الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

هدف اهم من الشهرة

هدف اهم من الشهرة

هدف اهم من الشهرة

كما رواه تشارلز سينَتْكو

سنة ١٩٥٧،‏ عُرض علي ان اغني مدة ١٣ اسبوعا في لاس ڤيڠاس بنيڤادا،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ لقاء ألف دولار في الاسبوع.‏ وإذا نجحت العروض التي اقدمها،‏ يمكن تجديد العقد خمسين اسبوعا آخر،‏ مما عنى انني سأجني ٠٠٠‏,٥٠ دولار اضافي،‏ مبلغ ضخم في تلك الفترة.‏ قد تتساءل كيف حصلت على هذا العرض المغري وما الذي جعل قرار قبوله او رفضه قرارا صعبا جدا،‏ دعني اخبرك.‏

كان ابي اوكراني الاصل،‏ وقد ولد في اوروپا الشرقية عام ١٩١٠.‏ وفي سنة ١٩١٣،‏ اخذته والدته معها عندما سافرت الى الولايات المتحدة لتنضم الى زوجها.‏ تزوج ابي سنة ١٩٣٥،‏ وولدت انا في السنة التالية في بلدة آمبريدج بپنسلڤانيا.‏ في تلك الفترة،‏ كان اثنان من اعمامي الاكبر سنا قد اصبحا شاهدين ليهوه.‏

خلال اقامتنا قرب مدينة نيو كاسِل بپنسلڤانيا،‏ درست والدتي الكتاب المقدس مع الشهود فترة قصيرة من الوقت.‏ كنا آنذاك انا وإخوتي الثلاثة لا نزال صغارا،‏ ولم يعتنق اي من والديّ الحقّ في تلك الفترة.‏ لكنّ والدي تقبّل ان يختار اخوَاه الإيمان الذي يريدانه.‏ ومع انه ربانا لنكون متعصبين لقوميتنا،‏ فقد أيّد من ناحية اخرى حقّ الآخرين في اختيار العبادة التي تحلو لهم.‏

مهنتي كمغنٍّ

ادرك والداي انني املك موهبة الغناء وأتمتع بصوت جميل،‏ لذلك بذلا كل ما في وسعهما ليشجعاني على امتهان الغناء.‏ فكان ابي يوقفني،‏ وأنا في السادسة او السابعة من عمري،‏ على المنضدة في احد الملاهي الليلية لأغني وأعزف على ڠيتاري.‏ وفي تلك المناسبات كنت اؤدي اغنية تعدد صفات الأم الحنون وتُختتم بجملة مؤثرة.‏ وكلما انتهيت من الغناء،‏ كان الرجال الجالسون حول المنضدة والثملون عادة يبدأون بالبكاء ويضعون نقودا في قبعة ابي.‏

سنة ١٩٤٥،‏ اشتركت للمرة الاولى في برنامج اذاعي في محطة WKST في نيو كاسِل،‏ حيث صرت اؤدي اغاني ريفية.‏ بعد ذلك،‏ بدأت اغني ايضا اغاني شعبية من الاغاني العشر الاكثر رواجا التي كانت تُختار في برنامج اسبوعي في الاذاعة.‏ اما ظهوري الاول على شاشة التلفزيون فكان سنة ١٩٥٠ في برنامج يقدمه پول وايتمان،‏ الذي اعاد توزيع معزوفة جورج ڠيرْشْوين،‏ «رابسودي الزرقاء»،‏ ولا يزال عمله هذا ذائع الصيت حتى يومنا.‏ بُعيد ذلك باع والدي بيتنا في پنسلڤانيا وانتقلنا للعيش في لوس انجلوس بكاليفورنيا على امل ان اتمكن من توسيع نطاق عملي.‏

وبفضل تصميم والدي،‏ سرعان ما صرت اقدّم برنامجا اسبوعيا خاصا بي في الاذاعة بپاسادينا وبرنامجا تلفزيونيا مدته نصف ساعة في هوليوُود.‏ وسجلت ايضا اسطوانات في شركة كاپيتول للانتاج بمرافقة فرقة تيد دايل التي تضم مئة عازف.‏ كما بدأت أغني في شبكة سي بي اس للاذاعة والتلفزيون.‏ وسنة ١٩٥٥،‏ اشتركت في عمل مسرحي موسيقي في بحيرة تاهو شمالي كاليفورنيا.‏ لكن خلال اقامتي هناك انقلبت اولوياتي رأسا على عقب.‏

