الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الجبال في خطر

الجبال في خطر

الجبال في خطر

‏«في مصلحتنا جميعا أن نكفل لأجيال كثيرة مقبلة استدامة ما تعطيه المناطق الجبلية من ثروات».‏ —‏ كوفي انان،‏ الامين العام للامم المتحدة.‏

لطالما اعتُبرت الجبال رمزا للشموخ والعظمة والعزة.‏ أفيُعقل إذًا ان تكون عمالقة الطبيعة هذه في خطر؟‏ في نظر البعض،‏ تبدو هذه الفكرة بعيدة الاحتمال.‏ لكنّ الواقع هو ان الجبال حقا في خطر.‏ ويذكر انصار المحافظة على البيئة العديد من المشاكل المحددة التي تضعف البيئة الطبيعية في الجبال.‏ وجميعها مشاكل خطيرة تزداد سوءا.‏ وفي ما يلي عرض لبعض هذه المشاكل.‏

المشاريع الانمائية.‏ نحو ربع المناطق الجبلية في العالم معرض للخطر بسبب شق الطرقات،‏ والتعدين،‏ ومدّ الأنابيب،‏ وإنشاء السدود،‏ وغيرها من المشاريع الانمائية المخطط لها على مدى السنوات الثلاثين القادمة.‏ فعندما تُشق الطرقات،‏ تتعرض السفوح الشديدة الانحدار للتحاتّ.‏ كما ان وجود الطرقات يفسح المجال لوصول قاطعي الاشجار الذين يسببون الكثير من الاذى.‏ أما عمليات التعدين فهي تستخرج نحو عشرة آلاف مليون طنّ من خامات المعادن كل سنة،‏ أغلبها من الجبال،‏ وتنتج اكثر من ذلك بكثير من النفايات.‏ *

الدفء العالمي.‏ يذكر معهد وورلدواتش للابحاث:‏ «ان السنوات التسع الاشد دفئا التي سُجِّلت حتى الآن كانت منذ سنة ١٩٩٠».‏ وقد كان تأثير موجات الحر هذه كبيرا في البيئات الجبلية.‏ فقد بدأ ذوبان الانهر الجليدية،‏ وانحسرت الثلوج التي تكلل رؤوس الجبال.‏ وفي رأي بعض العلماء،‏ سيؤثر ذلك في مخزون المياه ويسبب انزلاقات ارضية خطيرة.‏ وهنالك عشرات البحيرات الجليدية في جبال الهملايا التي هي على وشك تخطي حدودها والتسبب بفيضانات ضخمة،‏ وقد حدث ذلك تكرارا خلال العقود القليلة الماضية.‏

الزراعة المعيشية التي لا تؤمِّن اكثر من القوت اليومي.‏ بسبب الضغط السكاني،‏ يضطر الناس الى زراعة الاراضي غير المنتجة.‏ وبحسب احدى الدراسات،‏ يُستخدم حاليا حوالي نصف الاراضي في المناطق الجبلية في افريقيا من اجل الزراعة وتربية المواشي (‏١٠ في المئة من اجل المحاصيل و ٣٤ في المئة من اجل الرعي)‏.‏ لكنّ هذه الزراعة في معظم الاحيان لا تعود على المزارعين بفوائد تُذكر،‏ اذ ان المناطق الجبلية غير صالحة لزراعة المحاصيل.‏ * كما ان الافراط في الرعي يؤذي النباتات الحساسة.‏ وتشير دراسة حديثة الى ان ٣ في المئة فقط من الاراضي في المناطق الجبلية صالح للزراعة المستدامة،‏ اي التي لا تُخِلّ بالتوازن البيئي.‏

