الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ذاكرون خالقنا منذ الحداثة

ذاكرون خالقنا منذ الحداثة

قصة حياة

ذاكرون خالقنا منذ الحداثة

كما رواه دايڤيد ز.‏ هيبشمَن

‏«اذا كان هذا آخر يوم في حياتي،‏ ارجو ان اكون قد قضيت عمري امينة ليهوه.‏ اتوسل اليه ان يعتني بحبيبي دايڤيد.‏ اشكرك يا يهوه عليه وعلى زواجنا.‏ لقد كان رائعا جدا وسعيدا جدا!‏».‏

تخيَّلوا مشاعري عندما وجدت هذه الكتابة الاخيرة في مفكِّرة زوجتي بعد دفنها في آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٢.‏ فقبل خمسة اشهر فقط،‏ احتفلنا بالذكرى السنوية الـ‍ ٦٠ لخدمة هيلِن كامل الوقت.‏

اتذكر بوضوح اليوم الذي فيه جلست انا وهيلِن جنبا الى جنب سنة ١٩٣١ في المحفل في كولومبُس،‏ أوهايو،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏ لم تكن هيلِن قد بلغت الـ‍ ١٤ من العمر،‏ لكنها قدَّرت اهمية ذلك الحدث اكثر مني.‏ وظهرت غيرتها للخدمة بعيد ذلك عندما صارت هي وأمها الارملة فاتحتَين،‏ كما يُدعى المبشرون كامل الوقت بين شهود يهوه.‏ فقد تركتا بيتهما المريح لتكرزا في المناطق الريفية جنوبي الولايات المتحدة.‏

ميراثي المسيحي

سنة ١٩١٠ انتقل والداي مع ولدَيهما الصغيرَين من شرق پنسلڤانيا الى ڠروڤ سيتي في الجزء الغربي من الولاية.‏ وهناك دفعا عربون بيت متواضع وصارا عضوَين فعّالَين في الكنيسة الاصلاحية.‏ بعيد ذلك زارهما وليَم إيڤانز،‏ من تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه يُدعون آنذاك.‏ استمع ابي وأمي الى هذا الويلزي الودود ودعاه الى وجبة طعام.‏ كان ابي آنذاك في اواسط عشريناته فقط وأمي كانت تصغره بخمس سنوات.‏ وبسرعة اعتنقا حقائق الكتاب المقدس التي كانا يتعلّمانها.‏

ولكي يكون ابي اقرب الى الجماعة،‏ نقل العائلة الى مدينة شارون على بعد ٤٠ كيلومترا.‏ وبعد بضعة اشهر،‏ سنة ١٩١١ او ١٩١٢ اعتمد ابي وأمي.‏ وكان تشارلز تاز رصل،‏ اول رئيس لجمعية برج المراقبة،‏ مَن ألقى خطاب المعمودية.‏ وُلدت في ٤ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩١٦،‏ عندما كان لوالديَّ اربعة اولاد.‏ وعند ولادتي،‏ أُعلن:‏ «اخ آخر لنحبه».‏ فاسمي،‏ دايڤيد،‏ يعني «المحبوب».‏

عندما كان عمري اربعة اسابيع،‏ أُخذت الى محفلي الاول.‏ في تلك الايام الباكرة،‏ كان ابي وإخوتي الاكبر يسيرون عدة كيلومترات لحضور اجتماعات الجماعة فيما كانت امي تأخذنا اختي وأنا بالترامواي.‏ كانت الاجتماعات تتألف من فترات تُعقد في الصباح وبعد الظهر.‏ وفي البيت،‏ غالبا ما كانت المحادثة تتركز على مقالات في برج المراقبة و العصر الذهبي،‏ الاسم الاقدم لمجلة استيقظ!‏‏.‏

الاستفادة من الامثلة الحسنة

كثيرون من الخطباء الجائلين زاروا جماعتنا.‏ وكانوا عادة يقضون يوما او اثنين معنا.‏ وأحد الخطباء الذي اتذكره كان وولتر ج.‏ ثورن الذي ذكر خالقه العظيم في ‹ايام حداثته›.‏ (‏جامعة ١٢:‏١‏،‏ ترجمة تفسيرية‏)‏ وعندما كنت غلاما،‏ رافقت ابي لعرض «رواية الخلق المصوَّرة»،‏ عرض مرئي وسمعي من اربعة اجزاء عن تاريخ الجنس البشري.‏

