الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

حياة غنية وسعيدة مليئة بالتضحيات

حياة غنية وسعيدة مليئة بالتضحيات

قصة حياة

حياة غنية وسعيدة مليئة بالتضحيات

كما رواها ماريان وروزا زوميڠا

يقول المزمور ٥٤:‏٦‏:‏ «طوعا أذبح لك» (‏ترجمة تفسيرية‏)‏.‏ كانت هذه العبارة محور حياة ماريان زوميڠا وزوجته روزا اللذين يعيشان في فرنسا.‏ وقد تحدثا مؤخرا عن بعض الامور البارزة في حياتهما الغنية والطويلة التي قضياها في خدمة يهوه.‏

ماريان:‏ كان والداي مهاجرَين پولنديين ينتميان الى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.‏ ورغم انه لم يُتَح لأبي الذهاب الى المدرسة،‏ فقد تعلّم القراءة والكتابة اثناء تأدية الخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الاولى.‏ كما كان رجلا متديّنا،‏ لكنّ الكنيسة سببت له خيبات الامل في كثير من الاحيان.‏

ثمة حادثة رسخت بشكل خاص في ذاكرة ابي.‏ ففي يوم من ايام الحرب،‏ زار رجل دين الوحدة العسكرية التي ينتمي اليها.‏ لكنه فرّ مذعورا عندما انفجرت قذيفة في مكان مجاور،‏ وراح يضرب حصانه بالصليب لحثه على الركض.‏ فصُدم ابي لأن «ممثلا» عن الله استعمل اداة «مقدسة» لدفع الحصان الى العجلة.‏ رغم الاختبارات المماثلة التي مر بها ابي وأهوال الحرب التي شهدها،‏ لم يضعف ايمانه بالله.‏ وغالبا ما كان ينسب الفضل الى الله في عودته سالما من الحرب.‏

‏«پولندا الصغيرة»‏

في سنة ١٩١١،‏ تزوج ابي فتاة من قرية مجاورة اسمها آنّا تسيسوڤسكي.‏ وفي سنة ١٩١٩،‏ بُعَيد انتهاء الحرب،‏ هاجرا من پولندا الى فرنسا حيث وجد ابي عملا في منجم للفحم.‏ وقد وُلِدتُ في كانياك ليه مين الواقعة جنوب غرب فرنسا في آذار (‏مارس)‏ ١٩٢٦.‏ بعد ذلك،‏ استقر والداي بمنطقة يسكنها الپولنديون في لوسان ڠُوال القريبة من لنس في شمال فرنسا.‏ وكان الفرّان واللحّام وكاهن الابرشية جميعا پولنديين.‏ فلا عجب ان دُعيت تلك المنطقة پولندا الصغيرة.‏ لقد انهمك والداي في النشاطات الاجتماعية.‏ وغالبا ما كان ابي ينظِّم عروضا تتضمّن مسرحية،‏ موسيقى،‏ وغناء.‏ كما أجرى بانتظام مناقشات مع الكاهن،‏ ولكنه لم يقتنع عندما كان يجيبه بأن المسألة التي يناقشانها هي سر من اسرار الكنيسة.‏

وذات يوم في سنة ١٩٣٠،‏ دقّت بابنا امرأتان من تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما دُعي شهود يهوه آنذاك.‏ فأعطتا ابي كتابا مقدسا،‏ وهو كتاب كان يرغب في قراءته منذ سنوات.‏ وقرأ ابي وأمي بشغف المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس التي تركتها المرأتان وتأثّرا بها.‏ ورغم حياتهما الناشطة،‏ بدأا يحضران الاجتماعات التي عقدها تلاميذ الكتاب المقدس.‏ فصار النقاش مع الكاهن يحتدم اكثر فأكثر،‏ الى ان هدَّد هذا الاخير بطرد اختي ستيفاني من صفوف التعليم الديني اذا استمر والداي في معاشرة تلاميذ الكتاب المقدس.‏ لكنّ ابي اجاب:‏ «لا تزعج نفسك.‏ من الآن فصاعدا ستحضر ابنتي وأولادي الآخرون اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس معنا».‏ ثم انسحب ابي من الكنيسة واعتمد هو وأمي في اوائل سنة ١٩٣٢.‏ في ذلك الوقت لم يكن في فرنسا سوى ٨٠٠ ناشر للملكوت تقريبا.‏

