الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

حياة حافلة بالمفاجآت في خدمة يهوه

حياة حافلة بالمفاجآت في خدمة يهوه

قصة حياة

حياة حافلة بالمفاجآت في خدمة يهوه

كما رواها إيريك وهايزل بڤريدج

‏«أحكمُ عليك بالسجن ستة اشهر».‏ ترددت هذه الكلمات في ذهني عندما أُخذتُ الى سجن سْتراينجْوايز في مانتشيستر،‏ انكلترا.‏ حدث ذلك في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٠ وأنا في الـ‍ ١٩ من عمري.‏ وكنت قد واجهت لتوّي احد اصعب الامتحانات في حياتي الباكرة —‏ رفض الانخراط في الخدمة العسكرية الالزامية.‏ —‏ ٢ كورنثوس ١٠:‏٣-‏٥‏.‏

كنت منخرطا كامل الوقت في خدمة الفتح كشاهد ليهوه،‏ الامر الذي وجب ان يعفيني من الخدمة العسكرية.‏ إلا ان القانون البريطاني لم يقرّ بوضعنا كخدام دينيين.‏ وهكذا وجدت نفسي وحيدا في زنزانة،‏ وبدأت افكر في ابي.‏ فقد سُجِنت بسببه بطريقة غير مباشرة.‏

كان ابي ضابط سجن من يوركْشَير ذا اقتناعات ومبادئ راسخة.‏ وبسبب ما اختبره في عمله في الجيش وفي السجن،‏ نمّى كراهية شديدة للديانة الكاثوليكية.‏ كان اول اتصال له بالشهود في اوائل ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠ عندما ذهب الى باب منزله للتخلص منهم،‏ ولكنه عاد وهو يحمل في يديه بعض كتبهم!‏ واشترك لاحقا في مجلة التعزية ‏(‏تدعى الآن استيقظ!‏‏)‏.‏ وكان الشهود يزورونه سنويا لتشجيعه على تجديد الاشتراك.‏ عندما كنت في الـ‍ ١٥ من عمري تقريبا،‏ اثاروا مع ابي مناقشة اتخذت فيها موقفا الى جانب الشهود.‏ وفي ذلك الوقت بدأت ادرس الكتاب المقدس.‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٩،‏ رمزت الى انتذاري ليهوه بالمعمودية وأنا بعمر ١٧ سنة.‏ وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ التقيت جون ومايكل شاروك،‏ خرّيجَين حديثَين من مدرسة جلعاد الارسالية،‏ وهما في طريقهما الى نيجيريا.‏ فتأثرت كثيرا بروحهما الارسالية.‏ لقد زرعا تلك الروح في قلبي،‏ سواء أدركا ذلك او لا.‏

فيما كنت ادرس الكتاب المقدس،‏ لم اعد مهتما ان التحق بجامعة.‏ وفي السنة التي غادرت فيها المنزل للعمل في دائرة الجمرك والضريبة في لندن،‏ شعرت انه لا يمكنني اتمام انتذاري لله بالاستمرار في الخدمة المدنية.‏ وعندما تركت وظيفتي،‏ هنّأني زميل لي ذو خبرة لأنني تركت «وظيفة تحطِّم المعنويات».‏

قبل ذلك،‏ واجهت امتحانا آخر —‏ كيف اخبر ابي انني اريد ترك وظيفتي المضمونة لأصبح خادما كامل الوقت.‏ وذات مساء،‏ عندما كنت في البيت في عطلة،‏ نقلت اليه الخبر الصاعق وانتظرت ان ينفجر غيظا.‏ ولكن لدهشتي قال ببسيط العبارة:‏ «اتخذ قراراتك الخاصة وتحمّل عواقبها.‏ ولكن اذا فشلت فلا تلجأ اليّ».‏ كتبت في مذكراتي عن اليوم الواقع فيه ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٥٠:‏ «اخبرت ابي عن الفتح،‏ فأدهشني كثيرا موقفه المساعِد نسبيا.‏ ولم استطع ان امسك نفسي عن البكاء بسبب لطفه».‏ فاستقلت من الخدمة المدنية وقبلت تعيينا لأخدم كفاتح كامل الوقت.‏