مع ان الاخ إيڤانز وزوجته،‏ ميريَم،‏ لم يكن لهما اولاد فقد صارا والدَين وجدَّين روحيَّين لعائلتنا.‏ فقد كان وليَم يخاطب ابي دائما بـ‍ «ابني»،‏ وهو وميريَم غرسا في عائلتنا روح التبشير.‏ وفي الجزء الباكر من القرن العشرين،‏ قام الاخ إيڤانز برحلات عائدا الى ويلز لادخال حق الكتاب المقدس الى المنطقة حول سْوانزي.‏ وهناك عُرف بالكارز من اميركا.‏

في سنة ١٩٢٨،‏ ترك الاخ إيڤانز عمله وابتدأ يكرز في تلال ڤيرجينيا الغربية.‏ فرافقه اخواي الاكبران،‏ كلارنس الذي كان بعمر ٢١ سنة وكارل الذي كان بعمر ١٩ سنة.‏ ونحن الصبية الاربعة قضينا كلنا سنوات كثيرة في الخدمة كامل الوقت.‏ وفي الواقع،‏ خدمنا كلنا كنظار جائلين من شهود يهوه في حداثتنا.‏ ومنذ فترة قصيرة كتبت لي خالتي الصغرى ماري،‏ التي هي الآن في تسعيناتها،‏ قائلة:‏ «كم نحن شاكرون جميعا على ان الاخ إيڤانز كان غيورا في الخدمة وزار ڠروڤ سيتي!‏».‏ والخالة ماري كانت شخصا آخر ذكر خالقه منذ حداثته.‏

حضور المحافل

لم يتمكن إلا ابي وكلارنس من حضور محفل سيدر پوينت،‏ أوهايو،‏ التاريخي سنة ١٩٢٢.‏ ولكن في سنة ١٩٢٤،‏ كانت لدينا سيارة وذهبت كل عائلتنا الى المحفل في كولومبُس،‏ أوهايو.‏ كان يُنتظر منا نحن الاولاد ان نستعمل ما ادَّخرناه من مال لدفع ثمن وجبات الطعام اثناء المحفل الذي دام ثمانية ايام.‏ فقد كان رأي والديَّ انه يجب على كل اعضاء العائلة ان يتعلموا إعالة انفسهم.‏ لذلك ربَّينا الدجاج والارانب وأبقينا على خلايا النحل،‏ ووزعنا نحن الصبية جميعا الجرائد.‏

عندما حان وقت المحفل في تورونتو،‏ كندا،‏ سنة ١٩٢٧ كان لدينا اخ صغير عمره ستة اشهر اسمه پول.‏ فعُيِّنت ان ابقى في البيت وأعتني بپول بمساعدة الخالة المتزوجة ماري،‏ في حين ذهب والداي مع الاولاد الآخرين الى تورونتو.‏ كوفئت بعشرة دولارات اشتريت بها بدلة جديدة لي.‏ لقد دُرِّبنا دائما على ارتداء ثياب مرتَّبة للاجتماعات وعلى الاعتناء بثيابنا.‏

بحلول وقت المحفل البارز سنة ١٩٣١ في كولومبُس،‏ أوهايو،‏ كان كلارنس وكارل قد تزوَّجا ويخدمان كفاتحَين مع زوجتيهما.‏ وكان كلٌّ منهما يسكن في بيت متنقِّل من صنع محلي.‏ كان كارل قد تزوج كلير هيوستن من ويلينڠ،‏ ڤيرجينيا الغربية،‏ لهذا السبب كنت جالسا قرب اخت كلير الاصغر سنا،‏ هيلِن،‏ في المحفل في كولومبُس.‏

