الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

علَّمني يهوه منذ صِباي

علَّمني يهوه منذ صِباي

قصة حياة

علَّمني يهوه منذ صِباي

كما رواها ريتشارد ابراهمسن

‏«اللهم قد علّمتني منذ صِباي وإلى الآن اخبر بعجائبك».‏ دعني اشرح لماذا تحمل لي هذه الكلمات في المزمور ٧١:‏١٧ معنى خصوصيا.‏

زار تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما دُعي شهود يهوه آنذاك،‏ امي فاني ابراهمسن سنة ١٩٢٤.‏ ولم اكن حينذاك قد تجاوزت السنة من عمري.‏ كانت امي كلما تعلّمت حقائق جديدة من الكتاب المقدس هرعت الى الجيران لتخبرهم بما تعلّمته.‏ ولم تقف عند هذا الحد،‏ بل لقّنتنا انا وأخي وأختي الاكبر سنا هذه الحقائق ايضا.‏ كما انها ساعدتني على استظهار الكثير من الآيات عن بركات ملكوت الله حتى قبلما تعلّمت القراءة.‏

وُلدت ونشأت في لا ڠراند بولاية أوريڠون،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏ وفي اواخر عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان فريقنا لتلاميذ الكتاب المقدس في تلك المنطقة يتألف من عدد قليل من النساء والاولاد.‏ ومع اننا كنا منعزلين،‏ فقد زارنا الخدام الجائلون مرة او اثنتين في السنة.‏ وكانوا يقدّمون لنا خطابات مشجِّعة،‏ يرافقوننا في الخدمة من بيت الى بيت،‏ ويُظهرون اهتماما ودّيا بالاولاد.‏ ومن بين هؤلاء الاعزاء اذكر شيلد توتجيان،‏ جين أوريل،‏ وجون بوث.‏

سنة ١٩٣١،‏ لم يستطع احد من فريقنا حضور المحفل في كولومبس،‏ أوهايو،‏ حيث تبنى تلاميذ الكتاب المقدس الاسم شهود يهوه.‏ لكنّ الجماعات والفِرَق المنعزلة التي لم يحضر اي فرد من افرادها المحفل اجتمعت محليا في شهر آب (‏اغسطس)‏ من تلك السنة لتتبنّى قرار قبول الاسم.‏ وهذا ما فعله ايضا فريقنا الصغير في لا ڠراند.‏ سنة ١٩٣٣،‏ اثناء حملة توزيع كراس الازمة،‏ حفظت عن ظهر قلب عرضًا من الكتاب المقدس وشهدتُ لأول مرة وحدي من بيت الى بيت.‏

في ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ شهد عملنا مقاومة اكبر.‏ ولمواجهة هذه المقاومة،‏ ضُمَّت بعض الجماعات معا لتؤلِّف مجموعات اكبر دُعيت فِرَقا.‏ كانت هذه الفِرَق تعقد محافل صغيرة وتشترك مرة او اثنتين في السنة في مهمات كرازية عُرفت بحملات الفِرَق.‏ تعلّمنا في هذه المحافل اساليب الكرازة وكيف نتصرف باحترام مع الشرطة عندما تتدخل.‏ وبما ان الشهود غالبا ما كانوا يُضطرون الى المثول امام القضاة البوليسيين او المحاكم،‏ تدرَّبنا ايضا على معلومات من نشرة تعليمات دُعيت «نظام المحاكمة».‏ وهكذا جهَّزنا هذا التدريب لمواجهة المقاومة.‏

النمو في حق الكتاب المقدس منذ الصِبا

شيئا فشيئا نما تقديري لحقائق الكتاب المقدس ولرجاء العيش الى الابد على الارض تحت حكم ملكوت الله السماوي،‏ هذا الرجاء المؤسس على الكتاب المقدس.‏ ولكن في تلك الفترة،‏ لم يكن يُشدَّد كثيرا على المعمودية لمَن لا يملكون رجاء الحكم في السماء مع المسيح.‏ (‏كشف ٥:‏١٠؛‏ ١٤:‏١،‏ ٣‏)‏ رغم ذلك،‏ قيل لي انه اذا صمَّمت في قلبي ان افعل مشيئة يهوه،‏ فمن الملائم ان اعتمد.‏ وهذا ما فعلته في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٣.‏

