الماء عندئذ كالموشور prism،‏ ونرى قوس قزح من الالوان الجميلة!‏

تعكس الاجسام حولنا اطوالا موجية wavelengths للضوء تراها اعيننا كألوان.‏ فالعشب الاخضر مثلا لا ينتج هو نفسه الضوء الاخضر،‏ بل يمتص كل الاطوال الموجية للضوء المرئي الا الاخضر.‏ ويعكس العشب الطول الموجي الاخضر نحو عينينا.‏ وهكذا نرى العشب اخضر.‏

ادوات من صنع الانسان تساعده على الرؤية

في السنوات الاخيرة صار من الممكن،‏ بفضل الاختراعات العصرية،‏ رؤية اشياء كثيرة تعجز العين المجرَّدة عن تمييزها.‏ فقطرة الماء تبدو خالية من الحياة،‏ ولكن عندما ننظر اليها بواسطة مجهر عادي،‏ نراها مليئة بكل انواع المخلوقات المتحركة.‏ والشعرة الواحدة،‏ التي تبدو عادةً ناعمة وملساء،‏ تَظهر تحت المجهر خشنة ومجعَّدة.‏ وهنالك مجاهر قوية جدا تكبِّر الاجسام مليون مرة،‏ اي ما يعادل تكبير طابع بريدي بحيث يصير بحجم بلد صغير!‏

واليوم،‏ باستعمال مجاهر اقوى ايضا،‏ يحصل الباحثون على صور قريبة للشكل الخارجي للسطوح على مستوى الذرَّات.‏ وهكذا يتمكنون من رؤية ما كانوا عاجزين عن رؤيته بالاعين البشرية قبل زمن ليس ببعيد.‏

ومن ناحية اخرى،‏ نحن ننظر الى السماء ليلا ونرى النجوم.‏ فكم يبلغ عددها؟‏ لا يُرى بالعين المجردة إلا آلاف قليلة على أعلى تقدير.‏ ولكن مع اختراع المقراب (‏التلسكوب)‏ قبل نحو ٤٠٠ سنة،‏ بدأ الناس يرون المزيد والمزيد.‏ وفي عشرينات القرن العشرين،‏ كشف مقراب قوي في مرصد جبل ويلسون عن وجود مجرات غير مجرتنا،‏ كما اظهر انها هي ايضا تحتوي على نجوم لا تُعدّ ولا تُحصى.‏ واليوم،‏ باستعمال ادوات معقدة بشرية الصنع لرصد الكون،‏ يقدّر العلماء انه يوجد عشرات البلايين من المجرات،‏ وكثير منها يحتوي على مئات البلايين من النجوم!‏

وكشفت المقاريب امرا مدهشا فعلا،‏ وهو ان بلايين النجوم،‏ التي تعطي مجرة درب التبانة شكلها لأنها تبدو متقاربة جدا،‏ بعيدة الواحدة عن الاخرى مسافات شاسعة للغاية.‏ وبشكل مماثل،‏ مكَّنت المجاهر القوية العين المجرَّدة من رؤية ان الاجسام،‏ التي تبدو جامدة،‏ هي في الواقع مؤلفة من ذرَّات فيها فراغ كبير.‏

الصغر المتناهي

ان اصغر شيء يمكن رؤيته،‏ اذا وُضع تحت مجهر عادي،‏ يتألف من اكثر من عشرة بلايين ذرَّة!‏ ومع ذلك،‏ اكتُشف سنة ١٨٩٧ ان للذرَّة جُسيمات صغيرة دوّارة دعيت إلكترونات.‏ وعلى مر الوقت،‏ وُجد ان نواة الذرَّة،‏ التي تدور حولها الإلكترونات،‏ تتألف من جُسيمات اكبر حجما من الإلكترونات هي النيوترونات والپروتونات.‏ والانواع الـ‍ ٨٨ من الذرَّات،‏ او العناصر الكيميائية،‏ الموجودة بشكل طبيعي على الارض لها من حيث الاساس نفس الحجم،‏ لكنها تختلف في الوزن لأن عدد هذه الجُسيمات الثلاثة يزداد بالتدريج من عنصر كيميائي الى آخر.‏

ان الإلكترونات (‏في حالة ذرَّة الهيدروجين هنالك إلكترون واحد)‏ تدور في فراغ حول نواة الذرَّة بلايين المرات في كل جزء من المليون من الثانية،‏ وهذا ما يعطي الذرَّة شكلها ويجعلها كجسم جامد.‏ ويلزم نحو ٨٤٠‏,١ إلكترونا لكي تتساوى كتلتها مع كتلة پروتون او نيوترون واحد.‏ والپروتون والنيوترون كلاهما اصغر من الذرَّة نفسها بـ‍ ٠٠٠‏,١٠٠ مرة تقريبا.‏

لكي تفهموا مدى الفراغ الموجود في الذرَّة،‏ حاولوا ان تتخيلوا نواة ذرَّة الهيدروجين وإلكترونا يدور حولها.‏ فإذا كانت النواة،‏ المؤلفة من پروتون واحد،‏ بحجم كرة تنس،‏ يكون الإلكترون الدائر حولها على مسافة ثلاثة كيلومترات تقريبا منها.‏

ذكر تقرير حول الاحتفالات المئوية لاكتشاف الإلكترون:‏ «يتردد البعض في الاحتفال بذكرى شيء لم يره احد ولا يُعرف له حجم،‏ انما له وزن يمكن قياسه وله شحنة كهربائية ويدور كالدوّامة.‏ .‏ .‏ .‏ واليوم لا احد يشك في فكرة وجود اشياء لا نراها».‏

اشياء اصغر بعدُ

ان مسرِّعات الجُسيمات،‏ القادرة على قذف جُسيمات من المادة بحيث ترتطم بعضها ببعض،‏ تعطي العلماء اليوم لمحة عمّا في داخل نواة الذرَّة.‏ ونتيجةً لذلك وُضعت مقالات عن جُسيمات كثيرة بأسماء غريبة،‏ مثل پوزيترون،‏ فوتون،‏ ميزون،‏ كوارك،‏ غَريون،‏ وكثير غيرها.‏ هذه الجُسيمات جميعها غير مرئية،‏ حتى بواسطة اقوى المجاهر.‏ ولكن بوجود آلات مثل حجرات السحاب والفقاقيع cloud and bubble chambers وعدّادات التلألؤ scintillation counters،‏ يمكن ملاحظة آثارها.‏

لقد صار بإمكان الباحثين رؤية ما كان غير مرئي.‏ وبذلك اصبحوا يدركون اهمية ما يدعونه القوى الاساسية الاربع:‏ الجاذبية،‏ القوة الكهرمغنطيسية،‏ والقوتان النوويتان المسمَّاتان «القوة الضعيفة» و «القوة الشديدة او القوية».‏ ويبحث بعض العلماء عما يدعونه «نظرية كل شيء»،‏ التي يأملون ان تزوّد تفسيرا واضحا للكون،‏ من الاشياء التي تُرى بالعين المجرَّدة الى الاشياء المجهرية.‏

اية دروس نتعلمها من رؤية الاشياء التي تعجز العين المجرَّدة عن رؤيتها؟‏ وأية استنتاجات توصَّل اليها كثيرون على اساس ما تعلَّموه؟‏ ستجدون الجواب في المقالتين التاليتين.‏

‏[الصور في الصفحة ٣]‏

صورتان لذرَّات النيكل (‏الى الاعلى)‏ وذرَّات الپلاتين

‏[مصدر الصورة]‏

Courtesy IBM Corporation,‎ Research Division,‎ Almaden Research Center