الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

التصقنا بتعييننا

التصقنا بتعييننا

قصة حياة

التصقنا بتعييننا

كما رواها هرمان برودر

كان امامي خيار واضح:‏ الخدمة خمس سنوات في الفرقة الاجنبية الفرنسية او الاعتقال في سجن بالمغرب.‏ سأوضح كيف وقعت في هذا المأزق.‏

وُلِدت سنة ١٩١١ في أوپوناو،‏ المانيا،‏ قبل ثلاث سنوات فقط من نشوب الحرب العالمية الاولى.‏ لقد انجب والداي يوزف وفريدا برودر ١٧ ابنا وابنة،‏ وكنت انا الولد الـ‍ ١٣.‏

تعود بي ذكرياتي الاولى الى مناسبة حين كانت فرقة موسيقية عسكرية تسير في الشارع الرئيسي للبلدة التي ولدتُ ونشأت فيها.‏ وإذ جذبني اللحن العسكري الحماسي،‏ تبعت الموسيقيين الى المحطة في الوقت المناسب لأرى ابي ورجالا آخرين لابسين بزّات عسكرية يركبون القطار.‏ وعندما انطلق القطار،‏ انفجرَت بالبكاء بعض النساء اللواتي على رصيف المحطة.‏ بعد فترة قصيرة،‏ ألقى كاهن بلدتنا عظة طويلة في الكنيسة،‏ وقرأ اسماء الرجال الاربعة الذين ماتوا دفاعا عن وطن اجدادهم.‏ قال موضحا:‏ «انهم الآن في السماء».‏ فأُغمي على امرأة تقف قربي.‏

التقط ابي حمى التيفوئيد اثناء تأدية واجبه العسكري في الجبهة الروسية.‏ وعندما وصل الى البيت،‏ كان المرض قد اضعفه كثيرا،‏ فأُدخِل فورا الى المستشفى المحلي.‏ وقد اوصاني الكاهن:‏ «اذهب الى المُصَلَّى الذي بجانب المقبرة وردِّد ‹الأبانا› ٥٠ مرة و ‹السلام عليك يا مريم› ٥٠ مرة.‏ عندئذ يشفى ابوك».‏ فأصغيت الى نصيحته،‏ لكن ابي مات في اليوم التالي.‏ لقد كانت الحرب اختبارا أليما جدا حتى بالنسبة الى صبي صغير مثلي.‏

كيف وجدت الحق

كان من الصعب ايجاد عمل في المانيا في فترة ما بين الحربين العالميتين.‏ ولكن بعدما تركت المدرسة سنة ١٩٢٨،‏ تمكنت من ايجاد عمل كبستاني في بازل،‏ سويسرا.‏

كنت كأبي كاثوليكيا مخلصا.‏ وكان طموحي ان اخدم كراهب كبّوشي في الهند.‏ عندما سمع اخي ريتشارد،‏ وهو شاهد ليهوه،‏ بما خططت له،‏ قام برحلة خصوصية الى سويسرا بغية محاولة اقناعي بالعدول عن ذلك.‏ لقد حذّرني من خطر الوثوق بالبشر،‏ وخصوصا رجال الدين.‏ وشجعني على قراءة الكتاب المقدس والثقة به وحده.‏ ورغم الشكوك التي انتابتني،‏ حصلت على العهد الجديد وبدأت اقرأه.‏ فاتضح لي تدريجيا ان الكثير من معتقداتي لا ينسجم مع تعاليم الكتاب المقدس.‏

في سنة ١٩٣٣،‏ عندما كنت في بيت ريتشارد في المانيا ذات يوم احد،‏ عرَّفني بزوجين من شهود يهوه.‏ وإذ علِما انني اقرأ الكتاب المقدس،‏ قدَّما إليّ نسخة من كراس بعنوان الازمة.‏ * فقرأت فيه الى منتصف الليل تقريبا.‏ واقتنعت بأنني وجدت الحق!‏

زوَّدني شهود يهوه في بازل بمجلدين من دروس في الاسفار المقدسة،‏ * بالاضافة الى مجلات ومطبوعات اخرى.‏ وإذ اثّر فيّ ما قرأته،‏ اتصلت بالكاهن المحلي طالبا منه حذف اسمي من سجل الكنيسة.‏ فغضب الكاهن كثيرا وحذَّرني قائلا انني معرّض لخسارة ايماني.‏ لكن ذلك لم يكن صحيحا البتة.‏ فلِأول مرة في حياتي بدأت انمي الايمان الحقيقي.‏