عندما كنت في الـ‍ ١٢ من عمري،‏ لاحظت معلِّمتي انني أُجيد الخطابة العامة؛‏ فشجّعت امي على منحي تدريبا اضافيا.‏ وارتأت امي ان ذلك سيساعدني في خدمة يهوه بشكل افضل.‏ لذلك تكفَّلت طوال سنة بغسل امتعة معلِّمة فن الخطابة لتسدد نفقات دروسي.‏ وقد تبيّن لاحقا ان هذا التدريب مساعِد جدا في خدمتي.‏ في الـ‍ ١٤ من عمري،‏ أُصبت بحمى الروماتزم التي ابعدتني عن المدرسة اكثر من سنة.‏

عام ١٩٣٩،‏ اتى خادم كامل الوقت اسمه وارِن هنشل ليخدم في منطقتنا.‏ * كان اخي الاكبر بالمعنى الروحي؛‏ فكنا نقضي ساعات طويلة معا في خدمة الحقل.‏ وسرعان ما ساعدني على الانخراط في «خدمة الفتح اثناء العطل»،‏ شكل مؤقت من اشكال الخدمة كامل الوقت.‏ في ذلك الصيف،‏ اصبح فريقنا الصغير فرقة،‏ كما كانت تُدعى الجماعة آنذاك.‏ وعُيِّن وارِن خادم الفرقة،‏ وعُيِّنتُ انا مدير درس برج المراقبة‏.‏ وعندما غادر وارِن ليخدم في بيت ايل،‏ المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه في بروكلين،‏ نيويورك،‏ صرت انا خادم الفرقة.‏

البدء بالخدمة كامل الوقت

ان المسؤولية المتزايدة في العمل كخادم فرقة قوَّت رغبتي في الانخراط في الخدمة كامل الوقت بشكل دائم.‏ وهذا ما فعلته بعد إنهائي السنة الثالثة من المدرسة الثانوية.‏ كان عمري آنذاك ١٧ سنة.‏ ولم يكن ابي يشاركنا معتقداتنا الدينية،‏ لكنه كان معيلا صالحا وصاحب مبادئ رفيعة.‏ لقد اراد ان ادخل الى الكلية.‏ لكنه قال انني ما دمت لا اعتمد عليه في مأكلي مسكني،‏ استطيع ان اختار ما اريد.‏ وهكذا انخرطت في عمل الفتح في ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٠.‏

عند مغادرتي المنزل،‏ طلبت امي ان اقرأ الامثال ٣:‏٥،‏ ٦‏:‏ «توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.‏ في كل طرقك اعرفه وهو يقوِّم سبلك».‏ وفعلا،‏ كان الاتكال على يهوه دائما عونا كبيرا لي.‏

وسرعان ما انضممتُ الى جو ومارڠريت هارت في الخدمة في الجزء الشمالي من وسط ولاية واشنطن.‏ كانت هذه المقاطعة متنوعة جدا:‏ مزارع لتربية الابقار،‏ مزارع لتربية الخراف،‏ محميات للهنود الحمر،‏ والكثير من البلدات الصغيرة والقرى.‏ وفي ربيع سنة ١٩٤١،‏ عُيِّنت خادم فرقة في الجماعة في ويناتشي،‏ واشنطن.‏

حصلت في احد محافلنا في والا والا،‏ واشنطن،‏ على امتياز الخدمة كحاجب يرحِّب بالداخلين الى قاعة المحفل.‏ فلاحظت ان اخا شابا يجاهد عبثا ليشغِّل مكبِّر الصوت.‏ لذا اقترحت عليه ان يأخذ تعييني وأن آخذ انا تعيينه.‏ ولكن عندما عاد خادم المنطقة،‏ ألْبرت هوفمان،‏ ورأى انني تركت تعييني اوضح لي بابتسامة ودية اهمية الالتصاق بتعييننا ما لم نُبلَّغ بأية تعديلات.‏ ومنذ ذلك الحين اعمل بحسب مشورته.‏

