الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

خدمتُ اللّٰه رغم التحديات

خدمتُ اللّٰه رغم التحديات

خدمتُ اللّٰه رغم التحديات

كما رواها إيڤان ميكيتكوڤ

‏«اذا بقيتَ في بلدتنا،‏ فسوف تُزَج في السجن من جديد».‏ وجّه إليَّ هذا التحذير ضابط في لجنة امن الدولة السوفياتية (‏KGB)‏.‏ كنت قد خرجت لتوي من السجن بعد ان قضيت فيه ١٢ سنة.‏ وكان ابي وأمي كلاهما مريضَين جدا وبحاجة الى عنايتي.‏ فماذا كنت سأفعل؟‏

ولدت سنة ١٩٢٨ في قرية تْسول بمولدوفا.‏ * وعندما كنت بعمر سنة فقط زار والدي الكسندر مدينة اياشي في رومانيا حيث تعرّف بتلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه يُدعَون آنذاك.‏ ولما رجع الى تْسول،‏ ناقش ما تعلمه منهم مع عائلته وجيرانه.‏ وسرعان ما تألف فريق صغير من تلاميذ الكتاب المقدس في قريتنا.‏

بما انني الاصغر بين اربعة صبيان،‏ كنت منذ طفولتي محاطا بأشخاص روحيين رسموا لي مثالا جيدا.‏ ومع الوقت،‏ صار واضحا في ذهني انه اذا اردت ان اخدم يهوه فسأواجه المقاومة،‏ الامر الذي سيشكِّل تحديا بالنسبة إليَّ.‏ وما زالت تجول في خاطري ذكريات حية عن تفتيش رجال الشرطة لبيتنا مرة بعد اخرى بحثا عن مطبوعات الكتاب المقدس.‏ غير انني لم اخف حينذاك،‏ فقد تعلمت من درسنا للكتاب المقدس ان ابن اللّٰه،‏ يسوع المسيح،‏ واجه الاضطهاد وكذلك جميع تلاميذه.‏ وكثيرا ما كان يجري تذكيرنا في الاجتماعات ان الاضطهاد امر ينبغي ان يتوقعه اتباع المسيح.‏ —‏ يوحنا ١٥:‏٢٠‏.‏

نلتُ القوة لمواجهة الاضطهاد

سنة ١٩٣٤،‏ عندما كنت بعمر ست سنوات فقط،‏ قُرئت في جماعتنا في تْسول رسالة تُخبر عن المعاناة التي يمر بها اخوتنا المسيحيون في المانيا النازية.‏ وجرى تشجيعنا على الصلاة من اجلهم.‏ ومع اني كنت صغيرا حينذاك،‏ لم أنسَ قط تلك الرسالة.‏

بعد اربع سنوات واجهت اول امتحان لاستقامتي.‏ فخلال صفوف التعليم الديني في المدرسة كان الكاهن الارثوذكسي يأمرني باستمرار أن اعلق صليبا في عنقي.‏ وعندما رفضت،‏ طلب من كل الاولاد في الصف ان يبرزوا صلبانهم دلالة على انهم اعضاء صالحون في الكنيسة.‏ ثم اشار إلي وسأل الصف:‏ «هل تريدون شخصا مثل هذا في صفكم؟‏ ليرفع يده كل مَن لا يريده في الصف».‏

وبما ان التلاميذ كانوا يخافون من الكاهن،‏ رفعوا ايديهم جميعا.‏ فقال لي:‏ «أرأيت؟‏ لا احد يرغب في وجودك هنا.‏ اترك هذا المكان في الحال».‏ ولكن بعد بضعة ايام،‏ زارنا مدير المدرسة في البيت.‏ وبعدما تكلم الى والدَيّ،‏ سألني هل ارغب في العودة الى المدرسة.‏ فأجبت اني اريد ذلك.‏ فقال لي:‏ «ما دمت انا مديرا ستذهب الى المدرسة ولن يتمكن الكاهن من منعك».‏ وقد التزم بوعده،‏ فطوال الفترة التي كان فيها مديرا لم يزعجني الكاهن مطلقا.‏