تعيين يشمل «بيتا صغيرا»‏

بعد ذلك اتى امتحان آخر لتعبّدي لله.‏ ففي التعيين الذي نلته كفاتح كنت سأشارك رفيقا مسيحيا من ويلز،‏ يدعى لويد ڠريفيثس،‏ «بيتا صغيرا» في لانكاشير.‏ وصلت الى بلدة بايكَپ الكئيبة والغزيرة الامطار،‏ ورأسي ممتلئ بالافكار المثالية والاحلام عن ذلك البيت الصغير.‏ وسرعان ما عدت الى الواقع اذ وجدت ان البيت الصغير ليس سوى قبو فيه فئران وصراصير ستلازمنا اثناء الليل.‏ فكدت اغيّر رأيي وأعود الى البيت،‏ ولكنني صلّيت بصمت طالبا القوة لمواجهة هذا الامتحان.‏ وفجأة انتابني شعور بالطمأنينة،‏ وبدأت انظر الى الحالة بموضوعية.‏ فهذا التعيين منحتني اياه هيئة يهوه،‏ وأنا على ثقة من ان يهوه سيساعدني.‏ وكم يسرني انني احتملت الوضع،‏ فلو تخلّيت عن تعييني لَتغيّرت حياتي الى الابد!‏ —‏ اشعياء ٢٦:‏٣،‏ ٤‏.‏

كرزت في وادي روسندايل،‏ الذي كان يمرّ بركود اقتصادي،‏ تسعة اشهر تقريبا قبل اعتقالي لرفضي الانخراط في الخدمة العسكرية.‏ وبعد قضاء اسبوعين في سجن ستراينجْوايز،‏ نُقِلت الى سجن لووِس على الساحل الجنوبي لإنكلترا.‏ وأخيرا اصبح عدد الشهود المسجونين هناك خمسة.‏ وقد تمكنّا من الاحتفال بذكرى موت المسيح في زنزانة.‏

زارني ابي مرة واحدة.‏ ولا بد ان ذلك امتحن كبرياءه —‏ ضابط سجن معروف يزور ابنه السجين!‏ سأقدِّر دائما تلك الزيارة.‏ وأخيرا حان وقت اطلاق سراحي في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١.‏

عندما أُفرِج عني في لووِس،‏ استقللت القطار الى كارديف في ويلز،‏ حيث كان ابي يعمل كضابط رئيسي في السجن.‏ كنت الاكبر بين اربعة اولاد —‏ ثلاثة صبيان وبنت.‏ وتوجّب علي ان اجد وظيفة بدوام جزئي لأتمكن من اعالة نفسي والخدمة كفاتح.‏ فصرت اعمل في متجر للملابس.‏ إلا ان هدفي الرئيسي في الحياة كان خدمتي المسيحية.‏ في هذا الوقت تقريبا هجرتنا امي.‏ فكان ذلك صفعة قوية لأبي ولنا نحن الاولاد الذين تتراوح اعمارنا بين ٨ و ١٩ سنة.‏ ومن المحزن ان والدينا تطلّقا.‏

من يجد زوجة فاضلة .‏ .‏ .‏

كان في الجماعة عدة فاتحين،‏ بينهم اخت تأتي يوميا من وادي روندا المشهور بمناجم الفحم الحجري لتقوم بعملها الدنيوي ونشاط الكرازة.‏ اسمها هايزل ڠرين وهي فاتحة رائعة.‏ عرفت هايزل الحق قبلي.‏ فقد حضر والداها اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس (‏المعروفين الآن بشهود يهوه)‏ منذ عشرينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ دعوها تخبركم قصتها.‏

‏«لم احمل الكتاب المقدس محمل الجد حتى سنة ١٩٤٤ عندما قرأت كراس الدين يحصد الزوبعة.‏ أقنعتني امي بالذهاب الى محفل دائري في كارديف.‏ وبمعرفة قليلة للكتاب المقدس،‏ وجدت نفسي في مركز التسوُّق التجاري اتقلد لوحة تعلن عن إلقاء خطاب عام.‏ وقد صمدت امام هذا الاختبار رغم الازعاج المستمر من رجال الدين وغيرهم.‏ اعتمدت سنة ١٩٤٦،‏ وبدأت بعمل الفتح في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ من تلك السنة.‏ وفي سنة ١٩٥١،‏ وصل الى كارديف فاتح شاب خرج لتوّه من السجن.‏ وكان هذا الفاتح إيريك.‏