الحرب.‏ أدى تزايد الحروب الاهلية الى تضرر العديد من البيئات الجبلية.‏ فالمتمردون يتخذون من الجبال معاقل لهم يشنون منها هجماتهم.‏ وقد ذكر تقرير صادر عن الامم المتحدة ان ٦٧ في المئة من المناطق الجبلية في افريقيا تأثرت «بالصراعات المسلحة».‏ كما ان بعض مرتفعات الجبال اصبحت مراكز لإنتاج المخدرات،‏ مما يؤدي في اكثر الاحيان الى الصراعات المسلحة وإلحاق الضرر بالبيئة.‏

هل ينبغي بذل جهود اكبر؟‏

ان آثار تعدّي الانسان على الجبال واضحة المعالم.‏ وليست الفيضانات والانزلاقات الارضية والنقص في المياه إلّا بعض المؤشرات الى ان حال الجبال ليست على افضل ما يُرام.‏ وقد بدأت هذه الظواهر تسترعي اهتمام الحكومات.‏ ولذلك تُبذل الجهود لإعادة تحريج بعض الغابات،‏ ويُمنَع قطع الاشجار في مناطق اخرى.‏ كما أُنشئت المحميات الطبيعية لحماية المناظر الطبيعية الخلابة وأكثر البيئات الطبيعية عرضة للخطر.‏

لكنّ المناطق المحمية تتعرض هي ايضا للمشاكل البيئية.‏ (‏انظر الاطار بعنوان:‏ «بعض معاقل الطبيعة حول العالم».‏)‏ والعدد المتزايد من الانواع التي تنقرض هو دليل على ان معركة حماية الجبال لم تُربح بعد.‏ فالخبراء مدركون للمشاكل،‏ لكن هذا الوعي لا يتمخض عن جهود شاملة وواسعة النطاق لحماية المناطق الجبلية غير المتأذية بعد.‏ يقول عالم الاحياء الشهير إدوارد ويلسون:‏ «أتشجع حين افكر في مدى معرفتنا العلمية،‏ لكنني أصاب بالإحباط حين افكر في الدمار الذي يلحق بأهم مصدر من مصادر التنوع الأحيائي».‏

لكن هل خسارة التنوع الأحيائي امر سيئ الى هذا الحد؟‏ بحسب العديد من علماء الاحياء،‏ ان المحافظة على التنوع الأحيائي في الارض من شأنها ان تفيد الجنس البشري كثيرا.‏ فهم يشيرون مثلا الى نبتة العِناقِيَّة الوردية التي تنمو في جبال مدغشقر،‏ وهي منطقة غنية بتنوعها الأحيائي.‏ فقد كانت هذه النبتة مصدر دواء مهم لمكافحة ابيضاض الدم (‏اللوكيميا)‏.‏ كما ان شجرة الكينا التي تعيش في جبال الأنديز تُستخدم منذ عقود لاستخراج الكينين وغيره من العقاقير لمعالجة الملاريا.‏ وهنالك الكثير جدا من النباتات الاخرى التي تنمو في المناطق الجبلية والتي ساهمت في إنقاذ حياة الملايين.‏ طبعا،‏ يمكن زراعة بعض هذه النباتات في مناطق غير جبلية.‏ لكنّ ما يخشاه الخبراء هو ان يخسر الانسان دون ان يدري انواعا اخرى من النباتات غير المكتشفة التي يمكن ان يكون لها فائدة كبيرة من الناحيتين الطبية والغذائية،‏ اذا ما استمر تدمير الانظمة البيئية في الجبال دون هوادة.‏

فهل يمكن وقف هذا الدمار؟‏ هل يمكن إصلاح الضرر؟‏ وهل تبقى الجبال موئلا للجمال ومعقلا للتنوع الأحيائي؟‏

‏[الحاشيتان]‏

^ ‎الفقرة 4‏ ان انتاج خاتم ذهبي واحد يولّد ثلاثة اطنان من النفايات على وجه التقريب.‏

^ ‎الفقرة 6‏ من ناحية اخرى،‏ تعلَّم سكان الجبال الاصليون على مر القرون زراعة الاراضي الجبلية دون إلحاق الضرر بالبيئة.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحة ٧]‏