الاضطهاد يشتد

سنة ١٩٤٠ صارت منطقة بسارابيا،‏ حيث نعيش،‏ جزءا من الاتحاد السوفياتي.‏ وفي ١٣ و ١٤ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤١،‏ رُحِّل الى سيبيريا جميع الاشخاص البارزين سياسيا او اجتماعيا.‏ ومع ان شهود يهوه لم يُشمَلوا بهذا الترحيل،‏ اصبحنا من ذلك الوقت فصاعدا اكثر حرصا عند عقد الاجتماعات والقيام بالكرازة.‏

في اواخر حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤١،‏ شنّت المانيا النازية هجوما مباغتا واسع النطاق على الاتحاد السوفياتي الذي كان حتى ذلك الحين حليفا لها.‏ بُعَيد ذلك،‏ استعادت القوات الرومانية سيطرتها على بسارابيا.‏ فأصبحنا مجددا تحت سلطة رومانيا.‏

في القرى المجاورة اعتُقل الشهود الذين رفضوا الخدمة في الجيش الروماني،‏ وحُكم على معظمهم بالاشغال الشاقة مدة عشرين سنة.‏ وقد استُدعي والدي الى مركز الشرطة حيث ضُرِب بوحشية لأنه شاهد ليهوه.‏ كما أُخِذت انا بالقوة من المدرسة لحضور القداس في الكنيسة.‏

ثم تغيّر مجرى احداث الحرب العالمية الثانية.‏ ففي آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٤ سيطر السوفيات بسرعة على شمال بسارابيا.‏ وبحلول آب (‏اغسطس)‏ كانوا قد اخضعوا البلد بكامله.‏ كنت آنذاك في اواسط سنوات المراهقة.‏

وسرعان ما استُدعي كل الرجال الاصحاء في قريتنا للالتحاق بالجيش السوفياتي.‏ لكنّ الشهود رفضوا المسايرة في موقفهم الحيادي.‏ فحُكم عليهم بالسجن عشر سنوات.‏ وفي ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٥،‏ انتهت الحرب العالمية الثانية في اوروبا باستسلام المانيا.‏ غير ان كثيرين من الشهود في مولدوفا بقوا في السجون حتى سنة ١٩٤٩.‏

الضيقات بعد الحرب

بعد انتهاء الحرب سنة ١٩٤٥ عانت مولدوفا قحطا شديدا.‏ ورغم ذلك،‏ استمرت الحكومة السوفياتية في فرض ضريبة قاسية على المزارعين،‏ مجبرة اياهم على اعطائها جزءا كبيرا من محصولهم.‏ وقد ادى ذلك الى حدوث مجاعة رهيبة وموت كثيرين.‏ وبحلول سنة ١٩٤٧ كنت قد رأيت الكثير من الجثث ملقاة في شوارع تْسول.‏ فضلا عن ذلك،‏ مات اخي يفيم في تلك السنة عينها.‏ اما انا فقد قاسيت الجوع طوال اسابيع،‏ فشعرت بضعف شديد وبالكاد استطعت الحراك.‏ لكنّ المجاعة انتهت،‏ والشهود الذين بقوا على قيد الحياة اكملوا خدمتهم.‏ وفي حين كرز اخي ڤاسيل —‏ الذي يكبرني بسبع سنوات —‏ في القرى المجاورة،‏ واصلت انا الكرازة في قريتنا.‏

وإذ ازداد نشاط الشهود في الخدمة،‏ راحت السلطات تراقبنا عن كثب.‏ وبسبب كرازتنا،‏ بالاضافة الى عدم اشتراكنا في السياسة ورفضنا تأدية الخدمة العسكرية،‏ بدأت الحكومة السوفياتية تفتش بيوتنا بحثا عن مطبوعات الكتاب المقدس وتلقي القبض علينا.‏ وفي سنة ١٩٤٩،‏ رُحِّل بعض الشهود في الجماعات المجاورة الى سيبيريا.‏ ومرّة اخرى،‏ التزم الاخوة الباقون جانب الحذر فيما واصلوا عمل الكرازة.‏

