الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

القناعة التقوية دعمتني

القناعة التقوية دعمتني

قصة حياة

القناعة التقوية دعمتني

كما رواها بنجامين إيكيتْشوكو أوسويِكِه

بُعيد انخراطي في الخدمة المسيحية كامل الوقت،‏ قمت بزيارة لمنزل والديّ.‏ حالما رآني ابي،‏ أمسكني بقميصي وراح يصرخ:‏ «ايها السارق!‏».‏ ثم اخذ منجله وبدأ يضربني به من الجانب المسطَّح.‏ وعلى اثر الجلبة،‏ تجمَّع القرويون في بيتنا.‏ فما الذي سرقته؟‏ سأروي قصتي.‏

وُلدت سنة ١٩٣٠ في قرية اوموأريام الواقعة جنوبي شرقي نيجيريا.‏ كنت البكر بين سبعة اولاد،‏ وقد ماتت كبرى اخواتي عن عمر ١٣ سنة.‏ وكان والداي عضوَين في الكنيسة الانڠليكانية.‏ عمل والدي في الزراعة وأمي في التجارة على نطاق صغير.‏ فكانت تسير الى الاسواق التي تبعد عن قريتنا مسافة ٣٠ كيلومترا لشراء تنكة من زيت النخيل،‏ ثم تعود الى المنزل في وقت متأخر من اليوم نفسه.‏ وفي وقت باكر من صباح اليوم التالي،‏ كانت تسير الى بلدة تبعد نحو ٤٠ كيلومترا لتبيع الزيت.‏ وبالارباح التي كانت تجنيها والتي لا تزيد عادة على ١٥ سنتا اميركيا تقريبا،‏ كانت تشتري بعض المواد الغذائية للعائلة وتعود الى المنزل في اليوم نفسه.‏ وقد دام روتينها هذا حوالي ١٥ سنة الى ان ماتت سنة ١٩٥٠.‏

بدأتُ الدراسة في قريتي في مدرسة تديرها الكنيسة الانڠليكانية،‏ ولكن لإكمال المرحلة الابتدائية كان عليَّ ان امكث في نُزُل يبعد عن بيتنا نحو ٣٥ كيلومترا.‏ وبما ان والديّ لم يكن لديهما المال لدفع نفقات دراستي،‏ بدأت ابحث عن عمل.‏ فعملت اولا خادما في منزل حارس للسكة الحديدية في لاڠوس بغربي نيجيريا،‏ ثم في منزل موظف رسمي في كادونا بشمالي نيجيريا.‏ بعد ذلك وجدت عملا في مكتب احد المحامين في مدينة بينين،‏ في الجزء الاوسط من غرب نيجيريا،‏ ولاحقا عملت في منشرة.‏ ومن هناك انتقلت الى الكاميرون سنة ١٩٥٣ لأمكث مع خالي الذي ساعدني على ايجاد عمل في مزرعة للمطاط.‏ وكانت أجرتي الشهرية حوالي تسعة دولارات اميركية.‏ صحيح انني لم اقم إلا بأعمال وضيعة،‏ لكنني كنت قانعا ما دمت احصل على كفايتي من الطعام.‏

فقير معدم يمنحني الغنى

كان احد زملائي في العمل واحدا من شهود يهوه واسمه سيلڤانوس أوكيميري.‏ وكان ينتهز كل فرصة ليخبرني عن المعرفة التي نالها من الكتاب المقدس فيما نجزّ العشب ونضع الغطاء العضوي الواقي حول اشجار المطاط.‏ لكنني اكتفيت بالاصغاء اليه فقط.‏ ومع ذلك،‏ عندما عرف قريبي انني على اتصال بالشهود،‏ فعل كل ما في وسعه ليثنيني.‏ وحذَّرني:‏ «يا بِنْجي،‏ لا تزُر السيد أوكيميري.‏ فهو فقير معدم ويؤمن بيهوه.‏ وكل شخص يعاشره يصير مثله».‏