حيوانات الجبال

يعيش الاسد الاميركي،‏ المعروف ايضا بالپوما،‏ بشكل رئيسي في الجبال،‏ وخصوصا جبال روكي وجبال الأنديز.‏ وكالعديد من الحيوانات المفترسة الكبيرة،‏ انحسرت رقعة انتشاره تدريجيا لتقتصر على المناطق الاكثر عزلة بسبب التهديد الذي يشكله الانسان عليه.‏

تعيش الپندة الحمراء فقط في سلسلة جبال الهملايا (‏حتى على سفوح جبل أڤرست)‏.‏ لكن رغم عزلة هذا الموطن،‏ فإن بقاء الپندة الحمراء مهدد بالخطر بسبب إزالة غابات القصب التي تتغذى منها.‏

‏[مصدر الصورة]‏

Cortesía del Zoo de la Casa de Campo,‎ Madrid

في الماضي،‏ كان الدب الاسمر يجوب معظم انحاء اوروبا،‏ آسيا،‏ وأميركا الشمالية.‏ أما الآن فيقتصر وجوده في اوروبا على بعض المناطق الجبلية المنعزلة،‏ وهو لا يزال موجودا بأعداد أوفر في جبال روكي الكندية،‏ وفي ألاسكا،‏ وسيبيريا.‏ وخلال القرن الماضي انخفضت اعداد هذه الدببة بنسبة ٩٩ في المئة في الولايات المتحدة.‏

يُعتبَر العقاب الذهبي سيد الاجواء في المناطق الجبلية في معظم انحاء نصف الكرة الشمالي.‏ لكن من المؤسف ان اعداده في اوروبا انخفضت الى اقل من ٠٠٠‏,٥ زوج نتيجة اعتباره في السابق ‹طائرا مكروها›.‏

يعتمد بقاء الپندة العملاقة ‏«على ثلاثة امور اساسية»،‏ كما يذكر عالم الاحياء الصيني تانڠ سييانڠ.‏ وهذه الامور هي:‏ «الجبال الشامخة والوديان السحيقة،‏ غابات القصب الكثيفة،‏ والجداول الرقراقة».‏ وبحسب احد التقديرات،‏ لا يتجاوز عدد حيوانات الپندة التي تعيش في الطبيعة الـ‍ ٦٠٠‏,١.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٨،‏ ٩]‏

بعض معاقل الطبيعة حول العالم

أُنشئت حديقة يوسيميتي الوطنية ‏(‏كاليفورنيا،‏ الولايات المتحدة الاميركية)‏ عام ١٨٩٠ بفضل الجهود الدؤوبة التي بذلها عالِم الطبيعة جون ميور.‏ وتجذب المناظر الطبيعية الرائعة فيها اربعة ملايين زائر كل سنة.‏ غير ان القيّمين على هذه الحديقة يواجهون صعوبات في الموازنة بين حماية البيئة الطبيعية وتأمين مَرافق لراحة محبي الطبيعة.‏

أُنشئت حديقة پودوكارپوس الوطنية ‏(‏الإكوادور)‏ لحماية منطقة من الغابة المطيرة المعتدلة في جبال الأنديز تضم مجموعة كبيرة من الانواع الحيوانية والنباتية:‏ اكثر من ٦٠٠ نوع من الطيور ونحو ٠٠٠‏,٤ نوع من النباتات.‏ في هذه المنطقة اكتُشف الكينين،‏ وهو دواء انقذ حياة اعداد كبيرة من الناس.‏ لكنّ هذه الحديقة،‏ كغيرها من الحدائق،‏ تتضرر بسبب قطع الاشجار غير المضبوط والصيد غير الشرعي.‏