تحديد اولويات جديدة

قبيل ذهابي الى بحيرة تاهو،‏ اعطاني جون،‏ عمي الاكبر سنا الذي انتقل ايضا من پنسلڤانيا الى كاليفورنيا،‏ كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا».‏ * * فأخذته معي،‏ وعندما انهينا عرضنا الاخير في وقت متأخر بعد منتصف الليل،‏ بدأت اقرأه بغية الاسترخاء قبل ان اخلد الى النوم.‏ فتأثرت جدا عندما وجدت اجوبة من الكتاب المقدس عن اسئلة طالما شغلت بالي.‏

فصرت اجلس في الملهى الليلي بعد الانتهاء من العمل وأناقش مع زملائي مواضيع مثل الحياة بعد الموت،‏ لمَ يسمح اللّٰه بالشر،‏ وهل سيهلك البشر في النهاية انفسهم والارض.‏ وكنا نبقى احيانا حتى ساعات الفجر الاولى.‏ وبعد بضعة اشهر،‏ في ٩ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٥،‏ رمزت الى انتذاري ليهوه بالمعمودية في محفل كوري لشهود يهوه عُقد في ملعب ريڠلي فيلد بلوس انجلوس.‏

بعد اقل من ستة اشهر،‏ صباح يوم عيد الميلاد،‏ دعاني الاخ هنري رصل،‏ المسؤول عن الموسيقى في شبكة أن بي سي،‏ الى مرافقته لزيارة جاك مكُوي الذي يعمل في مجال الفن الترفيهي.‏ عندما وصلنا طلب جاك من اولاده الثلاثة وزوجته ان يستمعوا الى ما نقوله،‏ مع انهم لم يكونوا قد انهوا فتح هدايا العيد.‏ ولم تمضِ فترة طويلة قبل ان يصبح هو وعائلته من شهود يهوه.‏

في اوائل سنة ١٩٥٦،‏ درست مع والدتي التي قبلت حقّ الكتاب المقدس وأصبحت لاحقا واحدة من شهود يهوه وفاتحة،‏ اي مبشرة كامل الوقت.‏ وبمرور الوقت،‏ اعتمد ايضا اخوتي الثلاثة واشتركوا فترة من الزمن في خدمة الفتح.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٦،‏ انخرطت انا ايضا في عمل الفتح،‏ وكنت حينذاك في العشرين من عمري.‏

قرارات تتعلق بالعمل

في تلك الاثناء،‏ اعرب جورج مورفي،‏ صديق وكيل اعمالي،‏ عن اهتمام بي وقرر ان يجعلني مشهورا.‏ كان لجورج الكثير من المعارف لأنه مثّل في عدد من الافلام خلال ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.‏ وبفضل معارفه،‏ تمكنت في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٦ من المشاركة في البرنامج الذي يقدمه جاكي ڠليسون في نيويورك على محطة سي بي اس التلفزيونية.‏ وقد اعطى ذلك حياتي المهنية دفعا قويا،‏ اذ يُقدَّر عدد مشاهدي هذا البرنامج بعشرين مليون شخص.‏ وعندما كنت في نيويورك،‏ زرت للمرة الاولى المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه في بروكلين.‏

بعد مشاركتي في هذا البرنامج،‏ وقّعت عقدا مع استوديوهات ام جي ام مدته سبع سنوات.‏ فأُعطيت دورا ثابتا في مسلسل تلفزيوني عن الغرب الاميركي.‏ غير انني شعرت بعد فترة بوخز الضمير لأنني ألعب في هذا المسلسل دور مقامر ورامٍ ماهر،‏ دورا يظهر الفساد الادبي والسلوك غير المسيحي بمظهر براق.‏ لذلك استقلت من عملي،‏ فظنّ العاملون في مجال الفن الترفيهي انني جننت.‏