‏«كنا نذهب معا للكرازة،‏ فنشأت بيننا علاقة ودية.‏ وكانت لدينا الاهداف نفسها في الحياة —‏ تقدُّم مصالح ملكوت الله.‏ فتزوجنا في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٢.‏ ورغم اننا كنا كلانا فاتحَين كامل الوقت بدخل محدود،‏ لم ينقصنا ايّ من الامور الضرورية.‏ فأحيانا كنا نتلقى هبة من شاهدة حدثَ ان طلبت مربّى وصابونا اكثر مما تحتاج اليه.‏ وكانت هذه الهبة تأتي حين نحتاج اليها تماما!‏ لقد قدّرنا كثيرا هذه الهدايا العملية.‏ إلا ان مفاجآت اعظم كانت بانتظارنا».‏

مفاجأة غيّرت حياتنا

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٥٤،‏ تلقّينا انا وهايزل مفاجأة غير متوقعة —‏ طلبا خطيا من مكتب فرع شهود يهوه في لندن ان اكون ناظرا جائلا يزور جماعة مختلفة كل اسبوع.‏ كنا مقتنعَين بأن هنالك خطأ ما،‏ فلم نخبر احدا في الجماعة بالامر.‏ إلا انني ملأت النموذج وأعدته.‏ ثم انتظرنا بفارغ الصبر.‏ وبعد ايام قليلة اتى الجواب:‏ «تعال الى لندن لنيل التدريب»!‏

في مكتب الفرع في لندن،‏ لم استطع ان اصدق انني كنت هناك،‏ وأنا في الـ‍ ٢٣ من عمري،‏ مع اخوة رائعين بدوا لي كعمالقة روحيين —‏ پرايس هيوز،‏ إملِن واينس،‏ أرني بيڤر،‏ أرني ڠايڤر،‏ بوب ڠاف،‏ ڠلين پار،‏ ستان ومارتن وودبورن،‏ وكثيرين آخرين لم يعد معظمهم على قيد الحياة.‏ لقد وضع هؤلاء اساسا متينا للغيرة والاستقامة في بريطانيا في اربعينات وخمسينات الـ‍ ١٩٠٠.‏

العمل الدائري في انكلترا —‏ لم يكن مملا قط

بدأ عملنا الجائل في شتاء سنة ١٩٥٤/‏١٩٥٥ الكثير الثلوج.‏ فكان تعييننا في انڠليا الشرقية،‏ منطقة منبسطة في انكلترا تتعرض لرياح بحر الشمال الباردة.‏ وفي ذلك الوقت،‏ لم يكن في بريطانيا سوى ٣١٬٠٠٠ شاهد.‏ كانت الجولة الاولى اختبارا تعليميا صعبا علينا؛‏ ولم تكن دائما سهلة على الاخوة الذين زرناهم.‏ فبسبب خبرتي المحدودة واتصافي بالفظاظة التي تُعرَف بها يوركْشَير،‏ كنت احيانا اسيء الى البعض.‏ وعلى مرّ السنين،‏ كان علي التعلم ان اللطف اهم من الفعالية وأن الناس اهم من الاجراءات.‏ ما زلت احاول اتّباع مثال يسوع في انعاش الآخرين،‏ ولكن جهودي لا تكلَّل دائما بالنجاح.‏ —‏ متى ١١:‏٢٨-‏٣٠‏.‏

بعد قضاء ١٨ شهرا في انڠليا الشرقية،‏ نلنا تعيينا ان نخدم في دائرة شمالي شرقي انكلترا،‏ في نيوكاسل أپُّن تاين وفي نورثمبرلند.‏ احببت الناس الوديين في هذه المنطقة ذات المشاهد الطبيعية الخلابة.‏ وكان ناظر الكورة الزائر،‏ دون وورد من سيياتل في واشنطن،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ عونا كبيرا لي.‏ انه خرّيج الصف الـ‍ ٢٠ لجلعاد.‏ وإذ كنت عند إلقاء الخطابات اتلو المعلومات بسرعة فائقة،‏ علمني ان ابطئ،‏ اتوقف،‏ وأعلِّم.‏

مفاجأة اخرى غيّرت حياتنا

في سنة ١٩٥٨،‏ تلقينا رسالة غيّرت حياتنا.‏ لقد دُعينا الى حضور مدرسة جلعاد في ساوث لانسينڠ،‏ نيويورك،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏ فبعنا سيارتنا الصغيرة من نوع أوستن سيڤن ١٩٣٥ واشترينا تذكرتي سفر للذهاب بحرا الى نيويورك.‏ حضرنا اولا المحفل الاممي لشهود يهوه في مدينة نيويورك،‏ ومن هناك ذهبنا الى پيتربورو،‏ اونتاريو،‏ لنخدم كفاتحين ستة اشهر قبل التوجه جنوبا الى مدرسة جلعاد.‏