الخدمة كامل الوقت

تخرجت من المدرسة الثانوية سنة ١٩٣٢ عندما كان عمري ١٥ سنة،‏ وفي السنة التالية اهديتُ سيارة مستعملة الى اخي كلارنس الذي كان يخدم كفاتح في كارولينا الجنوبية.‏ قدَّمت طلبا لخدمة الفتح وابتدأت اعمل مع كلارنس وزوجته.‏ كانت هيلِن آنذاك تخدم كفاتحة في هوپكنزڤيل،‏ كَنْتاكي،‏ فكتبت اليها رسالة لأول مرة.‏ وفي جوابها سألت:‏ «هل انتَ فاتح؟‏».‏

في رسالتي،‏ التي احتفظت بها هيلِن حتى مماتها بعد ٦٠ سنة تقريبا،‏ اجبت:‏ «اجل،‏ انا فاتح وأتمنى ان اكون كذلك دائما».‏ وفي تلك الرسالة اخبرت هيلِن عن توزيع كراس الملكوت،‏ رجاء العالم على رجال دين ورسميين في القضاء في تعييني الكرازي.‏

سنة ١٩٣٣ صنع لي ابي خيمة على دواليب —‏ مقطورة طولها ٢٬٤ مترا وعرضها ٢ مترا بجدران من قماش القنّب ممدودة حول دعائم منتصبة رفيعة ونافذتَين واحدة في الامام والاخرى في الخلف.‏ كانت هذه مسكني المتواضع طوال السنوات الاربع التالية من الفتح.‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٣٤،‏ قمنا،‏ كلارنس وكارل،‏ زوجتاهما،‏ هيلِن وأمها،‏ اخت زوجة كلارنس الصغرى وأنا —‏ نحن الثمانية —‏ بالتوجُّه نحو الغرب لحضور المحفل في لوس انجلوس،‏ كاليفورنيا.‏ ركب البعض وناموا في مقطورتي.‏ ونمت انا في السيارة،‏ في حين استأجر الآخرون مكانا مؤقتا للمبيت.‏ وبسبب حدوث مشاكل في السيارة وصلنا الى لوس انجلوس في اليوم الثاني من المحفل الذي دام ستة ايام.‏ وهناك في ٢٦ آذار (‏مارس)‏،‏ استطعنا اخيرا هيلِن وأنا ان نرمز الى انتذارنا ليهوه بمعمودية الماء.‏

في المحفل اجتمع شخصيا جوزيف ف.‏ رذرفورد،‏ رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك،‏ بكل الفاتحين.‏ وشجعنا قائلا اننا محاربون شجعان في سبيل حق الكتاب المقدس.‏ وفي تلك المناسبة،‏ صُنع تدبير لإعطاء الفاتحين مساعدة مالية بحيث يتمكنون من الاستمرار في خدمتهم.‏

تعليم يدوم مدى الحياة

عندما عدنا من المحفل في لوس انجلوس،‏ اشتركنا جميعا في رسالة الملكوت مع الناس في كل مقاطعات كارولينا الجنوبية،‏ ڤيرجينيا،‏ ڤيرجينيا الغربية،‏ وكَنْتاكي.‏ بعد سنوات كتبت هيلِن عن ذلك الوقت:‏ «لم تكن هنالك جماعة للاستناد اليها ولا اصدقاء لتقديم المساعدة لأننا كنا فعلا غرباء في ارض غريبة.‏ لكنني الآن اعرف انني كنت اتعلَّم.‏ كنت اغتني».‏

وسألت:‏ «ماذا تفعل شابة بوقتها عندما تكون بعيدة عن الاصدقاء وعن منشئها؟‏ لم يكن الوضع مزعجا.‏ فأنا لا اتذكر يوما ضجرت فيه.‏ لقد قرأت كثيرا.‏ ولم نفشل قط في مجاراة قراءة مطبوعاتنا للكتاب المقدس والدرس.‏ وبقيت قريبة من امي،‏ فتعلَّمت كيف اصرف المال الذي نملكه،‏ اتسوَّق،‏ اغيِّر الدواليب المفرَغة من الهواء،‏ اطبخ،‏ اخيِّط،‏ وأكرز.‏ انا لست نادمة ابدا،‏ ويسرني ان اكرِّر ذلك كله».‏

كانت هيلِن وأمها مكتفيتَين بالعيش في مقطورة صغيرة في تلك السنوات،‏ مع ان امها كانت تملك بيتا جميلا.‏ وبعد المحفل في كولومبُس،‏ أوهايو،‏ سنة ١٩٣٧ ساءت صحة ام هيلِن وأُدخلت الى المستشفى.‏ وماتت في تعيينها في فيليپي،‏ ڤيرجينيا الغربية،‏ في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٣٧.‏

