الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

خدمة متسمة بروح التضحية بالذات

خدمة متسمة بروح التضحية بالذات

قصة حياة

خدمة متسمة بروح التضحية بالذات

كما رواها دون رندل

ماتت امي سنة ١٩٢٧ عندما كنت في الخامسة من عمري فقط.‏ ولكن كان لإيمانها وقع كبير في حياتي.‏ فكيف كان ذلك ممكنا؟‏

كانت امي عضوا وليا في كنيسة انكلترا عندما تزوجت والدي الذي كان جنديا،‏ وذلك قبل الحرب العالمية الاولى التي اندلعت سنة ١٩١٤.‏ آنذاك لم توافق امي مع القس في كنيستها على استعمال منبره كمنصة لتجنيد الشباب.‏ فماذا كان جواب رجل الدين؟‏ «اذهبي الى بيتك،‏ ولا تشغلي نفسك بمسائل كهذه!‏».‏ إلا ان جوابه لم يعجبها.‏

في ذروة الحرب سنة ١٩١٧،‏ ذهبت امي لمشاهدة «رواية الخلق المصوَّرة».‏ فاقتنعت بأنها وجدت الحق،‏ وتركت كنيستها فورا لتنضم الى تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه معروفين في ذلك الوقت.‏ وصارت تحضر الاجتماعات مع جماعة في يوڤيل،‏ البلدة الاقرب الى قريتنا ويست كوكر،‏ في مقاطعة سَمرسَت الانكليزية.‏

سرعان ما اخبرت امي اخواتها الثلاث بإيمانها الذي وجدته حديثا.‏ ووصف لي اعضاء اكبر سنا في جماعة يوڤيل كيف كانت امي وأختها ميلي تركبان الدراجة وتغطيان مقاطعتنا الريفية الكبيرة بغيرة،‏ موزِّعتين مطبوعات دروس في الاسفار المقدسة المساعِدة على درس الكتاب المقدس.‏ ولكن من المحزن ان السّل الذي كان لا شفاء منه آنذاك،‏ اصاب امي وجعلها اسيرة الفراش طوال ١٨ شهرا الى ان اسلمت الروح.‏

التضحية بالذات موضع التطبيق

كانت خالتي ميلي تعيش معنا عندما مرضت امي،‏ فاعتنت بها كما اهتمت بي وبأختي جوان التي كانت في السابعة من عمرها.‏ ومباشرة بعد موت امي،‏ عرضت خالتي على ابي ان تعتني بنا انا وأختي.‏ فوافق ابي دون تردد ان تسكن معنا بشكل دائم،‏ اذ فرح بأن يُحرَّر من هذه المسؤولية.‏

نشأنا على محبة خالتنا وكنا سعيدين ببقائها معنا.‏ ولكن لماذا اتخذت هذا القرار؟‏ بعد سنوات عديدة،‏ اخبرتنا خالتنا ميلي بأنها شعرت بالتزام تعزيز الاساس الذي وضعته امنا —‏ تعليمنا حق الكتاب المقدس —‏ وهذا امر ادركَتْ ان ابي لم يكن ليفعله قط لعدم اهتمامه بالدين.‏

وفيما بعد علمنا انها اتخذت ايضا قرارا آخر خصوصيا جدا.‏ فبغية الاعتناء بنا كما يجب،‏ قرَّرت ألا تتزوج البتة.‏ يا له من اعراب عن روح التضحية بالذات!‏ لدى جوان وأنا كل الحق في ان نكون شاكرَين جدا لها.‏ فكل ما علّمتنا اياه الخالة ميلي لا يفارقنا ابدا ولا المثال الرائع الذي رسمته.‏

وقت لاتخاذ قرار

كنا انا وجوان نتعلم في مدرسة القرية التابعة لكنيسة انكلترا،‏ فأوضحت خالتي ميلي للمديرة موقفها بثبات حيال تلقينا التعليم الديني.‏ وهكذا،‏ عندما كان الاولاد الآخرون يسيرون نحو الكنيسة،‏ كنا نتوجه نحن الى البيت.‏ وكنا نجلس جانبا عندما يأتي القس الى المدرسة لإعطاء الدروس الدينية ونُعطى آيات من الاسفار المقدسة لحفظها غيبا.‏ لقد افادني ذلك الى حد كبير،‏ اذ لا تزال هذه المقاطع راسخة في ذهني.‏

