الارامل — إلامَ يحتاجون؟ وكيف يمكنك مساعدتهم؟
الارامل — إلامَ يحتاجون؟ وكيف يمكنك مساعدتهم؟
تدخل جانّ مطبخ شقتها الصغيرة لتتناول لقمة تسند بها قلبها. وعلى ضوء خافت تعدّ المائدة بشكل آلي. فجأة، تشخص عيناها الى الصحنين امامها . . . وتفيض الدموع على خدّيها. فبحكم العادة، حضَّرت المائدة لشخصين، مع ان الموت غيَّب زوجها الحبيب قبل سنتين.
من المستحيل ان يدرك الذين لم يفقدوا رفيق زواجهم شدة الالم الناجم عن هذا المُصاب. وفي الحقيقة، لا يتقبل العقل البشري هذا الواقع المرير إلا تدريجيا. على سبيل المثال، لم تستطع بِريل تقبُّل موت زوجها المفاجئ. تقول: «بدا لي ان ما حدث مجرد وهم. فلم اصدق اني لن اراه يدخل بيتنا مجددا».
فكما ان الذين يخضعون لعملية بُتِر فيها احد اطرافهم يشعرون احيانا بالعضو المبتور وكأنه لم يُفقد، يخيَّل للمفجوع احيانا انه يرى رفيق عمره بين حشد من الناس، او يجد نفسه يتحدث معه عفويا رغم غيابه.
في الغالب، يجهل الاصدقاء وأفراد العائلة كيف يتصرفون ازاء هذه المعاناة. فهل تعرف شخصا فصل الموت بينه وبين رفيق زواجه؟ ماذا تستطيع ان تفعل لتمدّه بالدعم؟ ما الامور التي عليك معرفتها بغية مساندته اثناء تفجعه؟ وكيف يمكنك مساعدته كي يستعيد تدريجيا لذة العيش؟
ما يلزم ان تتجنبه
قد يغتم الاصدقاء وأفراد العائلة جراء العذاب الذي يقاسيه المفجوع العزيز على قلبهم، فيحاولون بنية حسنة ان يحدّوا من فترة تفجعه. ولكن، كتب باحث اجرى استطلاعا شمل ٧٠٠ ارمل وأرملة: «ليس هنالك فترة زمنية تكوين ٣٧:٣٤، ٣٥؛ ايوب ١٠:١.
محددة للتفجع». لذا، عوض ان تحاول ايقاف سيل دموع عزيزك المحزون، دعه يأخذ وقتا كافيا للتعبير عن اساه. —وفي حين يكون ملائما ان تقدِّم المساعدة عند اتخاذ الاجراءات الشكلية المتعلقة بترتيبات المأتم، لا تظن انه عليك تولي زمام الامور كاملا. يقول پول، ارمل عمره ٤٩ سنة: «كان لطفا من الذين قدّموا لي بإخلاص مساعدة عملية انهم اتاحوا لي ايضا اتخاذ القرارات المهمة ذات العلاقة. فقد عنى لي كثيرا ان يجري كل شيء على خير ما يرام في مأتم زوجتي، اذ شعرت ان ذلك آخر ما يمكنني فعله اكراما لها».
إلا ان تقديم شيء من المساعدة في ظرف كهذا يكون مرحبا به دون شك. تذكر ارملة اسمها آيلين تبلغ من العمر ٦٨ سنة: «صعب علي اعداد الترتيبات للمأتم والاهتمام بأمر المستندات والمعاملات الضرورية، لأن ذهني لم يكن صافيا. لكن ابني وكنتي كانا عونا كبيرا لي».
ايضا، لا تخشَ ان تتحدث عن الفقيد الغالي. تقول بِريل الآنفة الذكر: «صحيح ان اصدقائي منحوني دعما كبيرا، لكن كثيرين منهم تفادوا التحدث عن زوجي جون، وكأنه لم يأتِ الى الوجود قط. فآلمني ذلك بعض الشيء». بمرور الوقت، قد يرغب الارامل في التكلم عن رفيق زواجهم بلا تحفظ. فهل تذكر مبادرة لطيفة قام بها الفقيد او قصة طريفة عنه؟ اسأل المحزون إن كان يرغب في معرفتها، ولا تدع الخوف يحول دون ذلك. تكلم ايضا عن المزايا التي تقدِّرها في الراحل او ما تفتقده لغيابه اذا وجدت ان حديثك مرحب به. فهذا قد يُشعِر المتفجع ان الآخرين يشاطرونه احزانه. — روما ١٢:١٥.
