فرانسوا:‏ انا أتمتع كالعادة بمناقشاتنا من الكتاب المقدس.‏ * وأذكر انك طرحت عليّ في حديثنا الاخير سؤالا عن ملكوت الله.‏ فقد تساءلتَ لمَ يؤمن شهود يهوه ان الملكوت بدأ يحكم عام ١٩١٤.‏

جان:‏ صحيح.‏ كنت اقرأ احدى مطبوعاتكم،‏ وذكرت ان ملكوت الله بدأ يحكم عام ١٩١٤.‏ فأثارت هذه الكلمات فضولي لأنكم تقولون ان جميع معتقداتكم من الكتاب المقدس.‏

فرانسوا:‏ نعم،‏ نحن نعتمد دائما على كلمة الله.‏

جان:‏ لكنَّني قرأت الكتاب المقدس،‏ ولا اذكر اي آية تتحدث عن هذه السنة.‏ حتى انني بحثت عنها في الكتاب المقدس على الانترنت،‏ ولم اجدها في اي مكان.‏

فرانسوا:‏ اسمح لي ان امدحك لسببين.‏ اولا،‏ لأنك قرأت كامل الاسفار المقدسة،‏ فهذا يدل على مدى محبتك لها.‏

جان:‏ انا احب الكتاب المقدس فعلا.‏ فهو كتاب مميَّز.‏

فرانسوا:‏ معك حق.‏ ثانيا،‏ من اللافت انك لجأت اليه محاولا ايجاد الجواب عن سؤالك.‏ فهذا بالضبط ما يشجعنا عليه،‏ ان ‹نبحث عن الفهم›.‏ * وجهدك يستحق المدح.‏

جان:‏ شكرا.‏ ارغب من كل قلبي ان أستمر في التعلُّم.‏ لذا تعمَّقت في الموضوع قليلا،‏ ووجدت بعض المعلومات حول العام ١٩١٤ في الكتاب الذي ندرسه.‏ فقرأتُ عن حلم رآه احد الملوك عن شجرة ضخمة قُطعت ثم كبرت مجددا،‏ او شيء من هذا القبيل.‏

فرانسوا:‏ آه،‏ انت تقصد نبوة دانيال الاصحاح ٤ التي تتحدث عن حلم الملك البابلي نبوخذنصر.‏

جان:‏ نعم،‏ هذه هي.‏ لقد قرأتها عدة مرات.‏ لكني بصراحة لم افهم علاقتها بملكوت الله او بسنة ١٩١٤.‏

فرانسوا:‏ أتعرف يا جان ان دانيال نفسه لم يفهم كاملا النبوات التي أُوحيت اليه؟‏

جان:‏ حقا!‏

فرانسوا:‏ لاحظ كلماته المدوَّنة في دانيال ١٢:‏٨‏:‏ «انا سمعت وما فهمت».‏

جان:‏ لستُ الوحيد اذًا.‏ شكرا لأنك هوَّنت عليّ.‏

فرانسوا:‏ في الحقيقة،‏ لم يفهم دانيال لأن الوقت  لم يكن قد حان بعد في نظر الله ليفهم البشر كاملا هذه النبوات.‏ اما اليوم،‏ فنحن قادرون ان نفهمها فهما افضل.‏

جان:‏ لماذا؟‏

فرانسوا:‏ يوضح العدد التالي السبب.‏ لاحظ ما تقوله دانيال ١٢:‏٩‏:‏ «الكلمات مغلقة ومختومة الى وقت النهاية».‏ اذًا لن تُفهم هذه النبوات الا خلال «وقت النهاية»،‏ اي بعد مرور وقت طويل.‏ وكما سنرى قريبا في درسنا،‏ تدل كل البراهين اننا نعيش في هذه الفترة.‏ *

جان:‏ اشرح لي من فضلك النبوة في دانيال.‏

فرانسوا:‏ ما رأيك ان نتفحَّصها معا؟‏

فرانسوا:‏ بداية،‏ لنراجع باختصار حلم الملك نبوخذنصر،‏ ثم نناقش معناه.‏

جان:‏ حسنا.‏

فرانسوا:‏ رأى نبوخذنصر في الحلم شجرة ضخمة بلغ ارتفاعها الى السماء.‏ ثم سمع رسولا من الله يأمر بقطعها،‏ ويطلب ان يُترَك اصل جذورها في الارض.‏ وبعد مرور «سبعة ازمنة»،‏ كانت هذه الشجرة ستنمو مجددا.‏ * انطبقت النبوة قديما على الملك نبوخذنصر نفسه.‏ فهذا الملك كان بارزا كشجرة يبلغ ارتفاعها السماء.‏ لكنَّه قُطع مدة «سبعة ازمنة».‏ فهل تعرف ماذا حصل له؟‏