كان الاخوة في بازل يخططون في نهاية الاسبوع تلك لرحلة كرازية الى فرنسا عبر الحدود.‏ فأوضح لي احد الاخوة بلطف انني لست مدعوّا لأنني لم ابدأ بمعاشرة الجماعة إلا مؤخرا.‏ ودون تردد،‏ عبّرت له عن رغبتي القوية في الابتداء بالكرازة.‏ فتشاور مع شيخ آخر وعيّن لي مقاطعة في سويسرا.‏ فانطلقت على دراجتي يوم الاحد في الصباح الباكر الى قرية صغيرة قريبة من بازل.‏ وكان في حقيبة خدمتي ٤ كتب،‏ ٢٨ مجلة،‏ و ٢٠ كراسة.‏ عندما وصلت،‏ كان معظم سكان القرية في الكنيسة.‏ ومع ذلك،‏ فرغت حقيبتي بحلول الساعة الحادية عشرة.‏

عندما اخبرت الاخوة برغبتي ان اعتمد،‏ تحدثوا اليّ جديا وطرحوا علي اسئلة تقيِّم معرفتي للحق.‏ فتأثرت بغَيرتهم وولائهم ليهوه وهيئته.‏ وبما اننا كنا في فصل الشتاء،‏ عمّدني اخ في حوض استحمام في بيت احد الشيوخ.‏ وأذكر انني شعرت بفرح لا يوصَف وبقوة داخلية هائلة.‏ كان ذلك سنة ١٩٣٤.‏

العمل في مزرعة الملكوت

في سنة ١٩٣٦،‏ سمعت ان شهود يهوه اشتروا عقارا في سويسرا.‏ فعرضتُ خدماتي كبستاني.‏ وسررت كثيرا اذ دُعيت للعمل في مزرعة الملكوت في شْتفيسبرڠ،‏ بلدة تبعد حوالي ٣٠ كيلومترا عن برن.‏ وكنت ايضا اساعد الآخرين في عملهم في المزرعة كلما امكن.‏ لقد علّمني بيت ايل اهمية امتلاك روح التعاون.‏

كانت زيارة الاخ رذرفورد للمزرعة سنة ١٩٣٦ احد الامور البارزة في السنوات التي قضيتها في بيت ايل.‏ اذكر انه عندما رأى حجم البندورة التي نزرعها ووفرة المحاصيل،‏ ابتسم وعبّر عن سروره.‏ وكم كان هذا الاخ عزيزا على قلبي!‏

عندما كنت قد خدمت في المزرعة فترة تزيد على ثلاث سنوات،‏ قُرِئَت على مائدة الفطور رسالة من المركز الرئيسي لشهود يهوه في الولايات المتحدة.‏ لقد شددت هذه الرسالة على إلحاح عمل الكرازة ووجّهت دعوة الى كلّ الراغبين ان يخدموا في الخارج كفاتحين.‏ فتطوعت دون تردد.‏ وأتى تعييني في ايار (‏مايو)‏ ١٩٣٩،‏ وكان في البرازيل!‏

في ذلك الوقت كنت احضر الاجتماعات في جماعة تون القريبة من مزرعة الملكوت.‏ وكان فريق منا يذهب ايام الآحاد للكرازة في جبال الألپ،‏ رحلة على الدراجة تستغرق ساعتين انطلاقا من تون.‏ كانت مارڠاريتا شتاينر من اعضاء هذا الفريق.‏ وفجأة راودتني الفكرة:‏ ألم يرسل يسوع تلاميذه اثنين اثنين؟‏ وعندما ذكرت صدفة لمارڠاريتا انني عُيِّنت في البرازيل،‏ عبّرَت عن رغبتها في الخدمة حيث توجد حاجة اعظم.‏ وقد تزوّجنا في ٣١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٣٩.‏