روزا:‏ كان والداي من هنڠاريا.‏ وقد استقرّا،‏ كعائلة ماريان،‏ في شمال فرنسا للعمل في مناجم الفحم.‏ وُلِدت سنة ١٩٢٥.‏ وفي سنة ١٩٣٧ بدأ احد شهود يهوه،‏ اوڠوست بوڠان او بابا اوڠوست كما دعوناه،‏ يجلب لوالدَيّ برج المراقبة بالهنڠارية.‏ ورغم انهما وجدا هذه المجلات مثيرة للاهتمام،‏ لم يصبح ايٌّ منهما شاهدا ليهوه.‏

مع انني كنت حدثة،‏ تأثرت قلبيا بما قرأته في برج المراقبة.‏ وقد اظهرَت سوزان،‏ كنّة بابا اوڠوست،‏ اهتماما شخصيا بي.‏ فسمح لها والداي بأخذي الى الاجتماعات.‏ ولكن لاحقا،‏ عندما بدأت أعمل،‏ صار ابي ينزعج من حضوري الاجتماعات يوم الاحد.‏ ورغم انه رجل طيب،‏ تذمر قائلا:‏ «انت تتغيبين خلال الاسبوع،‏ ثم تذهبين الى اجتماعاتك يوم الاحد!‏».‏ ومع ذلك،‏ داومت على حضور الاجتماعات.‏ وذات يوم،‏ قال لي ابي:‏ «احزمي امتعتك وارحلي!‏».‏ كان الوقت متأخرا وكنت فقط في الـ‍ ١٧ من العمر،‏ فلم اعرف الى اين اذهب.‏ وانتهى بي المطاف الى منزل سوزان وأنا اذرف دموعا غزيرة.‏ فمكثت عندها حوالي اسبوع،‏ الى ان ارسل ابي اختي لتعيدني الى البيت.‏ ورغم طبعي الخجول،‏ ساعدتني الفكرة المذكورة في ١ يوحنا ٤:‏١٨ على الثبات الى جانب الحق.‏ تقول الآية:‏ «المحبة الكاملة تلقي الخوف خارجا».‏ وقد اعتمدت سنة ١٩٤٢.‏

ميراث روحي ثمين

ماريان:‏ اعتمدت سنة ١٩٤٢ مع اختيّ ستيفاني وميلاني وأخي ستيفان.‏ كانت حياتنا العائلية تتمحور حول كلمة الله.‏ وكان ابي يقرأ علينا الكتاب المقدس بالپولندية فيما نجلس جميعا حول الطاولة.‏ وغالبا ما أمضينا الامسيات في الاستماع الى الاختبارات التي تمتع بها والدانا في عمل الكرازة بالملكوت.‏ لقد علَّمتنا هذه اللحظات الغنية روحيا ان نحب يهوه ونثق به اكثر فأكثر.‏ وقد استمر ابي في الاعتناء بنا روحيا وماديا رغم انه اضطُر الى ترك عمله بسبب صحته الضعيفة.‏

وإذ اصبح لدى ابي وقت فراغ،‏ بدأ بعقد درس اسبوعي في الكتاب المقدس بالپولندية مع الاحداث في الجماعة.‏ وهكذا تعلّمت قراءة الپولندية.‏ كما شجَّع ابي الاحداث بطرائق اخرى.‏ فذات مرة،‏ عندما زار جماعتنا الاخ ڠوستاڤ سوپفير الذي اشرف آنذاك على عمل شهود يهوه في فرنسا،‏ نظّم ابي جوقة مرنِّمين وأعد مسرحية من الكتاب المقدس بالزي القديم عن وليمة الملك بيلشاصر والكتابة على الحائط.‏ (‏دانيال ٥:‏١-‏٣١‏)‏ فلعب لويس بييشوتا،‏ الذي وقف لاحقا بثبات في وجه النازيين،‏ دور دانيال.‏ * في هذا الجو الروحي نشأت أنا وإخوتي.‏ وكنا نلاحظ ان والدَينا منشغلان على الدوام بالامور الروحية.‏ واليوم،‏ انا أُدرك كم ثمين هو الميراث الذي تركاه لنا.‏