في اوائل سنة ١٩٥٤،‏ عدت الى منزل والدي لأنني لم اعد استطيع احتمال الاعمال الشاقة في المزرعة.‏ في ذلك الوقت،‏ كانت الكنيسة الانڠليكانية اكثر صرامة بشأن المقاييس الادبية.‏ فترعرعت على بغض الفساد الادبي.‏ لكنّ رياء الذين يتردّدون على الكنيسة اثار اشمئزازي.‏ فقد كانوا يجزمون انهم يتبعون مقاييس الكتاب المقدس،‏ إلا ان نمط حياتهم ناقض ادّعاءاتهم.‏ (‏متى ١٥:‏٨‏)‏ وكثيرا ما كنت اتشاجر مع ابي،‏ مما أدّى الى توتّر شديد في العلاقة بيننا.‏ فغادرت المنزل في احدى الامسيات.‏

انتقلت الى بلدة أوموبا الصغيرة.‏ وهناك التقيت امرأة اعرفها من قريتي تُدعى پريسيلا إيسِيأوتشا،‏ وهي واحدة من شهود يهوه.‏ اعطتني هذه المرأة كراسين هما:‏ ‏«بشارة الملكوت هذه» و بعد هرمجدون —‏ عالم الله الجديد.‏ * فقرأتهما بنهم واقتنعت انني وجدت الحق.‏ ففي كنيستي لم نكن ندرس الكتاب المقدس بل نركّز على التقاليد البشرية.‏ لكنّ مطبوعات الشهود اقتبست دائما من الكتاب المقدس.‏

بعد اقل من شهر،‏ سألت الاخ والاخت إيسِيأوتشا عن موعد ذهابهما الى كنيستهما.‏ وعندما حضرت اجتماع الشهود اول مرة،‏ لم افهم شيئا.‏ فقد كانت مقالة برج المراقبة تتحدَّث عن هجوم ‹جوج الماجوجي› المذكور في سفر حزقيال النبوي.‏ (‏حزقيال ٣٨:‏١،‏ ٢‏)‏ وتخلَّلت الدرس عبارات كثيرة غير مألوفة.‏ لكنّ ترحيب الاخوة الحار اثَّر فيّ كثيرا بحيث قررت ان اعود يوم الاحد من الاسبوع التالي.‏ وفي ذلك الاجتماع،‏ سمعت عن الكرازة.‏ لذلك سألت پريسيلا عن موعد ذهابهما في عمل الكرازة.‏ فرافقتهما يوم الاحد التالي،‏ حاملا كتابا مقدسا صغيرا.‏ ومع انني لم املك حقيبة للكرازة ولا اية مطبوعات للكتاب المقدس،‏ صرت ناشرا للملكوت وقدمت تقريرا بخدمة الحقل في نهاية ذلك الشهر!‏

لم يدرس احد معي الكتاب المقدس،‏ ولكن اثناء زياراتي لعائلة إيسِيأوتشا تعلَّمت لغة الحق ونلت التشجيع من الاسفار المقدسة وحصلت على بعض مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وفي ١١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٤،‏ رمزت الى انتذاري ليهوه بمعمودية الماء في محفل كوري عُقد في مدينة آبا.‏ إلا ان قريبي الذي سكنت معه وعملت عنده لأتعلّم صنعة توقف عن منحي الطعام والتدريب ولم يدفع لي سنتا واحدا لقاء الخدمات التي قدمتها له.‏ لكنني لم احقد عليه بل كنت شاكرا على حيازة علاقة شخصية بالله،‏ الامر الذي منحني التعزية وسلام العقل.‏ وقام الشهود المحليون بمساعدتي،‏ فقدمت لي عائلة إيسِيأوتشا الطعام وأقرضني آخرون المال للبدء بتجارة صغيرة.‏ وفي اواسط سنة ١٩٥٥،‏ اشتريت دراجة مستعملة.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٦،‏ انخرطت في عمل الفتح القانوني.‏ وبعد وقت قصير،‏ سددت جميع ديوني.‏ صحيح ان الارباح التي جنيتها من التجارة لم تكن كبيرة،‏ لكنني تمكنت من اعالة نفسي.‏ فما زوّده يهوه كان كافيا بالنسبة اليّ.‏

‏«سرقة» اخوتي

حالما صرت مستقلا،‏ حصرت اهتمامي في مساعدة اخوتي من الناحية الروحية.‏ ولكن بما ان ابي رفض ان اصير شاهدا بسبب تحامله على الشهود وارتيابه منهم،‏ فكيف تمكنتُ من مساعدة اخوتي على تعلُّم حق الكتاب المقدس؟‏ عرضتُ على ابي ان اعيل اخي الاصغر أرنست،‏ فوافق وسمح له ان يسكن معي.‏ وسرعان ما قبِل أرنست الحق واعتمد سنة ١٩٥٦،‏ مما شدَّد مقاومة ابي.‏ بالرغم من ذلك،‏ صارت اختي وزوجها في الحق.‏ وعندما رتّبتُ ان تقضي اختي الثانية فيليشيا عطلتها المدرسية معي،‏ وافق ابي على مضض.‏ وسرعان ما اعتمدت فيليشيا ايضا كواحدة من شهود يهوه.‏