جبل كيليمانجارو ‏(‏تنزانيا)‏ هو من اكبر البراكين في العالم وأعلى جبل في افريقيا.‏ ترعى الفيلة في سفوحه،‏ في حين توجد في اعاليه بعض النباتات الفريدة،‏ مثل اللوبيلية العملاقة والشَّرونة العملاقة.‏ وتُعتبر عمليات الصيد غير الشرعي،‏ وقطع الاشجار،‏ ورعي قطعان الابقار الداجنة من أهم الاخطار التي تتهدد هذا الجبل.‏

أُنشئت حديقة تيده الوطنية ‏(‏جزر كاناري)‏ لحماية الانواع النباتية المميزة التي تضفي الحياة على طبيعة الارض البركانية القاحلة.‏ وتتميز الجزر البركانية الجبلية عادة ببيئة هشة تتأذى اذا دخلت اليها انواع غريبة.‏

حديقتا جبال الپيرينيه وأورديسا الوطنيتان ‏(‏فرنسا وإسبانيا)‏ هما موئل للمناظر الطبيعية الخلابة التي تميز المرتفعات الجبلية الشاهقة،‏ بما فيها من نباتات وحيوانات.‏ لكنّ جبال الپيرينيه،‏ كغيرها من سلاسل الجبال في اوروبا،‏ تتضرر بسبب ازدياد منحدرات التزلج وغيرها من المرافق السياحية.‏ وقد أثّر الابتعاد عن الزراعة التقليدية هو ايضا تأثيرا سلبيا في البيئة.‏

تجذب حديقة سوراكسان الوطنية اكبر عدد من زائري المتنزهات في جمهورية كوريا.‏ فالخريف يضفي مسحة مميزة من الجمال على قممها الغرانيتية المهيبة وسفوح جبالها المكسوة بالغابات.‏ لكن بسبب فيض الزائرين،‏ تزدحم دروبها بالمشاة في نهايات الاسابيع كما تزدحم ارصفة المدن.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحة ١٠]‏

نباتات الجبال

برج الجواهر.‏ خلال بضعة اسابيع في فصل الربيع،‏ تنمو هذه الزهرة الرائعة ليبلغ طولها طول الانسان.‏ وهي تنمو على ارتفاع ٨٠٠‏,١ متر تقريبا على جبلَين بركانيَّين فقط في جزر كاناري.‏ والعديد من الانواع النباتية الجبلية لا ينمو إلّا في مناطق محددة.‏

ينمو الكرلين النجمي في جبال الألب والپيرينيه.‏ وهو يزيّن المروج الجبلية بألوانه الزاهية في اواخر الصيف،‏ كما تؤمِّن ازهاره الغذاء الوافر للحشرات.‏

السوسن الانكليزي.‏ تُزرع انواع هجينة من هذه الزهرة البرية الجميلة في الحدائق.‏ ويعود اصل العديد من الازهار المزروعة في الحدائق الى النباتات التي تنمو في المرتفعات الجبلية الشاهقة.‏

المخلَّدة الجبليّة هي احدى النباتات التي تنمو في شقوق الصخور في الجبال الشاهقة.‏ وهذه النبتة التي تعيش في جبال جنوب اوروبا تُسمّى المخلَّدة بسبب قوة احتمالها.‏

الأناناسيَّات.‏ تنمو انواع كثيرة من الأناناسيَّات والسَّحلبيَّات في الغابات المطيرة المعتدلة في المناطق المدارية.‏ وهي تنمو على ارتفاع قد يصل الى ٥٠٠‏,٤ متر.‏

ينمو سوسن الجزائر في سلسلتَي جبال الريف وأطلس في شمال افريقيا.‏ وتُعتبر هاتان السلسلتان من «النقاط الساخنة» بيئيا لغناهما بالنباتات المتوسطية.‏

‏[الصورة في الصفحة ٦]‏

التنقيب عن النحاس والذهب قرب جبال ماوكيه في إندونيسيا

‏[مصدر الصورة]‏

Rob Huibers/Panos Pictures ©

‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

العِناقِيَّة الوردية