وعند منحه الدعم، تجنب ان تمطره بوابل من النصائح. ولا تضغط عليه لاتخاذ قرارات سريعة. * بدلا من ذلك، تحلَّ بالتمييز واسأل نفسك: ‹اية خطوات ايجابية يمكنني القيام بها لإعانة صديق او نسيب لي على اجتياز احدى احلك مراحل حياته؟›.
ما يمكنك فعله
من الطبيعي ان يُسَرّ الارامل بنيل مساعدة عملية في الايام التي تلي الوفاة مباشرة. فهل تستطيع ان تحضِّر لهم وجبات من الطعام، تؤمِّن المنامة للاقرباء الذين يأتون لزيارتهم، او تمضي وقتا الى جانبهم؟
لا يغب عن بالك ان الرجال قد يختلفون عن النساء في كيفية مواجهتهم الحزن والوحدة. مثلا، في بعض انحاء العالم، يتزوج اكثر من نصف الرجال ثانية في غضون ١٨ شهرا من موت رفيق زواجهم، وهذا امر من النادر ان يحدث بين النساء. فما سبب هذا الاختلاف؟
يعتقد كثيرون ان الرجال يتزوجون مجددا بغية سد حاجاتهم الجسدية او الجنسية ليس إلا. غير ان ذلك لا يصح دائما. ففي الواقع، يميل الرجل الى ائتمان زوجته فقط على سرائره، الامر الذي قد يُغرقه في وحدة قاتلة عقب موتها. وهذا الميل هو احد الاسباب التي تجعل رجالا كثيرين يلجأون الى التزوج ثانية باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تنتشلهم من وحدتهم، فيجازفون في اقامة علاقة جديدة قبل الاوان. اما الارملة فغالبا ما تكون اكثر اقتدارا على ايجاد الدعم العاطفي، مع ان اصدقاء زوجها ينسون امرها احيانا. وهذا ما قد يجعلها مهيأة اكثر من الرجل لمجابهة ألم الوحدة.
سواء أكان صديقك او قريبك ارملا ام ارملة، ماذا يمكن ان تفعل لتخفف وطأة الوحدة التي تثقل كاهله؟ تقول هيلِن، ارملة بالغة من العمر ٤٩ سنة: «لدى كثيرين نوايا حسنة، لكنهم لا يأخذون المبادرة لمنح المساعدة. وغالبا ما يقولون: ‹إن كان ثمة شيء بإمكاني فعله من اجلك، فلا تترددي في اعلامي›. ولكنني قدَّرت حق التقدير اللواتي قلن لي بكل بساطة: ‹انا ذاهبة للتسوق، فهل تودين مرافقتي؟›». ويوضح پول الذي ماتت زوجته من السرطان لماذا شعر بالامتنان للذين دعوه الى الخروج معهم، قائلا: «في بعض الاحيان، لا تشعر بالرغبة في الاختلاط بالآخرين او التحدث معهم عن وضعك. ولكن بعد امسية تقضيها في صحبتهم تصبح افضل حالا، ولا تعود تشعر بتلك الوحدة الشديدة. فتلمس لمس اليد اهتمام الناس بك، وتهون الامور عليك». *
حين يكون التعاطف موضع تقدير كبير
وجدت هيلِن انها اضحت في امس الحاجة الى الدعم العاطفي عندما عاد معظم اقربائها الى روتينهم اليومي. تقول: «يساندك اصدقاؤك وأفراد عائلتك في البداية، لكنهم سرعان ما يستأنفون حياتهم الطبيعية. اما انت فلا تعود حياتك الى ما كانت عليه». وإذ يعي الاصدقاء الاوفياء هذه الحقيقة، يخصصون الوقت للمحزون ويمنحونه الدعم باستمرار.
ولربما يكون الارامل بغاية الحاجة الى الرفقة في تواريخ معينة، كذكرى الزواج او يوم الوفاة. تقول آيلين الوارد ذكرها اعلاه ان ابنها الراشد يسدّ الفراغ الذي تعانيه يوم ذكرى زواجها. وتوضح: «في هذا التاريخ يدعوني ابني كيڤن الى تمضية اليوم برفقته خارج البيت. فيكون ذلك فرصة مميزة تجمع بين الام وابنها». فلمَ لا تدوِّن في دفتر ملاحظاتك التواريخ التي يمر فيها قريبك او صديقك الارمل بأصعب الفترات؟ ومن ثم، يمكنك ان ترتب لتلازمه انت او آخرون في ايامه العصيبة هذه. — امثال ١٧:١٧.