سنة ١٩٥٩،‏ ذهبت الى منزل والدي لآخذ اختي الثالثة،‏ بيرنيس،‏ كي تسكن مع أرنست.‏ عندئذ هاجمني ابي واتهمني بسرقة اولاده.‏ فهو لم يدرك انهم هم الذين اتخذوا قرارهم ان يخدموا يهوه.‏ وأقسم بأنه لن يدع بيرنيس تذهب معي مطلقا.‏ لكنّ يد يهوه لم تقصر عن مساعدتنا،‏ لأنه في العام التالي قضت بيرنيس عطلتها المدرسية مع أرنست.‏ وكأختَيها قبلت الحق واعتمدت.‏

‏‹تعلُّم السر›‏

في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٧،‏ بدأت بخدمة الفتح الخصوصي،‏ مكرِّسا نحو ١٥٠ ساعة كل شهر لعمل الكرازة.‏ خدمنا انا ورفيقي صنداي إيروبايلاكي في مقاطعة كبيرة في مدينة أكپو نا أوبو،‏ إيتشيه.‏ وفي اول محفل دائري حضرناه فيما كنا هناك،‏ اعتمد ١٣ شخصا من فريقنا.‏ وكم نبتهج الآن عندما نرى ان ٢٠ جماعة تشكَّلت في تلك المنطقة!‏

سنة ١٩٥٨،‏ تعرَّفت بكريستيانا أزْوِيكه،‏ فاتحة قانونية من جماعة آبا إيست.‏ اعجبتني غيرتها،‏ وتزوَّجنا في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ من تلك السنة.‏ وفي اوائل سنة ١٩٥٩،‏ عُيِّنت ناظرا جائلا لأزور وأقوِّي جماعات اخوتنا الروحيين.‏ ومنذ ذلك الحين حتى سنة ١٩٧٢،‏ زرنا انا وزوجتي كل جماعات شعب يهوه تقريبا في شرقي نيجيريا وفي وسط الجزء الغربي منها.‏

كانت الجماعات بعيدة بعضها عن بعض والدراجة وسيلة تنقُّلنا الرئيسية.‏ أما في المدن الكبيرة،‏ فكان اخوتنا يستأجرون لنا سيارة لتُقلَّنا الى الجماعة التالية.‏ احيانا،‏ كانت الغرف التي مكثنا فيها من دون سقف وأرضها من الطين.‏ وكنا ننام على اسرّة من ألياف النخيل.‏ كان لبعض هذه الأسرّة فراش من العشب مغطى بحصيرة،‏ فيما لم يكن للأسرّة الاخرى فراش قط.‏ لم تكن كمية الطعام ونوعيته مشكلة لنا على الاطلاق.‏ فقد تعلَّمنا في الماضي ان نكون قانعين بمجرد الضرورات،‏ لذلك تمتعنا بكل طعام قُدِّم لنا،‏ وقدَّر مضيفونا ذلك.‏ في تلك الايام لم تتوفر الكهرباء في بعض المدن،‏ لذلك حملنا قنديلنا معنا دائما.‏ إلّا اننا قضينا اوقاتا ممتعة كثيرة مع الجماعات بالرغم من الاوضاع الصعبة.‏

في تلك السنوات،‏ ادركنا قيمة نصح الرسول بولس:‏ «ما دام لنا قوت وكسوة،‏ فإننا نقنع بهما».‏ (‏١ تيموثاوس ٦:‏٨‏)‏ فمن الظروف الصعبة التي مرَّ بها الرسول بولس تعلَّم سرًّا ساعده ان يبقى قانعا.‏ وما كان هذا السرّ؟‏ اوضح:‏ «انني اعرف ان اعيش في قلة،‏ وأعرف ان اعيش في سعة.‏ في كل شيء وفي كل ظرف تعلمت سرّ الشبع وكذلك سرّ الجوع،‏ ان اعيش في سعة وكذلك ان اعاني العوز».‏ وقد تعلَّمنا نحن السرّ نفسه.‏ قال بولس ايضا:‏ «إني استطيع كل شيء بذاك الذي يمنحني القوة».‏ (‏فيلبي ٤:‏١٢،‏ ١٣‏)‏ وكم صحّ ذلك في وضعنا!‏ فقد كنا قانعين بما لدينا،‏ قمنا بالنشاطات المسيحية البنّاءة الى اقصى حد،‏ وتمتعنا بسلام العقل.‏