في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤١،‏ نظّم شهود يهوه محفلا كبيرا في سانت لويس،‏ ميسّوري.‏ وبغية حضور المحفل،‏ وضع الزوجان هارت غطاء على متن شاحنتهما الصغيرة وجهّزاه بمقاعد.‏ وهكذا ذهب تسعة منا نحن الفاتحين الى سانت لويس على متن هذه الشاحنة،‏ قاطعين مسافة ٢٬٤٠٠ كيلومتر.‏ استغرقت الرحلة نحو اسبوع ذهابا وآخر ايابا.‏ في المحفل،‏ قدّرت الشرطة ذروة الحضور بـ‍ ١١٥٬٠٠٠ شخص.‏ ومع ان الحضور كان على الارجح اقل من ذلك،‏ فقد تخطى بالتأكيد عدد الشهود في الولايات المتحدة الذي بلغ في تلك الفترة ٦٥٬٠٠٠ شخص تقريبا.‏ وكم كان هذا المحفل مشجِّعا روحيا!‏

الخدمة في بيت ايل في بروكلين

بعد العودة الى ويناتشي،‏ تسلَّمت رسالة تدعوني الى الخدمة في بيت ايل في بروكلين.‏ فقبلت الدعوة،‏ وعند وصولي في ٢٧ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤١،‏ أُخذت الى مكتب ناثان ه‍.‏ نور،‏ ناظر المعمل.‏ فأوضح لي بلطف نوع الخدمة في بيت ايل،‏ وشدَّد على ان الالتصاق بيهوه ضروري جدا للنجاح في حياتي هناك.‏ ثم أُخذت الى قسم الشحن حيث طُلب مني العمل في حزم الصناديق الكرتونية لشحنها.‏

في ٨ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٢،‏ مات جوزيف رذرفورد الذي كان يأخذ القيادة بين شهود يهوه حول العالم.‏ وبعد خمسة ايام،‏ انتخب مديرو الجمعية الاخ نور خلفًا له.‏ عندما اعلن الخبرَ لعائلة بيت ايل امينُ سر وأمين صندوق الجمعية لوقت طويل،‏ و.‏ إ.‏ ڤان آمبورڠ،‏ قال:‏ «يمكنني ان اتذكر الوقت الذي مات فيه ت.‏ ت.‏ رصل [سنة ١٩١٦] وحلّ محله ج.‏ ف.‏ رذرفورد.‏ لقد استمر الرب يوجِّه ويُنجِح عمله.‏ والآن،‏ اتوقع تماما ان يتقدم العمل مع ناثان ه‍.‏ نور كرئيس،‏ لأن هذا هو عمل الرب،‏ لا الانسان».‏

في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤٢،‏ أُعلن البدء بـ‍ «المنهج المتقدم في الخدمة الثيوقراطية».‏ صُمِّم هذا المنهج لتدريب خدام بيت ايل بغية تحسين مقدرتهم على القيام ببحث حول مواضيع الكتاب المقدس،‏ تنظيم المعلومات التي يحصلون عليها على نحو صحيح،‏ وتقديمها بشكل فعّال.‏ وقد ساعدني تدريبي الباكر في الخطابة العامة ان اتقدَّم بسرعة في البرنامج.‏

لم يمر وقت طويل حتى عُينتُ للعمل في دائرة الخدمة التي تشرف على خدمة شهود يهوه في الولايات المتحدة.‏ وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ صدر قرار باستئناف برنامج زيارة الخدام لجماعات شهود يهوه.‏ وقد أُطلق لاحقا على هؤلاء الخدام الجائلين اسم نظار الدوائر بعد ان كان اسمهم خداما للاخوة.‏ لذلك،‏ في صيف ١٩٤٢،‏ أُعدّ مقرَّر في بيت ايل لتدريب الاخوة على هذا النوع من الخدمة،‏ وحظيتُ بامتياز ان اكون بين الذين نالوا التدريب.‏ اتذكر بشكل خصوصي تشديد الاخ نور،‏ احد اساتذتنا،‏ على هذه النقطة:‏ «لا تحاولوا ارضاء الناس،‏ فسينتهي بكم الامر الى عدم ارضاء احد.‏ ارضوا يهوه،‏ فترضوا كل الذين يحبونه».‏