في هذه الاثناء،‏ أُصِبت بمرض خطير تفاقم بمرور الوقت،‏ وشخّص الاطباء ان لدي سلّ العظام.‏ فلُبِّست ساقي بالجصّ سنة ١٩٥٠.‏

الترحيل الى سيبيريا

في ١ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١،‏ حين كانت ساقي لا تزال في الجصّ،‏ اعتُقلت مع عائلتي وشهود آخرين،‏ ثم رُحِّلنا الى سيبيريا.‏ * وإذ لم يكن لدينا وقت كافٍ،‏ لم نأخذ معنا سوى القليل من الطعام.‏ فنفدت مؤونتنا بعد وقت قصير.‏

بعد قضاء نحو اسبوعين في القطار،‏ وصلنا اخيرا الى اسينو في منطقة تومْسْك حيث أُنزلنا من القطار كالماشية.‏ ورغم البرد القارس،‏ سررنا بتنشّق بعض الهواء المنعش.‏ وفي ايار (‏مايو)‏،‏ عندما بدأت مياه النهر المتجمدة بالذوبان،‏ أُخذنا بالقوارب الى توربا التي تبعد نحو ١٠٠ كيلومتر.‏ وهناك،‏ في معسكر لصنع الاخشاب يقع في احراج الصنوبر السيبيرية القريبة من القطب الشمالي،‏ بدأنا نقوم بالعمل الالزامي بموجب الحكم الذي أُصدر بحقنا،‏ وقيل لنا ان ذلك سيدوم مدى الحياة.‏

صحيح اننا نعمنا في معسكر صنع الاخشاب ببعض الحرية التي لا يمكن نيلها في السجن،‏ لكننا كنا دائما نراقَب عن كثب.‏ في البداية كانت عائلتنا تنام ليلا في احدى عربات السكة الحديدية.‏ ولكن في صيف السنة الاولى،‏ صنعنا بيوتا لنحمي انفسنا خلال فصل الشتاء القادم.‏ ولم تكن هذه البيوت سوى مخابئ محفورة في الارض.‏

وبما ان رجلي كانت في الجصّ،‏ استُثنيت من الشغل في الغابات وعُيِّنت للعمل في صنع المسامير،‏ الامر الذي اتاح لي الاشتراك سرًّا في نسخ مجلات برج المراقبة ومطبوعات الكتاب المقدس الاخرى.‏ فبطريقة ما،‏ كانت هذه المطبوعات تُهرّب الينا بشكل منتظم من اوروبا الغربية التي تبعد آلاف الكيلومترات.‏

اعتقالي وسجني

سنة ١٩٥٣ نُزِع الجص عن ساقي.‏ ورغم التزامي الحذر آنذاك،‏ لاحظ الـ‍ KGB قيامي بنشاطات روحية،‏ منها نسخ مطبوعات الكتاب المقدس.‏ فحُكم علي مع بعض الشهود الآخرين بالسجن ١٢ سنة في معسكر اعتقال.‏ ولكن اثناء المحاكمة،‏ تمكّنا جميعا من تقديم شهادة حسنة عن الهنا يهوه ومقاصده الحبية للجنس البشري.‏

ثم نُقِلنا الى معسكرات قرب إركوتْسْك،‏ على بعد مئات الكيلومترات شرقا.‏ لقد أُنشِئت هذه المعسكرات ليُعاقَب فيها مَن اعتبروا اعداء الدولة السوفياتية.‏ ومن ٨ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥٤ حتى اوائل سنة ١٩٦٠،‏ سُجنت في ١٢ معسكرا منها.‏ وبعد ذلك،‏ نُقِلت الى مجمّع معسكرات الاشغال الشاقة الضخم في موردوڤيا،‏ مجتازا اكثر من ٠٠٠‏,٣ كيلومتر غربا.‏ وفي هذا المكان الذي يقع على مسافة حوالي ٤٠٠ كيلومتر جنوبي شرقي موسكو تمتعت بامتياز معاشرة اخوة امناء من مختلف انحاء الاتحاد السوفياتي.‏