خدمة الجماعات كعائلة

في اواخر سنة ١٩٥٩ وُلد ابننا البكر جويل،‏ وفي سنة ١٩٦٢ وُلد ابننا الثاني سامويل.‏ رغم ذلك،‏ استمررنا انا وكريستيانا في العمل الجائل وزرنا الجماعات مع ولدينا.‏ وفي سنة ١٩٦٧،‏ اندلعت الحرب الاهلية النيجيرية.‏ فأغلقت المدارس ابوابها بسبب الغارات الجوية المتواصلة.‏ وبما ان زوجتي كانت معلِّمة مدرسة قبل ان تنضم اليّ في العمل الجائل،‏ قامت بتدريس ولدينا في البيت اثناء الحرب.‏ فصار سامويل يقرأ ويكتب بعمر ست سنوات.‏ وعندما دخل المدرسة بعد الحرب،‏ تقدَّم رفاقه بصفين.‏

لم ندرك كاملا آنذاك صعوبة تربية الاولاد والبقاء في الوقت نفسه في العمل الجائل.‏ فعُيِّنا للخدمة كفاتحَين خصوصيَّين سنة ١٩٧٢،‏ وكان هذا التعيين مفيدا جدا.‏ فقد أمّن لنا الاستقرار وبذلك تمكّنا من منح الانتباه الكافي لروحيات عائلتنا.‏ فعلَّمنا ولدَينا بعمر مبكر قيمة القناعة.‏ فاعتمد سامويل سنة ١٩٧٣،‏ وانخرط جويل في الفتح القانوني في السنة نفسها.‏ ان ولدينا كليهما متزوجان بامرأتين مسيحيتين رائعتين،‏ وهما الآن يربيان اولادهما في الحق.‏

مأساة النزاع الاهلي

حين اندلعت الحرب الاهلية،‏ كنت اخدم كناظر دائرة برفقة عائلتي في جماعة في أونيتشا.‏ وهذه الحرب رسَّخت اكثر في ذهننا مدى بطل تجميع الامور المادية او الاتكال عليها.‏ فقد رأيت الناس يركضون لإنقاذ حياتهم،‏ متخلِّين عن مقتنياتهم الثمينة في الشوارع.‏

عندما تصاعدت حدة الحرب،‏ جُنِّد كل الذكور الاقوياء البنية.‏ وكثيرون من الاخوة الذين رفضوا التجنيد الالزامي عُذِّبوا.‏ ولم نكن نستطيع التنقل بحرية.‏ كما عمل النقص في الطعام على بثّ الفوضى في البلد.‏ فارتفع سعر نصف كيلو المنيهوت من ٧ سنتات الى ١٤ دولارا اميركيا وسعر كوب الملح من ٨ دولارات اميركية الى ٤٢ دولارا اميركيا.‏ كما اختفى الحليب والزبدة والسكر.‏ ولكي نبقى على قيد الحياة،‏ طحنّا الپپّايا غير الناضجة وخلطناها مع القليل من دقيق المنيهوت.‏ وأكلنا ايضا الجنادب،‏ قشور المنيهوت،‏ اوراق نبتة الخِطمي،‏ نبات الثُّمام الارجواني،‏ وأية اوراق استطعنا العثور عليها.‏ اما اللحم فكان غاليا جدا،‏ لذلك اصطدت العظايات لإطعام الاولاد.‏ وبالرغم من هذا الوضع الرديء،‏ أمدَّنا يهوه دائما بالطعام.‏

لكنّ الامر الاخطر كان فقدان الطعام الروحي الذي سببته الحرب.‏ فمعظم الاخوة فرّوا من منطقة الحرب الى الادغال او الى قرى اخرى،‏ وبالتالي خسروا معظم،‏ إن لم يكن كل،‏ مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ منع الحصار الذي ضربته قوات الحكومة وصولَ مطبوعات جديدة للكتاب المقدس الى منطقة بيافرا.‏ ومع ان معظم الجماعات حاولت عقد الاجتماعات،‏ فإن روحيات الاخوة تأثرت بسبب عدم نيلهم الارشاد من مكتب الفرع.‏