في تلك الفترة تلقيت العرض المغري الذي اخبرتك عنه في البداية.‏ وكان من المفترض ان ابدأ العمل خلال اسبوع زيارة ناظر الدائرة لجماعتنا،‏ وإن حاولت تأجيله فسأخسر كل العقد.‏ شعرت في داخلي بصراع لأن والدي كان متلهفا ان اجني اموالا طائلة.‏ وأحسست ان له الحقّ في بعض ما يعوضه عن الجهد الذي بذله لإنجاح حياتي المهنية.‏

لذلك طرحت مشكلتي على الناظر المشرف كارل پارك،‏ الذي كان هو ايضا موسيقيا ويعزف على الكمان في محطة جمعية برج المراقبة الاذاعية الخاصة في نيويورك خلال عشرينات القرن الماضي.‏ اوضحت له انني اذا وقّعت هذا العقد،‏ فسأتمكن من الخدمة كفاتح طوال حياتي دون ان اقلق حيال الأمور المادية.‏ فأجابني:‏ «لا يسعني ان اقول لك ما يجب عليك فعله،‏ ولكن يمكنني مساعدتك على التوصل الى قرار».‏ ثم سألني:‏ «هل كنت ستغادر لو كان الرسول بولس هو مَن سيزور جماعتنا هذا الاسبوع؟‏».‏ وأضاف:‏ «ماذا يريد يسوع ان تفعل برأيك؟‏».‏

كان جوابه واضحا جدا.‏ وعندما اخبرت والدي انني قررت الّا اقبل عرض العمل في لاس ڤيڠاس،‏ قال انني اخرب حياته.‏ ولم يخلد الى النوم تلك الليلة،‏ بل انتظرني ومسدسه في يده.‏ كان ينوي قتلي لكنه غفا،‏ ربما بسبب الافراط في الشرب.‏ ثم حاول ان ينتحر في المرأب مختنقا بدخان السيارة.‏ لكنني طلبت الاسعاف وتمكنوا من انقاذه.‏

كان العديد في جماعتنا يخافون والدي اذ عرفوا بنوبات غضبه،‏ ولكن ناظر الدائرة روي داول لم يكن يخافه.‏ وعندما جاء روي لزيارته،‏ ذكر والدي في معرض حديثه انه يوم ولدتُ كدت اموت.‏ فوعد والدي اللّٰه ان ينذرني لخدمته في حال بقيت على قيد الحياة.‏ فسأله روي هل فكّر لحظة ان كان اللّٰه يطلب منه الوفاء بوعده،‏ فصُعق والدي لكلامه هذا.‏ ثم اضاف روي:‏ «ان كانت الخدمة كامل الوقت ملائمة لابن اللّٰه،‏ فلمَ لا تلائم ابنك انت؟‏».‏ بعد هذه المناقشة،‏ بدا ان والدي رضخ للأمر الواقع وقبل قراري.‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٥٧،‏ قدِمت شيرلي لارج مع رفيقتها في خدمة الفتح من كندا لزيارة بعض الاصدقاء.‏ تعرفت الى شيرلي عندما رافقتُها هي ورفيقتها في الخدمة من بيت الى بيت.‏ بعيد ذلك،‏ اصطحبت شيرلي الى مسرح هوليوُود المكشوف حيث غنيت مع پيرل بايلي.‏

المضي قدما في تنفيذ قراري

في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٧،‏ عُينت فاتحا خصوصيا في ولاية آيُوْوا.‏ وعندما اخبرت والدي انني قررت قبول هذا التعيين،‏ راح ينتحب لأنه عجز عن فهم نظرتي الجديدة الى ما هو مهم حقا.‏ بعد ذلك،‏ استقللت سيارتي وذهبت الى هوليوُود وفسخت كل عقودي.‏ كان فريد وارينڠ،‏ قائد فرقة موسيقية مشهور،‏ احد الذين تعاقدت معهم.‏ فأخبرني انه اذا فسخت عقدي،‏ فلن اتمكن مجددا من العمل كمغنٍّ.‏ لذلك اوضحت له انني سأترك مهنة الغناء لأوسّع خدمتي ليهوه اللّٰه.‏