توقُّف غير متوقَّع

في نهاية آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٩،‏ ابحرنا من الهاڤر،‏ فرنسا،‏ متوجهَين الى سانتوس،‏ البرازيل.‏ كانت جميع الغُرف ذات السريرَين قد شُغِلت،‏ لذلك وجب علينا ان نسافر في حجرتين منفصلتين.‏ وفي الطريق وصلتنا انباء ان بريطانيا العظمى وفرنسا اعلنتا الحرب على المانيا.‏ فقامت مجموعة تتألف من ٣٠ مسافرا المانيًّا بإنشاد النشيد الوطني الالماني كردّ فعل على الحدث،‏ الامر الذي اغضب الربّان كثيرا حتى انه غيَّر وجهة سيره وأرسى السفينة في صافي،‏ المغرب.‏ وكان على المسافرين الذين لديهم وثائق سفر المانية،‏ بمن فيهم نحن،‏ ان ينزلوا من السفينة في غضون خمس دقائق.‏

احتُجِزنا يوما واحدا في مركز الشرطة،‏ ثم حُشِرنا في باص قديم متخلخل وأُخِذنا الى السجن في مراكش التي تبعد نحو ١٤٠ كيلومترا.‏ بعد ذلك مرّت علينا ايام عصيبة.‏ فقد وُضِعنا في زنزانة مكتظة ومظلمة.‏ وكان المرحاض المشترك،‏ وهو ثقب في الارض،‏ مسدودا على الدوام.‏ لقد حصل كلٌّ منا على فراش وسِخ لينام عليه.‏ وفي الليل كانت الجِرذان تقرض بطات ارجلنا.‏ وكان الطعام يقدَّم في وعاء صدئ مرتين في اليوم.‏

اوضح ضابط في الجيش انه سيُطلَق سراحي اذا وافقت على الخدمة العسكرية خمس سنوات في الفرقة الاجنبية الفرنسية.‏ لكنني رفضت،‏ فكلّفني ذلك ان ابقى ٢٤ ساعة في موضع مريع.‏ وقضيت معظم هذا الوقت في الصلاة.‏

بعد ثمانية ايام،‏ سمحت لي سلطات السجن ان ارى مارڠاريتا مجددا.‏ لقد بدت نحيلة جدا،‏ وبكت دون ان تتمالك نفسها.‏ فبذلت ما في وسعي لتشجيعها.‏ ثم استُجوِبنا ونُقِلنا بالقطار الى الدار البيضاء،‏ حيث أُطلِق سراح مارڠاريتا.‏ وبعد ذلك أُرسِلتُ الى معسكر في پور ليوتي (‏ما يدعى اليوم القُنَيطرة)‏،‏ على بُعد ١٨٠ كيلومترا تقريبا.‏ نصح القنصل السويسري مارڠاريتا بالعودة الى سويسرا،‏ لكنها رفضت بولاء ان تغادر بدوني.‏ وطوال الشهرين اللذين قضيتهما في پور ليوتي،‏ كانت تأتي يوميا من الدار البيضاء لتزورني وتجلب لي الطعام.‏

قبل سنة من ذلك،‏ كان شهود يهوه قد اصدروا كتابا بعنوان حملة صليبية ضد المسيحية ‏(‏بالالمانية)‏ بغية لفت انتباه الناس الى عدم تورط الشهود في نظام الحكم النازي.‏ وعندما كنت في المعسكر،‏ راسل مكتب فرع شهود يهوه في برن السلطات الفرنسية،‏ مرفِقا نسخة من الكتاب في محاولة للبرهان اننا لسنا نازيين.‏ كما قامت مارڠاريتا بعمل جدير بالثناء.‏ فكانت تزور الرسميين الحكوميين وتحاول اقناعهم ببراءتنا.‏ اخيرا،‏ في نهاية سنة ١٩٣٩،‏ حصلنا على اذن بمغادرة المغرب.‏

ولم يكن إلا بعد ركوبنا مجددا في السفينة المتوجهة الى البرازيل اننا علمنا بأن الغواصات الالمانية تهاجم مسارات السفن في المحيط الاطلسي وأننا كنا هدفا رئيسيا لها.‏ ورغم ان سفينتنا،‏ جامايك،‏ هي تجارية،‏ فقد احتوت على مدافع منصوبة في مقدَّمها ومؤخَّرها.‏ اثناء النهار،‏ كان الربّان يسلك مسارا متعرجا ويطلق القذائف باستمرار.‏ وفي الليل كنا نطفئ الانوار لكي لا يكتشف الالمان وجودنا.‏ وكم شعرنا بالارتياح عندما رسونا اخيرا في مرفإ سانتوس،‏ البرازيل،‏ في ٦ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤٠،‏ بعد اكثر من خمسة اشهر من مغادرتنا اوروپا!‏