جان:‏ كلا.‏

فرانسوا:‏ يخبرنا الكتاب المقدس ان نبوخذنصر فقد عقله على مدى سبع سنوات كما يبدو.‏ وخلال تلك المدة لم يعد قادرا على الحكم.‏ ولكن في نهاية السبعة ازمنة،‏ عاد اليه صوابه واستعاد المُلك.‏ *

جان:‏ حسنا،‏ ولكن ما دخل هذه المعلومات بملكوت الله وسنة ١٩١٤؟‏

فرانسوا:‏ باختصار،‏ هذه النبوة لها اتمامان.‏ في الاتمام الاول،‏ انقطع حكم الملك نبوخذنصر.‏ اما في الثاني،‏ فانقطع حكم الله فترة من الوقت.‏ وهكذا يكون هذا الاتمام مرتبطا بملكوت الله.‏

جان:‏ كيف عرفت ذلك؟‏

فرانسوا:‏ نجد الدليل الاول في النبوة نفسها.‏ فبحسب دانيال ٤:‏١٧‏،‏ أُعطيت النبوة «لكي يعلم الاحياء ان العليّ هو الحاكم في مملكة الناس،‏ فيعطيها لمَن يشاء».‏ هل انتبهت الى عبارة «مملكة الناس»؟‏

جان:‏ نعم.‏ تقول الآية ان «العليّ هو الحاكم في مملكة الناس».‏

فرانسوا:‏ صحيح.‏ ومَن برأيك هو «العليّ»؟‏

جان:‏ لا بد ان المقصود هو الله.‏

فرانسوا:‏ معك حق.‏ وهذا بحد ذاته يكشف لنا ان النبوة لا تنطبق في ايام نبوخذنصر وحده.‏ بل تتعلق ايضا ‹بمملكة الناس›،‏ اي حكم الله على البشر.‏ وهذا الاستنتاج ينسجم مع الدليل الثاني الموجود في سياق الكلام.‏

جان:‏ ماذا تعني؟‏

فرانسوا:‏ يناقش سفر دانيال اجمالا محورا رئيسيا.‏ فهو يشير تكرارا الى تأسيس ملكوت الله تحت حكم يسوع المسيح.‏ لنرجع مثلا اصحاحين الى الوراء ونقرأ سويًّا دانيال ٢:‏٤٤‏.‏

جان:‏ حسنا.‏ تقول:‏ «في ايام هؤلاء الملوك،‏ يقيم  اله السماء مملكة لن تنقرض ابدا.‏ ومُلكها لا يترك لشعب آخر.‏ فتسحق وتفني كل هذه الممالك،‏ وهي تثبت الى الدهر».‏

فرانسوا:‏ شكرا.‏ الا تظن ان هذا العدد يشير الى ملكوت الله؟‏

جان:‏ لا ادري.‏

فرانسوا:‏ لاحظ من فضلك انه يتحدث عن مملكة «تثبت الى الدهر».‏ ويصح هذا الوصف في ملكوت الله وحده.‏ فهل يمكن ان تقال هذه الكلمات في اية حكومة بشرية؟‏

جان:‏ كلا،‏ لا اظن ذلك.‏

فرانسوا:‏ اليك ايضا النبوة في دانيال ٧:‏١٣،‏ ١٤ التي تشير الى ملكوت الله.‏ فهي تخبر عن ملك يأتي في المستقبل،‏ قائلة:‏ «أُعطي سلطانا وسموًّا وملكوتا،‏ لتخدمه جميع الشعوب والامم والالسنة.‏ سلطانه سلطان دهري لا يزول،‏ وملكوته لا ينقرض».‏ فهل تلفت نظرك اي كلمة في هذين العددين؟‏

جان:‏ نعم،‏ انهما يتحدثان عن ملكوت.‏

فرانسوا:‏ صحيح.‏ وهذا الملكوت ليس مملكة عادية.‏ فوفقا لدانيال،‏ ستكون له سلطة على «جميع الشعوب والامم والالسنة».‏ بكلمات اخرى،‏ تحكم هذه المملكة على الارض كلها.‏

جان:‏ معك حق،‏ لم أنتبه الى ذلك.‏

فرانسوا:‏ لاحظ ايضا ما تقوله النبوة:‏ «سلطانه سلطان دهري لا يزول،‏ وملكوته لا ينقرض».‏ الا تشبه هذه الكلمات النبوة في دانيال ٢:‏٤٤‏؟‏

جان:‏ بلى.‏

فرانسوا:‏ لنراجع اذًا المعلومات التي ناقشناها معا.‏ عرفنا ان النبوة في دانيال الاصحاح ٤ أُوحي بها لكي يعرف الناس ان «العليّ هو الحاكم في مملكة الناس»،‏ مما يشير الى اتمام اكبر من الاتمام ايام نبوخذنصر.‏ وبما اننا نقرأ نبوات عديدة في سفر دانيال عن تأسيس ملكوت الله تحت حكم يسوع،‏ أفلا تظن ان النبوة في الاصحاح ٤ مرتبطة بملكوت الله؟‏

