الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

حماية الشرطة —‏ الآمال والمخاوف

حماية الشرطة —‏ الآمال والمخاوف

حماية الشرطة —‏ الآمال والمخاوف

في اوائل القرن الـ‍ ١٩،‏ قاوم كثيرون في انكلترا اقتراحات تدعو الى انشاء سلك شرطة محترفة ببزات رسمية.‏ فقد خشوا وجود قوة مسلحة في ايدي الحكومة تهدد حريتهم.‏ وخاف البعض ان ينتهي الامر الى وجود نظام شرطة يعتمد الجاسوسية مشابه للنظام الفرنسي الذي يترأسه جوزيف فوشيه.‏ رغم ذلك،‏ لم يستطيعوا إلّا ان يسألوا انفسهم:‏ ‹ماذا نفعل دون وجود رجال شرطة؟‏›.‏

كانت مدينة لندن قد اصبحت اكبر وأغنى مدينة في العالم؛‏ وكانت الجرائم تزداد وتهدّد الاعمال التجارية.‏ ولم يقدر احد على حماية الناس وممتلكاتهم،‏ لا حراس الليل المتطوعون ولا المحترفون في القبض على اللصوص،‏ اي «عداؤو شارع بو» الذين موِّل عملهم على صعيد شخصي.‏ يقول كلايڤ امسلي في كتابه الشرطة الانكليزية:‏ تاريخ سياسي واجتماعي ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «اكثر فأكثر،‏ اعتُبرت الجريمة والفوضى امرين لا ينبغي ان يكونا في مجتمع متحضر».‏ لذلك امل سكان لندن خيرا،‏ وقرروا انشاء سلك شرطة محترفة تحت اشراف السير روبرت پيل.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٨٢٩،‏ بدأ عناصر من الشرطة المتروپوليتية دورياتهم لابسين بزات رسمية.‏

من بداية تاريخها العصري،‏ اثار موضوع الشرطة الامل والخوف —‏ الامل،‏ بأنهم سيزودون الامن،‏ والخوف من اساءة استعمال سلطتهم.‏

الشرطة الاميركية تبدأ عملها

في الولايات المتحدة،‏ كانت مدينة نيويورك اول مدينة ينشأ فيها سلك شرطة محترفة.‏ فمع ازدياد ثروة المدينة ازدادت الجرائم ايضا.‏ وبحلول ثلاثينات الـ‍ ١٨٠٠،‏ كان باستطاعة كل عائلة قراءة قصص الاجرام الفظيعة في الصحف الرخيصة الحديثة الاصدار.‏ وازداد احتجاج الشعب،‏ فحصلت نيويورك على سلك الشرطة الخاص بها سنة ١٨٤٥.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ صارت نيويورك ولندن مفتونتَين الواحدة بشرطة الاخرى.‏

شعر الاميركيون بالخوف نفسه الذي شعر به الانكليز،‏ الخوف من وجود قوة مسلحة في ايدي الحكومة.‏ لكنّ البلدين ابتكرا حلّين مختلفين.‏ ففضل الانكليز وجود شرطة تتألف عناصرها من رجال اخلاقهم حميدة يرتدون بزات زرقاء داكنة ويعتمرون قبعات عالية.‏ وقد اقتصر سلاحهم على هراوى مخفية.‏ وحتى يومنا هذا لا تحمل الشرطة البريطانية اسلحة نارية إلّا في الحالات الطارئة.‏ لكن كما ذكر احد التقارير،‏ «هنالك شعور متزايد .‏ .‏ .‏ بأنه في النهاية ستصبح الشرطة البريطانية لا محالة قوة كاملة التسلّح».‏