عند اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩،‏ كان النشاط الكرازي لشهود يهوه محظورا في فرنسا.‏ وفي احدى المناسبات،‏ خضعت قريتنا للتفتيش.‏ فأحاط الجنود الالمان بجميع البيوت.‏ كان ابي قد صنع ارضية زائفة في خزانة للثياب،‏ فخبأنا تحتها مطبوعات الكتاب المقدس.‏ لكنّ عدة نُسَخ من كراس الفاشية أم الحرية كانت موضوعة في احد الجوارير في غرفة الطعام.‏ فأخفاها ابي بسرعة في جيب سترة معلَّقة في الممر.‏ دخل بيتنا جنديان وشرطي فرنسي وبدأوا عملية التفتيش.‏ وفيما راحوا يبحثون في ارجاء البيت،‏ كنا نترقب بخوف ما سيحدث.‏ ثم توجّه احد الجنديَّين الى الممر وأخذ يفتش الملابس المعلَّقة هناك.‏ وبعد وقت قصير دخل المطبخ،‏ حيث كنا،‏ ممسكا بيده الكراريس.‏ ثم حدَّق الينا،‏ وضع الكراريس على الطاولة،‏ وتابع التفتيش في مكان آخر.‏ فأخذتُ الكراريس بسرعة وخبأتها في جارور انتهوا من تفتيشه.‏ ولم يطلب الجندي الكراريس قط،‏ كما لو انه نسي امرها!‏

الانخراط في الخدمة كامل الوقت

سنة ١٩٤٨،‏ قررت ان اخدم يهوه كامل الوقت بالانخراط في عمل الفتح.‏ وبعد بضعة ايام،‏ تسلّمت رسالة من مكتب فرع شهود يهوه في فرنسا.‏ فقد عُيِّنت لأخدم كفاتح في جماعة سيدان،‏ قرب بلجيكا.‏ كم سُرّ والداي لرؤيتي اتبنى خدمة يهوه بهذه الطريقة!‏ ومع ذلك،‏ اوضح لي ابي ان خدمة الفتح ليست بالامر السهل.‏ فهي تتطلب جهودا دؤوبة.‏ كما اخبرني انه سيرحِّب بي دائما في منزله وأن بإمكاني الاعتماد عليه اذا واجهت المشاكل.‏ ورغم ان والدَيّ لم يملكا الكثير من المال،‏ اشتريا لي دراجة جديدة.‏ لا ازال احتفظ بالوصل،‏ وعندما انظر اليه تغرورق عيناي بالدموع.‏ مات ابي وأمي سنة ١٩٦١،‏ لكنّي لا ازال اتذكر كلمات ابي الحكيمة؛‏ وقد منحتني التشجيع والتعزية طوال سنوات خدمتي.‏

ضمّت جماعة سيدان اختا مسيحية في الـ‍ ٧٥ من عمرها اسمها ايليز مُوت.‏ وكانت هي ايضا مصدر تشجيع لي.‏ اثناء الصيف،‏ كنت اذهب على دراجتي الى القرى النائية لأكرز فيها.‏ وكانت ايليز توافيني بالقطار.‏ ولكن ذات يوم،‏ أضرَب مهندسو القطار عن العمل،‏ ولم تستطع ايليز العودة الى البيت.‏ والحل الوحيد الذي خطر ببالي هو ان اضعها على دراجتي وآخذها الى بيتها،‏ حلّ غير مريح البتة.‏ وفي اليوم التالي،‏ جلبت معي وسادة وأخذت ايليز من بيتها،‏ فلم تعد تستقل القطار.‏ وبالمال الذي وفّرته كانت تشتري لنا شرابا ساخنا في فترة الغداء.‏ مَن كان يظن ان دراجتي ستُستخدَم كوسيلة للنقل العام؟‏!‏