الزواج ومواصلة الخدمة

في ١٠ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٣٨،‏ تزوجت بهيلِن في احتفال بسيط في البيت الذي وُلدتْ فيه في إلْم ڠروڤ،‏ قرب ويلينڠ،‏ ڤيرجينيا الغربية.‏ وألقى خطاب الزفاف اخونا العزيز إيڤانز،‏ الذي عرَّف عائلتي بالحق قبل سنوات عديدة.‏ بعد الزفاف صمَّمنا هيلِن وأنا على العودة الى عمل الفتح في شرق كَنْتاكي،‏ ولكن لدهشتنا الكبرى دُعينا الى العمل الاقليمي.‏ شمل هذا العمل زيارة فِرَق شهود يهوه في غرب كَنْتاكي وأنحاء من تنيسي لمساعدتهم في خدمتهم.‏ كان يوجد آنذاك حوالي ٧٥ مناديا بالملكوت فقط في كل الاماكن التي زرناها.‏

في ذلك الحين عوَّجت روح القومية تفكير كثيرين،‏ وتوقعت ان أُسجن على الفور بسبب حيادي المسيحي.‏ (‏اشعياء ٢:‏٤‏)‏ ولكن بفضل سجل نشاطي الكرازي،‏ صنَّفني مجلس التجنيد تصنيفا اجاز لي ان اتابع الخدمة كامل الوقت.‏

عندما شرعنا في الخدمة الجائلة،‏ لاحظ كل شخص تقريبا اننا في سن الحداثة.‏ وفي هوپكنزڤيل،‏ كَنْتاكي،‏ سلَّمت احدى الاخوات المسيحيات على هيلِن بمعانقة حارة وسألتها:‏ «هل تتذكرينني؟‏».‏ ففي سنة ١٩٣٣،‏ كانت هيلِن قد شهدت لها في محل تجاري يديره زوجها.‏ وكانت معلِّمة في مدرسة الاحد،‏ لكن بعد قراءة الكتاب الذي تركته هيلِن معها وقفت امام صفها واعتذرت اليهم لأنها علَّمتهم تعاليم غير مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وبعد ان استقالت من الكنيسة ابتدأت تعلن حقائق الكتاب المقدس في مجتمعها.‏ خدمنا هيلِن وأنا في غرب كَنْتاكي طوال ثلاث سنوات،‏ وهذه الاخت وزوجها جعلا بيتهما بيتنا.‏

في تلك الايام عقدنا محافل محلية صغيرة خدم احدها أ.‏ ه‍.‏ ماكميلان.‏ وكان قد مكث بمنزل والدَي هيلِن عندما كانت هيلِن طفلة،‏ لذلك اختار خلال المحفل ان يبقى معنا في بيتنا المتنقِّل الذي يبلغ طوله ٥ امتار حيث كان لدينا سرير اضافي.‏ وهو ايضا ذكر خالقه العظيم في ايام حداثته،‏ اذ نذر حياته ليهوه سنة ١٩٠٠ عندما كان بعمر ٢٣ سنة.‏

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤١،‏ توقَّف مؤقتا عمل الاخوة الجائلين وعُيِّنت فاتحا في هازارد،‏ كَنْتاكي.‏ ومرة اخرى عملنا مع اخي كارل وزوجته كلير.‏ وهنا انضم الينا جوزيف هيوستن،‏ ابن اخي هيلِن،‏ وابتدأ بالفتح.‏ واستمر في الخدمة كامل الوقت طوال ٥٠ سنة تقريبا،‏ ومات فجأة بنوبة قلبية عام ١٩٩٢ فيما كان يخدم بأمانة في المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه في بروكلين،‏ نيويورك.‏