كان بين معلِّمي المدرسة ألبرت شرودر،‏ وهو الآن عضو في الهيئة الحاكمة،‏ فضلا عن ماكسويل فرند وجاك ردفورد اللذين لم يعودا على قيد الحياة.‏ كانت معاشرة التلاميذ الـ‍ ٨٢ من ١٤ بلدا بناءة جدا.‏ فقد بدأنا نفهم القليل عن حضارات واحدنا الآخر.‏ كما ان الاختلاط بالتلاميذ الاجانب الذين كانوا يتصارعون مع الانكليزية منحنا نظرة مسبقة الى المشاكل التي سنواجهها عند تعلم لغة اخرى.‏ اكملنا تدريبنا بعد خمسة اشهر وجرى تعييننا في ٢٧ بلدا.‏ ثم حان وقت التخرج،‏ وبعد ايام اصبحنا في مدينة نيويورك ننتظر السفينة الملكة اليزابيث التي ستعيدنا الى اوروپا.‏

تعييننا الاول في بلد اجنبي

اين كان تعييننا؟‏ في الپرتغال!‏ وصلنا الى لشبونة في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٥٩.‏ وواجهنا عندئذ امتحان التكيّف مع لغة وحضارة جديدتين.‏ في سنة ١٩٥٩،‏ كان هنالك ٦٤٣ شاهدا نشيطا في الپرتغال،‏ وكان عدد السكان نحو ٩ ملايين.‏ إلا ان عملنا الكرازي لم يكن معترفا به شرعيا.‏ فكان لدينا قاعات ملكوت ولكن بدون لافتات خارجية.‏

بعدما علَّمتنا اللغة الپرتغالية اخت مرسلة تدعى إلزا پيكوني،‏ زرنا انا وهايزل الجماعات والفرق في لشبونة،‏ فارو،‏ إيڤورا،‏ وبايجا.‏ وفي سنة ١٩٦١ بدأت الامور تتغير.‏ كنت ادرس الكتاب المقدس مع شاب يدعى جواوْن ڠونسالڤيس ماتيوس.‏ فقرر اتخاذ موقف مسيحي محايد في قضية الخدمة العسكرية.‏ وبُعيد ذلك دعيتُ الى مركز الشرطة الرئيسي للاستجواب.‏ ويا للمفاجأة!‏ فبعد ايام قليلة أُبلِغنا ان علينا مغادرة البلد في غضون ٣٠ يوما!‏ وحصل الامر نفسه للرفقاء المرسلين إريك وكريستينا بريتن،‏ ودومينيك وإلزا پيكوني.‏

طلبتُ جلسة استماع،‏ فسُمِح لنا ان نقابل رئيس البوليس السري الذي اخبرنا بأسلوب جازم لمَ طُلِب منا المغادرة،‏ وذكر الاسم جواوْن ڠونسالڤيس ماتيوس —‏ تلميذي للكتاب المقدس!‏ قال ان الپرتغال،‏ على خلاف بريطانيا،‏ لا تسمح بالاعتراض على الخدمة العسكرية بسبب الضمير.‏ وهكذا كان علينا مغادرة الپرتغال،‏ ففقدت الاتصال بجواوْن.‏ ولكن بعد ٢٦ سنة،‏ كم كانت مفرحة رؤيته مع زوجته وبناته الثلاث عند تدشين بيت ايل الجديد في الپرتغال!‏ فخدمتنا هناك لم تكن عبثا!‏ —‏ ١ كورنثوس ٣:‏٦-‏٩‏.‏

وأين كان تعييننا التالي؟‏ في اسپانيا المجاورة ‏—‏ مفاجأة اخرى!‏ وفي شباط (‏فبراير)‏ ١٩٦٢،‏ استقللنا القطار في لشبونة والدموع تملأ اعيننا متوجهَين الى مدريد.‏