ادرك السوفيات انه عند السماح للشهود ان يخالطوا بحرية المساجين الآخرين،‏ كان بعض هؤلاء المساجين يصبحون هم ايضا شهودا ليهوه.‏ لذلك حاولوا عزلنا عن باقي السجناء الموجودين في مجمّع السجون في موردوڤيا،‏ وهو مجمّع شمل عددا كبيرا من معسكرات الاشغال الشاقة التي امتدت على مسافة ٣٠ كيلومترا او اكثر.‏ فوُضِع اكثر من ٤٠٠ شاهد ليهوه في معسكر واحد.‏ وعلى بعد كيلومترات قليلة،‏ سُجنَت حوالي مئة من اخواتنا المسيحيات في معسكر آخر.‏

في المعسكر ساهمت بنشاط في تنظيم الاجتماعات المسيحية ونسخ مطبوعات الكتاب المقدس التي كانت تُهرّب الى داخل المعسكر.‏ وكما يبدو،‏ علم المسؤولون بما كنت افعله.‏ فبعد وقت قصير،‏ في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦١،‏ حُكم علي بقضاء سنة واحدة في سجن ڤلاديمير السيئ السمعة،‏ وهو سجن يعود الى زمن القياصرة ويقع على مسافة ٢٠٠ كيلومتر تقريبا شمالي شرقي موسكو.‏ لقد سُجِن هناك ايضا حتى شباط (‏فبراير)‏ ١٩٦٢ الطيار الاميركي فرانسيس ڠاري پاورز،‏ الذي أُسقطت طائرته في ١ ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٠ اثناء قيامه بمهمة تجسس فوق روسيا.‏

في سجن ڤلاديمير كنت احصل على كمية من الطعام تكفي فقط لبقائي على قيد الحياة.‏ غير انني تأقلمت بشكل جيد مع هذه الحالة لأنني اختبرت الجوع في حداثتي.‏ ولكنني لم استطع تحمُّل البرد القارس في شتاء سنة ١٩٦٢١٩٦١.‏ فقد انكسرت انابيب التدفئة في زنزانتي،‏ وأصبحت الحرارة فيها ادنى بكثير من درجة تجمُّد الماء.‏ وحين رأى طبيب حالتي البائسة،‏ رتّب ان اقضي الفترة الاقسى من ذلك الشتاء القارس في زنزانة اخرى.‏

نلت القوة لمواجهة التحدي

يمكن للأفكار السلبية ان تثبط المرء بعد قضاء اشهر في السجن،‏ وهذا ما أمَلت السلطات ان يحدث معي.‏ لكنني كنت اصلي باستمرار ونلت القوة من روح يهوه ومن آيات الكتاب المقدس التي استطعت تذكُّرها.‏

عندما كنت في سجن ڤلاديمير ادركت تماما ما عناه الرسول بولس حين قال:‏ «من كل وجه يضيَّق علينا،‏ لكن لسنا محصورين؛‏ حائرون،‏ لكن ليس مطلقا دون منفذ».‏ (‏٢ كورنثوس ٤:‏٨-‏١٠‏)‏ وبعد قضاء سنة هناك،‏ أُعِدت الى مجمّع المعسكرات في موردوڤيا حيث أكملت في ٨ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٦٦ عقوبتي التي دامت ١٢ سنة.‏ وعند اطلاق سراحي وُصفت بأنني شخص «لا يمكن اصلاحه».‏ ولكن بالنسبة إليّ كان هذا الوصف اثباتا رسميا انني بقيت امينا ليهوه.‏

كثيرا ما سُئلت كيف تمكّنا من الحصول على مطبوعات الكتاب المقدس ونسخها في السجون والمعسكرات السوفياتية رغم كل الجهود المبذولة لمنعنا من ذلك.‏ انه حقا سرّ لم يعرفه سوى قليلين،‏ حسبما ذكرت سجينة سياسية من لاتفيا امضت اربع سنوات في معسكر پُتْما للنساء.‏ وقد قالت بعد اطلاق سراحها سنة ١٩٦٦:‏ «بطريقة ما كان الشهود يحصلون باستمرار على اعداد كبيرة من المطبوعات.‏ .‏ .‏ .‏ كما لو ان الملائكة كانت تأتي ليلا وترميها».‏ فعلا،‏ لم يكن عملنا ليُنجز لولا دعم يهوه!‏