يجد البعض ان الارامل امثالهم يمكن ان يكونوا هم انفسهم مصدر تعزية. تتحدث آني التي ترملت منذ ثماني سنوات عن الصداقة التي تربطها بأرملة اخرى، قائلة: «ترك ثبات عزمها اثرا بالغا في نفسي، وحضّني على المضي قدما».
نعم، بعد تخطي مراحل التفجع الاولية، يمكن ان يصبح الارامل مصدر تشجيع ومبعث امل للآخرين. فالكتاب المقدس يروي قصة ارملتين دعمت احداهما الاخرى، وهما الشابة راعوث وحماتها نعمي. تصف هذه الرواية المؤثرة كيف ان الاهتمام المتبادل بين هاتين المرأتين ساعدهما للتغلب على الحزن ومواجهة ظرفهما العسير. — راعوث ١:١٥-١٧؛ ٣:١؛ ٤:١٤، ١٥.
للشفاء وقت
بغية التمتع مجددا بحياة حافلة بالنشاط، على الارامل ان يوازنوا بين العيش على ذكرى فقيدهم الحبيب والاهتمام بحاجاتهم الآنية. فقد ذكر الملك سليمان الحكيم: «للبكاء وقت»، لكنه اكد ايضا ان «للشفاء وقت». — جامعة ٣:٣، ٤.
يُظهر پول، الذي سبق ان تحدثنا عنه، كم هو صعب الخروج من دوامة الماضي. يقول: «كنا انا وزوجتي كشجرتين غضتين كبرتا وهما متشابكتين. غير ان احداهما يبست واقتُلعت، فباتت الاخرى مشوهة المنظر. هكذا بتّ انا حين اصبحت وحيدا، وليس بمقدوري ان آلف نمط حياتي الجديد». فبسبب ولاء البعض لرفيقهم الميت، يأبون ان يهجروا ماضيهم. كما يخشى آخرون ان يكون تمتعهم بالحياة بمثابة خيانة لفقيدهم الغالي، فيتقوقعون في البيت او يرفضون الاختلاط بالآخرين. لذلك، ماذا بإمكانك فعله لتساعد الارامل برقة على الشفاء ومتابعة حياتهم بشكل طبيعي؟
قد تكون الخطوة الاولى نحو الحل تشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم. يقول هربرت الذي ترمّل منذ ست سنين: «شعرت بالارتياح حين كان الزائرون يجلسون قربي بهدوء ويصغون الي فيما استرجع ذكرياتي، او اعبِّر عن الخواطر التي تستحوذ على تفكيري. اعلم اني لم اكن دوما بالجليس الانيس، لكني قدّرت كثيرا تعاطفهم معي». وما مس قلب پول في الصميم هو المبادرات المستمرة التي اخذها صديق ناضج للاستفسار عن حالته العاطفية. يقول: «احببت حديثه اللطيف والمخلص، وغالبا ما بحت له بمكنونات صدري». — امثال ١٨:٢٤.
حين يعبِّر المحزون عن احاسيس متضاربة، كالشعور بالندم او الذنب او الغضب، يخطو خطوة مهمة نحو تقبُّل ظروفه الجديدة. فعندما سكب الملك داود قلبه امام يهوه الله، خير صديق يأتمنه على اسراره، استمد القوة ‹ليقوم› ويتقبّل واقعه الاليم، موت ولده. —ورغم انه يصعب على الارامل في البداية ان يعودوا الى روتينهم اليومي، فمن الضروري ان يُقدموا على ذلك مع الوقت. فهل يمكنك ان تشملهم في بعض نشاطاتك اليومية، كالتسوق او القيام بنزهة مسائية؟ او ان تطلب منهم اعانتك في بعض الاعمال؟ انها طريقة اخرى لإخراجهم من عزلتهم. مثلا، لمَ لا تطلبين من صديقتك المترملة ان تعتني بأولادك او تعلِّمك كيف تحضِّرين طبقا لذيذا من الطعام؟ ولمَ لا تسأل صديقك المترمل ان يساهم في بعض التصليحات في منزلك؟ ان طلب امور كهذه لا يدفع الارامل الى القيام بنشاط حيوي فحسب، بل يؤكد لهم ايضا ان لحياتهم مغزى.