تكلمت مطولا مع السيد وارينڠ وقد اصغى إليّ باحترام.‏ وتفاجأت عندما قال لي بلطف:‏ «بني،‏ انا آسف لأنك تتخلى عن حياة مهنية ناجحة.‏ لكنني امضيت عمري كله في عالم الموسيقى،‏ وأعلم ان في الحياة امورا اهم بكثير من الموسيقى.‏ ليبارك اللّٰه جهودك».‏ لا ازال اذكر كيف عدت الى المنزل ودموع الفرح تملأ عينيّ لأنني اصبحت حرا لأمضي حياتي في خدمة يهوه.‏

‏«اين ايمانك؟‏»‏

بدأت اخدم انا وجو تريف في ستروبري پوينت،‏ بلدة في آيُوْوا عدد سكانها حوالي ٢٠٠‏,١ نسمة.‏ وخلال خدمتنا هناك،‏ زارتنا شيرلي وتحدثنا عن الزواج.‏ لم نكن لا انا ولا هي قد ادخرنا المال.‏ وكل ما جنيته في السابق استحوذ عليه والدي.‏ لذلك اوضحت لها:‏ «ارغب في الزواج بك،‏ ولكن كيف سنؤمن معيشتنا؟‏ فكل ما املكه هو مساعدتي الشهرية كفاتح خصوصي التي لا تتجاوز الأربعين دولارا».‏ فأجابتني بطريقتها المباشرة والهادئة في معالجة المسائل قائلة:‏ «ولكن يا تشارلز اين ايمانك؟‏ ألم يقل يسوع انه اذا طلبنا أولا ملكوته وبره،‏ فسيزودنا بكل ما نحتاج اليه؟‏».‏ (‏متى ٦:‏٣٣‏)‏ وبجوابها هذا حسمت المسألة.‏ فتزوجنا في ١٦ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٥٧.‏

كنت ادرس الكتاب المقدس مع مزارع يسكن قرب ستروبري پوينت ويملك في الغابة التابعة لأراضيه كوخا خشبيا مساحته ثلاثة امتار ونصف في ثلاثة امتار ونصف.‏ لم يكن في الكوخ لا كهرباء ولا ماء ولا مرحاض،‏ ولكن كان بإمكاننا السكن فيه مجانا.‏ صحيح انه كان مسكنا بدائيا،‏ لكننا فكرنا اننا نمضي يومنا بكامله في الخدمة وكل ما نحتاج اليه هو مكان نبيت فيه.‏

كنت استقي الماء من نبع قريب.‏ وقد استخدمنا مدفأة حطب لنبقي الكوخ دافئا.‏ واستعنا ايضا بمصباح كاز لنتمكن من القراءة وبموقد كاز لتعدّ عليه شيرلي الطعام.‏ كما استحممنا في حوض قديم للغسل.‏ اثناء الليل،‏ كنا نستمع الى عواء الذئاب.‏ وكم شعرنا بالامتنان لأننا نتمتع برفقة واحدنا الآخر ولأننا نخدم يهوه معا حيث الحاجة ماسّة الى خدام مسيحيين!‏ كان بيل مالنفَنت وزوجته ساندرا،‏ اللذان يخدمان اليوم في المركز الرئيسي العالمي في بروكلين،‏ فاتحَين خصوصيَّين في بلدة ديكورا،‏ آيُوْوا،‏ التي تبعد عنا حوالي ١٠٠ كيلومتر.‏ وكانا بين الحين والآخر يزوراننا ويمضيان اليوم كله في خدمة الحقل معنا.‏ وبمرور الوقت،‏ تشكلت في ستروبري پوينت جماعة صغيرة ضمت نحو ٢٥ شخصا.‏

العمل الجائل

في ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٠،‏ دُعينا الى العمل الدائري،‏ او الخدمة الجائلة.‏ كانت الدائرة الاولى التي عُيّنا فيها في كارولينا الشمالية،‏ وقد شملت مدن رالي،‏ ڠرينزبورو،‏ ودورهام،‏ بالاضافة الى العديد من البلدات الريفية الصغيرة.‏ فتحسنت ظروف حياتنا،‏ اذ اقمنا عند عائلات تسكن في بيوت فيها كهرباء ومرحاض.‏ ولكن لدى اقامتنا مع عائلات تسكن في منزل مرحاضه في الخارج،‏ سمعنا تحذيرات اقلقتنا كثيرا.‏ فقد نبّهونا من الافاعي النحاسية الرأس والمجلجلة التي قد نصادفها ونحن في طريقنا الى المرحاض.‏