لكن في الولايات المتحدة،‏ ادّى الخوف من ان يُساء استعمال سلطة الحكومة الى تبني التعديل الثاني للدستور الاميركي،‏ الذي يضمن «حق الناس في حيازة السلاح وحمله».‏ نتيجة ذلك،‏ ارادت الشرطة ان تحمل مسدسات.‏ ومع الوقت ادى استعمالها لهذا السلاح الى تبادل النيران في الشوارع.‏ وصار ذلك،‏ كانطباع عام على الاقل،‏ سمة الشرطة الاميركية وهي تطارد السارقين.‏ والسبب الآخر وراء الموقف الاميركي من حمل السلاح هو ان اول سلك شرطة في الولايات المتحدة أُنشئ في مجتمع مختلف تماما عن مجتمع لندن.‏ فقد عمت الفوضى نيويورك بعدما اكتظت بالناس.‏ وأثيرت اعمال عنف عرقي بسبب تدفق آلاف المهاجرين خصوصا من اوروپا،‏ وتدفق الاميركيين المتحدرين من اصل افريقي بعد بداية الحرب الاهلية التي دامت من سنة ١٨٦١ حتى ١٨٦٥.‏ فشعرت الشرطة انها بحاجة الى تبني نظام اشد صرامة.‏

وبالتالي اعتُبر وجود الشرطة في اغلب الاحيان شرا لا بد منه.‏ وكان الناس مستعدين لتحمل التجاوزات التي تحصل بين الحين والآخر املًا بتحقيق درجة من النظام والامن.‏ لكن في بعض اجزاء العالم،‏ كان نوع آخر من الشرطة يظهر.‏

الشرطة المخيفة

في اوائل القرن الـ‍ ١٩،‏ عندما كان سلك الشرطة في بداية تطوره،‏ كان معظم الجنس البشري يعيش تحت حكم الامبراطوريات الاوروپية.‏ ونُظمت الشرطة الاوروپية عموما بهدف حماية الحكام عوض الشعب.‏ حتى البريطانيون،‏ الذين لم تعجبهم البتة فكرة وجود شرطة مسلحة ذات طابع عسكري على ارضهم،‏ بدا انهم لم يشعروا بوخز ضمير في ما يتعلق بالشرطة العسكرية المستخدمة لإبقاء المستعمرات خاضعة لهم.‏ يقول روب موبي في كتابه عمل الشرطة حول العالم ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «ان الوحشية،‏ الفساد،‏ العنف،‏ الجريمة وإساءة استعمال السلطة بين صفوف رجال الشرطة وسمت تقريبا كل عقد من تاريخ الشرطة المستخدمة في المستعمرات».‏ وبعد الاشارة الى ان استخدام الشرطة في البلدان المستعمَرة اتى ببعض الفوائد،‏ اضاف الكتاب نفسه ان استخدام الشرطة اعطى «انطباعا عالميا اظهر عمل الشرطة كقوة حكومية لا كخدمة عامة».‏

وخوفا من اندلاع الثورات،‏ استخدمت الحكومات الدكتاتورية في معظم الاحيان الشرطة السرّية لتتجسس على مواطنيها.‏ وكانت هذه الشرطة تنتزع المعلومات بالتعذيب وتقضي على كل الذين تتهمهم بتقويض سلطة الدولة باغتيالهم او باعتقالهم دون محاكمة.‏ استخدم النازيون الڠستاپو،‏ والاتحاد السوڤياتي الـ‍ KGB،‏ والمانيا الشرقية الشْتازي.‏ ومن المذهل ان الشْتازي وظّفت ٠٠٠‏,١٠٠ عنصر وربما نصف مليون مخبر لمراقبة السكان البالغ عددهم نحو ١٦ مليون نسمة.‏ فكان هؤلاء العناصر يتنصتون على المكالمات الهاتفية باستمرار ويحفظون سجلات عن ثلث السكان.‏ يقول جون كولر في كتابه الشْتازي ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «لم يكن لشرطة الشْتازي حدود ولم تعرف الخجل».‏ ويضيف:‏ «استُخدمت اعداد كبيرة من رجال الدين،‏ ومنهم ذوو المناصب العالية من الطائفتين الپروتستانتية والكاثوليكية،‏ كمخبرين سريين.‏ فامتلأت مكاتبهم وكراسي الاعتراف بأجهزة التنصّت».‏

لكن وجود الشرطة المخيفة لا يقتصر على البلدان ذات الحكومات الدكتاتورية.‏ ففي اماكن اخرى،‏ اتُّهمت الشرطة في المدن الكبيرة بنشر الرعب لتبنيها اسلوبا عدوانيا جدا في تنفيذ القانون،‏ وخصوصا عند استهداف الاقليات.‏ ذكرت احدى المجلات الاخبارية،‏ معلقة على فضيحة ضج بها الوسط الاعلامي في لوس انجلوس:‏ «[اظهرت هذه الفضيحة] ان سوء سلوك الشرطة ضرب رقما قياسيا في الانفلات،‏ وأدى الى شيوع التعبير الجديد:‏ عصابة الشرطة».‏