فترة من الحرية النسبية

بعد اطلاق سراحي،‏ طلب مني الاخوة الذين يأخذون القيادة في عمل الكرازة ان انتقل الى منطقة قريبة من مولدوفا في غرب اوكرانيا لمساعدة الاخوة المولدوفيين.‏ لكنّ مساعدتي لهؤلاء الاخوة كانت محدودة جدا لأنني سجين سابق يراقبه الـ‍ KGB عن كثب.‏ وبعد سنتين،‏ إثر التهديد بإعادتي الى السجن،‏ انتقلت الى جمهورية قازاخستان السوفياتية حيث كانت السلطات تتساهل في التدقيق في الهويات.‏ غير انني رجعت الى اوكرانيا سنة ١٩٦٩ للاعتناء بوالديّ عندما اشتد مرضهما.‏ وهناك،‏ في بلدة ارتْيومَسك شمالي مدينة دونَتْسْك الكبيرة،‏ هدّدني ضابط في الـ‍ KGB بالسجن من جديد كما ذكرت في مستهل المقالة.‏

ولكن،‏ كما تبيّن،‏ كان الضابط يهوِّل علي.‏ فلم يملك دليلا كافيا لاعتقالي.‏ وبما انني صمّمت على مواصلة خدمتي المسيحية وأدركت ان الـ‍ KGB سيستمرون في مراقبتي اينما ذهبت،‏ بقيت في اوكرانيا للاعتناء بوالديّ.‏ لقد مات ابي وأمي كلاهما امينَين ليهوه.‏ توفي ابي في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٦٩،‏ اما امي فبقيت على قيد الحياة حتى شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٦.‏

عندما رجعت الى اوكرانيا كنت في الاربعين من عمري.‏ وأثناء الاعتناء بوالديّ هناك،‏ كنت في الجماعة نفسها مع شابة اسمها ماريا.‏ وكما حدث مع عائلتي،‏ نُفيت ماريا مع اهلها من مولدوفا الى سيبيريا في اوائل نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١ عندما كانت بعمر ثماني سنوات فقط.‏ بدأت صداقتي مع هذه الشابة حين قالت لي انها تحب سماع ترنيمي.‏ ورغم انشغالنا بالكرازة،‏ تمكّنا من تخصيص الوقت لتنمية صداقتنا.‏ ونحو سنة ١٩٧٠ تمكنتُ من اقناعها بالزواج بي.‏

بعد وقت قصير ولدت ابنتنا ليديا.‏ وفي سنة ١٩٨٣،‏ عندما كانت ليديا في العاشرة من عمرها،‏ وشى بي لدى الـ‍ KGB شاهد سابق.‏ كنت آنذاك قد خدمت حوالي عشر سنوات كناظر جائل في مختلف ارجاء شرق اوكرانيا.‏ وإذ تمكن اشخاص يقاومون نشاطنا المسيحي من اقناع البعض بأن يشهدوا زورا في المحكمة،‏ حُكم علي بالسجن خمس سنوات.‏

في السجن،‏ عُزلت عن الاخوة الآخرين.‏ لكن بالرغم من سنين العزلة هذه،‏ لم تتمكن اية وكالة بشرية ان تعيق اتصالي بيهوه الذي دعمني كل الاوقات.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ أُتيحت لي فرص لتقديم الشهادة للسجناء الآخرين.‏ وأخيرا،‏ بعد انتهاء اربع سنين من فترة العقوبة،‏ أُفرج عني واتّحدت مجددا بزوجتي وابنتي اللتين بقيتا امينتين ليهوه.‏

العودة الى مولدوفا

بعد سنة من اجتماع شملنا في اوكرانيا،‏ رجعنا للاقامة في مولدوفا حيث الحاجة ماسة الى اخوة ناضجين ذوي خبرة.‏ كانت القيادة السوفياتية قد سمحت آنذاك بمزيد من الحرية في التنقل.‏ وفي سنة ١٩٨٨،‏ وصلنا الى بلتسي حيث عاشت ماريا قبل ارسالها الى المنفى منذ ٣٧ سنة.‏ في ذلك العام،‏ كان عدد الشهود في هذه المدينة،‏ وهي ثاني اكبر مدينة في مولدوفا،‏ نحو ٣٧٥ شاهدا.‏ اما الآن فهنالك اكثر من ٥٠٠‏,١ شاهد.‏ ورغم انتقالنا الى مولدوفا،‏ واصلت خدمتي كناظر جائل في اوكرانيا.‏