تركت المدرسة بعمر ١٤ سنة لأتدرب مدة اربع سنوات في مصنع محلي لصنع الجبنة.‏ كما تعلمت العزف على الپيانو،‏ وصارت الموسيقى ورقص الصالونات من هواياتي.‏ ومع ان حق الكتاب المقدس كان متأصلا في قلبي،‏ لم يكن قد دفعني بعد الى اتخاذ الخطوات اللازمة.‏ ثم ذات يوم في آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٠،‏ دعتني شاهدة مسنة لأرافقها الى محفل في سويندون،‏ على بعد ١١٠ كيلومترات تقريبا.‏ القى المحاضرة العامة ألبرت د.‏ شرودر،‏ الخادم المشرف على عمل شهود يهوه في بريطانيا.‏ كان هذا المحفل نقطة تحوُّل بالنسبة اليّ.‏

كانت الحرب العالمية الثانية مستعرة.‏ فتساءلت عما حققته في حياتي حتى الآن.‏ وقررت ان اعود الى قاعة ملكوت يوڤيل.‏ في الاجتماع الاول الذي حضرته هناك،‏ أُخبرنا ان كرازتنا ستشمل وجها جديدا،‏ ألا وهو الشهادة في الشوارع.‏ فتطوعت للاشتراك في هذا النشاط رغم معرفتي المحدودة،‏ وكان ذلك لدهشة اصدقائي المزعومين الذين كانوا يهزأون بي كلما مرّوا بالقرب مني.‏

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٠،‏ اعتمدت في مدينة بريستول.‏ وفي غضون شهر انخرطت في الفتح القانوني —‏ صائرا مبشرا كامل الوقت.‏ وكم فرحت عندما رمزت اختي بعيد ذلك الى انتذارها بمعمودية الماء!‏

الفتح اثناء الحرب

بعد سنة من اندلاع الحرب طُلبت للخدمة العسكرية.‏ وإذ أُدرج اسمي بين الذين يمتنعون عن الخدمة العسكرية بسبب الضمير في يوڤيل،‏ وجب عليّ المثول امام محكمة في بريستول.‏ كنت قد انضممت الى جون وِن في عمل الفتح في سيندرفورد،‏ ڠلوسترشير،‏ وبعد ذلك في هاڤرفوردوست وكارمارذن،‏ ويلز.‏ * لاحقا،‏ في جلسة استماع في كارمارذن،‏ حُكم عليّ بقضاء ثلاثة اشهر في سجن سْوانزي،‏ فضلا عن دفع غرامة قيمتها ٢٥ جنيها استرلينيا،‏ مبلغ كبير من المال في تلك الايام.‏ ولاحقا،‏ حُكم عليّ بالسجن ثلاثة اشهر اضافية بسبب عدم دفع الغرامة.‏

وفي جلسة الاستماع الثالثة،‏ سئلت:‏ «ألا تعرف ما يقوله الكتاب المقدس:‏ ‹أوفوا ما لقيصر لقيصر؟‏›».‏ فأجبت:‏ «نعم،‏ انا اعرف ما يقول،‏ ولكن اود اكمال هذه الآية:‏ ‹وما لله لله›.‏ وهذا ما افعله».‏ (‏متى ٢٢:‏٢١‏)‏ وبعد بضعة اسابيع،‏ تسلّمت رسالة مفادها اني حر من التزامات الخدمة العسكرية.‏

في اوائل ١٩٤٥،‏ دُعيت الى الانضمام الى عائلة بيت ايل في لندن.‏ وفي الشتاء الذي تلا،‏ زار لندن ناثان ه‍.‏ نور،‏ الذي كان يأخذ القيادة في تنظيم عمل الكرازة العالمي،‏ وأمين سره مِلتون ج.‏ هنشل.‏ وحضر ثمانية اخوة من بريطانيا الصف الثامن لمدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس من اجل التدريب الارسالي،‏ وأنا كنت بينهم.‏