انتقلنا في اوائل سنة ١٩٦٣ الى دائرة في فلوريدا حيث أُصبت بالتهاب حاد في غشاء القلب وأشرفت على الموت.‏ وكنت على الارجح سأموت لولا مساعدة بوب وجيني ماكي من تامپا.‏ * فقد اخذاني الى طبيبهما وتكفلا بكل نفقات العلاج.‏

الاستفادة من تدريبي السابق

في صيف سنة ١٩٦٣،‏ دُعيت الى نيويورك للمشاركة في التحضير لمحفل ضخم لشهود يهوه كان مقررا عقده هناك.‏ فرافقت مِلتون هنشل،‏ الذي كان سيتكلم باسم شهود يهوه،‏ الى برنامج اذاعي يقدمه لاري كينڠ الذي يُعد اليوم من ابرز مقدمي البرامج التلفزيونية.‏ عاملنا السيد كينڠ باحترام وظل طوال ساعة بعد البرنامج يطرح علينا الاسئلة حول عملنا.‏

في ذلك الصيف،‏ زار المرسل هارولد كينڠ المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه بعيد اطلاق سراحه من السجن في الصين الشيوعية.‏ وفي احدى الامسيات،‏ ألقى خطابا امام ٧٠٠ شخص تقريبا روى فيه بعض اختباراته.‏ كما اخبر الحضور كيف تقوى ايمانه خلال الفترة التي قضاها في السجن الانفرادي والتي تزيد على اربع سنوات.‏ وفيما كان كينڠ في السجن ألّف ترانيم تدور حول الخدمة المسيحية ومواضيع اخرى من الكتاب المقدس.‏

في تلك الامسية التي لا تُنسى،‏ رنمت الترنيمة «من بيتٍ إلى بيت» مع أودْري نور وكارل كلاين وفْرِد فرانز،‏ اخ شاهد منذ زمن طويل له صوت صادح (‏تينور)‏.‏ وقد ادخِلت هذه الترنيمة لاحقا في كتاب الترانيم الذي يستخدمه شهود يهوه.‏ كما طلب مني ناثان نور الذي كان يأخذ القيادة في عمل الشهود آنذاك ان ارنم هذه الترنيمة في محفل «البشارة الابدية» الذي عُقد الاسبوع التالي في يانكي ستاديوم،‏ فلبيت طلبه.‏

اختبارات في العمل الجائل

اثناء خدمتنا في شيكاڠو بإيلينوي،‏ حدث لنا امران لا يزالان محفورين في ذاكرتنا.‏ حصل الاول في محفل دائري عندما رأت شيرلي ڤيرا ستيووارت التي بشّرت شيرلي ووالدتها في كندا في اواسط اربعينات القرن الماضي.‏ وقد فرحت شيرلي،‏ التي كانت آنذاك في الـ‍ ١١ من عمرها،‏ بسماع البشارة عن وعود اللّٰه في الكتاب المقدس.‏ وسألت ڤيرا:‏ «هل تعتقدين ان بإمكاني العيش في ذلك العالم الجديد؟‏».‏ اجابتها ڤيرا:‏ «لا ارى سببا يمنعك من ذلك يا شيرلي».‏ لم تنسَ اي منهما هذه الكلمات.‏ ومنذ التقائها للمرة الاولى بڤيرا،‏ ادركت شيرلي انها ترغب في خدمة يهوه.‏

اما الامر الثاني فحدث عندما سألني احد الشهود هل اذكر انني وجدت على الشرفة في يوم من ايام شتاء ١٩٥٨ كيس بطاطا وزنه ٢٠ كيلوڠراما تقريبا.‏ فأجبته انني بالتأكيد اذكر تلك الحادثة.‏ لقد عثرنا على هذا الكيس في احدى الليالي بعد ان شققنا بصعوبة طريقنا الى المنزل وسط عاصفة ثلجية.‏ ومع اننا لم نعلم مصدره،‏ فقد شكرنا يهوه على سدّه حاجاتنا.‏ لقد احتُجزنا داخل المنزل بسبب الثلوج المتساقطة،‏ الا اننا استمتعنا بتناول فطائر البطاطا،‏ البطاطا المشوية،‏ البطاطا المقلية،‏ البطاطا المهروسة،‏ وحساء البطاطا،‏ اذ لم يكن لدينا ما نأكله سوى البطاطا.‏ لم يكن الاخ يعرف من نحن ولا أين نعيش،‏ لكنه سمع ان فاتحَين يعيشان في الجوار يواجهان مشقة في تأمين عيشهما.‏ اخبر الاخ ان امرا ما دفعه الى السؤال عن منزل الفاتحَين.‏ وبما ان المزارعين يعرفون كل شاردة وواردة عن جيرانهم،‏ ارشدوه الى كوخنا.‏ فحمل الينا كيس البطاطا وسط الثلوج.‏