السجن مجددا

كان تعييننا الكرازي الاول في مونتينڠرو،‏ بلدة في الولاية البرازيلية الجنوبية ريو ڠراندي دو سول.‏ وكما يظهر،‏ كانت السلطات الكنسية قد أُعلِمَت بقدومنا.‏ فبعد ساعتين فقط من ابتدائنا بالكرازة،‏ اعتقلتنا الشرطة وصادرت مجموعة اسطوانات الفونوڠراف التي نملكها والتي تحتوي مواعظ من الكتاب المقدس.‏ كما صادرت كل المطبوعات التي في حوزتنا،‏ حتى حقائب خدمة الحقل المصنوعة من جلد الجمل التي اشتريناها من المغرب.‏ كان بانتظارنا في مركز الشرطة كاهن وخادم ديني يتكلم الالمانية يستمعان الى اسطوانة تحتوي احد خطابات الاخ رذرفورد.‏ وقد شغّلها رئيس الشرطة بواسطة فونوڠرافنا الذي صادره ايضا.‏ بالتأكيد،‏ لم يدُر الاخ رذرفورد حول الموضوع!‏ وعندما وصل الى الجزء الذي يتحدث عن الڤاتيكان،‏ احتدم الكاهن غضبا،‏ فاحمرّ وجهه وخرج فجأة.‏

نزولا عند طلب اسقف سانتا ماريّا،‏ نقلتنا الشرطة الى پورتو أليڠري،‏ عاصمة الولاية.‏ وسرعان ما أُطلِق سراح مارڠاريتا فطلبَت مساعدة القنصلية السويسرية.‏ فاقترح القنصل ان تعود الى سويسرا.‏ ومرة اخرى رفضت ان تتركني.‏ لقد اظهرت مارڠاريتا دائما انها رفيقة وليّة جدا.‏ بعد ثلاثين يوما استُجوِبتُ وأُطلِق سراحي.‏ ووضعت الشرطة امامنا خياريَن،‏ إما ان نغادر الولاية في غضون عشرة ايام او «نواجه العواقب».‏ فرحلنا الى ريو دي جانيرو عملا باقتراح من المركز الرئيسي.‏

‏«من فضلك اقرأ هذه البطاقة»‏

كم كنا فرحَين رغم هذه البداية غير المؤاتية في خدمة الحقل البرازيلي!‏ فقد كنا على قيد الحياة وحقائبنا مملوءة مجددا بالمطبوعات.‏ كما كان بإمكاننا الكرازة في كل انحاء ريو دي جانيرو.‏ ولكن كيف نكرز في حين اننا لا نملك إلا معرفة محدودة للغة الپرتغالية؟‏ بواسطة بطاقة شهادة.‏ ‏«پور فاڤور،‏ لِيا استِه كارتاون» ‏(‏«من فضلك اقرأ هذه البطاقة»)‏ هي اول عبارة پرتغالية تعلّمنا استعمالها في العمل الكرازي.‏ وكم كانت هذه البطاقة ناجحة!‏ ففي شهر واحد وزّعنا اكثر من ١٬٠٠٠ كتاب.‏ وكثيرون ممن قبلوا منا مطبوعات الكتاب المقدس اعتنقوا الحق لاحقا.‏ في الواقع،‏ لقد قدَّمَت مطبوعاتنا شهادة اكثر فعالية مما كان باستطاعتنا ان نفعل.‏ وهذا جعلني أعي ان وضع المطبوعات بين يدي الاشخاص المهتمين هو امر مهمّ.‏

كانت ريو دي جانيرو آنذاك عاصمة البرازيل،‏ وقد رُحِّب كثيرا برسالتنا في المباني الحكومية.‏ لقد نلت امتياز الشهادة شخصيا لوزير المالية ووزير القوات المسلّحة.‏ وفي هاتين المناسبتين رأيت دليلا واضحا على عمل روح يهوه.‏