إشباع الجوع الروحي

فعل النظار الجائلون كل ما في وسعهم للمحافظة على برنامج زيارة كل الجماعات.‏ وبما ان اخوة كثيرين هربوا من المدن،‏ بحثتُ عنهم في كل الاماكن.‏ حتى انني في احدى المناسبات تركتُ زوجتي وولديّ في مكان آمن وتنقلت وحدي طوال ستة اسابيع،‏ باحثا عن الاخوة في مختلف القرى والادغال.‏

بينما كنت اخدم جماعة في أوڠْبونكا،‏ سمعت بوجود فريق كبير من الشهود في منطقة إيسوأوتشي في مقاطعة أوكيڠْويه.‏ لذلك طلبت من شخص ان يُبلِغ الاخوة هناك بالاجتماع في مزرعة للأكاجو تقع في قرية أوموأكو.‏ وذهبنا انا وأخ كبير السنّ بدراجتَينا مسافة ١٥ كيلومترا الى المزرعة،‏ فوجدنا نحو ٢٠٠ شاهد مع النساء والاولاد مجتمعين هناك.‏ كما انني تمكنت،‏ بمساعدة اخت فاتحة،‏ من معرفة موقع فريق آخر من الاخوة يبلغ عددهم مئة شاهد تقريبا اتخذوا دغل لومارا ملجأ لهم.‏

كان لورنس أوڠْواڠبو واحدا من الاخوة الشجعان الذين يعيشون في مدينة أوويرّي.‏ فأعلمني بوجود عدد من الشهود في منطقة أوهاجي لا يستطيعون التنقل بحرية لأن الجنود احتلوا المنطقة.‏ فذهبنا كلانا بدراجتَينا الى هناك تحت جنح الليل والتقينا نحو ١٢٠ شاهدا في مبنى يملكه احد الاخوة.‏ وانتهزنا ايضا الفرصة لزيارة بعض الاخوة الآخرين في مخابئهم.‏

وخاطر الاخ آيزيك واڠْوو بحياته ليساعدني على الذهاب الى اخوة مشرَّدين آخرين.‏ فنقلني بزورق عبر نهر أوتاميري لألتقي اكثر من ١٥٠ شاهدا اجتمعوا في قرية إڠْبو-‏إيتشيه.‏ قال احد الاخوة بحماسة:‏ «انه افضل يوم في حياتي!‏ لم اكن اعتقد انني سأرى ناظر دائرة مرة اخرى.‏ والآن،‏ اذا متّ في معمعة هذه الحرب،‏ فسأكون راضيا».‏

كنت في خطر ان أُطلَب الى التجنيد الالزامي،‏ لكنني شعرت دائما بحماية يهوه.‏ فبعد ظهر احد الايام،‏ فيما كنت عائدا الى مكان اقامتي بعد اجتماعي مع نحو ٢٥٠ أخا،‏ اوقفتني عند احد الحواجز وحدة من المغاوير وسألوني:‏ «لماذا لم تلتحق بالجيش؟‏».‏ فأوضحت لهم انني مرسل اكرز بملكوت الله.‏ وأدركت انهم مصمِّمون على اعتقالي.‏ فصلَّيت بصمت صلاة سريعة،‏ وقلت للضابط المسؤول:‏ «من فضلك أطلقني».‏ ولدهشتي اجاب:‏ «هل طلبتَ ان ندعك تذهب؟‏».‏ فأجبت:‏ «اجل،‏ أطلقني».‏ فقال:‏ «انت حر،‏ بإمكانك الذهاب».‏ ولم يقل اي من الجنود كلمة اخرى.‏ —‏ مزمور ٦٥:‏١،‏ ٢‏.‏