مسؤوليات اضافية

سنة ١٩٥٠،‏ طُلِب مني ان اخدم كناظر دائرة في فرنسا الشمالية كلها.‏ وبما انني لم اكن قد تجاوزت الـ‍ ٢٣ سنة،‏ شعرت بالخوف.‏ واعتقدت ان مكتب الفرع ارتكب خطأ!‏ كما راودتني اسئلة كثيرة:‏ ‹هل انا مؤهل روحيا وجسديا لأقوم بهذا التعيين؟‏ كيف يمكن ان اتحمل المكوث بأماكن مختلفة كل اسبوع؟‏›.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ أُعاني منذ سنّ السادسة عجزا في العين يُدعى الحول المتباعد،‏ مما يجعل احدى عينَيّ تتجه الى الخارج.‏ لهذا السبب،‏ كنت دائما اشعر بالخجل وأقلق بشأن ردّ فعل الناس.‏ لكنّ ستِفان بيهونيك،‏ احد خرّيجي مدرسة جلعاد الارسالية،‏ منحني الكثير من المساعدة.‏ رُحِّل الاخ بيهونيك من پولندا بسبب نشاطه الكرازي،‏ ثم أعيد تعيينه في فرنسا.‏ فأُعجِبت حقا بشجاعته.‏ وقد كان هذا الاخ يكنّ احتراما عميقا ليهوه ويقدِّر الحق كثيرا.‏ ومع ان البعض اعتقدوا انه قسا علي،‏ تعلَّمت الكثير منه.‏ وساعدتني جرأته ان أنمي ثقتي بنفسي.‏

بفضل العمل الدائري،‏ تمتعت باختبارات رائعة في خدمة الحقل.‏ ففي سنة ١٩٥٣ طُلِب مني زيارة شخص يعيش في جنوب باريس يُدعى السيد پاوُلي.‏ وكان هذا السيد قد اشترك في مجلة برج المراقبة.‏ فالتقينا وعلمت انه تقاعد عن عمله في الجيش وأنه يجد برج المراقبة رائعة.‏ وقد اخبرني انه بعدما قرأ مقالة تتناول ذكرى موت المسيح في عدد صدر مؤخرا،‏ احتفل بالذِّكرى وحده وأمضى باقي امسيته في قراءة المزامير.‏ استغرقت مناقشتنا جزءا كبيرا من بعد الظهر.‏ وقبل ان أغادر،‏ تحدثنا بإيجاز عن المعمودية.‏ ثم ارسلت له لاحقا دعوة الى حضور محفلنا الدائري الذي كان سيُعقَد في اوائل سنة ١٩٥٤.‏ فلبَّى الدعوة وكان بين الـ‍ ٢٦ شخصا الذين اعتمدوا في ذلك المحفل.‏ لا تزال اختبارات كهذه مصدر فرح لي.‏

روزا:‏ في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٨،‏ انخرطت في خدمة الفتح.‏ وبعدما خدمت في أنُور قرب بلجيكا،‏ عُيِّنت مع فاتحة اخرى اسمها إيرين كولنسكي (‏الآن لوروا)‏ لنخدم في باريس.‏ فسكنّا في غرفة صغيرة في سان جرمان دي پريه في قلب المدينة.‏ ولأنني فتاة ريفية،‏ كنت ارهب الباريسيين.‏ فقد تصوَّرتهم جميعا اشخاصا متمدنين وشديدي الذكاء.‏ ولكن عندما كرزت لهم،‏ سرعان ما أدركت انهم كباقي الناس.‏ وكان من الصعب الابتداء بدروس في الكتاب المقدس لأن بوَّابي المباني كانوا يطردوننا في كثير من الاحيان.‏ ورغم ذلك،‏ قَبِل بعض الناس رسالتنا.‏

اثناء محفل دائري انعقد سنة ١٩٥١،‏ أُجريت مقابلة معنا انا وإيرين حول خدمة الفتح.‏ واحزر مَن اجرى المقابلة؟‏ ناظر دائرة شاب اسمه ماريان زوميڠا.‏ كنا قد التقينا مرة في السابق.‏ ولكن بعد المحفل،‏ بدأنا نتراسل.‏ لقد كان لدينا الكثير من الامور المشتركة،‏ بما فيها معموديتنا في السنة نفسها وانخراطنا في خدمة الفتح في السنة نفسها.‏ والاهم من ذلك هو رغبتنا المشتركة في الاستمرار في الخدمة كامل الوقت.‏ وهكذا،‏ بعد درس المسألة بروح الصلاة،‏ تزوّجنا في ٣١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٦.‏ بهذه الخطوة بدأتُ حياة جديدة كليا.‏ فلم يكن عليّ ان اعتاد على دوري كزوجة فحسب،‏ بل ايضا على مرافقة ماريان في عمله الدائري،‏ مما يعني النوم في سرير مختلف كل اسبوع.‏ في البداية كان ذلك صعبا جدا عليّ،‏ لكنّ افراحا عظيمة كانت بانتظارنا.‏