التعيينات الارسالية

في ٢٣ ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٦،‏ أبحرنا من مرفإ فاوي الصغير في كورنوول على متن سفينة «الحرية» التي بنيت في وقت الحرب.‏ وفيما كنا نبتعد عن الرصيف اطلق الصفارة مدير حركة الميناء الكابتن كولينز،‏ وهو واحد من شهود يهوه.‏ طبعا،‏ خالجتنا جميعا مشاعر متضاربة فيما رأينا الخط الساحلي الانكليزي يغيب عن نظرنا.‏ كان الطقس اثناء عبور المحيط الاطلسي عاصفا جدا،‏ ولكن بعد ١٣ يوما وصلنا سالمين الى الولايات المتحدة.‏

كان حضور محفل «الامم الفرحانة» الثيوقراطي الاممي الذي دام ٨ ايام في كليڤلنْد،‏ أوهايو من ٤ الى ١١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٦ اختبارا لا يُنسى.‏ كان حاضرا ٨٠٬٠٠٠ مندوب،‏ بمن فيهم ٣٠٢ شخصا من ٣٢ بلدا آخر.‏ وفي ذلك المحفل ظهرت للجموع المتحمسة مجلة استيقظ!‏،‏ * كما أُصدرت مطبوعة ‏«ليكن الله صادقا»،‏ المساعِدة على درس الكتاب المقدس.‏

تخرجنا من جلعاد سنة ١٩٤٧،‏ وعيِّنت مع بيل كوپسون في مصر.‏ ولكن قبل ان نذهب،‏ تلقيت بعض التدريب المكتبي من ريتشارد ابراهمسن في بيت ايل ببروكلين.‏ نزلنا في الاسكندرية،‏ وسرعان ما تكيّفت مع نمط الحياة في الشرق الاوسط.‏ لكن تعلّم العربية كان صعبا ووجب عليّ استعمال بطاقات الشهادة بأربع لغات.‏

بقي بيل كوپسون سبع سنوات هناك،‏ اما انا فاضطررت الى مغادرة البلد لأنني لم استطع تجديد تأشيرتي بعد السنة الاولى.‏ اني اعتبر تلك السنة من الخدمة الارسالية السنة الاكثر اثمارا في حياتي.‏ فكنت اتمتع بامتياز ادارة اكثر من ٢٠ درسا بيتيا في الكتاب المقدس كل اسبوع،‏ ولا يزال بعض الذين تعلموا الحق آنذاك يسبّحون يهوه بنشاط.‏ وبعد مصر،‏ عيِّنت في قبرس.‏

قبرس وإسرائيل

بدأت بتعلم لغة جديدة،‏ اليونانية،‏ وبأن اصير ملمّا باللغة المحلية.‏ وبعد فترة قصيرة،‏ عندما طُلب من انثوني سيدارِس الانتقال الى اليونان،‏ عيِّنت مشرفا على العمل في قبرس.‏ في تلك الاثناء كان مكتب الفرع في قبرس يشرف ايضا على العمل في اسرائيل.‏ فحظيت بامتياز زيارة الشهود القلائل هناك من وقت الى آخر برفقة اخوة آخرين.‏

في اول رحلة قمت بها،‏ عقدنا محفلا صغيرا في مطعم في حيفا وحضره ٥٠ او ٦٠ شخصا.‏ وبتقسيم المجموعات التي تنتمي الى قوميات مختلفة،‏ قدمنا برنامج المحفل بست لغات!‏ وفي مناسبة اخرى تمكنت ان اعرض في القدس فيلما من اصدار شهود يهوه،‏ كما ألقيت خطابا عاما علّقت عليه صحيفة تصدر باللغة الانكليزية بطريقة ايجابية.‏