وُضع العمل الجائل موضع التنفيذ في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٢.‏ وقد قام عدد منا في بيت ايل بهذا العمل في بعض نهايات الاسابيع.‏ كنا نزور الجماعات التي لا تبعد اكثر من ٤٠٠ كيلومتر عن مدينة نيويورك؛‏ فنراجع نشاط الجماعة الكرازي وحضورها الاجتماعات،‏ نعقد اجتماعا مع الذين يعتنون بالمسؤوليات فيها،‏ نقدّم خطابا او اثنين،‏ ونشترك في الخدمة مع الشهود المحليين.‏

في سنة ١٩٤٤،‏ كنت بين العاملين في دائرة الخدمة الذين أُرسلوا لقضاء ستة اشهر في العمل الجائل.‏ فخدمت في ولايات پنسلڤانيا،‏ ديلاوير،‏ ڤيرجينيا،‏ وماريلَنْد.‏ كما امضيت اشهرا قليلة في زيارة الجماعات في ولايات رود آيلند،‏ كونكتيكت،‏ وماساتشوستس.‏ لدى عودتي الى بيت ايل،‏ عملت بدوام جزئي في مكتب الاخ نور وسكرتيره مِلتون هنشل،‏ حيث صرت على اطلاع بعملنا حول العالم.‏ وخدمت ايضا بدوام جزئي في مكتب امين الصندوق تحت اشراف و.‏ إ.‏ ڤان آمبورڠ ومساعده ڠرانت سوتر.‏ ثم عُيِّنت سنة ١٩٤٦ ناظرا على عدد من المكاتب في بيت ايل.‏

تغييرات كبيرة في حياتي

اثناء خدمتي في الجماعات سنة ١٩٤٥،‏ تعرَّفت بجوليا تشارنوسكس في مدينة پروڤيدانس،‏ رود آيلند.‏ وفي اواسط سنة ١٩٤٧،‏ كنّا نفكّر في الزواج.‏ احببت خدمة بيت ايل كثيرا،‏ ولكن في ذلك الوقت لم يكن ثمة ترتيب ان يخدم رفيق الزواج هناك.‏ لذلك تركت بيت ايل في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٨،‏ وتزوجت بجوليا (‏او جولي)‏.‏ ثم حصلت على عمل بدوام جزئي في متجر كبير في پروڤيدانس،‏ وبدأنا خدمة الفتح معا.‏

في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٩،‏ دُعيت الى العمل الدائري في شمال غرب ولاية ويسكونسن.‏ فاعتبرته تغييرا كبيرا بالنسبة الينا،‏ انا وجولي،‏ ان نخدم في بلدات صغيرة ومناطق ريفية تنتشر فيها صناعة الالبان.‏ كانت فصول الشتاء في تلك المنطقة طويلة وقارسة تتخللها اسابيع كثيرة من الثلج المتساقط ودرجات الحرارة التي تهبط تحت الصفر.‏ لم نكن نملك سيارة.‏ ولكن كان هنالك دائما مَن يقلّنا الى الجماعة التالية.‏

بُعيد البدء بالعمل كناظر دائرة،‏ حضرنا محفلا دائريا.‏ اذكر انني تفحصت بدقة كل شاردة وواردة،‏ مما جعل عددا من الاخوة متوترين بعض الشيء.‏ فأوضح لي بلطف ناظر الكورة،‏ نيقولاس كوڤالاك،‏ ان الاخوة المحليين معتادون على الاعتناء بالامور بطريقتهم الخاصة وأنه لا حاجة الى الاهتمام بكل التفاصيل.‏ ساعدتني هذه النصيحة كثيرا لأعرف كيف اتصرف في تعيينات لاحقة كثيرة.‏