بالتالي،‏ يطرح المسؤولون السؤال:‏ ماذا يمكن ان تفعل دوائر الشرطة لتحسين صورتها؟‏ لقد حاولت قوى عديدة للشرطة،‏ في سعيها وراء التشديد على دورها في تقديم خدمة عامة،‏ ابراز اوجه عملها التي تفيد المجتمع.‏

امل ناجم عن وجود شرطة تُعنى بالمجتمع

تُنظَّم الشرطة في اليابان على نطاق الاحياء السكنية،‏ وقد لفت ذلك انتباه البلدان الاخرى.‏ فتقليديا،‏ تعمل الشرطة اليابانية من مراكز صغيرة مسؤولة عن منطقة معينة يتناوب على العمل فيها حوالي اثني عشر شرطيا.‏ يقول الاستاذ البريطاني المحاضر في علم الجريمة،‏ فرانك لايشمن،‏ المقيم منذ مدة طويلة في اليابان:‏ «يشتهر رجال شرطة كوبان بشتى الخدمات الودية التي يقدمونها:‏ ارشاد الناس الى عناوين في شوارع اليابان التي نادرا ما تدعى بأسماء؛‏ اعارة مظلات مفقودة لم يسأل عنها اصحابها لأشخاص فاجأهم المطر؛‏ التأكد من دخول الموظفين السكارى القطار الاخير ليصلوا الى بيوتهم؛‏ وإسداء النصح المتعلقة ‹بمشاكل المواطنين›».‏ وقد ساهمت الشرطة التي تعمل على نطاق أحياء في اعطاء اليابان صيتها التي تُحسَد عليه المتعلق بالأمن السائد في شوارعها.‏

هل يمكن ان تكون طريقة عمل الشرطة هذه فعالة في مكان آخر؟‏ ان بعض الذين يدرسون علم الجريمة بدأوا يتعلمون منها.‏ فالتقدم العصري في الاتصالات خلق هوة بين رجال الشرطة والناس الذين يخدمونهم.‏ وفي مدن كثيرة اليوم،‏ يبدو عمل الشرطة مقتصرا في اغلب الاحيان على الحالات الطارئة.‏ ويظهر احيانا انه فُقد التشديد الاصلي على تفادي الجريمة.‏ وكردّ فعل لهذا الامر،‏ صارت حراسة الاحياء شائعة من جديد.‏

حراسة الاحياء

يقول الشرطي دووي عن عمله في ويلز:‏ «حراسة الاحياء تنجح حقا؛‏ فهي تخفف الجرائم.‏ انها تشمل جعل الناس يسعون الى الاهتمام بأمن واحدهم الآخر.‏ فنحن ننظم اجتماعات لكي يتعرف الجيران بعضهم الى بعض،‏ يتبادلوا الاسماء وأرقام الهاتف،‏ ويسمعوا كيف يتفادون حدوث الجرائم.‏ وأنا اتمتع بالمشروع لأنه يحرك مجددا في سكان الاحياء الشعور بالانتماء.‏ ففي معظم الاحيان،‏ لا يعرف الناس من هم جيرانهم.‏ والخطة تنجح لأنها تزيد وعي الناس».‏ وهي ايضا تحسن العلاقات بين الشرطة والشعب.‏

كما اتُّخذت مبادرة اخرى،‏ وهي تشجيع رجال الشرطة على التعاطف اكثر مع الضحايا.‏ كتب الخبير البارز بعلم نفس ضحايا الجريمة،‏ يان ڤان دايك:‏ «ينبغي ان يُعلَّم رجال الشرطة ان الضحايا يتأثرون بالطريقة التي يعاملونهم بها بقدر ما يتأثر المرضى بطريقة معاملة الاطباء لهم».‏ الا ان الشرطة،‏ في امكنة كثيرة،‏ لا تزال تحجم عن اعتبار اعمال العنف المنزلي والاغتصاب جرائم حقيقية.‏ لكن روب موبي يقول:‏ «في السنوات الاخيرة،‏ تحسنت كثيرا طريقة معالجة الشرطة لقضايا العنف المنزلي والاغتصاب.‏ رغم ذلك،‏ لا يزال هنالك الكثير من التحسينات التي ينبغي القيام بها».‏ ومشكلة إساءة استعمال السلطة هي مجال يمكن ان تتحسن فيه الشرطة في شتى اقسامها.‏