حياة غنية

ماريان:‏ على مر السنين،‏ حصلنا على امتياز المساعدة في الترتيب لعدة محافل.‏ وأتذكر بإعزاز محفلا انعقد في بوردو سنة ١٩٦٦.‏ كان نشاط شهود يهوه محظورا في الپرتغال آنذاك.‏ لذلك قُدِّم برنامج المحفل بالپرتغالية ايضا لفائدة الشهود الذين تمكّنوا من المجيء الى فرنسا.‏ فمئات الاخوة والاخوات المسيحيون وصلوا من الپرتغال،‏ الامر الذي انشأ مشكلة تأمين المنامة لهم.‏ وبما ان بيوت الاخوة في بوردو لم تسعهم جميعا،‏ استأجرنا دار سينما غير مستعملة ليمكث فيها الاخوة.‏ فنزعنا جميع المقاعد واستخدمنا ستارة من المسرح لتحويل الدار الى غرفتَي نوم،‏ واحدة للاخوة والأخرى للاخوات.‏ كما ركّبنا أدشاشا ومغاسل،‏ ووضعنا قشا على الارضية الاسمنتية،‏ ثم غطّيناها بشراشف سميكة.‏ فسُرّ الجميع بهذا الترتيب.‏

بعد انتهاء فترات المحفل،‏ كنا نزور اخوتنا وأخواتنا في دار السينما.‏ لقد كان الجو رائعا.‏ وكم تشجعنا بسماع الاختبارات التي تمتعوا بها رغم المقاومة التي احتملوها طوال سنوات!‏ لقد اغرورقت عيوننا بالدموع عندما غادروا المكان في نهاية المحفل.‏

في سنة ١٩٦٤،‏ اي قبل سنتين من ذلك المحفل،‏ نلت امتيازا آخر اذ طُلِب مني ان اخدم كناظر كورة.‏ فتساءلت مجددا هل انا مؤهل للقيام بهذه المهمة.‏ لكنني قلت لنفسي:‏ ‹بما ان الاخوة المسؤولين عن اعطاء التعيينات يطلبون مني قبول التعيين،‏ فهذا يعني انهم مقتنعون بأنني اهل للقيام به›.‏ كانت خدمتي بشكل لصيق مع النظار الجائلين الآخرين اختبارا رائعا.‏ فقد تعلّمت الكثير منهم.‏ فالعديدون بينهم هم امثلة حقيقية للصبر والمثابرة،‏ صفتان مهمتان جدا في نظر يهوه.‏ كما أدركت انه اذا تعلّمنا الانتظار،‏ فلن يغفل يهوه عنا.‏

في سنة ١٩٨٢،‏ فوجئنا عندما طلب منا ايضا مكتب الفرع الاهتمام بفريق صغير من ١٢ ناشرا پولنديا في بولونْي بييانكور بضواحي باريس.‏ فقد كنت اعرف التعابير الثيوقراطية بالپولندية لكنني أستصعب تركيب الجمل.‏ غير ان اللطف والتعاون الطوعي اللذين اظهرهما هؤلاء الاخوة ساعداني كثيرا.‏ واليوم،‏ هنالك حوالي ١٧٠ ناشرا في تلك الجماعة،‏ بينهم ٦٠ فاتحا تقريبا.‏ وفي وقت لاحق،‏ زرنا ايضا انا وروزا فرقا وجماعات پولندية في المانيا،‏ الدانمارك،‏ والنمسا.‏

ظروفنا تتغير

كنا نقدِّر كثيرا زيارة شتى الجماعات،‏ لكنّ تدهور صحتي اضطرنا الى التوقف عن خدمتنا الجائلة سنة ٢٠٠١.‏ فسكنّا في شقة ببلدة پيتيڤييه،‏ حيث تعيش اختي رُوت.‏ وقد أظهر مكتب الفرع لنا اللطف بتعييننا فاتحَين خصوصيَّين وخفْضِ مطلب الساعات ليتوافق مع ظروفنا.‏