عندما حصلت هيئتنا على الاعتراف الشرعي في الاتحاد السوفياتي في آذار (‏مارس)‏ ١٩٩١،‏ كان آلاف الناس يشعرون بالخيبة بسبب فشل الشيوعية.‏ كما ان الحيرة اعترت كثيرين،‏ ولم يكن لديهم ايّ رجاء حقيقي للمستقبل.‏ لذلك،‏ عندما اصبحت مولدوفا جمهورية مستقلة ذات سيادة،‏ وجدنا فيها حقلا مثمرا شمل جيراننا وأيضا بعض الذين كانوا في ما مضى يضطهدوننا!‏ عندما نُفينا سنة ١٩٥١،‏ لم يبقَ في مولدوفا إلا اشخاصا قليلين جدا من شهود يهوه.‏ اما الآن فهنالك اكثر من ٠٠٠‏,١٨ ناشر في هذا البلد الصغير الذي يبلغ عدد سكانه حوالي ٠٠٠‏,٢٠٠‏,٤ نسمة.‏ حقا،‏ ان الاختبارات الرائعة التي نستمتع بها اليوم تمحو من ذاكرتنا الآلام التي عانيناها في الماضي!‏

في اواسط تسعينات القرن العشرين،‏ اضطررت الى التوقف عن الخدمة كناظر جائل بسبب صحتي الرديئة.‏ احيانا اشعر بالتثبط بسبب حالتي الصحية.‏ لكنني ادرك ان يهوه يرفع معنوياتنا بالطريقة الملائمة.‏ فهو يزودنا بالتشجيع الذي نحتاج اليه في الوقت المناسب.‏ ولو أُتيح لي ان اعيش حياتي مرّة اخرى ما كنت لأختار مسلكا آخر،‏ بل لَتمنّيت ان اكون اكثر شجاعة ونشاطا وفعّالية في خدمتي.‏

اشعر ان يهوه قد باركني وأن كل خدامه مباركون مهما كانت ظروفهم.‏ فلدينا رجاء ساطع وإيمان حيّ وثقة تامة بأن الجميع سيتمتعون عما قريب بالصحة الكاملة في عالم يهوه الجديد.‏

‏[الحاشيتان]‏

^ ‎الفقرة 4‏ سنستخدم في سياق المقالة اسم البلد الحالي،‏ مولدوفا،‏ بدلا من الاسمين اللذين دُعي بهما سابقا،‏ اي مولدافيا وجمهورية مولدافيا الاشتراكية السوفياتية.‏

^ ‎الفقرة 21‏ خلال نهايتَي الاسبوعين الاولَين من نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١،‏ نفّذ السوفيات خطة أُعِدَّت جيدا.‏ وبموجب هذه الخطة،‏ جمعوا اكثر من ٠٠٠‏,٧ شخص من شهود يهوه ومن افراد عائلاتهم الساكنين في الجزء الغربي من الاتحاد السوفياتي ونفوهم شرقا الى سيبيريا،‏ جاعلين اياهم يجتازون بالقطار آلاف الكيلومترات.‏

‏[الصورة في الصفحتين ٢٠،‏ ٢١]‏

بيتنا في المنفى،‏ في توربا بسيبيريا،‏ سنة ١٩٥٣.‏ ابي وأمي (‏الى اليمين)‏،‏ وأخي ڤاسيل مع ابنه (‏الى اليسار)‏

‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

في احد معسكرات الاعتقال،‏ سنة ١٩٥٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

اخوات مسيحيات في سيبيريا،‏ بينهن ماريا (‏الى اليسار في الاسفل)‏ حين كانت بعمر ٢٠ سنة تقريبا

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

مع ابنتنا ليديا

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

عند زفافنا سنة ١٩٧٠

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

مع ماريا اليوم