الخوف الناجم عن فساد رجال الشرطة

الافتراض ان وجود الشرطة يشعرنا بالحماية يبدو احيانا ساذجا،‏ وخصوصا حين تنتشر اخبار فساد الشرطة.‏ ومثل هذه التقارير موجودة منذ بداية تاريخ الشرطة.‏ فبالإشارة الى سنة ١٨٥٥،‏ تحدث كتاب دائرة شرطة نيويورك —‏ مدينة ورجال شرطتها ‏(‏بالانكليزية)‏ «عن الانطباع الذي كان لدى كثيرين من سكان نيويورك،‏ فقد وجدوا صعوبة في التفريق بين المجرمين ورجال الشرطة».‏ ويذكر كتاب اوجه اميركا اللاتينية ‏(‏بالانكليزية)‏،‏ لواضعه دنكن ڠرين،‏ ان رجال الشرطة هناك «يُعتبرون على نطاق واسع انهم غارقون في الفساد،‏ غير اكفاء،‏ ويسيئون استعمال حقوق الانسان».‏ قال الضابط المسؤول في دائرة للشرطة الاميركية اللاتينية تضم ٠٠٠‏,١٤ عنصر:‏ «ماذا تنتظرون من شرطي يتقاضى اقل من [١٠٠ دولار اميركي] في الشهر؟‏ اذا أعطي رشوة فماذا يفعل؟‏».‏

ما مدى خطورة مشكلة الفساد؟‏ يعتمد الجواب على من تسألون.‏ يجيب شرطي من اميركا الشمالية قام طوال سنوات بدوريات في مدينة تضم ٠٠٠‏,١٠٠ نسمة:‏ «طبعا هنالك نسبة من رجال الشرطة ذوي السلوك المنحرف،‏ لكنّ الاغلبية مخلصون.‏ انني اقول هذا من خبرتي».‏ من ناحية اخرى،‏ يجيب محقق في الجرائم لديه ٢٦ سنة من الخبرة في بلد آخر:‏ «اعتبر ان الفساد هو آفة عالمية تقريبا.‏ والاخلاص بين رجال الشرطة نادر جدا.‏ فإذا فتش رجل شرطة بيتا مسروقا ووجد مالا،‏ يأخذه دون شك.‏ وإذا استعاد نفائس مسروقة،‏ يحتفظ بجزء منها لنفسه».‏ فلماذا يصير بعض رجال الشرطة فاسدين؟‏

يبدأ بعضهم بمبادئ سامية،‏ ثم ينقادون لتأثير زملائهم الفاسدين والمقاييس المنحطة لعالم الإجرام الذي يحتكون به.‏ يقتبس كتاب ما يعرفه رجال الشرطة ‏(‏بالانكليزية)‏ قول شرطي دورية من شيكاڠو:‏ «ان رجال الشرطة يحتكون احتكاكا مباشرا بالشر.‏ فهم يقفون في وسطه.‏ يلمسونه .‏ .‏ .‏ يتذوقونه .‏ .‏ .‏ يشتمونه .‏ .‏ .‏ يسمعونه .‏ .‏ .‏ وينبغي ان يعالجوه».‏ ومن السهل ان يكون للاحتكاك بمثل هذا الفساد تأثير سلبي.‏

رغم ان الخدمة التي يقدّمها رجال الشرطة ثمينة جدا،‏ فهي ليست مثالية.‏ فهل يمكن ان نرجو شيئا افضل؟‏