كان هنالك نحو ١٠٠ شاهد في قبرس في تلك الاثناء،‏ ووجب ان يجاهدوا لأجل ايمانهم.‏ فكهنة الكنيسة الارثوذكسية اليونانية حرّضوا الرعاع على تعطيل محافلنا.‏ وكان اختبارا جديدا بالنسبة اليّ ان أُرشق بالحجارة اثناء الشهادة في المناطق الريفية،‏ مما اضطرني ان اتعلم كيف انسحب بسرعة.‏ وفي وجه هذه المقاومة العنيفة،‏ كان مقويا للايمان تعيين المزيد من المرسلين في الجزيرة.‏ لقد انضم اليّ دنيس ومايڤيس ماثيوز مع جوان هالي وبيريل هايوود في فاماڠوستا،‏ فيما ذهب الى ليماسول طوم وماري ڠولدِن ونينا كونستانتي،‏ وهي قبرسية وُلدت في لندن.‏ وفي الوقت نفسه،‏ نُقل بيل كوپسون الى قبرس وانضم اليه لاحقا بِرت وبِريل ڤايسي.‏

التكيّف مع الظروف المتغيرة

بحلول نهاية سنة ١٩٥٧،‏ مرضت ولم اعد اتمكن من مواصلة تعييني الارسالي.‏ ولاستعادة عافيتي قررت بحزن ان اعود الى انكلترا حيث تابعت القيام بعمل الفتح حتى سنة ١٩٦٠.‏ استقبلتني اختي وزوجها في بيتهما بكل محبة،‏ لكن الظروف كانت قد تغيرت.‏ كانت جوان تواجه الصعوبات.‏ ففضلا عن الاعتناء بزوجها وابنتها الحدثة،‏ اعتنت بمحبة،‏ خلال غيابي الذي دام ١٧ سنة،‏ بأبينا وخالتنا ميلي اللذين اصبحا في ذلك الوقت مسنين وغير معافين.‏ فصارت الحاجة الى اتباع مثال خالتي للتضحية بالذات واضحة،‏ ولذلك بقيت مع اختي حتى مات ابي وخالتي كلاهما.‏

كان من السهل جدا ان استقر في انكلترا،‏ ولكن بعد استراحة وجيزة،‏ شعرت بوجوب العودة الى تعييني.‏ أفلم تنفق هيئة يهوه مبلغا كبيرا على تدريبي؟‏ لذلك سنة ١٩٧٢،‏ عدت الى قبرس على نفقتي الخاصة من اجل استئناف عمل الفتح هناك.‏

وصل ناثان ه‍.‏ نور للترتيب من اجل محفل سيُعقد في السنة التالية.‏ وعندما رأى انني قد عدت،‏ اوصى بتعييني ناظر دائرة في الجزيرة بكاملها،‏ امتياز تمتعت به طوال اربع سنوات.‏ لكنه كان تعيينا مجهدا اذ تطلب مني تكلم اليونانية في غالبية الاوقات.‏

وقت اضطراب

مكثت ببيت في قرية كاراكومي شرقي كيرينيا على الساحل الشمالي مع پول اندرِيو،‏ شاهد قبرسي يتكلم اليونانية.‏ كان مكتب الفرع في قبرس بنيقوسيا،‏ في جنوب جبال كيرينيا.‏ في اوائل تموز (‏يوليو)‏ ١٩٧٤،‏ كنت في نيقوسيا عندما حدث انقلاب يهدف الى خلع الرئيس مكاريوس،‏ ورأيت قصره يشتعل بالنيران.‏ وعندما هدأت الاوضاع قليلا اسرعت في العودة الى كيرينيا،‏ حيث كنا نصنع الترتيبات لعقد محفل دائري.‏ ولكن بعد يومين سمعت اول قنبلة تلقى على الميناء،‏ ورأيت السماء ملآنة بالطائرات المروحية التي تجلب القوات المجتاحة من تركيا.‏

بما انني من الرعايا البريطانيين،‏ اخذني الجنود الاتراك الى ضواحي نيقوسيا،‏ حيث استُجوبت من قبل ممثّلي الامم المتحدة الذين اتصلوا بمكتب الفرع.‏ ثم قمت بمهمة صعبة،‏ ألا وهي السير في منطقة مجردة من السلاح عبر الاسلاك الهاتفية والكهربائية المتشابكة حتى وصلت الى البيوت المهجورة في الجهة الاخرى.‏ كم يفرحني ان خطوط الاتصال بيهوه الله لم تنقطع البتة!‏ فصلواتي دعمتني خلال اكثر الاختبارات المؤلمة في حياتي.‏