سنة ١٩٤٣،‏ عيِّنا في روكڤيل،‏ كونكتيكت.‏ وكان هذا،‏ اذا جاز التعبير،‏ عالما مختلفا لهيلِن ولي لاننا اعتدنا الكرازة في الجنوب.‏ وفي روكڤيل كانت هيلِن تعقد قانونيا اكثر من ٢٠ درسا بيتيا في الكتاب المقدس كل اسبوع.‏ وأخيرا استأجرنا غرفة بسيطة لتكون قاعة للملكوت،‏ فتأسست نواة جماعة صغيرة.‏

وبينما كنا نخدم في روكڤيل دُعينا الى حضور الصف الخامس لمدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس في ساوث لانسينڠ،‏ نيويورك.‏ ولسعادتنا،‏ اكتشفنا ان أوبري وبيرثا بيڤِنس،‏ زوجَين صديقَين من ايام عملنا كفاتحين في كَنْتاكي،‏ سيكونان من رفقاء صفنا.‏

المدرسة وتعييننا الجديد

مع اننا كنا لا نزال شابَّين الى حد ما فإن معظم رفقاء صفنا كانوا اصغر سنا.‏ لقد كانوا فعلا يذكرون خالقهم العظيم في ايام حداثتهم.‏ وتخرَّجنا في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤٥ فيما كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها.‏ وأثناء انتظار تعييناتنا الارسالية عملنا مع جماعة فْلاتْبوش في بروكلين،‏ نيويورك.‏ وأخيرا في ٢١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٦،‏ سافرنا مع ستة من رفقاء صفنا،‏ بمن فيهم الزوجان بيڤِنس،‏ الى بيتنا الجديد في ڠواتيمالا سيتي،‏ ڠواتيمالا.‏ وآنذاك كان هنالك اقل من ٥٠ شاهدا ليهوه في كل ذلك البلد من اميركا الوسطى.‏

في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٩،‏ انتقل بعض المرسلين منا الى كويزالتينانڠو،‏ المدينة الثانية من حيث الحجم والاهمية في البلد.‏ تقع هذه المدينة على ارتفاع ٢٬٣٠٠ متر فوق سطح البحر،‏ وهواء الجبل منعش ونقي.‏ اوجزت هيلِن نشاطنا هنا وكتبت:‏ «كان امتيازا لنا ان نكرز في عدد كبير من البلدات والقرى.‏ كنا ننهض حوالي الساعة الرابعة صباحا ونستقل باصا (‏غالبا ما كانت لديه ستائر تُطوى من قماش القنّب بدلا من النوافذ)‏ للذهاب الى بلدة نائية.‏ وهناك كنا نكرز حوالي ثماني ساعات قبل ان نعود في المساء».‏ واليوم هنالك جماعات في الكثير من هذه الاماكن،‏ بما فيها ست جماعات في كويزالتينانڠو.‏

وسرعان ما أُطلقت الدعوة ليخدم المرسلون في پْوِيرْتو باريوس على الساحل الكاريبي،‏ ثالث اكبر مدينة في ڠواتيمالا.‏ وكان رفيقانا الحبيبان الزوجان بيڤِنس،‏ اللذان خدمنا معهما خمس سنين في ڠواتيمالا،‏ بين الذين ذهبوا الى هذا التعيين الجديد.‏ كان الفراق مؤلما وسبَّب فراغا في حياتنا.‏ ولأنني بقيت انا وهيلِن فقط في بيت المرسلين انتقلنا الى شقة صغيرة.‏ وفي سنة ١٩٥٥،‏ قبلنا انا وهيلِن تعيينا جديدا بالذهاب الى مدينة مدارية اكثر،‏ مدينة مازاتينانڠو.‏ وأخي الاصغر پول وزوجته دولورِس،‏ اللذان تخرَّجا من جلعاد سنة ١٩٥٣،‏ خدما هناك قبل وصولنا بوقت قصير.‏

بحلول سنة ١٩٥٨ كان لدينا اكثر من ٧٠٠ شاهد،‏ ٢٠ جماعة،‏ وثلاث دوائر في ڠواتيمالا.‏ واشتركت وهيلِن مرة اخرى في العمل الجائل،‏ فزرنا فِرَقا صغيرة من الشهود وعددا من الجماعات،‏ بما فيها الجماعة في كويزالتينانڠو.‏ ثم في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥٩،‏ دُعينا الى العودة الى ڠواتيمالا سيتي،‏ حيث سكنَّا في مكتب الفرع.‏ وعُيِّنت للعمل في الفرع،‏ في حين تابعت هيلِن الخدمة الارسالية طوال ١٦ سنة اخرى.‏ بعد ذلك ابتدأت هي ايضا تعمل في مكتب الفرع.‏