التكيّف مع حضارة اخرى

في اسپانيا،‏ كان علينا الاعتياد على طريقة سرية في الكرازة وعقد الاجتماعات.‏ فلم نكن نكرز مطلقا لبيتين متجاورين.‏ وبعد الشهادة عند باب،‏ كنا نذهب الى مبنى آخر في شارع مختلف.‏ فذلك صعَّب على الشرطة او رجال الدين ان يمسكونا.‏ اودّ لفت انتباهكم اننا كنا تحت حكم ديكتاتوري كاثوليكي فاشيّ،‏ وأن عملنا الكرازي كان محظورا.‏ وإذ كنا اجنبيَّين،‏ اتخذنا اسمين اسپانيّين لئلا تُكتشَف هويتنا.‏ فأصبحت انا ادعى پابلو،‏ وهايزل خوانا.‏

بعد اشهر قليلة في مدريد،‏ نلنا تعيين العمل الدائري في برشلونة.‏ فزرنا مختلف الجماعات في المدينة،‏ وغالبا ما كنا نقضي اسبوعين او ثلاثة في كل جماعة.‏ لقد كانت الزيارات طويلة الى هذا الحد لأنه كان علينا زيارة كل فريق لدرس الكتاب كما لو انه جماعة،‏ مما عنى عادةً زيارة فريقين كل اسبوع.‏

تحدٍّ غير متوقع

في سنة ١٩٦٣،‏ دُعينا الى الانخراط في العمل الكوري في اسپانيا.‏ ولكي نخدم الشهود النشاطى البالغ عددهم نحو ٣٬٠٠٠ كان علينا ان نغطي البلد بكامله —‏ ان نزور الدوائر التسع الموجودة آنذاك.‏ وقد عقدنا بشكل سري بعضا من المحافل الدائرية الابرز في الغابة القريبة من إشبيلية،‏ في مزرعة قرب كيكون،‏ وبجانب انهار قريبة من مدريد،‏ برشلونة،‏ ولوڠرونيو.‏

على سبيل الحيطة،‏ كنت عند الكرازة من بيت الى بيت اتحقق من الشوارع المجاورة لإيجاد منفذ في حال لم تجرِ الامور على ما يرام.‏ وذات مرة في مدريد،‏ فيما كنت انا وشاهد آخر نكرز في طابق علوي،‏ سمعنا فجأة صياحا وصراخا في الاسفل.‏ وعندما نزلنا،‏ وجدنا مجموعة من الفتيات المراهقات ينتمين الى اخوية كاثوليكية تدعى «بنات مريم».‏ كن يحذِّرن الجيران منا.‏ ولم نستطع ان نتباحث معهن،‏ فأدركت ان علينا الانصراف فورا لئلا تمسكنا الشرطة.‏ فهربنا بسرعة!‏

كانت السنوات التي قضيناها في اسپانيا مفرحة جدا.‏ لقد حاولنا تشجيع الاخوة والاخوات الرائعين هناك،‏ بمَن فيهم الفاتحون الخصوصيون.‏ فهؤلاء الاخوة تعرضوا لخطر السجن وغالبا ما تحمّلوا العوز من اجل الكرازة ببشارة ملكوت الله وتأسيس الجماعات وتقويتها.‏

وفي هذه الفترة تلقّينا ايضا اخبارا سيئة.‏ توضح هايزل:‏ «في سنة ١٩٦٤،‏ ماتت امي وهي شاهدة امينة.‏ كانت صدمة محزنة ان نخسرها دون التمكن من توديعها.‏ فذلك احد الامور التي يفرضها العمل الارسالي،‏ وقد تكبده مرسلون كثيرون غيرنا».‏

الحرية اخيرا

اخيرا بعد سنوات من الاضطهاد،‏ اعترفت حكومة فرانكو شرعيا بعملنا في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٧٠.‏ فرحنا كثيرا انا وهايزل بافتتاح قاعتي ملكوت،‏ الاولى في مدريد والاخرى في لِسِپْس ببرشلونة.‏ وكان لهما لافتتان كبيرتان مضاءتان في اغلب الاحيان.‏ لقد اردنا ان يعرف الناس اننا هيئة شرعية وأننا باقون هناك!‏ وكان في اسپانيا نحو ١٧٬٠٠٠ شاهد سنة ١٩٧٢.‏