خسرت كل ممتلكاتي ولكن افرحني شعوري بالامن في مكتب الفرع.‏ إلا ان هذا الوضع لم يدُم طويلا.‏ فخلال ايام سيطرت القوات المجتاحة على الثلث الشمالي من الجزيرة.‏ وكان علينا اخلاء مبنى بيت ايل والانتقال الى ليماسول.‏ فرحت بالعمل مع اللجنة التي شكِّلت هناك من اجل الاعتناء بالاخوة الـ‍ ٣٠٠ الذين تأثروا من جراء هذا الاضطراب،‏ وقد خسر كثيرون منهم بيوتهم.‏

تغييرات اضافية في التعيين

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨١،‏ طلبت مني الهيئة الحاكمة ان انتقل الى اليونان للانضمام الى عائلة بيت ايل في اثينا،‏ ولكن في نهاية السنة عدت الى قبرس وعيِّنت منسق لجنة الفرع هناك.‏ وكان انذرِيَس كوندويورغيس وزوجته مارو،‏ قبرسيان أُرسلا من لندن،‏ «عونا مقويا» لي.‏ —‏ كولوسي ٤:‏١١‏.‏

في ختام زيارة اقليمية قام بها ثيودور جارس سنة ١٩٨٤،‏ تسلمت رسالة من الهيئة الحاكمة تقول:‏ «عندما ينتهي الاخ جارس من زيارته نودّ ان ترافقه الى اليونان».‏ لم يُذكر السبب آنذاك،‏ ولكن عندما وصلنا الى اليونان قرئت على لجنة الفرع رسالة اخرى من الهيئة الحاكمة،‏ ذاكرة تعييني كمنسق للجنة الفرع في ذلك البلد.‏

بحلول ذلك الوقت،‏ كنا نواجه تفشي الارتداد.‏ وكنا ايضا نُتهم بالهداية غير الشرعية.‏ وكل يوم كان يُعتقل افراد من شعب يهوه ويؤخذون الى المحاكم.‏ كم كان امتيازا فريدا ان اتعرّف بإخوة وأخوات صمدت استقامتهم في وجه امتحانات الزمن!‏ وقد رُفعت لاحقا بعض قضاياهم الى المحكمة الاوروپية لحقوق الانسان،‏ وكانت النتائج رائعة وأثرت ايجابيا في عمل الكرازة في اليونان.‏ *

خلال خدمتي في اليونان،‏ تمكنت من حضور محافل لا تُنسى في اثينا،‏ سالونيك،‏ وجزيرتَي رودس وكريت.‏ كانت تلك السنوات الاربع مفرحة ومثمرة،‏ ولكن كان هنالك تغيير آخر يلوح في الافق —‏ العودة الى قبرس سنة ١٩٨٨.‏

قبرس والعودة الى اليونان

اثناء غيابي عن قبرس،‏ حصل الاخوة على مبنى فرع جديد في نيسو،‏ على بعد بضعة كيلومترات من نيقوسيا،‏ وألقى كاري باربر،‏ من المركز الرئيسي لشهود يهوه في بروكلين،‏ خطاب التدشين.‏ كانت الجزيرة تنعم آنذاك باستقرار نسبي،‏ وقد افرحتني كثيرا عودتي الى هناك ولكن بقائي لم يدم طويلا.‏

فقد وافقت الهيئة الحاكمة على بناء مبنى جديد لبيت ايل في اليونان،‏ على بعد كيلومترات من شمالي اثينا.‏ وبما انني كنت اتكلم الانكليزية واليونانية،‏ دُعيت الى اليونان سنة ١٩٩٠ للعمل في موقع البناء الجديد كمترجم لعائلة الخدام الاممين العاملين هناك.‏ لا ازال اتذكر فرح وجودي في الموقع في السادسة صباحا في ايام الصيف،‏ مرحّبا بمئات الاخوة والاخوات اليونانيين الذين تطوعوا للعمل هناك!‏ ان ذكريات سعادتهم وغيرتهم لن تفارقني ابدا.‏