سنة ١٩٥٠،‏ حصلت على تعيين مؤقت:‏ الاشراف على تأمين المنامة للمندوبين الآتين الى اول محفل من محافلنا الكبيرة والكثيرة في يانكي ستاديوم بمدينة نيويورك.‏ كان المحفل رائعا من بدايته الى نهايته.‏ فقد اتى المندوبون من ٦٧ بلدا وبلغت ذروة الحضور ١٢٣٬٧٠٧.‏ بعد المحفل،‏ عدنا انا وجولي الى خدمتنا الجائلة.‏ منحنا العمل الدائري فرحا كبيرا.‏ لكننا شعرنا انه يجب ان نبقى مستعدين للقيام بأي شكل من اشكال الخدمة كامل الوقت.‏ لذلك كنا كل سنة نقدِّم طلبا للخدمة في بيت ايل والخدمة الارسالية.‏ وفي سنة ١٩٥٢ سررنا بتسلُّم دعوة الى حضور الصف الـ‍ ٢٠ لمدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس،‏ حيث نلنا تدريبا على العمل الارسالي.‏

الخدمة في الخارج

عندما تخرّجنا من مدرسة جلعاد سنة ١٩٥٣،‏ عُيِّنا في بريطانيا،‏ فخدمت في العمل الكوري في جنوب انكلترا.‏ وبعد اقل من سنة في هذا العمل الذي تمتعنا به كثيرا فوجئنا بتعييننا التالي.‏ كان علينا الانتقال الى الدانمارك حيث كانت هنالك حاجة الى مشرف جديد على العمل في مكتب الفرع.‏ وبما انني كنت في بلد قريب وقد تدرَّبت على هذا النوع من العمل في بروكلين،‏ أُرسلت الى الدانمارك للمساعدة.‏ فركبنا باخرة الى هولندا،‏ ومن هناك استقللنا قطارا الى كوپنهاڠن،‏ الدانمارك،‏ فوصلنا في ٩ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥٤.‏

احدى المشاكل التي اضطُررت الى معالجتها كانت رفض بعض الاخوة في مراكز المسؤولية قبول الارشاد الآتي من المركز الرئيسي في بروكلين.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ ترك بيت ايل ثلاثة اشخاص من اصل اربعة كانوا يترجمون مطبوعاتنا الى اللغة الدانماركية وتوقفوا اخيرا عن معاشرة شهود يهوه.‏ لكنّ يهوه استجاب صلواتنا.‏ فقد قرر يورن وأنّا لارسن،‏ اللذان كانا يساعداننا قليلا في عمل الترجمة،‏ ان يخصصا وقتهما كاملا للقيام بهذا العمل.‏ وهكذا استمرت ترجمة مجلاتنا الى الدانماركية دون ان نخسر اي عدد.‏ ولا يزال الزوجان لارسن في بيت ايل في الدانمارك،‏ وقد اصبح يورن منسِّق لجنة الفرع.‏

كانت زيارات الاخ نور المنتظمة مصدرَ تشجيع حقيقي في تلك السنوات الاولى.‏ فقد كان يصرف الوقت في الجلوس والتحدث الينا،‏ راويًا اختبارات تمنح البصيرة في كيفية معالجة المشاكل.‏ وخلال احدى زياراته في سنة ١٩٥٥،‏ اتُّخذ قرار بناء فرع جديد يضم منشآت مخصصة للطباعة بحيث نتمكن من انتاج المجلات للدانمارك.‏ فجرى شراء ارض في الضاحية الشمالية لكوپنهاڠن.‏ وفي صيف ١٩٥٧،‏ انتقلنا الى المبنى الجديد.‏ وقد ساعدَنا على تركيب وتشغيل مطبعتنا الجديدة هاري جونسون،‏ الذي وصل حديثا الى الدانمارك مع زوجته كارين بعد تخرُّجهما من الصف الـ‍ ٢٦ لجلعاد.‏