عندما كنت اكرز ذات يوم في ساحة عامة في وسط ريو،‏ دخلت الى قصر العدل.‏ ودون ان ادري،‏ وجدت نفسي في غرفة محاطا برجال لابسين ثيابا سوداء وسط ما بدا لي انه مراسم جنازة.‏ فاقتربت من رجل يبدو مميزا وأعطيته بطاقة الشهادة.‏ لم تكن هذه جنازة.‏ فقد قاطعت دعوى قضائية،‏ والشخص الذي تحدثت اليه هو القاضي.‏ فأومأ ضاحِكا الى الحرّاس ألا يتخذوا ايّ اجراء ضدي.‏ وقبِل بلطف نسخة من كتاب الاولاد * لقاء تبرع.‏ وفيما كنت خارجا،‏ اشار احد الحرّاس الى عبارة ظاهرة للعيان وُضِعَت على الباب:‏ (‏يُمنع دخول الاشخاص غير المسموح لهم)‏.‏

كان المرفأ حقلا مثمرا آخر.‏ ففي احدى المناسبات التقيت بحّارا قبِل بعض المطبوعات قبل عودته الى البحر.‏ ولاحقا،‏ التقيته في محفل.‏ كانت عائلته بكاملها قد اعتنقت الحق،‏ وكان يحرز تقدُّما جيدا.‏ ففرحنا كثيرا.‏

مع ذلك،‏ لم تمر الامور دون مشاكل.‏ فقد انتهت مدة الستة اشهر لتأشيرتنا،‏ وأصبحنا معرَّضَين للترحيل.‏ وبعدما راسلنا المركز الرئيسي بشأن وضعنا،‏ تسلّمنا رسالة حبية من الاخ رذرفورد يشجِّعنا فيها ان نثابر على العمل ويقدِّم لنا اقتراحات عما ينبغي فعله.‏ كنا نرغب في البقاء في البرازيل،‏ وبمساعدة محام حصلنا اخيرا على تأشيرة دائمة سنة ١٩٤٥.‏

تعيين طويل الامد

قبل ذلك،‏ وُلِد ابننا يوناتان سنة ١٩٤١،‏ وابنتانا روت سنة ١٩٤٣ وأستر سنة ١٩٤٥.‏ ولسد حاجات عائلتنا النامية،‏ كان علي القيام بعمل دنيوي.‏ اما مارڠاريتا فقد استمرت في عمل الكرازة كامل الوقت حتى ولادة ابنتنا أستر.‏

منذ البداية،‏ كرزنا معا كعائلة في الساحات العامة للمدينة،‏ محطات القطار،‏ الشوارع،‏ والمناطق التجارية.‏ وفي ليالي ايام السبت كنا نوزع معا برج المراقبة و استيقظ!‏.‏ وكانت هذه مناسبات سعيدة على نحو خصوصي.‏

في البيت كان على كل ولد ان يؤدي واجبات يومية معينة.‏ فكان يوناتان مسؤولا عن تنظيف الفرن والمطبخ.‏ اما الفتاتان فقد اهتمتا بتنظيف البرّاد،‏ كنس الفناء،‏ وتلميع الاحذية.‏ لقد ساعدهم ذلك ان يكونوا منظَّمين وينمّوا روح المبادرة.‏ واليوم،‏ بات اولادنا اشخاصا مجتهدين في عملهم يعتنون جيدا ببيوتهم ومقتنياتهم،‏ الامر الذي يفرحنا كثيرا انا ومارڠاريتا.‏

اردنا ايضا ان يحسن الاولاد السلوك في الاجتماعات.‏ فقبل ابتداء البرنامج،‏ كانوا يشربون كأس ماء ويستعملون المرحاض.‏ وأثناء الاجتماع،‏ كان يوناتان يجلس عن يساري وروت عن يميني،‏ تليها مارڠاريتا،‏ وعن يمين مارڠاريتا تجلس استر.‏ فساعدهم ذلك على التركيز ونيل الطعام الروحي منذ سن مبكرة.‏