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحتين ٨ و ٩]‏

‏«أليس رجال الشرطة البريطانيون رائعين؟‏»‏

كان البريطانيون بين اوائل من استطاعوا تحمل نفقة انشاء سلك شرطة محترفة.‏ لقد ارادوا ان يكون مجتمعهم منظما جدا —‏ مثل نظامهم لسير عربات الخيول المتسم بدقة كبيرة.‏ في سنة ١٨٢٩ اقنع وزير الداخلية،‏ السير روبرت پيل،‏ البرلمان ان يوافق على تأسيس شرطة متروپوليتية لندنية يكون مركزها الرئيسي في اسكتلنديارد.‏ في البداية لم تكن لرجال الشرطة هؤلاء شعبية لأنهم كانوا يتخذون اجراءات صارمة ضد السكر والمقامرة في الشوارع،‏ لكنهم صاروا مع الوقت محبوبي الشعب.‏

سنة ١٨٥١،‏ دعت لندن العالم بفخر لحضور «المعرض العظيم» ليتمتعوا بإنجازات الصناعة البريطانية.‏ فذهل الضيوف بالنظام السائد في الشوارع وغياب السكيرين،‏ البغايا،‏ والمتشردين.‏ وكان رجال الشرطة النشاطى يوجهون الحشود،‏ يحملون امتعة الزوار،‏ يساعدون الناس على عبور الطريق،‏ حتى انهم كانوا يحملون السيدات المسنات ليركبن في سيارات الاجرة.‏ فلا عجب ان سُمع البريطانيون وكذلك الزوار الاجانب وهم يقولون:‏ «أليس رجال الشرطة البريطانيون رائعين؟‏».‏

لقد بدوا اكفاء جدا في منع الجرائم بحيث ان رئيس شرطة مدينة تشيستر في سنة ١٨٧٣ تخيل انه سيأتي يوم تمحى فيه تقريبا الجريمة المخطط لها!‏ وصارت الشرطة تنظم ايضا خدمات لإطفاء الحرائق وتقديم الاسعافات.‏ كما نظمت اعمالا خيرية لتزويد الاحذية والملابس للفقراء.‏ وأنشأ بعض عناصرها نوادي للفتيان،‏ نظموا الرحلات،‏ وأمّنوا اماكن لقضاء العطل.‏

طبعا،‏ كان ايضا لدى الشرطة المشكَّلة حديثا مشاكلها المتعلقة بعناصر غير منضبطة متورطة في الفساد والاعمال الوحشية.‏ لكن معظمهم كانوا يفتخرون بإحلال النظام باستعمال ادنى مقدار من القوة.‏ ففي سنة ١٨٥٣،‏ كان على الشرطة في ويڠن في لانكاشير ان تواجه شغبا اثاره اضراب عمال المناجم.‏ فرفض الرقيب الشجاع،‏ المسؤول عن عشرة عناصر فقط،‏ رفضا صارما استعمال الاسلحة النارية التي يملكها اصحاب المناجم.‏ ويبدو هذا الموقف جليا في الرسالة التي تسلمها هكتور ماكلاود سنة ١٨٨٦ عندما حذا حذو ابيه والتحق بسلك الشرطة.‏ اقتبس كتاب الشرطة الانكليزية ‏(‏بالانكليزية)‏ ما جاء في الرسالة:‏ «اذا كنتَ قاسيا،‏ تفقد دعم وولاء الشعب.‏ .‏ .‏ انا اضع مصلحة الشعب اولا لأننا خدام المجتمع الذي عُينّا لخدمته في الوقت الحاضر،‏ ومن واجبنا ان نرضيهم ونرضي ايضا الضابط المسؤول».‏

يقول هايدن،‏ ضابط شرطة متقاعد من الشرطة المتروپوليتية:‏ «يعلّموننا دائما ان نمارس ضبط النفس في عملنا لأن عمل الشرطة يحتاج الى دعم المجتمع لكي ينجح.‏ كانت هراوتنا الخشبية الصغيرة آخر وسيلة نلجأ اليها،‏ ولم يستعملها معظم رجال الشرطة طوال خدمتهم في سلك الشرطة».‏ وما ساهم ايضا في الصيت الحسن لرجال الشرطة البريطانيين هو السلسلة التلفزيونية المشهورة،‏ ديكسن من مركز شرطة دوك ڠرين،‏ التي دامت ٢١ سنة وتحدثت عن شرطي نزيه يعرف كل شخص في دوريته.‏ ربما شجع هذا البرنامج الشرطة لتحيا وفق هذا الصيت،‏ لكنه عزَّز دون شك اعجاب البريطانيين برجال الشرطة.‏