القناعة تجلب بركات اخرى

بعد انتهاء الحرب سنة ١٩٧٠،‏ تابعت خدمتي في العمل الدائري.‏ وحظيت بامتياز ان اساهم في اعادة تنظيم الجماعات.‏ ثم خدمنا انا وكريستيانا كفاتحَين خصوصيَّين حتى سنة ١٩٧٦،‏ حين عُيِّنت مرة اخرى ناظر دائرة.‏ ونحو منتصف تلك السنة،‏ عُيِّنت للخدمة في العمل الكوري.‏ وبعد سبع سنوات،‏ دُعينا انا وزوجتي للخدمة في مكتب فرع شهود يهوه في نيجيريا،‏ حيث نسكن الآن.‏ وكم هو مصدر فرح كبير لنا هنا في الفرع ان نرى مرة اخرى اخوة وأخوات التقيناهم في الحرب الاهلية وفي اوقات اخرى لا يزالون يخدمون يهوه بأمانة!‏

خلال السنوات التي مضت،‏ كانت كريستيانا دعما رائعا ورفيقا وليّا لي.‏ وروحها الايجابية وتصميمها،‏ بالرغم من مشاكلها الصحية المتواصلة منذ سنة ١٩٧٨،‏ ساعداني على الاستمرار في خدمتي.‏ لقد اختبرنا صحة كلمات صاحب المزمور:‏ «الرب يعضده وهو على فراش الضعف».‏ —‏ مزمور ٤١:‏٣‏.‏

عندما اتذكر كل سنوات النشاط الثيوقراطي هذه،‏ لا يسعني إلا ان اشكر يهوه على بركاته الرائعة.‏ ويمكنني حقا ان اقول ان كوني قانعا بما يزوده يهوه يجلب لي سعادة كبيرة.‏ والفرح الناتج من رؤية اخوتي وأولادي وعائلاتهم يخدمون يهوه كلهم الى جانبي انا وزوجتي هو بركة لا تُضاهى.‏ لقد باركني يهوه بحياة ذات معنى وغنية بالنشاطات الروحية.‏ فما من رغبة لي لم تتحقق.‏

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 10‏ اصدار شهود يهوه.‏ لا يُطبعان الآن.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٧]‏

ترتيب في حينه ساهم في دعم معشر الاخوة

في اواسط ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ادّى العداء بين الفرق الإثْنِية في شمال نيجيريا وشرقها الى حدوث شغب،‏ ثورات،‏ مخالفات للقانون،‏ وأعمال عنف.‏ وهذه التطورات شكَّلت ضغطا كبيرا على شهود يهوه العازمين ان يبقوا حياديين تماما في هذا النزاع.‏ فقُتل منهم نحو ٢٠ شاهدا،‏ وخسر معظمهم ممتلكاتهم.‏

في ٣٠ ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٧،‏ انفصلت الاقاليم الشرقية في نيجيريا عن حكومة الاتحاد،‏ مشكِّلةً جمهورية بيافرا.‏ فعُبِّئ الجيش الفدرالي،‏ وضُرب حصار تام على بيافرا.‏ وأدّى ذلك الى حرب اهلية عنيفة أُهرق فيها الكثير من الدماء.‏

ان حياد شهود يهوه في منطقة بيافرا جعلهم عرضة للهجوم.‏ وقد نشرت الصحف تعليقات شديدة اللهجة اثارت الرأي العام ضدهم.‏ لكنّ يهوه حرص ان يؤمّن لخدامه الطعام الروحي.‏ كيف؟‏

في اوائل سنة ١٩٦٨،‏ عُيِّن موظف رسمي للعمل في اوروپا وعُيِّن آخر للعمل في مهبط الطائرات في بيافرا.‏ وكانا كلاهما من شهود يهوه.‏ لقد جعلهما عملهما صلة الوصل الوحيدة بين بيافرا والعالم الخارجي.‏ فتطوَّع هذان الشاهدان لجلب الطعام الروحي الى بيافرا،‏ وهي مهمة محفوفة بالمخاطر.‏ كما ساعدا على تزويد اخوتنا المعوزين بمواد الاغاثة.‏ استطاع هذان الاخوان ان يُبقِيا هذا الترتيب كل فترة الحرب التي انتهت سنة ١٩٧٠.‏ قال احدهما لاحقا:‏ «لا يمكن لأية قدرة بشرية ان تُعدّ هذا الترتيب».‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

سنة ١٩٥٦

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

سنة ١٩٦٥،‏ مع ولدَينا جويل وسامويل

‏[الصورة في الصفحة ٢٦]‏

يا لها من بركة ان نخدم يهوه كعائلة!‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٧]‏

اليوم،‏ كريستيانا وأنا نخدم في فرع نيجيريا