في هذا الوقت تقريبا تلقّيت اخبارا مشجعة جدا من انكلترا.‏ كان ابي قد زارنا في اسپانيا سنة ١٩٦٩ وتأثر كثيرا بالمعاملة التي عامله بها الشهود الاسپان،‏ حتى انه بدأ يدرس الكتاب المقدس بعد عودته الى انكلترا.‏ وفي سنة ١٩٧١ قيل لي انه اعتمد!‏ كانت لحظة مؤثرة حين قدَّم ابي كأخ مسيحي صلاة شكر على الطعام اثناء زيارتنا له.‏ فقد انتظرت هذا اليوم اكثر من ٢٠ سنة.‏ وكان اخي بوب وزوجته آيرِس قد اصبحا شاهدين سنة ١٩٥٨.‏ واليوم يخدم ابنهما فيليپ مع زوجته جين كناظر دائرة في اسپانيا.‏ ويسرُّنا كثيرا ان نراهما يخدمان في هذا البلد الرائع.‏

مفاجأتنا الاحدث

في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٠،‏ زار اسپانيا ناظر اقليم هو عضو في الهيئة الحاكمة.‏ وفوجئت اذ اراد الانضمام اليّ في الخدمة.‏ فلم اكن اعلم انه اراد تقييم عملي!‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ طُلِب منا الانتقال الى المركز الرئيسي العالمي في بروكلين،‏ نيويورك.‏ كم كان ذلك مذهلا حقا!‏ لبّينا الدعوة وقلبنا ينفطر لأننا سنترك اخوتنا الاسپان.‏ وفي ذلك الوقت كان عدد الشهود ٤٨٬٠٠٠!‏

فيما كنا نغادر،‏ تلقّيت هدية من احد الاخوة،‏ ساعة جيب منقوشا عليها آيتان —‏ «‏لوقا ١٦:‏١٠؛‏ لوقا ١٧:‏١٠‏».‏ قال انهما آيتان رئيسيتان عندي.‏ تشدد لوقا ١٦:‏١٠ على انه ينبغي ان نكون امناء في الامور الصغيرة،‏ وتقول لوقا ١٧:‏١٠ اننا «عبيد لا نصلح لشيء» وبالتالي لا نملك سببا للافتخار.‏ فلطالما ادركت ان كل ما نقوم به في خدمة يهوه ليس سوى واجبنا كمسيحيين منتذرين.‏

مفاجأة تتعلق بصحتي

في سنة ١٩٩٠ بدأت اعاني مشاكل في القلب.‏ وأخيرا أُدخِل جهاز في شرياني المسدود بغية فتحه.‏ في هذه الفترة الصعبة التي كنت فيها ضعيفا جسديا،‏ دعمتني هايزل بطرائق عديدة.‏ وغالبا ما كانت تحمل الاكياس والحقائب التي لم استطع حملها بسبب ضعفي.‏ وفي ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠٠،‏ زُرعت في داخلي ناظمة قلبية.‏ وكم تحسنت حالتي بفضلها!‏

في السنوات الـ‍ ٥٠ الماضية،‏ ادركت انا وهايزل ان يد يهوه لا تقصر،‏ وأن مقاصده تتم في الوقت الذي يعيّنه هو لا نحن.‏ (‏اشعياء ٥٩:‏١؛‏ حبقوق ٢:‏٣‏)‏ لقد كانت حياتنا حافلة بالمفاجآت —‏ العديد منها سارّ والقليل محزن —‏ لكن يهوه يدعمنا دائما.‏ وهنا في المركز الرئيسي العالمي لشعب يهوه،‏ نفرح اذ تُتاح لنا يوميا فرصة الاتصال بأعضاء الهيئة الحاكمة.‏ اسأل نفسي احيانا:‏ ‹هل نحن حقا هنا؟‏›.‏ يا لها من نعمة!‏ (‏٢ كورنثوس ١٢:‏٩‏)‏ نحن على ثقة من ان يهوه سيستمر في حمايتنا من مكايد الشيطان وفي حفظنا لنفرح في اليوم الذي يبدأ فيه حكمه البار على الارض.‏ —‏ افسس ٦:‏١١-‏١٨؛‏ كشف ٢١:‏١-‏٤‏.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٦]‏

سجن سْتراينجْوايز،‏ مانتشيستر،‏ حيث بدأت امضي عقوبة السجن

‏[الصورة في الصفحة ٢٧]‏

في العمل الدائري في انكلترا قرب سيارتنا نوع أوستن سيڤن

‏[الصورة في الصفحة ٢٨]‏

محفل عُقِد بشكل سري سنة ١٩٦٢ في ثرسيديليا،‏ مدريد،‏ اسپانيا

‏[الصورة في الصفحة ٢٩]‏

بجانب طاولة المطبوعات في بروكلين