تغيَّر الموقف في بريطانيا في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ وحلَّ محل الاعتزاز الوطني الشكُّ بالسلطات.‏ وشوَّهت التقارير عن الفساد والتمييز العنصري بين صفوف رجال الشرطة صورة الشرطة في سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ رغم جهودها المبذولة للحصول على دعم الشعب من خلال خطة حراسة الجوار.‏ ولكن مؤخرا،‏ بعد اتهامات عديدة بالتمييز العنصري واختلاق ادلة لإدانة الموقوفين،‏ بذلت الشرطة المزيد من الجهود الصادقة لتتحسن.‏

‏[مصدر الصورة]‏

Photograph above: http://www.‎constabulary.‎com

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٠]‏

معجزة في نيويورك؟‏

عندما تقوم الشرطة بجهود خصوصية،‏ يمكن ان تكون النتائج مذهلة.‏ لطالما اعتُبرت نيويورك احدى اخطر المدن في العالم،‏ وفي اواخر ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بدا ان الشرطة المثبطة فقدت السيطرة على زمام الامور.‏ فقد أجبرت المشاكل الاقتصادية حكومة المدينة على تجميد الرواتب وتخفيض عدد رجال الشرطة.‏ ووسّع تجار المخدِّرات نشاطهم فأتت معهم موجة مروِّعة من العنف.‏ وصار المقيمون في وسط المدينة ينامون على صوت اطلاق النار.‏ كما حدثت اعمال شغب عرقي كبيرة سنة ١٩٩١،‏ ونظّم رجال الشرطة هم ايضا مظاهرة صاخبة للتنفيس عما يعانونه.‏

لكنّ مسؤولا جديدا عن الشرطة اهتم بتشجيع عناصرها،‏ فكان يجتمع معهم قانونيا لتحليل الخطط،‏ كل دائرة بدائرتها.‏ يوضح جايمس لاردنر وتوماس ريپيتو في كتابهما دائرة شرطة نيويورك ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «كان المسؤول عن رجال التحري ورئيس قسم المخدِّرات شخصين يقرأ عنهما في الصحف الضباط المسؤولون عن الدوائر ولا يلتقونهما الا نادرا.‏ اما الآن فهم يجلسون معا طوال ساعات».‏ وقد ادى ذلك الى انخفاض اعداد الجرائم.‏ فبحسب التقارير انخفضت جرائم القتل تدريجيا من ٠٠٠‏,٢ جريمة تقريبا سنة ١٩٩٣ الى ٦٣٣ جريمة سنة ١٩٩٨ —‏ ادنى نسبة في ٣٥ سنة.‏ وصار سكان نيويورك يتحدثون عن معجزة.‏ كما بلغت نسبة انخفاض الجرائم المخبر عنها خلال السنوات الثماني الماضية ٦٤ في المئة.‏

فكيف تم هذا التحسين؟‏ ذكرت صحيفة ذا نيويورك تايمز في عددها الصادر في ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٢،‏ ان احد مفاتيح النجاح كان نظام «كومپستات»،‏ وهو «نظام تتبع الجرائم الذي يشمل دراسة الاحصاءات دائرة فدائرة كل اسبوع،‏ لتحديد المشاكل ومعالجتها حالما تظهر».‏ وقال مفوض الشرطة السابق برنارد كيرك:‏ «لقد راقبنا اين تحدث الجريمة،‏ ادركنا سبب حصولها،‏ ثم اعدنا انتشار فرق [الشرطة] والعتاد لنضمن انه يُركَّز على تلك المناطق.‏ بهذه الطريقة ينخفض عدد الجرائم».‏

‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

مركز شرطة نموذجي في اليابان

‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

شرطي سير في هونڠ كونڠ

‏[الصورة في الصفحتين ٨ و ٩]‏

توجيه حشود الناس اثناء مباراة لكرة القدم في انكلترا

‏[الصورة في الصفحة ٩]‏

تشتمل واجبات الشرطة على مساعدة ضحايا الحوادث