لقد حاول الكهنة الارثوذكسيون اليونانيون ومؤيدوهم الدخول الى موقع البناء لتعطيل عملنا،‏ لكن يهوه استجاب صلواتنا وحمانا.‏ تابعت العمل في موقع البناء حتى شهدت تدشين مبنى بيت ايل الجديد في ١٣ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩١.‏

دعمي لأختي العزيزة

في السنة التالية،‏ عدت الى انكلترا في عطلة،‏ وبقيت مع اختي وزوجها.‏ ولكن من المؤسف ان صهري مات اثناء وجودي هناك اثر نوبتين قلبيتين.‏ لقد دعمتني جوان اثناء خدمتي الارسالية دعما تعجز الكلمات عن وصفه.‏ فلم يمرّ اسبوع دون ان تكتب لي رسالة تشجعني فيها.‏ ان هذا الاتصال لبركة كبيرة لأي مرسل!‏ والآن فقد اصبحت ارملة صحتها متدهورة وتحتاج الى المساعدة.‏ فماذا يجب ان افعل؟‏

كانت ثِلما،‏ ابنة جوان،‏ وزوجها يعتنيان بأرملة امينة اخرى في جماعتهما،‏ وهي نسيبة لنا مصابة بمرض مميت.‏ ولذلك بعد صلوات حارة،‏ قررت البقاء مع جوان للاعتناء بها.‏ لم يكن الامر سهلا،‏ ولكني اتمتع بامتياز الخدمة كشيخ في جماعة پِن ميل،‏ احدى جماعتَي يوڤيل.‏

ان الاخوة الذين خدمت معهم خارج بلدي يتصلون بي دائما بواسطة الهاتف او الرسائل،‏ وأنا شاكر جدا على ذلك.‏ وإذا عبّرت يوما عن رغبتي في العودة الى اليونان او قبرس،‏ فأنا واثق من ان تذكرة السفر ستصلني في الحال.‏ ولكني الآن بلغت الـ‍ ٨٠ من العمر،‏ ولم يعد بصري ولا صحتي كما كانا.‏ من المثبط الا اكون نشيطا كالسابق،‏ لكن سنوات خدمتي في بيت ايل ساعدتني على تنمية الكثير من العادات التي تعود علي بالفائدة اليوم.‏ مثلا،‏ انا اقرأ دائما الآية اليومية قبل تناول الفطور.‏ كما تعلمت ان انسجم مع الآخرين وأحبهم،‏ وهذا هو مفتاح الخدمة الارسالية الناجحة.‏

اذ اتأمل في السنوات الرائعة التي تجاوزت الـ‍ ٦٠ تقريبا والتي قضيتها في تسبيح يهوه،‏ اعرف ان الخدمة كامل الوقت تزود افضل حماية وهي مصدر افضل ثقافة.‏ يدفعني قلبي الى ترديد الكلمات التي قالها داود ليهوه:‏ «كنت ملجأ لي ومناصا في يوم ضيقي».‏ —‏ مزمور ٥٩:‏١٦‏.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 18‏ وردت قصة حياة جون وِن،‏ «قلبي يطفح بالشكر»،‏ في برج المراقبة عدد ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٧،‏ الصفحات ٢٥-‏٢٨‏.‏

^ ‎الفقرة 23‏ عُرفت سابقا بمجلة التعزية.‏

^ ‎الفقرة 41‏ انظروا برج المراقبة:‏ ١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٨،‏ الصفحتين ٢٠-‏٢١؛‏ ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٣،‏ الصفحات ٢٧-‏٣١‏؛‏ استيقظ!‏:‏ ٨ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٨،‏ الصفحتين ٢١-‏٢٢؛‏ ٢٢ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٧،‏ الصفحتين ١٤-‏١٥‏.‏

‏[الخريطتان في الصفحة ٢٤]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

اليونان

اثنيا

قبرس

نيقوسيا

كيرينيا

فاماڠوستا

ليماسول

‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

امي سنة ١٩١٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٢]‏

سنة ١٩٤٦ على سطح بيت ايل في بروكلين،‏ انا (‏الرابع من اليسار)‏ مع اخوة آخرين من الصف الثامن لجلعاد

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

مع خالتي ميلي بعد عودتي الاولى الى انكلترا