عملنا على تحسين تنظيمنا لعقد محافل كبيرة في الدانمارك.‏ وتبيّن ان الخبرة التي اكتسبتها وأنا اعمل في المحافل في الولايات المتحدة مساعِدة جدا.‏ ففي سنة ١٩٦١،‏ استضاف محفلنا الاممي الضخم في كوپنهاڠن مندوبين من اكثر من ٣٠ بلدا.‏ وبلغت ذروة الحضور ٣٣٬٥١٣.‏ وفي سنة ١٩٦٩،‏ عُقد ما تبيّن لاحقا انه اكبر محفل في البلدان الإسكنديناڤية،‏ اذ بلغت ذروة الحضور ٤٢٬٠٧٣.‏

سنة ١٩٦٣،‏ دُعيت الى حضور الصف الـ‍ ٣٨ لجلعاد.‏ فدرسنا مقرَّرا معدَّلا مدته عشرة اشهر صُمِّم خصوصا لتدريب المسؤولين في الفروع.‏ لقد فرحت كثيرا بأن اكون مع عائلة بيت ايل في بروكلين مرة اخرى،‏ وأن استفيد من خبرة الذين عملوا سنوات كثيرة في الاهتمام بالعمل في المركز الرئيسي.‏

بعد انتهاء مدرسة جلعاد،‏ عدت الى الدانمارك لمتابعة الاهتمام بالمسؤوليات هناك.‏ فضلا عن ذلك،‏ حظيت بامتياز الخدمة كناظر اقليم.‏ فزرت فروعا في اوروپا الغربية والشمالية لأمنح المستخدَمين فيها التشجيع ولأساعدهم على انجاز مسؤولياتهم.‏ ومؤخرا خدمت ايضا كناظر اقليم في افريقيا الغربية والجزر الكاريبية.‏

في اواخر سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بدأ الاخوة في الدانمارك بالبحث عن موقع لبناء فرع اكبر بسبب ازدياد عمل الترجمة والطباعة.‏ فعثروا على قطعة ارض جيدة تقع نحو ٦٠ كيلومترا غربي كوپنهاڠن.‏ وعملتُ مع آخرين في تخطيط وتصميم هذا الفرع الجديد،‏ وكنا انا وجولي نتطلَّع بشوق الى السكن مع عائلة بيت ايل في مسكنها الجديد الجميل.‏ لكنّ هذا لم يحدث.‏

العودة الى بروكلين

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٠،‏ دُعينا انا وجولي الى الخدمة في بيت ايل في بروكلين.‏ فوصلنا الى هناك في اوائل كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨١.‏ كنا آنذاك في اواخر خمسيناتنا.‏ ولم يكن سهلا علينا ان نعود الى الولايات المتحدة،‏ بعد ان خدمنا نصف حياتنا تقريبا مع اخوتنا وأخواتنا في الدانمارك.‏ لكننا لم نفكر في ما نفضّله بل حاولنا ان نركز على تعييننا الحالي والتحدّيات التي يمكن ان نواجهها.‏

وصلنا الى بروكلين ومكثنا هناك.‏ عُيِّنت جولي في مكتب المحاسبة،‏ وقامت بعمل شبيه بعملها في الدانمارك.‏ اما انا فعُيِّنتُ في قسم الكتابة لأساعد في وضع برنامج لمراحل انتاج مطبوعاتنا.‏ شكَّلت اوائل ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠ مرحلة انتقالية في طريقة عملنا في بروكلين،‏ فقد انتقلنا من استخدام الآلات الكاتبة وتنضيد الحروف المطبعية باستعمال الرصاص الساخن الى استخدام الكمپيوتر وطباعة الأوفست.‏ لم اكن اعرف شيئا عن اجهزة الكمپيوتر،‏ لكن كان لدي اطّلاع على الاجراءات التنظيمية وعلى كيفية العمل مع مجموعة من الاشخاص.‏

بعيد ذلك،‏ نشأت حاجة الى تحسين التنظيم في الدائرة الفنية،‏ اذ انتقلنا الى طباعة الأوفست بالالوان واستعمال الصور والرسوم الملونة.‏ ومع انني لا املك اي خبرة بالرسم،‏ استطعت ان اساعد في التنظيم.‏ لذلك حظيت بامتياز الاشراف على هذا القسم طوال تسع سنوات.‏