شعوري بالاكتفاء حيال قراراتي

بحلول سنة ١٩٩٣،‏ بعد ٣٣ سنة في العمل الجائل،‏ تدهورت صحتي لدرجة انني اضطُررت الى التخلي عن هذه الخدمة.‏ فانضممنا انا وشيرلي الى صفوف الفاتحين الخصوصيين المسنين،‏ ولا نزال نقوم بعمل الفتح حتى اليوم.‏ صحيح انني اشعر بالأسى لأنني اصبحت عاجزا عن متابعة العمل الجائل،‏ لكنني سعيد جدا لأنني امضيت حياتي في الخدمة كامل الوقت.‏

لم يتبع اخوتي الثلاثة الطريق الذي سرت فيه.‏ فقد اختاروا السعي وراء الغنى المادي،‏ ولا يخدم اي منهم يهوه اليوم.‏ اما والدي فاعتمد سنة ١٩٥٨.‏ وقد ساعد هو ووالدتي عددا كبيرا من الاشخاص على التعرف بيهوه ونذْر حياتهم له بالمعمودية.‏ مات والداي كلاهما سنة ١٩٩٩.‏ وهكذا يسعني القول ان رفضي للشهرة العالمية والغنى المادي عنى على الارجح الحياة لوالدي،‏ ولكل مَن اخبرهم هو ووالدتي حق الكتاب المقدس.‏ وغالبا ما اتساءل:‏ ‹هل كنت سأواصل خدمة يهوه لو لم اتخذ هذه القرارات؟‏›.‏

بعد ترك العمل الدائري بحوالي خمس سنوات،‏ تحسنت صحتي واستطعت ان اوسع خدمتي.‏ وأنا اخدم الآن كناظر مشرف في جماعة في بلدة ديزرت هوت سپرينڠز بكاليفورنيا.‏ كما اتمتع بامتياز الخدمة كناظر دائرة بديل،‏ الاشتراك في لجان خصوصية،‏ وأحيانا التعليم في مدرسة خدمة الفتح.‏

لا تزال شيرلي صديقتي الحميمة،‏ وأنا استمتع كثيرا برفقتها.‏ وغالبا ما نتبادل الاحاديث البناءة روحيا حول حقائق من الكتاب المقدس تثير انتباهنا.‏ وما زلت اذكر وأقدّر بعمق سؤالها الهادئ منذ اكثر من ٤٧ سنة:‏ «ولكن يا تشارلز اين ايمانك؟‏».‏ وأتساءل كم من الازواج المسيحيين يمكن ان يتمتعوا بأفراح وبركات الخدمة كامل الوقت في ايام الشباب لو انهم يطرحون واحدهم على الآخر هذا السؤال.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 11‏ حافظ جون سينَتْكو على امانته كشاهد حتى موته سنة ١٩٩٦ بعمر ٩٢ سنة.‏

^ ‎الفقرة 11‏ اصدار شهود يهوه،‏ لكنه لم يعد يُطبع الآن.‏

^ ‎الفقرة 32‏ ترد في عدد ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٥ من مجلة استيقظ!‏ ‏(‏بالانكليزية)‏ الصفحات ١٢-‏١٦ قصة بوب ماكي وصراعه مع مرض الشلل.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٠]‏

عمي جون سنة ١٩٣٥،‏ السنة التي اعتمد فيها

‏[الصورة في الصفحة ٢٢]‏

كوخنا الخشبي

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

صورة لوالديّ تعود الى سنة ١٩٧٥،‏ وقد بقيا امينين حتى نهاية حياتهما

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

مع شيرلي اليوم