بركات اضافية

قبل سنوات بدا انني دائما اصغر الذين يخدمون يهوه.‏ أما الآن فأنا غالبا الاكبر سنا،‏ كما كانت الحال عندما حضرت مدرسة الفرع في پاترسن،‏ نيويورك،‏ عام ١٩٩٦.‏ وكما حصلت على الكثير من المساعدة في حداثتي من الاكبر سنا،‏ فهو امتيازي في العقود الاخيرة ان اساعد احداثا كثيرين يرغبون في ذكر خالقهم في حداثتهم.‏

يستمر يهوه في امطار البركات على شعبه هنا في ڠواتيمالا.‏ ففي سنة ١٩٩٩،‏ كان هنالك اكثر من ٦٠ جماعة في ڠواتيمالا سيتي.‏ وإلى الشمال،‏ الجنوب،‏ الشرق،‏ والغرب،‏ هنالك المزيد من الجماعات وآلاف المنادين ببشارة ملكوت الله.‏ فعدد المنادين بالملكوت الذي كان اقل من ٥٠ عندما وصلنا قبل نحو ٥٣ سنة ازداد الى اكثر من ١٩٬٠٠٠!‏

هنالك الكثير لأكون شاكرا عليه

لا احد يجتاز الحياة دون مشاكل،‏ لكن يمكننا دائما ان نلقي ‹همنا على يهوه›.‏ (‏مزمور ٥٥:‏٢٢‏)‏ وهو كثيرا ما يقوِّينا بواسطة دعم الرفقاء المحبين.‏ مثلا،‏ قدَّمت لي هيلِن قبل سنوات قليلة من موتها لوحة صغيرة ذات اطار منقوش عليها آية الكتاب المقدس في العبرانيين ٦:‏١٠‏:‏ «لأن الله ليس بظالم حتى يغفل عن عملكم والمحبة التي اظهرتموها له اذ قد خدمتم شعبه وتخدمونهم».‏ —‏ وايموث.‏

ورسالتها المرفقة تقول بإيجاز:‏ «ايها الغالي،‏ لا شيء استطيع ان اعطيك اياه سوى حبي كله ‏.‏ .‏ .‏ وهذه الآية تلائمك جدا،‏ وأطلب منك ان تضعها على مكتبك،‏ لا لأنها مني بل لأنها تنطبق عليك في سنوات خدمتك الطويلة».‏ ولا تزال هذه اللوحة موضوعة على مكتبي في فرع ڠواتيمالا.‏

خدمت يهوه منذ حداثتي،‏ والآن في سنواتي المتقدمة اشكر يهوه على صحتي الجيدة التي تسمح ان اقوم بواجباتي المعينة لي.‏ وفيما اقوم بقراءتي القانونية للكتاب المقدس غالبا ما اصادف آيات اعتقد ان حبيبتي هيلِن كانت ستضع خطا تحتها في كتابها المقدس.‏ وهذا ما حدث معي عندما قرأت من جديد المزمور ٤٨:‏١٤‏:‏ «لأن الله هذا هو الهنا الى الدهر والابد.‏ هو يهدينا حتى الى الموت».‏

يسرُّني ان اشترك مع الآخرين في رؤية يوم القيامة الذي فيه سيرحب اناس من كل الامم السابقة بعودة احبائهم من الموت الى العالم الجديد.‏ يا له من رجاء!‏ يا لدموع الفرح التي سنذرفها آنذاك ونحن نتذكر ان يهوه هو فعلا الله «الذي يعزي المنسحقين»!‏ —‏ ٢ كورنثوس ٧:‏٦‏.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

من اليسار الاعلى بحسب دوران عقارب الساعة:‏ امي،‏ ابي،‏ العمة إيڤا،‏ وأخواي كارل وكلارنس،‏ ١٩١٠

‏[الصورتان في الصفحة ٢٦]‏

مع هيلِن سنة ١٩٤٧ وسنة ١٩٩٢