سنة ١٩٩٢،‏ عُيِّنت لمساعدة لجنة النشر للهيئة الحاكمة ونُقلت الى مكتب امين الصندوق.‏ ولا ازال اهتم بالمسائل المالية لشهود يهوه حتى الآن.‏

خدمة الله منذ صِباي

منذ صِباي وطوال ٧٠ سنة من الخدمة الامينة،‏ علَّمني يهوه بصبر بواسطة كلمته،‏ الكتاب المقدس،‏ والاخوة الداعمين في هيئته الرائعة.‏ لقد عملت اكثر من ٦٣ سنة في الخدمة كامل الوقت،‏ وأكثر من ٥٥ سنة منها مع زوجتي الولية،‏ جولي.‏ وانا اشعر فعلا ان يهوه باركني بسخاء.‏

قديما في سنة ١٩٤٠،‏ عندما غادرت المنزل للانخراط في خدمة الفتح،‏ سخر ابي بقراري وقال:‏ «يا ابني،‏ عندما تترك البيت لتقوم بهذا العمل،‏ لا تظن انه يمكنك ان تعود اليّ هارِعًا من اجل المساعدة».‏ وطوال كل هذه السنين،‏ لم اضطر الى فعل ذلك.‏ فقد زوّدني يهوه حاجاتي بسخاء،‏ وغالبا من خلال مساعدة الرفقاء المسيحيين.‏ لاحقا،‏ صار ابي يحترم عملنا،‏ حتى انه احرز بعض التقدم في تعلُّم حق الكتاب المقدس قبل ان يموت في سنة ١٩٧٢.‏ اما امي،‏ التي كان لديها رجاء الحياة السماوية،‏ فقد استمرت تخدم يهوه بأمانة حتى مماتها سنة ١٩٨٥ عن عمر ١٠٢ سنة.‏

ومع ان المشاكل تنشأ في الخدمة كامل الوقت،‏ لم نفكر انا وجولي قط في ترك تعييننا.‏ ويهوه دعمنا دائما لنحافظ على هذا التصميم.‏ حتى عندما كبر والداي في السن واحتاجا الى المساعدة،‏ عرضت اختي،‏ ڤيكتوريا مارلين،‏ المساعدة واعتنت بهما بكل طيب خاطر.‏ ونحن نشكرها من كل قلبنا على مساهمتها الحبية التي ساعدتنا على الاستمرار في الخدمة كامل الوقت.‏

لقد دعمتني جولي بولاء في كل تعييناتنا،‏ معتبرةً ذلك جزءا من انتذارها ليهوه.‏ ومع ان عمري الآن ٨٠ سنة وأعاني بعض المشاكل الصحية،‏ اشعر ان يهوه باركني بسخاء.‏ وأنا استمدّ التشجيع من المرنم الملهم،‏ الذي بعدما اعلن ان الله علَّمه منذ صِباه،‏ توسَّل قائلا:‏ ‹ايضا الى الشيخوخة يا الله لا تتركني حتى اخبر بقوتك كل آتٍ›.‏ —‏ مزمور ٧١:‏١٧،‏ ١٨‏.‏

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 12‏ وارِن هو الاخ الاكبر لمِلتون هنشل الذي خدم سنوات كثيرة كعضو في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٠]‏

مع امي سنة ١٩٤٠،‏ عندما بدأت بخدمة الفتح

‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

مع رفيقيّ في خدمة الفتح جو ومارڠريت هارت

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

في يوم زفافنا في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٨

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

سنة ١٩٥٣،‏ مع رفقاء الصف في جلعاد.‏ من اليسار الى اليمين:‏ دون وڤيرجينيا وورد،‏ هيرتْويدا سْتيهينڠا،‏ جولي وأنا

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

مع فردريك و.‏ فرانز و ناثان ه‍.‏ نور في كوپنهاڠن،‏ الدانمارك،‏ سنة ١٩٦١

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

مع جولي اليوم