وقد بارك يهوه جهودنا.‏ فجميع اولادنا يستمرون في خدمة يهوه بأمانة ويشتركون بفرح في عمل الكرازة.‏ حاليا،‏ يخدم يوناتان كشيخ في جماعة نوڤو ماير،‏ ريو دي جانيرو.‏

بحلول سنة ١٩٧٠،‏ كان جميع اولادنا قد تزوجوا وتركوا البيت.‏ فقررنا انا ومارڠاريتا الانتقال لنخدم حيث توجد حاجة اعظم.‏ توقفنا اولا في مدينة پوسوس دي كالداس،‏ في ولاية ميناس جيراس،‏ حيث كان يوجد فريق صغير يتألف من ١٩ ناشرا للملكوت.‏ حزنت كثيرا عندما رأيت للمرة الاولى مكان اجتماعاتهم —‏ غرفة في طابق سفلي ليس فيها نوافذ وبحاجة ماسة الى ترميم.‏ وعلى الفور بدأنا نبحث عن قاعة ملكوت ملائمة اكثر.‏ وسرعان ما وجدنا مبنى جميلا في موقع ممتاز.‏ ويا للفرق الذي صنعه ذلك!‏ فبعد اربع سنوات ونصف،‏ كان عدد الناشرين قد ازداد الى ١٥٥.‏ في سنة ١٩٨٩،‏ انتقلنا الى مدينة آرارووَما في ريو دي جانيرو،‏ حيث خدمنا تسع سنوات.‏ وفي تلك الاثناء شهدنا تشكيل جماعتين جديدتين.‏

كوفئنا على الالتصاق بتعييننا

في سنة ١٩٩٨،‏ انتقلنا الى ساون ڠونسالو،‏ ريو دي جانيرو،‏ بسبب المشاكل الصحية والرغبة ان نكون قرب اولادنا.‏ ولا ازال اخدم هناك كشيخ جماعة.‏ اننا نبذل قصارى جهدنا للاشتراك قانونيا في عمل الكرازة.‏ وتستمتع مارڠاريتا بالشهادة للناس في سوپرماركت قريب.‏ وقد هيأت لنا الجماعة بلطف مقاطعة قرب بيتنا،‏ الامر الذي يسهِّل علينا الكرازة حسبما تسمح صحتنا.‏

انا ومارڠاريتا خادمان ليهوه منتذران منذ اكثر من ٦٠ سنة.‏ وقد اختبرنا شخصيا انه «لا حكومات ولا اشياء حاضرة ولا اشياء آتية ولا قوات ولا علو ولا عمق ولا اي خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله لنا في المسيح يسوع ربنا».‏ (‏روما ٨:‏٣٨،‏ ٣٩‏)‏ وكم كان مفرحا ان نشهد تجميع «الخراف الاخر» الذين يملكون الرجاء الرائع بالحياة الابدية على ارض كاملة محاطة بخليقة الله الرائعة!‏ (‏يوحنا ١٠:‏١٦‏)‏ عندما وصلنا الى ريو دي جانيرو سنة ١٩٤٠،‏ كانت فيها جماعة واحدة فقط تتألف من ٢٨ ناشرا.‏ اما اليوم فهنالك حوالي ٢٥٠ جماعة وما يزيد على ٢٠٬٠٠٠ ناشر للملكوت.‏

كانت هنالك مناسبات حين كان يمكن ان نعود الى عائلتينا في اوروپا.‏ لكن التعيين الذي اوكله الينا يهوه هو هنا في البرازيل.‏ وكم نحن سعداء لأننا نلتصق به!‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 11‏ اصدار شهود يهوه،‏ ولكن لم يعد يُطبع.‏

^ ‎الفقرة 12‏ اصدار شهود يهوه،‏ ولكن لم يعد يُطبع.‏

^ ‎الفقرة 33‏ اصدار شهود يهوه،‏ ولكن لم يعد يُطبع.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

في مزرعة الملكوت في شْتفيسبرڠ،‏ سويسرا،‏ في اواخر ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠ (‏انا في اقصى اليسار)‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

قُبَيل زفافنا سنة ١٩٣٩

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

الدار البيضاء في اربعينات الـ‍ ١٩٠٠

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

الكرازة كعائلة

‏[الصورة في الصفحة ٢٤]‏

الاشتراك في الخدمة بشكل قانوني اليوم