ويمكن ان يستعيد المفجوع تدريجيا شغفه بالحياة عندما يعاود الافصاح عن مشاعره امام الآخرين، حتى انه قد يضع امامه اهدافا جديدة. يصح ذلك في حالة يونيت، أم وأرملة تبلغ من العمر ٤٤ سنة. تتذكر: «كانت العودة الى روتيني الطبيعي تحديا كبيرا لي. فقد ارهقتني الاعمال المنزلية، ادارة مواردي المالية، والاعتناء بأولادي الثلاثة». بيد ان يونيت نجحت بمرور الوقت في تنظيم شؤونها وتحسين التواصل مع اولادها. كما تعلمت ان تقبل دعم اصدقائها الاحماء.
«تبقى الحياة هبة ثمينة»
يلزم ان يكون الاصدقاء وأفراد العائلة واقعيين كي يتمكنوا من منح المفجوع مساعدة فعالة. فتقدمه نحو الشفاء والامل المنبعث في نفسه يمكن ان يتأرجحا بين مد وجزر طوال شهور، او حتى سنوات. فتراه تارة ينعم بفترة من السكينة النسبية، وتارة اخرى يكابد نوبات من الكآبة الشديدة. فلا شك ان «ضربة قلبه» ضربة قاسية. — ١ ملوك ٨:٣٨، ٣٩.
في هذه الفترات القاتمة بالذات، قد يحتاج الارامل الى دفعة خفيفة في الاتجاه الصحيح تجنِّبهم الانعزال هربا من الواقع. وبفضل دعم كهذا، يتبع كثيرون منهم منحى جديدا في حياتهم. يقول كلود، ارمل عمره ستون سنة يكرز اليوم كامل الوقت في افريقيا: «حتى وإن انسحق الفؤاد لفقدان شريك العمر، تبقى الحياة هبة ثمينة».
لا ريب ان حياة المرء تتغير متى طوى الثرى رفيق زواجه. مع ذلك، تبقى لديه امور كثيرة يقدِّمها للآخرين فيما يتابع مشوار الحياة. — جامعة ١١:٧، ٨.
[الحاشيتان]
^ الفقرة 11 انظر الاطار «تذكارات غالية على القلب ام عقبات في طريق التعافي؟» في الصفحة ١٢.
^ الفقرة 16 لمزيد من الاقتراحات حول تقديم مساعدة عملية للمفجوعين، انظر الصفحات ٢٠-٢٥ من كراسة عندما يموت شخص تحبونه، اصدار شهود يهوه.
[النبذة في الصفحة ١١]
يخصص الاصدقاء الاوفياء الوقت للمحزون ويمنحونه الدعم باستمرار
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٢]
تذكارات غالية على القلب ام عقبات في طريق التعافي؟
تقول هيلِن التي لم يمضِ على ترمّلها سوى سنوات قليلة: «لقد احتفظت بالكثير من اغراض زوجي الخاصة. وأنا اجد ان الذكريات التي توقظها فيّ اغراضه هذه تصبح احلى فأحلى بمرور الوقت. فبما ان المشاعر يمكن ان تتغير كثيرا مع الايام، لم اشإ التخلص من اي تذكار على الفور».
بالتباين، يقول كلود الذي خسر زوجته منذ اكثر من خمس سنوات: «لا اراه ضروريا ان احيط نفسي بمقتنياتها كي تبقى ذكراها حية في ذهني. وأعتقد ان التخلص من اغراضها الشخصية سهّل علي تقبل الواقع وتخطّي الحزن».
يُظهر هذان الرأيان مدى اختلاف وجهات النظر بشأن ما يجب فعله بمقتنيات الفقيد. لذا، من الحكمة ان يحجم الاصدقاء والاقرباء عن فرض رأيهم في هذه المسألة. — غلاطية ٦:٢، ٥.
[الصورتان في الصفحة ٩]
هل هنالك تواريخ معينة يقدِّر فيها المحزون مساعدتك حق التقدير؟
[الصورة في الصفحة ٩]
لا تنسَ دعوتهم الى الخروج معك
[الصورتان في الصفحة ١٠]
اشمل الارامل في تسلياتك ونشاطاتك اليومية