جان:‏ بلى،‏ لكني ما زلت لا ارى ارتباطها بسنة ١٩١٤.‏

فرانسوا:‏ لنعد الى الملك نبوخذنصر.‏ فقد رمزت الشجرة اليه في اول اتمام للنبوة.‏ وانقطع حكمه حين قُطعت الشجرة وتُركت سبعة ازمنة،‏ اي حين فقد عقله.‏ بعدئذ انتهت الازمنة السبعة عندما عاد الى صوابه واستأنف الحكم.‏ اما في الاتمام الثاني،‏ فينقطع الحكم الالهي مدة من الوقت،‏ ولكن لأسباب مختلفة.‏

جان:‏ ماذا تقصد؟‏

فرانسوا:‏ يقول الكتاب المقدس ان ملوك اسرائيل القديمة الذين حكموا في اورشليم جلسوا على «عرش يهوه».‏ * بأي معنى؟‏ لقد مثَّلوا الله في حكم شعبه.‏ وبالتالي مثَّل حكمهم الحكم الالهي.‏ ولكن مع الوقت،‏ تمرَّد معظمهم على الله واتَّبع اغلب رعاياهم خطاهم.‏  ونتيجة تمردهم هذا،‏ سمح الله ان يغزوهم البابليون عام ٦٠٧  ق‌م.‏ مذاك،‏ لم يعد هنالك ملوك يمثِّلون يهوه في اورشليم.‏ ومن هذا المنطلق،‏ يمكن القول ان الحكم الالهي انقطع مدة من الوقت.‏ هل كلامي واضح؟‏

جان:‏ نعم.‏

فرانسوا:‏ اذًا وسمت سنة ٦٠٧  ق‌م بداية الازمنة السبعة.‏ وفي نهاية هذه الفترة التي ينقطع فيها الحكم الالهي،‏ يعيِّن الله حاكما جديدا يمثِّله.‏ لكنَّه سيملك في السماء هذه المرة.‏ اذَّاك ستتحقق باقي النبوات التي ناقشناها في دانيال.‏ وهنا ينشأ السؤال:‏ متى تنتهي الازمنة السبعة؟‏ ان الاجابة تدلنا على بداية حكم ملكوت الله.‏

جان:‏ فهمت.‏ ويُفترض ان الازمنة السبعة انتهت عام ١٩١٤.‏

فرانسوا:‏ بالضبط.‏

جان:‏ ولكن ما الدليل؟‏

فرانسوا:‏ بيَّن يسوع خلال خدمته على الارض ان الازمنة السبعة لم تكن قد انتهت بعد.‏ * لا بد اذًا انها تشير الى مدة طويلة جدا.‏ فهي بدأت قبل قرون من مجيئه الى الارض واستمرت حتى بعد صعوده الى السماء.‏ تذكَّر ايضا ان معنى نبوات دانيال لم يكن سيتضح الا خلال «وقت النهاية».‏ * وفي هذا المجال،‏ درس اشخاص صادقون الكتاب المقدس اواخر القرن التاسع عشر وتفحَّصوا هذه النبوة وغيرها.‏ فميَّزوا ان الازمنة السبعة ستنتهي سنة ١٩١٤.‏ اضف الى ذلك ان احداثا عالمية بارزة وقعت مذاك تؤكد ان تلك السنة شكَّلت بداية حكم الملكوت في السماء وبداية الايام الاخيرة او وقت النهاية.‏ ولكن لا بد انك تشعر اننا غطَّينا معلومات كثيرة في حديثنا اليوم.‏

جان:‏ نعم.‏ من الضروري ان اراجع المعلومات التي ناقشناها.‏

فرانسوا:‏ لا تقلق إن لم تتمكَّن من فهمها كاملا.‏ فأنا ايضا احتجت الى بعض الوقت لأفهم هذه النبوات وإتماماتها.‏ ولكن اقله آمل ان مناقشتنا ساعدتك ان ترى ان معتقدات شهود يهوه عن الملكوت مؤسسة على الكتاب المقدس.‏

جان:‏ لا اشك في ذلك.‏ لطالما أثَّر فيّ اعتمادكم عليه.‏

فرانسوا:‏ ومن الواضح انه عزيز عليك انت ايضا.‏ لكنَّنا تحدَّثنا عن موضوع عميق،‏ ولا بد ان تساؤلات تخطر على بالك الآن.‏ فقد اوضحنا مثلا ان السبعة ازمنة متعلقة بملكوت الله وأنها بدأت عام ٦٠٧  ق‌م.‏ ولكن كيف نعرف بالتحديد انها انتهت عام ١٩١٤؟‏ *

جان:‏ هذا صحيح،‏ انه سؤال مهم.‏

فرانسوا:‏ يساعدنا الكتاب المقدس نفسه على تحديد طول الازمنة السبعة.‏ فما رأيك ان نناقش هذا الموضوع في زيارتي التالية؟‏ *

جان:‏ سأكون في انتظارك.‏