روزا:‏ كانت السنة الاولى بعد توقفنا عن العمل الدائري صعبة جدا عليّ.‏ فقد كان التغيير جذريا،‏ وشعرت بأنني عديمة النفع.‏ لكنني ذكّرت نفسي:‏ ‹ما زال بإمكانك استخدام وقتك وقوتك المتبقية بشكل فعال في خدمة الفتح›.‏ واليوم،‏ يسرّني ان اعمل الى جانب الفاتحين الآخرين في جماعتنا.‏

يهوه يعتني بنا دائما

ماريان:‏ اشكر يهوه كثيرا على ان روزا كانت رفيقتي طوال الـ‍ ٤٨ سنة الماضية.‏ فقد دعمتني الى حد بعيد خلال كل السنوات التي قضيناها في العمل الجائل.‏ ولم اسمعها مرة تقول:‏ ‹اتمنى لو نستقر ويكون لنا بيتنا الخاص›.‏

روزا:‏ احيانا كان البعض يقولون لي:‏ «حياتكما ليست عادية،‏ فأنتما تعيشان دائما مع الآخرين».‏ ولكن ما هي حقا ‹الحياة العادية›؟‏ غالبا ما نحيط انفسنا بأمور كثيرة يمكن ان تعيق مساعينا الروحية،‏ مع ان كل ما نحتاج اليه حقا هو سرير مريح،‏ طاولة،‏ وبضعة امور اساسية اخرى.‏ صحيح اننا فقراء ماديا لأننا فاتحان،‏ ولكن كان لدينا كل ما يلزم لفعل مشيئة يهوه.‏ وفي احيان اخرى،‏ كان البعض يسألونني:‏ «ماذا ستفعلان عندما تشيخان وأنتما لا تملكان بيتا او تتقاضيان راتبا؟‏».‏ عندئذ أقتبس كلمات المزمور ٣٤:‏١٠‏:‏ «اما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير».‏ فيهوه يعتني بنا دائما.‏

ماريان:‏ هذا صحيح!‏ وفي الواقع،‏ منحنا يهوه اكثر مما هو ضروري.‏ على سبيل المثال،‏ جرى اختياري سنة ١٩٥٨ لتمثيل دائرتنا في المحفل الاممي في نيويورك.‏ ولم نكن نملك المال لشراء تذكرة سفر لروزا.‏ ولكن في احدى الامسيات،‏ اعطانا اخ ظرفا كُتب عليه:‏ «نيويورك».‏ وبالهبة التي تضمنها الظرف تمكنت روزا من مرافقتي!‏

لم نندم انا وروزا مطلقا اننا قضينا كل هذه السنوات في خدمة يهوه.‏ فنحن لم نخسر شيئا،‏ بل ربحنا الكثير:‏ حياة غنية وسعيدة قضيناها في الخدمة كامل الوقت.‏ ان يهوه اله رائع،‏ وقد تعلّمنا ان نثق به كاملا،‏ فعمقت محبتنا له.‏ ان بعض اخوتنا المسيحيين يدفعون حياتهم ثمنا لأمانتهم.‏ ولكن برأيي يمكن ان يبذل المرء حياته كل يوم على مر السنين.‏ وهذا ما نجاهد انا وروزا لفعله حتى الآن،‏ وما نصمِّم ان نفعله في المستقبل.‏

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 14‏ نُشِرت قصة حياة لويس بييشوتا،‏ «اجتزت ‹مسيرة الموت›»،‏ في برج المراقبة سنة ١٩٨١.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٠]‏

فرنسوا وآنّا زوميڠا وأولادهما ستيفاني،‏ ستيفان،‏ ميلاني،‏ وماريان نحو سنة ١٩٣٠.‏ ماريان واقف على طاولة صغيرة

‏[الصورة في الصفحة ٢٢]‏

في الاعلى:‏ عرض مطبوعات الكتاب المقدس على طاولة في سوق في أرمانتْيير،‏ شمال فرنسا،‏ سنة ١٩٥٠

‏[الصورة في الصفحة ٢٢]‏

الى اليمين:‏ ستِفان بيهونيك مع ماريان سنة ١٩٥٠

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

ماريان وروزا في اليوم الذي سبق زفافهما

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

روزا (‏اقصى اليسار)‏ مع رفيقتها الفاتحة إيرين (‏الرابعة من اليسار)‏ تعلنان عن المحفل سنة ١٩٥١

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

كانت الدراجة وسيلة النقل الرئيسية التي استخدمناها اثناء الزيارات الدائرية